; logged out
الرئيسية / مراكز الأبحاث في إسرائيل: القدرة والدور في التأثير في صناعة القرار

العدد 139

مراكز الأبحاث في إسرائيل: القدرة والدور في التأثير في صناعة القرار

الإثنين، 08 تموز/يوليو 2019

ثمة مساحة واسعة في الفكر الأمني الإسرائيلي، خصوصًا تلك التي جاء بها ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل وأحد مؤسسيها، التي تعطي البحث العلمي دورًا مركزيًا منذ إنشاء إسرائيل، حيث يقول "دافيد بن غوريون" أول رئيس وزراء لها إن نجاح الدولة يتوقف على تفوقها النوعي، لذلك لابد من متابعة أحدث التطورات في العلم والتكنولوجيا، ليكون لها أحسن جيش في العالم وإلا خسرنا المعركة!

وتعتبر مراكز الأبحاث أحد أهم روافد عملية صناعة القرار في الغرب، وفي دولة الاحتلال الإسرائيلي على وجهة الخصوص، حيث أدركت مبكرًا أهمية هذه المراكز خاصة في تحقيق مكاسب في صراعها مع العرب. ويوجد في إسرائيل أكثر من 50 مركزًا بحثيًا ومعهدًا للدراسات يقومون بمعالجة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويقدمون مقاربات وتوصيات لصانع القرار في إسرائيل لكيفية معالجة هذه الأزمات. سنحاول في هذا المقال تناول ماهيتها وأنواعها ودورها في عملية صناعة القرار الإسرائيلي. وكيفية مواجهتها.

أولاً: ماهية مراكز الأبحاث (Think Tanks)

يعتبر البحث العلمي من أهم النشاطات التي يمارسها العقل، البشرى فمن المعروف أن تقدم الأمم ونهضتها الحضارية مرهونة برعايتها واهتمامها به وبتطبيقاته. ومن هنا فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته، وأدواته كالجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات سواء الحكومية منها أو الخاصة، لما لها من دور أساسي في عملية صنع القرار، وإعداد السياسات العامة للدول[1].

وتكتسب مراكز الفكر مكانة مرموقة في العالم نتيجة دورها البارز في دعم مؤسسات صنع القرار السياسي، فازدادت أعدادها وكثرت مجالاتها وتخصصاتها وخاصة في الشؤون الاستراتيجية والسياسات الخارجية، وتقوم هذه المراكز أو مؤسسات الفكر والرأي المعروفة (Think Tanks) أو حاويات الفكر، بإمداد أصحاب القرار السياسي ووسائل الإعلام بتحليلات ودراسات تتعلق بكل القضايا الهامة في البلدان المتقدمة مما يجعلها عنصرًا هامًا في تحديد أولويات القضايا التي تواجه تلك الدول[2]. وقد تم استخدام مصطلح مؤسسات الفكر لأول مرة من قبل الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، وقد استخدم هذا المصطلح إلى الإشارة إلى نوع البيئة الآمنة التي يمكن خلالها مناقشة الخطط العسكرية[3].

وقد بدأ اهتمام الحركة الصهيونية بالبحث العلمي ومراكز الأبحاث منذ قيام دولة "إسرائيل"، فقد تم إنشاء معهد (هنريتا سالد) الذي أسس في عام 1941م، وتم إنشاء معهد فان لير للأبحاث عام 1959م، ليعمل كمركز للدراسات المتقّدمة وللخطاب الفكري العام، وأخذت مراكز الأبحاث في الانتشار، خلال التسعينات، حيث اهتم معظمها بإجراء أبحاث في مجال الدراسات الديموقراطية، كالمركز الإسرائيلي للديمقراطية، ودراسات السلام كمركز شيمون بيريز للسلام والمركز الدولي للسلام في الشرق الأوسط، ومعهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط، ومقره الرئيس واشنطن[4].

لكن على الرغم من طابعها المدني، إلا أن الأغلبية الساحقة من الكفاءات البحثية في المراكز الإسرائيلية الرائدة ذات خلفية عسكرية، حيث إن معظم هؤلاء خدموا كباحثين عسكريين أو شغلوا مواقع متقدمة في مؤسسات الجيش والاستخبارات المختلفة. وترجع هذه الظاهرة إلى حقيقة أن القضايا التي تبحثها هذه المراكز عالجها الباحثون العسكريون وكبار الضباط أثناء خدمتهم العسكرية، لاسيما في دوائر البحث وأقسام التخطيط الاستراتيجي. ولا تعد الخلفية العسكرية بديلاً عن التأهيل الأكاديمي، حيث إنهم جميعًا حاصلون على الماجستير وبعضهم حاصل على درجة الدكتوراه[5].

ثانيًا: أنواع مراكز الأبحاث في إسرائيل

يجد المرء صعوبة في تصنيف مراكز الأبحاث في "إسرائيل" بناءً على اهتماماتها، وذلك بسبب تعدد التخصصات التي تبحث فيها من جهة، وتداخل جهات التمويل والتبعية من جهة أخرى، فمنها المراكز الممولة حكوميًّا، ومنها المراكز المرتبطة بالجامعات، حيث تعد دولة الاحتلال أحد الدول الرائدة في مراكز الأبحاث المرتبطة بالجامعات، إضافة إلى وجود مراكز تابعة للأحزاب، ومراكز أخرى مستقلة.

وتعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في "إسرائيل" في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم، تجاه كافة القضايا والملفات، حيث تقوم بدراسة القضايا والمعضلات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجه إسرائيل وتقديم التوصيات لصانع القرار. ويمكن تحديد مراكز الأبحاث في "إسرائيل" وفق ثلاثة مستويات رئيسية، هي[6]:

  1. المستوى الأكاديمي البحثي: فإن الباحثين في هذه المراكز ذوو كفاءات عالية جدًا، ويتمتعون بشهرة عالمية، بسبب دراساتهم في الخارج، واستخدامهم لطرق البحث العلمية الخاضعة للمعايير العلمية العالمية في إجراء وعرض البحوث في المؤتمرات والمجلات العلمية المتخصصة، ومن هنا نلاحظ كثافة إصداراتهم، وتمثيلهم في جميع المحافل والمناسبات العلمية العالمية والمحلية.
  2. المستوى الإسرائيلي العام: حيث تشارك جميع المراكز بإصدار وبناء برامج تثقيفية للإسرائيليين كل حسب اختصاصه، كالمؤتمرات والندوات، وتنظيم الأيام الدراسية، والمساهمة في توسيع دائرة الثقافة من خلال المسرح والغناء والنشاطات الجماهيرية المختلفة.
  3. مستوى صناع القرار: وهنا تصقل خلاصة هذه الأبحاث لتعرض على شكل توصيات تقدم لمتخذي القرارات، وواضعي السياسات الإسرائيلية في مجالات مختلفة.

ويمكن تناول أبرز أمثلة من مراكز الأبحاث في إسرائيل في سياق العرض التالي:

  • معهد أبحاث الأمن القومي (INSS)

يعتبر من أهم مراكز الأبحاث في إسرائيل، تأسس المعهد عام 1977م، ليكون مركزًا للأبحاث الاستراتيجية تابعًا لجامعة تل أبيب. تركزت أعماله في قضايا الأمن والدفاع عن "إسرائيل". في عام 1983م، تغير اسمه ليصبح مركز يافا للأبحاث الاستراتيجية، وبعد أن تطوَّر المركز أصبح اسمه في عام 2006م، معهد أبحاث الأمن القومي، وتحوَّل إلى مؤسسة أكاديمية تابعة لجامعة تل أبيب، لكنه يتمتع باستقلال مادي عنها. وضع المعهد لنفسه هدفين رئيسين، يتمثل الهدف الأول في إجراء أبحاث أساسيّة تستوفي المعايير الأكاديميّة المرموقة، والتي تتناول مجالات الأمن القومي لـ "إسرائيل" والشرق الأوسط والمنظومة الدوليّة. ويتمثّل الهدف الثاني في المساهمة في النقاش العامّ حول المواضيع التي تتصدّر أجندة "إسرائيل" الأمنية، بالإضافة إلى القضايا التقليديّة، كالدفاع وعقيدة الأمن والسياسات[7].

يترأس المعهد الجنرال "عاموس يدلين" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق(أمان) ويصدر المعهد تقرير سنوي بعنوان تقرير (الأمن القومي الإسرائيلي الاستراتيجي)، يحاول فيه المركز قراءة التحديات والفرص التي تقف أمام "إسرائيل" على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. فخلال السنوات الماضية شكل تقرير المعهد الملامح الرئيسية لسياسات إسرائيل الأمنية والاستراتيجية تجاه العديد من الفواعل الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية والصراع الإقليمي والتحولات في المشهد السياسي العربي. وتبعًا لذلك قام المعهد بتوسيع مجالات اهتمامه لتشمل: الرأي العامّ، والعلاقات المتبادلة بين المجتمع والجيش، والعلاقة بين المستويات العسكريّة والمدنيّة.

  •  معهدهرتسيليا متعدد المجالات للسياسات والاستراتيجيات

يعتبر ركيزة من ركائز الفكر الاستراتيجي في إسرائيل، يعقد مؤتمر سنوي يناقش التحديات الداخلية والخارجية، ويوضع ملامح السياسات العامة الإسرائيلية. تأسس المعهد عام 2000م، من أجل المساهمة في وضع سياسة وطنية لإسرائيل، ورفع مستوى عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وقد تعاقب على رئاسته عدة أشخاص، ومنذ عام 2013م، يرأسه البروفيسور أليكس مينتز، وهو رئيس جمعية العلوم السياسية الإسرائيلية.

يهتم المعهد بالأمن القومي والاستراتيجي، والسياسة الخارجية، والمخابرات، و"الشعب اليهودي"، والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى السياسة الاجتماعية والتعليم، ومن أهم نشاطاته عقد مؤتمر هرتسليا السنوي، علاوة على عقد المؤتمرات والحلقات الدراسية، ونشر سلسلة من أوراق العمل وتأليف الكتب. يركز المعه على دراسة القضايا المؤثّرة في "إسرائيل"، بما في ذلك إعادة صياغة العقيدة الأمنية لإسرائيل، ومشروع "نحو نظام إسرائيلي جديد"، وإجراء استطلاعات للرأي العام في "إسرائيل" والدول العربية، ودراسات في عملية صنع القرار والاستراتيجيات، بما يتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية[8].

  • مركز بيغن ــ السادات للدراسات الاستراتيجية

يركز المركز جهوده البحثية على التطورات السياسية والاجتماعية في الدول العربية، وخصوصًا مصر، ويرسل المركز أبحاثه ودراساته الاستراتيجية إلى مجموعة محدودة من النخبة الإسرائيلية، تقتصر على صناع القرار، وكبار الجنرالات، وضباط الاستخبارات، وأعضاء السلك الدبلوماسي، وأساتذة العلوم السياسية، وزعماء الجاليات اليهودية حول العالم. وينظم مؤتمرات، وورش عمل، ومحاضرات، وندوات للباحثين الإسرائيليين، والأجانب[9]. ينشط المركز في الدراسات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية وبقضايا اللاجئين الفلسطينيين على وجهة التحديد، ويقدم تصورات ومقاربات أصبحت جزءًا من السياسة الإسرائيلية والأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

على مدى السنوات الـ 20 الماضية أنتج المركز أكثر من 250 بحثًا وورقة عمل سياسية و25 كتابًا، ونظم أكثر من 500 ندوة ومؤتمر دولي؛ للدفاع والصناعة العسكرية والمخابرات والمتخصصين في السياسة الخارجية، فضلاً عن الدبلوماسيين ورجال الأعمال والأكاديميين والسياسيين[10].

  • المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب

تأسس في عام 1996م، وهو مركز مستقل متخصص في قضايا الإرهاب ومكافحة الإرهاب، وإدارة المخاطر والتحليلات الاستخباراتية والأمن القومي. يعتبر المركز منتدى مشتركًا لصانعي السياسات والباحثين لتبادل المعلومات والخبرات من خلال الأوراق البحثية، وتقارير الحالة، والمنشورات الأكاديمية. كما ينظم عددًا من الندوات الدولية وورش العمل والمؤتمرات شهريًّا للتثقيف حول القضايا العالمية والإقليمية للأمن والدفاع والسياسة العامة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات[11].

  • المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية (MITVIM)

يعتبر مركز مستقل تأسس في مايو عام 2011م، بهدف إعادة تشكيل علاقات إسرائيل في الشرق الأوسط وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط،​​ من خلال تطوير نماذج جديدة لسياسات إسرائيل الخارجية، وتعزيز انتماء إسرائيل في المنطقة، وتشجيع السلام العربي الإسرائيلي. يتألف المعهد من خبراء إسرائيليين استراتيجيين وباحثين وصحفيين، الذين يجلبون تفكيرًا جديدًا ومبتكرًا.

تأسس المركز في عام 1959م، وكان تابعًا لجامعة تل أبيب، وفي عام 1983م، أسست الجامعة مركز موشي ديان، والذي جمع بين معهد "شيلواه" ومركز الوثائق الخاص بالشرق الأوسط، يتبع المركز الآن لكلية الدراسات التاريخية وكلية ليستر وسالي إنتن للعلوم الإنسانية بجامعة تل أبيب. يختص المركز بالدراسات التاريخية والإنسانية الخاصة بالشرق الأوسط وإفريقيا بشكل بحثي وأكاديمي[12].

  • معهد هاري ترومان

تأسس المعهد عام 1965م، في الجامعة العبرية في القدس، بدعم شخصي من الرئيس الأمريكي هاري ترومان، وبهدف دفع عملية السلام، ويُعتبر المعهد الأول من نوعه في الشرق الأوسط. يُركّز المعهد على دول الشرق الأوسط، فضلاً عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما يهتم باحثوه بدراسة آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، عبر اتّباع منهجية تعدد التخصصات (التاريخي والثقافي والنفسي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي)[13].

  • المعهد الإسرائيلي للديمقراطية

منظمة غير حكومية أسسها عام 1991م، الدكتور "أريك كرمون" وبمساهمة رئيسة من رجل الأعمال والملياردير اليهودي الأمريكي برنارد ماركوس، حيث تولى كرمون رئاسة المعهد حتى عام 2014م، وخدم "كرمون" في لواء الناحل، أحد أبرز ألوية الجيش، وتخرج في درجة البكالوريوس في التاريخ والفلسفة من الجامعة العبرية في القدس المحتلة[14].

ويعمل المعهد على صياغة الأفكار والترتيبات المتعلقة بالعلاقة بين الدين والدولة لإدراك الالتزام بالتعريف بأن "إسرائيل" "دولة يهودية ديمقراطية"، من أجل تهدئة التوترات الاجتماعية الداخلية.

وبحث المسائل الثقافية والسياسية في المجتمع، ولعب دورًا مركزيا في النقاش حول الدستور والقانون وحقوق الإنسان، يهتم بقضية الثقافة الوطنية والانخراط في التوترات الاجتماعية والأيديولوجية للمهاجرين لدولة إسرائيل.

  • مركز التخنيون:

يضم عدد من الكليات والأقسام المهمة في المعهد، فهي: قسم هندسة الطيران والفضاء، قسم التكنولوجيا الحيوية، قسم الهندسة الطبية الحيوية، كلية علوم وهندسة المواد والهندسة الكهربائية، قسم الكيمياء والهندسة الكيميائية، قسم علوم الحاسبات والهندسة الميكانيكية، قسم الهندسة الصناعية والإدارة، وتكنولوجيا التعليم من تعليم العلوم والتكنولوجيا.

  • مركز القدس للشؤون العامة

أنشأ في العام 1976م، ليكون معهدًا للبحوث، وتداول على إدارته وعضويته شخصيات عرفت داخل إسرائيل بصناعة السياسات لدولة الاحتلال، حتى أنه بات يشكل واحدًا من أبرز المراكز البحثية الصهيونية رسمًا لقرارات قادة الاحتلال.

  • المركز الإسرائيلي ــ الفلسطيني للأبحاث والمعلومات

تأسس المركز في القدس عام 1988م، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م، بهدف بناء جسور التواصل والتعاون بين المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني، ويُعتبر المركز خزان التفكير الوحيد المشترك (إسرائيلي -فلسطيني) في العالم. يهتم المركز بتطوير حلول عملية للصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني على أساس "دولتين لشعبين"، فهو يعترف بحق "الشعب اليهودي" والشعب الفلسطيني في تقرير المصير. مؤسس المركز ومديره هو غرشون باسكين، الذي يفخر بمشاركة المركز كقناة خلفية في مفاوضات مع حركة حماس، من أجل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليت، الذي كان أسيرًا لدى الحركة.

  • معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية

يهتم المعهد بدراسة المجتمع الفلسطيني من خلال أنظمة الإعلام والثقافة والتعليم التابعة للسلطة الفلسطينية. تأسس المعهد عام 1996م، ويرأسه إيتمار ماركوس، الذي شَغَل منصب مدير "مركز مراقبة تأثير السلام"، باعتباره عضوًا في لجنة منع التحريض الثلاثية، الإسرائيلية ـ الفلسطينيةـ الأمريكية، التي أُنشئت في أعقاب اتفاق واي ريفر. الغرض من هذا المعهد هو دراسة أيديولوجية السلطة الفلسطينية، والفجوة بين تصرفاتها وبياناتها على مستوى الإعلام العالمي، بشأن موقفها تجاه "إسرائيل" والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعملية السلام.

ثالثًا: دور مراكز الأبحاث في صناعة القرار الإسرائيلي

يعود الدور المؤثر والكبير الذي تعلبه مراكز الأبحاث في إسرائيل لعدد من الأسباب والعوامل؛ منها، ما يعتلق بطبيعة دولة الاحتلال القائمة على التوسع والاحتلال، إضافة لكونها دولة "دخيلة" على المنطقة تعيش هاجس أمني، إضافة لدور المؤسسة العسكرية المؤثر في الحياة السياسية كون أن عددًا كبيرًا من جنرالات الجيش يتولى رئاسة هذه المؤسسات.

وتُعتبر المراكز البحثية من الجهات المؤثرة في صناعة القرار في "إسرائيل"، فعدا عن دورها في وضع الخطط والسيناريوهات المستقبلية، واقتراح القوانين بهدف سنّها في الكنيست، فإنّ لها دورًا في تقييم أداء مؤسسات الدولة ككل، ومساعدة الحكومة ومختلف الهيئات العامة، في التعامل مع الفجوة القائمة في بنية النظام السياسي، والحاجة للتصدي للتحديات الاستراتيجية التي تواجهها الدولة، وذلك عبر التغلب على المعيقات التي تحول دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية[15].

وهذا يعود للاستعانة بالنخب العسكرية المتقاعدة للعمل في هذه المراكز، التي تضطلع بدور رئيس في العملية البحثية، فإن مراكز الأبحاث الرائدة تحرص على استيعاب وزراء سابقين وموظفين كبار في السلك الدبلوماسي كباحثين متعاونين للمساعدة في معالجة قضايا ذات ارتباط بالمهام التي كانوا يضطلعون بها سابقًا. فقد حرص "مركز أبحاث الأمن القومي" على استيعاب وزير الداخلية السابق جدعون ساعر، كباحث متعاون، كون "ساعر" كان عضوًا في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، الذي يعد أهم حلقة في دائرة صنع القرار السياسي في "إسرائيل"، فإن مشاركاته البحثية تكتسب أهمية خاصة[16].

ويعود الدور المؤثر لمراكز الأبحاث في صياغة السياسة الإسرائيلية تجاه منطقة الشرق الأوسط والدول العربية على وجه الخصوص، نظرًا لقدرتها على إعادة صوغ المفاهيم التقليدية، وصنع مسار جديد للقضايا الاستراتيجية الأساسية، ويمكن تحديد الفوائد الرئيسية لهذه المراكز في النقاط التالية[17]:

  • تولد تفكيراً جديداً لدى صانعي السياسة، وتوفر خبراء للعمل في الحكومة.
  • تؤمن لصانعي السياسة حيزًا لإيجاد تفاهم مشترك حول الخيارات السياسية المختلفة.

ما يميز مراكز الفكر الإسرائيلية بتصنيفاتها الأربعة الحكومية والمستقلة والحزبية والجامعية، إنها استطاعت التواجد والاستمرار، وتمكنت من التكييف مع المتغيرات المحيطة بها، وظهر ذلك فيما استخدمته من أدوات للتأثير على عملية صنع السياسة، إذ استطاعت أن تستخدم التكنولوجيا المحيطة؛ فطوّعت وسائل الإعلام لخدمة أجندتها. علاوة على استفادتها من شبكة المعلومات الدولية، فغالبيتها لديها موقع إلكتروني بأكثر من لغة [18].

رابعًا: كيفية مواجهة مراكز الأبحاث الإسرائيلية

تساهم مراكز الأبحاث والفكر الإسرائيلية في إنتاج سياسات ومقاربات تتعلق بكيفية تعامل إسرائيل على الساحة الدولية والإقليمية. ومواجهة أخطار هذه المراكز التي تقدم حلولاً وتوصيات للمستوى السياسي والعسكري في إسرائيل لكيفية التعامل مع التحديات والفرص يكون من خلال تفعيل دور البحث العلمي في الوطن كأحد روافد دعم القرار الرسمي.

لا شك أن نسبة الاهتمام بالبحث العلمي في الوطن العربي هي الأدنى بين الأمم والشعوب رغم وفرة المصادر المالية، فالبحوث التي يُنجزها الطلبة العرب داخل الجامعات العربية، أو في المراكز أو المعاهد المُلحَقة بها، أو المستقلة المحسوبة على التعليم العالي، هي في معظمها بحوثٌ يغلبُ عليها الطابع النظري الشُمولي، وتطغى عليها العمومية، ولا تنبني على أسئلة جادة. فلا يُنكر أحد أن واقع البحث العلمي في العالم العربي، متأخر وضعيف على عدة مستويات، (بسببِ مجموعِ العوامل السلبية التي تَحُدُّ من كفاءات الباحث العربي، وتُقللُ مِن مردوديتِه العلمية والبحثية[19].

لا يمكن مواجهة مخاطر مراكز الأبحاث الإسرائيلية التي تقوم بدور مهم في صناعة السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية والعالم العربي والإسلامي دون رفع كفاءة البحث العلمي في العالم العربي، وتوسيعه وتجويدِه، وتوفير الأرضية المناسبة لغرس ثقافة المعرفة والفكر، والتشجيع على الإبداع والابتكار والتطوير وممارستِه حقيقةً لا شعارًا، وتوفير الإمكانيات المادية والتجهيزات والمُعِدَّات الضرورية للقيام بهذا البحث. فالأماني والطموحات وحدها لا تغير من الصورة القاتمة لواقع البحث العلمي في العالم العربي التي لا ترتقي لمستوى الإمكانيات الفكرية والبشرية والمادية المتوفرة لدينا.

خاتمة

تلعب مراكز الأبحاث الإسرائيلية دورًا مؤثرًا في عملية صناعة القرار، وهذا راجع لعدة أسباب من أهمها الاهتمام الرسمي بالبحث العلمي والإنتاج الفكري، وتولي عدد من الجنرالات السابقة رئاسة هذه المؤسسات ما يضفي على إنتاجها وتوصياتها أهمية كبرى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرؤية المستقبلية لدولة الاحتلال وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ما يجعل مواجهتها عبر تفعيل دور مراكز الأبحاث العربية ضرورة وطنية ملحة لمواجهة مخاطر السياسات الإسرائيلية القائمة في الأساس على رؤية علمية وبحثية رصينة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

 

[1]الخزندار، سامي، الأسعد، طارق: دور مراكز الفكر والدراسات في البحث العلمي وصنع السياسات العامة، مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد6 ، الجامعة الهاشمية الأردن، 2012م، ص 1.

[2]الشهواني، هاشم، أهمية مراكز الأبحاث، غزة فلسطين، 2011، موقع دنيا الوطن

[3]Elliott، William، others Think Tank Typologies Which Typology Best Fits with the Mission and Core Values of NCAI Policy Research Center، National Congress of American Indians، 2005. P 3

[4] الحمامصي، محمد، المراكز البحثية في إسرائيل شريك في صنع القرار، موقع إيلاف السعودي، 15 أكتوبر 2016.

[5]النعامي، صالح، عسكرة مراكز الأبحاث المدنية في إسرائيل، غزة فلسطين، 2017، المركز الفلسطيني للإعلام.

[6]أبو عامر، عدنان، رؤية مراكز الأبحاث الإسرائيلية للثورة المصرية، مدونة شخصية، 16 يناير 2018م

[7]بدر، أشرف، مراكز الأبحاث الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار، مركز رؤية للتنمية السياسية، تركيا، 2016.

[8]بدر، أشرف، مراكز الأبحاث الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار، مركز رؤية للتنمية السياسية، تركيا، 2016.

[9]كيف تفهم إسرائيل؟ أهم مراكز الأبحاث المؤثرة في صناعة السياسات في دولة الاحتلال، ساسة بوست، 2015م.

[10]مراكز صنع القرار الصهيوني، المركز الفلسطيني للإعلام، غزة فلسطين، 2017م.

[11] تقرير بعنوان: كيف تفهم إسرائيل؟ أهم مراكز الأبحاث المؤثرة في صناعة السياسات في دولة الاحتلال، ساسة بوست، 2015م.

[12] تقرير بعنوان: كيف تفهم إسرائيل؟ أهم مراكز الأبحاث المؤثرة في صناعة السياسات في دولة الاحتلال، ساسة بوست، 2015م.

 

[13]بدر، أشرف، مراكز الأبحاث الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار، مركز رؤية للتنمية السياسية، تركيا، 2016.

[14]المعهد "الإسرائيلي" للديمقراطية. صانع التخطيط و"الإصلاح، الحلقة التاسعة من سلسلة رصد مراكز صنع القرار الصهيوني، غزة فلسطين 2016، المركز الفلسطيني للإعلام.

[15] بدر، أشرف، مراكز الأبحاث الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار(3-3)، مركز رؤية للتنمية السياسية.

[16]النعامي، صالح، عسكرة مراكز الأبحاث المدنية في إسرائيل، غزة فلسطين، 2017، المركز الفلسطيني للإعلام.

[17]أبو عامر، عدنان، رؤية مراكز الأبحاث الإسرائيلية للثورة المصرية، مدونة شخصية، 16 يناير 2018م.

[18] الحمامصي، محمد، المراكز البحثية في إسرائيل شريك في صنع القرار، موقع إيلاف السعودي، 15 أكتوبر 2016.

[19] بشوط، الحسين، الباحث والبحـوث العلمية في الوطن العربي، منظمة المتجمع العربي، 2016.

مجلة آراء حول الخليج