array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 137

أمن الطاقة.. الاستقرار الإقليمي

الثلاثاء، 14 أيار 2019

شهدت منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج العربي خاصة، توترًا وتصعيدًا إقليميًا غير مسبوق، قابله اهتمام وتأثير دولي منذ منتصف القرن العشرين ثم زادت وتيرته مع بداية الثلث الأخير من القرن المنصرم بعد حرب السويس عام 1956م، ثم جلاء القوات البريطانية من منطقة الخليج مطلع السبعينيات، وإحلال سياسة ملء الفراغ التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة، وتجلى الاهتمام الأمريكي في صدور ما يسمى بمبادئ الرؤساء الأمريكيين منذ مبدأ أيزنهاور في مطلع عام 1957م، ثم مبدأ نيكسون عام 1969م، وبعد ذلك جاء مبدأ كارتر عام 1980م، ما يؤكد أن منطقة الخليج احتلت اهتمامًا كبيرًا في السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحرب الباردة وبعدها لكونها ذات أهمية استراتيجية بموقعها الجغرافي القريب من الاتحاد السوفيتي السابق، إضافة إلى قربها من الصين والهند ودول الاقتصادات الصاعدة في شرق آسيا، ومواجهتها الجغرافية لإيران، وتحكمها في أهم المضايق وإشرافها على الممرات المائية العالمية الحيوية. وكذلك لاحتوائها على مخزون كبير من النفط والغاز وكان للميزة النسبية الأخيرة أهمية كبرى على مجرى السياسة والاقتصاد في العالم منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن.

وارتفعت وتيرة التصعيد في المنطقة مع نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988م) ثم أزمة احتلال الكويت وتحريرها، وبعد ذلك حرب إسقاط نظام صدام حسين وتبعات ذلك من متغيرات إقليمية ودولية، وأخيرًا جاءت أزمات ما يسمى بثورات الربيع العربي، سواء في اليمن، أو سوريا، وليبيا ومؤخرًا ما يحدث في السودان والجزائر.

ويظل التوتر في منطقة الخليج له تأثير خاص لكونه يؤثر على أمن الطاقة واستقرار أسعار النفط في العالم باعتبار المنطقة من أغنى مصادر الطاقة في العالم، ولكون الصراع فيها معقد ومتشابك وله دوافع متعددة تقف في مقدمتها طبيعة الصراع الذي تقوده إيران تجاه دول الخليج، والدول العربية الأخرى، كونه صراعًا قوميًا (فارسيًا) وتلبسه إيران العباءة الإسلامية للزج بالدين في الصراع وتضخيم مخاطر المذهبية الطائفية، ثم جاء التدخل التركي في منطقة الخليج عبر البوابة القطرية، إضافة إلى تواجدها في منطقة البحر الأحمر وإعلانها سياسات ومواقف إعلامية وسياسية مناهضة لدول المنطقة ما يعكس حالة واضحة من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما لا يبتعد صراع النفوذ الدولي عن المنطقة كالتواجد الروسي في سوريا وإفريقيا أو دعم موسكو لطهران، والتواجد الصيني ومن قبله التواجد الأمريكي والأوروبي.

تأثير الصراع الإقليمي والمواقف الدولية والتواجد العسكري الخارجي ينعكس على استقرار أسواق الطاقة باعتبارها السلعة الرئيسية والاستراتيجية لدول المنطقة، حيث يمر عبر مضيق هرمز 40% من حجم تجارة الطاقة إلى العالم، كما يمر عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر حوالي 3.3 مليون برميل نفط يوميًا وحوالي 15% من حجم التجارة العالمية بما تقدر قيمته بحوالي 2.4 تريليون دولار سنويًا، كل ذلك وغيره جعل للمنطقة أهمية استراتيجية قصوى، وزاد من الصرع الإقليمي والدولي. ولتخفيف التوتر في هذه المنطقة الحيوية من العالم، هناك عدة إجراءات يجب اتخاذها وتتجلى فيما يلي:

يجب أن تعي دول مجلس التعاون الخليجي خطورة ما يُحاك وما قد تصل إليه الأمور جراء التوتر الإقليمي، عليها وضع تصور دقيق للتحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة، ومن ثم تحديد أولويات مواجهة هذه التحديات لحصارها والتقليل مما قد يترتب عليها ويتبع ذلك قيام منظومة دول المجلس بالتأسيس للتوازن الاستراتيجي والردع الدفاعي الذاتي من خلال تفعيل الجيش الخليجي المشترك بتطوير قوة درع الجزيرة لأنه سيكون الأداة الفعالة لفرض الاستقرار الإقليمي، مع أهمية إحياء مشاريع الدفاع المشترك وزيادة خريطة الصناعات العسكرية المحلية أو المشتركة خصوصًا مع وجود الرؤى الوطنية 2030 التي تهدف إلى الاهتمام بالصناعات العسكرية وتوطينها، مع زيادة عدد قوات الجيوش الوطنية المدربة والمحترفة والاستفادة من وجود التسليح المتطور لدى دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى الدول الإقليمية خاصة إيران وتركيا أن تلتزم بسياسة حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعلى الدولتين الالتزام بسياسة الاحترام المتبادل والعيش المشترك لجميع دول المنطقة كونهما لن يستطيعا تغيير طبيعة المنطقة، أو تغيير مكونها الديموغرافي أو جغرافيتها السياسية القائمة منذ فجر التاريخ، كما عليهما ترسيخ القناعة بأن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون مطمعًا لدول الجوار الإقليمي ولن تقبل أن تسود شريعة الغاب هذه المنطقة التي شهدت أعرق الحضارات ومهد الديانات السماوية ومنها انطلقت الرسالة الإسلامية لعموم أقطار المعمورة، كما أن دول مجلس التعاون لن تقبل المساومة على أمنها واستقرارها أو الخضوع للابتزاز مهما كلفها الأمر . وعلى الدولتين الإقليميتين أن تقلعا عن سياسة سباق التسلح وجر المنطقة إلى المزيد من التوتر، خاصة أن إيران تحاول جاهدة أن تنضم للنادي النووي العسكري الأمر الذي سوف يخل بالتوازن الإقليمي ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه سواء على مستوى السباق النووي أو الأخطاء والمخاطر النووية خاصة في ظل الأوضاع المضطربة في إيران نفسها والتي سوف تزداد خطورتها بعد إحكام المقاطعة الاقتصادية التي تفرضها العقوبات الاقتصادية التي دخلت مرحلة حاسمة من أول مايو الجاري. كما أن تركيا تتبع سياسة الاختراق والتطويق، حيث تخترق دول المنطقة في العمق كما هو الحال في قطر والسودان وسوريا والعراق، أو عبر التطويق من خلال التواجد المستعر في دول إفريقيا جنوب الصحراء لتشكيل دائرة حول المنطقة العربية.

أما على صعيد القوى الكبرى، فالمطلوب منها عدم تصفية الحسابات على الأراضي العربية، وألا تكرس سياسة الصراع، أو تعيد الحرب الباردة أو الحرب بالوكالة، بل تساعد على غرس أسس الاستقرار ونزع فتيل التوتر بدلاً من الصراع والمواجهة، حتى تتمكن دول المنطقة من محاربة الإرهاب واستكمال خطط التنمية وتحقيق الرفاهية لشعوبها، والحفاظ على استقرار أسعار الطاقة وضمان تدفقها.

مقالات لنفس الكاتب