array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 137

الثورة الفلسطينية والمنعطفات المصيرية: استمرار القضية بمقياس التاريخ

الثلاثاء، 14 أيار 2019

منذ ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات وكلما تعرضت لأزمة أو لانتكاسة إلا ونسمع بأن القضية الوطنية تمر بمنعطف مصيري وخطير أو بمرحلة فارقة، لدرجة أن البعض نعى الثورة الفلسطينية أو بشَّر بنهايتها أكثر من مرة.

في (أيلول الأسود) 1970م، اندلعت مواجهات مسلحة بين الفدائيين الفلسطينيين وقوات الجيش الأردني ومُنيت قوات الثورة الفلسطينية بهزيمة على يد الجيش الأردني واعتبر البعض أن ما جرى في الأردن يعني نهاية العمل الفدائي ونهاية الثورة الفلسطينية.

أعادت منظمة التحرير لملمة قواتها وانتقلت قواتها إلى لبنان ونسبيًا إلى سوريا، وخلال وجودها في لبنان حققت منظمة التحرير إنجازات سياسية مهمة كالاعتراف بمنظمة التحرير ممثل شرعي ووحيد وقبول عضويتها كمراقب في الأمم المتحدة 1974م، وتثبيت حضورها دبلوماسيًا عبر العالم ،وفي لبنان تم تفعيل وتطوير المؤسسات السياسية والعسكرية للمنظمة وتمتين علاقاتها مع القوى التقدمية والوطنية في لبنان ومع حركات التحرر الوطني عبر العالم ، وعسكريًا أعادت بناء قواتها ومارست نشاطًا عسكريًا فاعلاً في مواجهة إسرائيل انطلاقًا من جنوب لبنان الخ .

إلا أن هذه الإنجازات أقلقت إسرائيل وأطرافًا عربية ولبنانية فكانت الحرب على لبنان ودخول بيروت 1982م، وما تبع ذلك من خروج المقاومة من بيروت ومن طرابلس 1983م، وعندما سئل أبو عمار وهو على ظهر السفينة إلى أين ستذهب قال إلى القدس، ومع ذلك أعلن البعض عن نهاية الثورة الفلسطينية.

من مقر القيادة في تونس أعادت منظمة التحرير ترتيب أوراقها بعيدًا عن نقاط التماس مع فلسطين المحتلة وتبعثُرَ قواتها في العراق واليمن والجزائر وقيود على تواجدها في تونس. كانت مرحلة تونس صعبة على القيادة الفلسطينية فخلالها كانت مضطرة للتعامل مع بيئة عربية ودولية متغيرة حيث تم عقد قمة فاس وبدايات التجاوب العربي مع فكر التسوية السياسية، وزادت الضغوط على القيادة الفلسطينية، ووصل الأمر لمحاولة تجاوز المنظمة في القمم العربية وتم إعادة الحديث عن عودة الوصاية العربية على الشعب الفلسطيني.

لم ينقذ منظمة التحرير إلا الانتفاضة الأولى 1987م، التي أكدت على تمسك الشعب بمنظمة التحرير وبالثوابت الفلسطينية ورفض محاولات الالتفاف على المنظمة وتجاوزها، إلا أن دفقة الإنعاش التي مدتها الانتفاضة للمنظمة لم تستمر طويلاً حيث دهمت حرب الخليج الثانية 1990م، الجميع وأصبح رأس المنظمة مطلوبًا من واشنطن وتل أبيب ومن دول عربية، لاتهامها أنها تدعم صدام حسين، وبدأت مسيرة حصار منظمة التحرير ومحاولات تصفية الثورة الفلسطينية.

لتتجنب المنظمة مخطط تجاوزها وتصفيتها ، تجاوبت مع الضغوط العربية والأمريكية وولجت عملية التسوية السياسية بشكل متدرج، بداية من دورة المجلس الوطني في الجزائر 1988م، حيث تم الانتقال من الشرعية التاريخية للحقوق الفلسطينية إلى الشرعية الدولية وقبول فكرة حل الدولتين بحيث قَبِل الفلسطينيون بدولة على الأراضي المحتلة عام 1967م، إلى أن آل الأمر لاعتراف منظمة التحرير بإسرائيل قبل ان تنسحب هذه الأخيرة من شبر واحد من الأرض ،وتوقيع اتفاقية أوسلو 1993م، بسقف سياسي أقل مما ورد في قرارات المجلس الوطني ، وكان تأسيس السلطة الفلسطينية 1994م .

حاول الرئيس أبو عمار أن يجعل من السلطة نواة للدولة الفلسطينية المنشودة، إلا أن عدة أسباب أحبطت مسعاه وآلت الأمور لاقتحام الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس 2002م، في المقاطعة ثم تسميمه ووفاته 2004م، وأعتقد كثيرون أن القضية الفلسطينية دخلت من جديد في حالة موت سريري وتنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة.

انتخب الشعب الرئيس أبو مازن 2005م، ولكن ما أن تولى مهامه حتى قررت إسرائيل تنفيذ مخطط الفصل الأحادي والخروج من غزة خريف 2005م، وهو مخطط كان قد أعد مسبقًا، وفي السنة الموالية فازت حركة حماس بمشروعها الإسلامي المُعارض لمنظمة التحرير وللمشروع الوطني بالانتخابات التشريعية، وبعد عام حدث الانقلاب وسيطرت حماس على القطاع يوم 14 يونيو 2007م.

كان من الممكن لهذه الأحداث الثلاثة المتعاقبة 2005 ـ 2006 ـ 2007م، والمُخطط لها مسبقًا أن تنهي أيضًا القضية الوطنية لو أن الرئيس أبو مازن تجاوب مع دعوات البعض حتى من داخل حركة فتح بإعلان غزة إقليم متمرد وقطع كل علاقة مع القطاع، إلا أن الرئيس استمر بتقديم ما على السلطة من التزامات تجاه قطاع غزة وأبقى شعرة معاوية مع غزة من خلال الدخول في حوارات مصالحة استمرت من 2009 إلى 2017م، ولكن بدون جدوى.

بالرغم من أن القضية الفلسطينية في غالبية هذه المنعطفات أو الأحداث كانت تمنى بهزائم وانتكاسات سياسية تهدد بدمار ونهاية المشروع الوطني ،إلا أنها كانت تستعيد توازنها نسبيًا ،ليس لأن الفلسطينيين استعادوا التوازن العسكري مع العدو أو أن خصومهم تراجعوا عن مواقفهم العدائية أو أن النخب السياسية راجعت حساباتها وصححت أخطاءها وقوَّمت نهجها وأخذت العبرة مما جرى، بل لعدالة القضية الفلسطينية وقوة الفكرة الوطنية ،أيضًا لأن الشعب الفلسطيني لم ينساق مع مشاريع التسوية ووقف في مواجهة كل من يسعى من الأحزاب للمساومة على الحقوق الثابتة .

الآن وفي ظل ما يُشاع عن صفقة القرن الأمريكية وصفقة الهدنة في غزة وعن تطبيع عربي مع إسرائيل ومحاولة تصفية السلطة في الضفة، فإن كثيرين يتحدثون عن المنعطف المصيري واللحظة الفارقة ويروجون لنهاية القضية الفلسطينية كما كان يحدث في كل المنعطفات السابقة.

بالرغم من خطورة ما يجري اليوم وحتى لو طرح ترامب صفقته بموافقة أطراف عربية وربما فلسطينية فهذا لا يعني نهاية القضية الوطنية، لأنها ليست ورقة مساومة بيد أي حزب من الأحزاب الفلسطينية أو نظام من الأنظمة الإقليمية، وإن كانت الصفقة ستؤسِس لدويلة غزة ففي غزة 2 مليون فلسطيني فقط فيما الفلسطينيون 12 مليون، فما هو مصير 10 مليون آخرين في فلسطين وخارجها؟ وهل الشعب الفلسطيني وخصوصًا فلسطينيو غزة سيقبلون الانسلاخ عن قضيتهم الوطنية؟ .

إن أية اتفاقات أو تفاهمات يتم توقيعها لن يكون مصيرها أفضل من مصير اتفاقات التهدئة السابقة أو مصير اتفاقية أوسلو، ولتأخذ حركة حماس العبرة من تجربة منظمة التحرير، فبالرغم مما قدمته المنظمة من مبادرات حسن النية والرغبة في السلام، إلا أن إسرائيل وواشنطن لم تتجاوبا لأنهما لن تقبلا بحل أقل من تصفية المقاومة والقضية الوطنية كليًا.

فهل حركة حماس مستعدة لتقديم أكثر مما قدمت منظمة التحرير وأن تقبل بما كانت ترفضه المنظمة؟، حتى وإن قَبِلت حركة حماس فالشعب الفلسطيني في الوطن والشتات لن يقبل وسيعود مجددًا كالسابق لينهض كطائر الفينيق من وسط الرماد ويُعلن عن استمرار الثورة والنضال ضد إسرائيل ومن يتساوق معها حتى تحقيق حلمه بالحرية والاستقلال.

مجلة آراء حول الخليج