; logged out
الرئيسية / متطلبات القطاع الخاص الخليجي: تطوير التمويل وتوفير العمالة والجودة والتسويق

العدد 138

متطلبات القطاع الخاص الخليجي: تطوير التمويل وتوفير العمالة والجودة والتسويق

الخميس، 13 حزيران/يونيو 2019

طرأت مؤخرًا تغيرات ملحوظة على المفاهيم التقليدية للتنمية، نظرًا لثورتي العولمة والاتصالات. فلم تعد التنمية مرهونة بالموارد المحلية فقط، فمن خلال العولمة، باستطاعة دول مجلس التعاون الخليجي استغلال الموارد العالمية وتحويلها ببساطة إلى منتج نهائي، فعلى سبيل المثال: يمكنهم استغلال الأموال من أجل مشروع ما من إحدى الدول، واستغلال الأيدي العاملة من دولة أخرى، والمواد من دولة ثالثة، ثم تسليم المشروع النهائي في دولة مختلفة كليًا، وذلك ببساطة عبر "الإدارة الذكية" للموارد. ولقد تم تعزيز العولمة بصورة أساسية من خلال الأعمال التجارية، وعلى وجه الخصوص أنشطة كل من الاستثمار الأجنبي المباشر والشركات متعددة الجنسيات، حيث تتنافس جميع الدول مع بعضها البعض من أجل جذب الحد الأقصى من الاستثمار الأجنبي المباشر. ولقد نما الاستثمار الأجنبي المباشر بصورة ملموسة حول العالم على مدى العقود الثلاثة الماضية، وبفضل العولمة، يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر الاستراتيجية الأنسب لتعزيز القطاع الخاص؛ ويرجع ذلك إلى تنوع القنوات الممكنة للفوائد غير المباشرة التي من شأنها تعزيز الأداء الاقتصادي في القطاع الخاص المحلي، وهي تشمل: المحاكاة، واكتساب المهارة، والتنافسية، وعمليات التصدير. ويمكن أن تتأتى الفوائد غير المباشرة هذه عبر أنواع مختلفة من الروابط التجارية بين الشركات المحلية والشركات متعددة الجنسيات، كالروابط الخلفية مع الموردين، والروابط مع شركاء التكنولوجيا، وكذلك الروابط الأمامية مع العملاء، ومع ذلك، لا تتأتى تلك الفوائد أوتوماتيكيًا، ولا يجب اعتبارها أمرًا مسلمًا به، إذ أن الشركات متعددة الجنسيات لن تقدم ببساطة مصدر تميزها. ويتعين على الاقتصاد المضيف تمهيد الطريق والشروط المسبقة من أجل تحقيق فوائد غير مباشرة ناجحة من شركات الاستثمار الأجنبي غير المباشر وتحويلها إلى الشركات المحلية، من خلال برنامج روابط جيد التصميم وقابل للتنفيذ بالإضافة إلى خطة استثمار. وفي حقيقة الأمر، يحتاج دمج القطاع الخاص مع الاقتصاد العالمي الى قطاع خاص مؤهل ليكون بمثابة محرك النمو والقوة الدافعة لعملية التنمية في المنطقة، ويعد القطاع الخاص محوريًا في كافة الدول التي حققت نموًا بشكل كبير على مدى الفترات البعيدة، ولقد بينت اللجنة بشأن النمو والتنمية بتقريرها عام 2008م، 5 سمات شائعة للدول التي لديها نمو مرتفع الاستدامة، وتتعلق العديد من هذه السمات بالإجراءات التي يتعين على الحكومات اتخاذها، ومن أبرز هذه السمات هو تخصيص السوق للموارد، وهو ما يتولاه القطاع الخاص.

ووفقًا لنفس التقرير، يعتبر القطاع الخاص هو المكون الرئيسي لمصدر الدخل القومي، وصاحب العمل الرئيسي، وموفر الوظائف في معظم الدول، حيث تتواجد أكثر من 90 % من الوظائف في الدول النامية في القطاع الخاص، ولهذا، تعتبر كل من سرعة النمو الوظيفي وجودة التوظيف محوريين بالنسبة للتنمية.

العناصر الحاسمة المشروطة مسبقًا

وتعد القدرة الاستيعابية عاملاً هامًا، إذ أن لديها تأثير على مدى تطور القطاع الخاص. ومع ذلك، فمن المهم التمييز بين القدرة الاستيعابية على مستوى الشركات، وعلى مستوى الدولة. وتتضح القدرة الاستيعابية على المستوى القومي من خلال مؤشرات، مثل: دخل الفرد، والانفتاح التجاري، ومستوى تعليم الأيدي العاملة، ومستوى تطور الأسواق المالية، واستخدام كفاءة التكنولوجيا، والأبحاث والتنمية المحلية. وعلى مستوى الشركات، ترتبط القدرة الاستيعابية بجودة رأس المال البشري، والإدارة، وإبراز دور التعليم، وسياسات التدريب الإداري. ويتمثل العامل المهيمن في معظم الدراسات في مستوى تعليم القوى العاملة، إذ يتم وصفه أيضًا باعتباره "القدرة الاجتماعية"، حيث يمثل مستوى الحد الأدنى من رأس المال البشري وتكوينه. كما تبين المطبوعات خمسة عناصر هامة تتعلق بالقدرة الاستيعابية وهي: رأس المال البشري، والقدرة البحثية والتنموية، والإطار المؤسسي، والسوق المالي، والبيئة السياسية، وحقوق الملكية الفكرية.


وكما هو مبين، فإن القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي لعملية التنمية في الاقتصادات المتقدمة وكذلك في عدد من الاقتصادات الناشئة، ومن ناحية أخرى، في معظم الاقتصادات القائمة على النفط، كدول مجلس التعاون الخليجي، يتأتى الدخل الأساسي بشكل رئيسي للحكومة بوصفها صاحبة الموارد الطبيعية (النفط والغاز)، الأمر الذي ساعد الحكومة على لعب دور اقتصادي بارز كمستثمر، ومورد للخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وفي بعض الأنشطة الانتاجية. وتشير الاحصاءات إلى ضعف أداء القطاع الخاص خلال العقود الأربعة الأخيرة، فعلى الرغم من وجود تطورات ملحوظة في أداء القطاع الخاص، لم تصل هذه الدول بعد إلى المستوى المستهدف، حتى مع الدعم الكبير المقدم من قبل الحكومة عبر فرض القوانين، وتطور البنية التحتية، وتقديم أنواع متعددة من المحفزات والدعم للقطاع الخاص، والالتزام بآليات السوق في تخصيص الموارد، وتشجيع التنافس الحر من أجل التحفيز على الإبداع. وتدرك حكومات مجلس التعاون الخليجي أن سيناريو التنمية التي تقوده الدول والمُستخدم مسبقًا لن يصمد على صعيد النمو طويل المدى، ولن يعالج التحديات، كما أن هناك حاجة ملحة للتحول إلى نموذج جديد لديه دور أكبر بالنسبة للقطاع الخاص. ولقد تم إنجاز الكثير، لكن ما زال هناك الأكثر مما ينبغي إنجازه، من أجل المواءمة بين المحفزات المتعلقة بتحقيق أقصى حد من الأرباح بالقطاع الخاص، والأهداف الاجتماعية المتمثلة في النمو المشترك وخلق الوظائف. وكما تم عرضه في العديد من تقارير البنوك العالمية، يواجه القطاع الخاص في الدول النامية، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي، عدة عراقيل، في كل من المالية، والبنية التحتية، ومهارات الموظفين، ومناخ الاستثمار.

نظرة عامة على اقتصادات مجلس التعاون الخليجي:

اجتذبت اقتصادات منطقة الخليج اهتمامًا متزايدًا على مدى السنوات الأخيرة، ولا سيما مع الارتفاع في أسعار النفط. حيث أصبحت أيضًا تلك الاقتصادات أكثر أهمية باعتبارهم مستثمرين وشركاء تجاريين، يلعبون دورًا حاسمًا في أسواق الطاقة العالمية، وعلاوة على ذلك، فإلى جانب أبرز الدول المصدرة للنفط، أصبحت تلك الاقتصادات جزءًا من النقاش السياسي الدولي بشأن الاختلالات العالمية. وعلى المستوى الدولي، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي بصورة فعالة الاندماج في الاقتصاد العالمي، والقيام بخطوة نحو النظام السوقي، ومع ذلك، تواجه المنطقة العديد من العراقيل، والتي تشمل غياب قطاع خاص ديناميكي وحيوي، وتشترك دول مجلس التعاون الخليجي في عدد من الخصائص الاقتصادية الهيكلية المحددة، ومن بين أبرز الخصائص الشائعة، هو الاعتماد الكبير على الهيدروكربونات كما يتضح من نسبة عائدات النفط والغاز من التصدير ونسبة قطاع الهيدروكربون في إجمالي الناتج المحلي، وكذلك القوى العاملة الوطنية صغيرة العمر ومتسارعة النمو، بالإضافة إلى الاعتماد الهائل على العمالة الوافدة في القطاع الخاص، وأخيرًا الدرجة المنخفضة من الاكتفاء الذاتي من كل المتطلبات تقريبًا فيما عدا الهيدروكربونات. ولدى هذه الدول أيضًا درجة عالية من الانفتاح والإطار الاقتصادي المستقر، الذي يتميز بانخفاض إجمالي التضخم، والنمو المستقر، والعملة المستقرة، ومع ذلك، تشكل أيضًا هذه الخصائص تحديات متعلقة بالسياسة الهيكلية الشائعة لاقتصادات مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما التنوع الاقتصادي والتعليم، الأمر الذي يسفر عنه نقص فرص العمل للمحليين، بينما يخلق طلبًا هائلاً على العمالة الأجنبية ويواصل نفس المستوى من النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أن القطاع الخاص في المنطقة آخذ في النمو والتوسع بشكل ملحوظ، فتجدر الإشارة إلى كون هذا النمو ناجمًا عن عدد من سياسات الدعم الحكومية التي عملت على توفير كل من رأس المال، والطاقة، والبنية التحتية بتكلفة منخفضة وأحيانًا دون تكلفة، ولقد مكنت خدمات المرافق الرخيصة، والتي تشمل الغاز، والكهرباء، والمياه، والقروض، كل من الشركات الخاصة والعامة من تحقيق الأرباح والتوسع على نحو سريع. ومع ذلك، فمن شأن ذلك تقديم محفزات قليلة أو عدم وجودها من الأساس، على صعيد تحسين الانتاجية، والاستثمار في التكنولوجيا، والاشتراك في الأبحاث والتنمية.

ويتسم القطاع الخاص بصورة أساسية في مجلس التعاون الخليجي بالأعمال التجارية المملوكة لأشخاص أو لأسر، وتقديم أجور منخفضة وعمالة منخفضة المهارة، الأمر الذي أسفر عنه تجزئة هذا القطاع إلى مؤسسات صغيرة تفتقر إلى الوسائل المالية والمهارات الضرورية للقيام بالأعمال على نطاق واسع، وفي الواقع، تفضل مؤسسات القطاع الخاص تعيين الوافدين ممن يقبلون بالأجور المنخفضة، ولا يتطلبون المزيد من التدريب، والذين يخضعون للوائح سوق العمل الأكثر مرونة، مقارنة بالقوى العاملة المحلية.

خصائص القطاع الخاص في مجلس التعاون الخليجي:

 

 

 

(الخصائص السلبية)

-          المشاركة المحدودة للقوى العاملة المحلية.

-          التجزؤ في مؤسسات صغيرة.

-          تكلفة الاقتراض الباهظة وصعوبة الحصول على تمويل.

-          القيام بالأعمال على أساس فردي أو عائلي.

-          الاعتماد الهائل على الحكومة.

-          الممارسات الاحتكارية.

-          معوقات مؤسسية ضعيفة ومعوقات إدارية متزايدة.

-          عدم مواءمة بين احتياجات السوق والعمالة المؤهلة.

-          قيادة غير فعالة على صعيد دفع المؤسسات نحو المستقبل وكيفية تناول القضايا الحاسمة.

 

خصائص القطاع الخاص

(الخصائص الإيجابية)

-          الدعم الكبير من جانب الحكومة.

-          التنافس الضئيل.

-          انفتاح الاقتصاد.

-          عدم استغلال السوق بشكل كامل والاحتياجات الكبيرة إلى السلع والخدمات.

-          أعمال جيدة بالبنية التحتية مع بيئة صديقة.

-          إيرادات عالية على الاستثمار.

-          تشجيع الاستثمار الأجنبي.

-          تعزيز الأعمال الحرة.

 

يأتي على رأس الأولويات في كافة الرؤى والخطط التنموية، تطوير قطاع خاص لديه القدرة على ضمان نمط نمو من شأنه خلق فرص عمل منتجة للمواطنين، بل وأن يصبح القطاع الرائد في الاقتصاد القومي. ومع ذلك، وعلى الرغم من العديد من النجاحات، ما تزال تلك الدول غير قادرة على تحقيق هذا الهدف. وسوف يتناول هذا الجزء القليل بخصوص دور ومشاركة القطاع الخاص في المجالات الاقتصادية الرئيسية، ويعقبه التحديات التي تحول دون الأداء العالي.

دور ومشاركة القطاع الخاص تجاه التوظيف وسوق العمل:

هناك العديد من السمات التي يمكن أن توضح هيكل سوق العمل، إلى جانب التحديات في المنطقة، وتشمل: أولاً، القوى العاملة الوطنية صغيرة السن ومتسارعة النمو، والاعتماد الهائل على العمالة الوافدة في القطاع الخاص، حيث يعتبر ما يزيد عن 65% من السكان تحت سن 25 عامًا، وعلاوة على ذلك، يبلغ معدل نمو السكان 3.5% سنويًا. ومن ناحية أخرى، لا تقدم مؤسسات القطاع الخاص إسهامًا كبيرًا في التوظيف القومي، الذي يشكل في المتوسط 20% من إجمالي سوق عمل القطاع الخاص، مقارنة بنسبة 80 % بالنسبة للوافدين.

ثانيًا، السياسات التعليمية وفجوة المهارة الضخمة بين الباحثين عن عمل ومتطلبات السوق، ثالثًا، تفوق حزم الانفاق الحكومية على القطاع الخاص، وما ينتج عن ذلك من اعتماد توظيف المواطنين على الحكومة. ففي معظم دول مجلس التعاون الخليجي، لضمان تحقيق الأمن والاستقرار، تلجأ الحكومات لخلق وظائف في قطاعات الشرطة، والدفاع، والأمن القومي، والخدمات المدنية، ويتوقع المواطنون اليافعون الحصول على وظيفة بالقطاع الحكومي عاجلاً أم آجلاً؛ لأنها تشكل ضمانًا من أجل الحصول على مبالغ طائلة من القروض للسيارات، والزواج، والمنزل. وإجمالاً، لا يشكل هذا السيناريو حافزًا لهم كي يعملون بجد، ويسعون لجودة عالية من التعليم العالي، ويقبلون بالطريق الصعب المتعلق بالعمل في القطاع الخاص.

دور ومشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية:

تشمل الرؤية المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للقطاعات الخاصة ثلاثة أهداف عامة: أولاً، يتعين أن يتميز القطاع الخاص بالكفاءة المتزايدة وبالاندماج مع الاقتصاد الدولي، وثانيًا، يتعين أن يكون القطاع الخاص هو المصدر الرئيسي للنشاط الاقتصادي، وثالثًا، يتعين أن يكون القطاع الخاص هو المصدر الرئيسي للتوظيف بالنسبة للمواطنين.

نموذج النمو القائم على الدولة بمجلس التعاون الخليجي

وعلى الرغم من الأهداف التطلعية والأداء المتطور في السنوات الأخيرة، لم يصل القطاع الخاص بعد إلى المستوى المستهدف، وفي الواقع، لا يقدم القطاع الخاص مشاركة كبيرة في الاقتصاد فيما يتعلق بإضافة القيمة؛ ويرجع ذلك إلى هيمنة القطاع العام على قطاع الهيدروكربون. ولقد تأثر اتجاه نمو إجمالي الناتج المحلي بصورة كبيرة على مدى السنوات، بأسعار النفط الخام في السوق العالمي، وتجلت كذلك آثار أسعار النفط الخام من خلال معدل التضخم، والتوظيف، والاستثمار، والادخار.

دور ومشاركة القطاع الخاص في التنوع الاقتصادي:

تتجسد درجة التنوع الاقتصاديبوجه عامفي التكوين القطاعي “sectoral composition،فإن التكوين القطاعي لمجلس التعاون الخليجي بما يمثله من حصص اسمية في الناتج المحلي الإجمالي قد أظهر نتائج متباينة متأثرة بشكل كبير بالاتجاهات الموجودة في أسعار النفط. وغالباً ما تتسبب أسعار النفط المرتفعة في انحراف حصة الأنشطة البترولية من إجمالي الناتج المحلي، وفي الوقت نفسه تقلل من حصة الأنشطة غير البترولية، والعكس صحيح. ومنذ بداية الاقتصاد الحديث لمجلس التعاون الخليجي، اكتسب تنوع الاقتصاد أولوية في جميع الخطط، حيث ينبغي لخطة التنوع التي تهدف للتصدي لمخاطر نضوب احتياطيات النفط والغاز، التأكيد على تنمية موارد النمو، والصادرات غير المعتمدة على مدخلات الهيدروكربون، أو التي ما زال بوسعها المنافسة دوليًا عندما لا تعود التكاليف المنخفضة للمدخلات المحلية متوفرة، وبالإضافة إلى الاستثمار العام، من المرجح أن تكون عمليات إصلاح السياسة الهيكلية حاسمة في السماح للاستثمار الخاص المحلي والاستثمار الأجنبي بالازدهار، والتطوير الطبيعي للمجالات التي لديها ميزة نسبية. ولهذا، يواجه صناع السياسة تحديات متعلقة بكيفية تحويل هيكل الاقتصاد القومي من أجل الحد من الاعتماد على النفط، إذ يساهم كل من نقص الموارد الطبيعية البديلة الأساسية، ونقص الأيدي العاملة المحلية المؤهلة، في زيادة مثل هذه التحديات. ولقد اتخذت الحكومات خطوات هامة لتطوير القطاع الصناعي، وتعزيز جودة الأيدي العاملة، وزيادة فرص العمل، وتحسين هيكل الدولة، وجعل البيئة التجارية أكثر جذبًا، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، وكما تبين الاحصاءات، فعلى الرغم من أن حصة المواد غير النفطية (القابلة للتداول) آخذة في الازدياد، يظل حجمها طفيفًا نسبيًا مقارنة بحصص كل من النفط، والغاز، والقطاعات الخدمية.

دور ومساهمة القطاع الخاص تجاه تشكيل رأس المال

من الجدير بالذكر أن مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، يحافظ على ارتباط ثابت بالدولار الأمريكي، وبوجه عام، فإن القطاع المالي لديه دورًا استراتيجيًا عبر المنطقة، لكنه لا تتم معالجته استراتيجيًا، حيث يتسم بالتالي:

  • تعد الحكومة هي المدخر والمستثمر الرئيسي، وينعكس ذلك في الحصة النسبية لتكوين رأس المال العام في إجمالي تكوين رأس المال.
  • تعمل العديد من الاقتصادات العامة على مزاحمة الادخار الخاص، مثل: أنظمة الدعم والتقاعد التي تقصي أية محفزات للادخار الخاص.
  • لا توجه مؤسسات مالية للمدخرات بما يتفق مع احتياجات الاستثمار المنتج، وهو ما يعد ضروريًا لتحقيق النمو على المدى الطويل، وخطوط الأعمال التجارية الرئيسية، والقروض الاستهلاكية لقطاع العائلات.
  • الاستثمار الخاص غير مرضٍ، بل يعد هشًا في الواقع، كون المدخرات الوطنية أقل من المدخرات المحلية، نتيجة تحويلات العمالة الوافدة إلى جانب الفوائد والأرباح المدفوعة على الالتزامات الخارجية، فعلى الرغم من تزايد مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار الكلي على مدار السنوات، يظل هو الأدنى بين المناطق النامية.
  • تعد البنوك التجارية من بين أكثر المؤسسات الربحية في المنطقة.
  • لا يتم تصميم كل من الخدمات والسياسات وفقًا لحاجة السوق، نظرًا لعدد البنوك التجارية المحدود، وانعدام المنافسة.
  • تشترك البنوك في الإقراض طويل الأمد بشكل قليل نسبيًا، حيث لا يعد تمويل المشروعات شائعًا في السوق.
  • تعتبر الشرائح المحددة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع المصرفي، منتجات متخصصة بالضرورة للجهاز المصرفي، حيث تكمن أنشطتهم الرئيسية مع قطاع العائلات الذي يتقاضى الرواتب، أو عملاء الشركات المتوسطة إلى الكبيرة.
  • يهيمن الاستثمار العام على الاستثمار الخاص، ولم تسهم الزيادة في المدخرات المحلية بالضرورة في نمو القطاع المالي، بسبب بقاء المدخرات الخاصة منخفضة.
  • يعتبر معدل المدخرات الخاصة الضئيل أمرًا غير معتاد في دولة تتمتع بمستوى دخل مرتفع عندما يكون لدى كل من الدخل والادخار علاقة إيجابية قوية.
  • تتقلص محفزات الادخار على نحو أكبر من جراء الفجوة الكبيرة نسبيًا بين معدل فوائد الإقراض والإيداع.
  • لا تزال شركات التمويل والتأجير هامشية بالنسبة للبنوك.
  • لا تزال قطاعات التأمين ضئيلة مقارنة بالنظام المصرفي في المنطقة.
  • يبلغ استثمار القطاع العام متوسط 75% من الاستثمار الكلي.
  • يعتبر هيكل السياسة النقدية غير ملائم.
  • من الضروري إدراج التوزيع الائتماني الموجود ضمن القطاع النشط، في اللوائح الجديدة للبنوك التجارية فيما يتعلق بالتنمية المستقبلية.

الخاتمة والطريق نحو النمو القائم على القطاع الخاص

توضح المناقشة أعلاه مؤشرات واضحة بشأن مشكلة الأداء المتعلقة بالتنمية والنمو للقطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي، كنتيجة لبعض العوائق الرئيسية، إذ أن جميع الجوانب مترابطة وذات أهمية بالنسبة لنمو القطاع الخاص. ويتطلب فهم المخاوف القائمة ومعالجتها، تنسيقًا متعمقًا بين الركائز الثلاث: الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع، لضمان تحقيق الربح للجانبين. وعلاوة على ذلك، يمثل تطوير القطاع الخاص تحديًا متعدد القطاعات ولن يتحقق هذا التطوير بسهولة؛ بل يجب السعي إلى تحقيقه. ويمكن أن يعزى التقدم البطيء للقطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي إلى العلاقات غير العادية بين الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع، وما لا يقل أهمية كذلك هو عدم وجود المؤسسات الوظيفية القادرة على قيادة عملية تحول القطاع الخاص. وفي الواقع، من الضروري للغاية أن يضع النمو القائم على القطاع الخاص نهاية لتضارب المصالح.

وعليه، فهناك حاجة ملحة لمعالجة العوائق النمطية التي تواجه نمو القطاع الخاص وإدراك ما يحدده هذا النمو. ويشمل ذلك التعامل مع المشاكل الفعلية بكافة قطاعات الإنتاج، بما في ذلك رأس المال والعمالة والمؤسسات، وتعزيز القدرة الاستيعابية. ويجب أيضًا مراعاة ثقافة ممارسة الأعمال التجارية في المنطقة. وفي الواقع، إن مواجهة التحديات المذكورة أعلاه ليست بمهمة سهلة؛ فذلك يتطلب تطوير مؤسسات متعددة تكون مرتبطة بالتمويل، والعمالة، واللوائح، والتجارة، فضلاً عن تراكم الإنتاج، والجودة، والدراية التسويقية، من قبل الشركات والعمال، وتكمن المعضلة في خلق توازن بين هذه العناصر. وفي ضوء النضوب المتوقع لاحتياطيات النفط والغاز، ستحتاج المنطقة إلى تطوير مصادر أخرى للقيمة المضافة من خلال القطاع الخاص.

القطاع المالي: هنالك حاجة إلى زيادة التركيز على القطاع المالي بوصفه ركيزة أساسية للنمو القائم على القطاع الخاص، ويجب أن يكون هناك أكثر من وسيلة لتوجيه الادخار المحلي إلى القطاعات الإنتاجية بدلاً من الاستهلاك، ويأتي على نفس القدر من الأهمية معالجة العوائق المشتركة التي قد تتضمن: الاستفادة من الائتمان وارتفاع تكلفته، وقيد الضمان، وعدم ملاءمة منتجات الإقراض، وعدم توفر القروض طويلة الأجل بأسعار تنافسية وغيرها، من أجل دعم وتشجيع استثمار القطاع والصادرات غير النفطية، ويعتبر كذلك تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة هو العمود الفقري لتطوير قطاع خاص نشط و أكثر فاعلية، وبالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن يساعد فتح بنوك أجنبية جديدة على جذب الاستثمارات الأجنبية.

سوق العمل: إن التحديات في سوق العمل لها أبعاد عديدة. أولا، هناك ترابط ضعيف بين سوق العمل وبرنامج التعليم والتدريب، مما يتسبب في الإعداد الضعيف للوافدين الجدد إلى سوق العمل. ثانيًا، هناك جودة رديئة للتعليم الأساسي، الذي لا ينتج عنه طلاب قادرين على التكيف بشكل جيد مع احتياجات وظيفة معينة. كما أدى توافر العمالة الوافدة منخفضة التكلفة إلى خفض الأجور في العديد من القطاعات إلى ما هو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي قد يقبله المواطنون. ويتعين على الحكومات إيلاء المزيد من الاهتمام للتوازن بين الاستقرار والتكلفة المالية الضخمة، وبين الالتزام طويل الأجل في توظيف الأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل. ومن المهم أيضًا تشجيع الأعمال الحرة وتوجيه المواطنين لاتخاذ مسار العمل الخاص بدلاً من العمل في الحكومة. وفي الوقت نفسه يجب علينا تحقيق توازن بين القواعد التي تفرض توظيف المواطنين من جهة، والسماح بأن يكون القطاع الخاص منافسًا من خلال التصدي للتحديات التي يواجهها التعليم من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، ولتلبية متطلبات سوق العمل، من الضروري إعادة تقييم مؤسسات القوى العاملة الحالية والتشجيع على إنشاء مؤسسة جديدة على قدر كبير من الكفاءة التقنية والإدارية.

القدرة الاستيعابية: تؤكد الإحصاءات المتوفرة والتقارير الرسمية أن هناك نقصًا في القدرة الاستيعابية في المنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بالمؤسسات الضرورية لدفع عجلة النمو القائم على القطاع الخاص، ليس من حيث الكم وحسب بل من حيث الكيف، وأيضًا، تعد كل من المهارات الفنية والإدارية ضرورية لتعزيز عمليات التحول هذه، إلى جانب القدرة التنافسية للقطاع الخاص.  ويتعين تحسين جودة المؤسسة الحالية وإنشاء مؤسسات جديدة لبناء الروابط وفتح المجال أمام المزيد من قصص النجاح، على سبيل المثال: دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة للتعليم والتدريب.

العولمة: مع الإقرار بالسوق المحلية الصغيرة وتصاعد العولمة، أصبح من الضروري التركيز على خلق الاندماج العالمي والإقليمي لتعزيز الإنتاجية والنمو، فبينما يصبح الاقتصاد العالمي أكثر انفتاحًا وأكثر تكاملاً، يصبح النمو المستدام أمرًا ممكنًا، ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة منه بطريقتين: أولاً، عن طريق استيراد الأفكار والتكنولوجيا والمعرفة من بقية دول العالم. ثانيًا، عبر استغلال الطلب العالمي، الذي يوفر سوقًا مرنة وعميقة للبضائع، ويجب أن يضمن التحرر الاقتصادي التنافس العادل والمفتوح في السوق، وبالتالي توفير فرص من أجل تخصيص أكثر كفاءة للموارد، ودعم استثمارات القطاع الخاص والنمو.

مناخ الأعمال والاستثمار: تمر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة إيجابية قد لا تدوم لفترة طويلة. حيث تسمح للاقتصاد بالاستفادة من عوائد الاستثمارات الكبيرة التي تجريها الحكومة في مجالات البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والموانئ والمرافق اللوجستية. ولقد أبرمت كذلك الحكومات في المنطقة العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية، مثل: اتفاقيات منع الازدواج الضريبي وغيرها. وتعد دول مجلس التعاون الخليجي كذلك أعضاءً في عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف، كما أُبرم عدد من الاتفاقيات الثنائية مع بعض المنظمات الدولية والإقليمية وحصلت تلك المنظمات على تصنيف A + من بعض وكالات التصنيف المعترف بها. ويجب الاستفادة من كل ذلك بأفضل شكل لصالح المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بتنمية القطاع الخاص وكذلك الاستثمارات الأجنبية. ولتحقيق ذلك، فمن الضروري أن تكون العلاقة بين اقتصادات مجلس التعاون الخليجي متكاملة، بدلاً من التنافس مع بعضهم البعض. وبعد قول هذا، فإن هناك حاجة إلى التركيز المؤسسي على التنافسية، وفي الوقت الحالي، ينتشر ذلك بين العديد من المؤسسات بالفعل.

الاستثمار الأجنبي المباشر: أشارت العديد من الدراسات إلى أن التأثير الإيجابي للاستثمار الأجنبي المباشر على النمو يتوقف على الظروف المحلية والقدرة الاستيعابية. ومن أجل تحقيق النمو المستدام، فهناك حاجة إلى وجود تفاعلات هامة بين الاستثمار الأجنبي المباشر والقطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن الضروري عند تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر وجود رقابة حريصة من أجل تجنب التأثيرات السلبية على التنمية طويلة الأجل، وكذلك لتجنب الخلل البيئي. ويتعين على المستثمرين الأجانب إدراك أن الاستثمار في أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي سوف يضمن الوصول لكافة دول الخليج. ومن أجل تشجيع الاستثمار الأجنبي على تقديم مساهمات إيجابية لتنمية القطاع الخاص والتنمية الاقتصادية، يمكن اللجوء إلى اتخاذ بعض التدابير الإضافية، حيث هناك أربعة معايير موصى بها بخصوص اختيار المستثمرين الأجانب لدول مجلس التعاون الخليجي: ويتمثل أول معيار في تحقيق الاستغلال المثمر لمواردنا الطبيعية. أما المعيار الثاني، من خلال إضفاء قيمة مضافة على المجتمع المحلي في شكل تنمية لمواردنا البشرية. بينما يتجسد ثالث معيار في تخفيض تكلفة الاستيراد لدينا، ورابع معيار هو إنشاء مورد لعائدات التصدير.

تم اتخاذ العديد من الخطوات لرفع مستوى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وتحسين حياة المواطنين في المنطقة، ولا يزال هناك الكثير من الإجراءات التي يتعين القيام بها من جميع الحكومات والقطاع الخاص. وتلعب الحكومة دورًا حاسمًا في خلق فرص العمل، وتحسين الصحة والتعليم، والحفاظ على البيئة وقيادة حركة التحول نحو أسواق جيدة الأداء، إلى جانب الأعمال التنافسية والمبتكرة، والتي من شأنها زيادة الإنتاجية والدخل. ولدى القطاع الخاص كذلك دورًا رئيسيًا في دعم النمو الشامل، وخلق الوظائف، وتوفير الخدمات الأساسية الهامة والسلع العامة. ومع ذلك، تقع على عاتق القطاع الخاص مسؤولية أن يكون حَسن التنظيم، وأكثر شمولاً، وأكثر إبداعًا، وأكثر ديناميكية، من أجل أن يكون شريكًا معتمدًا لدى الحكومة، ولكي يتمكن من تغيير التوقعات نحو الأفضل. وينبغي تناول كل ما سبق بحس استراتيجي، وتحديدهم حسب الأولويات من واقع ما هو مهم بكل مرحلة، ووفقًا للظروف المحلية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو بالمجلس الأعلى للتخطيط ــ سلطنة عمان

 

 

مقالات لنفس الكاتب