; logged out
الرئيسية / مستقبل الاقتصاد الخليجي والرؤى الوطنية

العدد 138

مستقبل الاقتصاد الخليجي والرؤى الوطنية

الخميس، 13 حزيران/يونيو 2019

بدأت دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة ليست قصيرة في الاستعداد لتطبيق استراتيجيات اقتصادية بعيدة المدى محورها الرئيسي "توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل" بعد أن قطعت شوطًا طويلًا في التنمية والتطوير العمراني والمجتمعي وبناء المواطن والخوض في غمار تأسيس الدولة الحديثة، معتمدة في ذلك على مداخيل النفط في مرحلة الطفرة الأولى منذ ارتفاع أسعار النفط في منتصف سبعينيات القرن العشرين، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما تحقق في دول مجلس التعاون الخليجي من نهضة تعيشها هذه الدول حتى الآن، حيث وظفت دول المجلس عائدات النفط في تحقيق التنمية والرفاهية على أفضل وجه.

ومع استمرار وجود النفط كسلعة استراتيجية مهمة سواء المخزون النفطي الهائل، أو إنتاج وتصدير النفط الخام ومشتقاته وتأثير ذلك الإيجابي على دول مجلس التعاون، مازالت العائدات تتدفق كون مازال الإقبال على النفط الخليجي من الدول المستهلكة، وسوف يظل هذا الإقبال مستمرًا مادام هناك إنتاج ونمو واستهلاك، لأن النفط وببساطة هو محرك التنمية ووقودها وعمودها الفقري، وجميع الدراسات لا تنفي أهمية النفط في توليد الطاقة وفي استخداماته المتعددة في المستقبل أو في المدى المنظور على الأقل.

إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي أدركت ومنذ فترة أنه من الضروري عدم الارتهان للنفط كمصدر رئيسي للدخل وتمويل الموازنات العامة، ولابد من إيجاد مصادر جديدة للدخل الوطني، ونجحت دول المجلس بالفعل في دراسة ما لديها من ثروات في باطن الأرض و على ظاهرها، واعتمدت على أهم الأدوات والوسائل في اكتشاف ثرواتها وتفعيلها والاستفادة منها ، وفي مقدمة هذه الأدوات يأتي "الإنسان" الخليجي الذي هو أهم مستهدفات التنمية ومن أجله تضع الدول الخليجية استراتيجياتها للنهوض به وتحقيق متطلباته واحتياجاته ورفاهيته.

لذلك جاءت الرؤى الوطنية في جميع دول مجلس التعاون لتلبية احتياجات المستقبل على أسس تخطيطية سليمة واضحة المعالم من حيث المشروعات المستهدفة ووفقًا لمراحل زمنية محددة خلال فترة زمنية معينة وهي 2030، تستهدف وضع خرائط اقتصادية جديدة، وسبق الإعداد لهذه الاستراتيجيات برصد الإمكانيات الذاتية ثم العمل على كيفية الاستفادة منها وتوظيفها التوظيف الأمثل وفقًا للمزايا النسبية التي حباها الله سبحانه وتعالى لهذه الدول.

ففي المملكة العربية السعودية مزايا نسبية كثيرة جدًا نتيجة لاتساع المساحة الجغرافية ، وتنوع تضاريسها ومناخها وتعدد مخزونها من المعادن، إضافة إلى موقعها الجغرافي الفريد وطول سواحلها البحرية، وما بها من مقدسات إسلامية تهوى إليها قلوب المسلمين من شتى بقاع الأرض، وأماكن تراثية وسياحية قلما تتوفر لدول أخرى في العالم، ومهدت المملكة بإنشاء مشروعات بنية تحتية عملاقة شملت الطرق والمطارات والموانئ والكباري ، والمناطق والمدن الصناعية، ووفرت خدمات تعليمية متطورة على مستوى الشرق الأوسط والعالم، فلديها جامعات مرموقة حصلت على أعلى درجات الاعتماد الأكاديمي، من أجل أن يرتبط التعليم في المملكة باحتياجات سوق العمل على الأقل بدرجة مقبولة ومازالت الجامعات السعودية تتطور في هذا الاتجاه وتبرم الاتفاقيات مع القطاع الخاص لتوفير الخريج الذي يحتاجه سوق العمل بالفعل.

كما أن المملكة قطعت شوطًا في تهيئة البيئة التشريعية والقانونية لجذب المزيد من الاستثمارات سواء المحلية، أو الخليجية، أو العربية والعالمية، مع توفير المحفزات للقطاع الخاص الذي يعد الشريك الأساسي في عملية التنمية، بل وأحد أهم مرتكزات رؤية 2030، كما تطرح الفرص الاستثمارية المتاحة والممكنة عبر مؤتمرات موسعة وبمشاركة القطاعين الحكومي والخاص.

ثم جاءت رؤية 2030 لتطرح فرصًا عملاقة وتسعى لإقامة مشروعات منتجة تستطيع أن تحقق المأمول منها، وما مشروع نيوم العملاق شمال غرب المملكة إلا ثمرة من ثمار هذه الرؤية، إضافة إلى المشروعات الصناعية والإنتاجية الأخرى التي تواكب تنفيذ مشروع نيوم، والاهتمام بما هو قائم من مناطق ومدن صناعية، إضافة إلى التوسع في المشروعات الخدمية الجاذبة للاستثمارات ، وإقامة المشروعات السياحية التي تجعل مقومات التنمية متعددة تقوم على الإنتاج والترويح والسياحة الشاملة بما يحقق توطين السياحة والاستفادة من مقوماتها في مختلف مناطق المملكة و جذب السائح المحلي والخارجي على السواء على ضوء تنوع مقومات السياحة في المملكة.

يتبقى ضرورة تلاحم القطاع الخاص وتفاعله مع هذه الرؤية الطموحة لتحقيق المأمول منها، وعليه يجب انطلاق الفرص المتعددة في جميع مناطق المملكة المترامية الأطراف والتي تزخر بالمزايا النسبية والتي تتراوح بين الزراعة بكل أنواعها وفي مقدمتها الزراعة التي تدخل في الصناعات الدوائية، والتعدين، والصيد، والصناعات التحويلية وإعادة تصديرها عبر موانئ المملكة التي تطل على البحر الأحمر والخليج العربي وهي جاهزة لذلك، مع الاستفادة من هذه الموانئ في تقديم الخدمات اللوجستية.

المملكة جادة في تنفيذ الرؤية، وهذا ما أكد عليه صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع أمام المؤتمر الدولي للأمن الذي نظمته روسيا الاتحادية من 23 إلى 25 أبريل الماضي، حيث قال سموه " حزمنا أمرنا وماضون في مسيرتنا التنموية وتحقيق رؤيتنا والتصدي للإرهاب"، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المملكة تسير في مسيرتها التنموية لتحقيق الفوائد المأمولة، وفي الوقت ذاته تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وإقليم الشرق الأوسط، وجهود المملكة التي تهدف إلى استقرار المنطقة ما هي إلا دعم للتنمية والنهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة وإبعاد شبح الحروب والصراعات عن المنطقة، وهذا ما يجب أن تتبناه جميع دول المنطقة ، ويساعد عليه المجتمع الدولي والقوى الكبرى لتتفرغ الشعوب للتنمية بدلًا من الاقتتال والصراعات وسباق التسلح خاصة في هذه المنطقة الحساسة من العالم التي بدأت مشوار التنمية وتطمح في المضي حتى استكماله.

مقالات لنفس الكاتب