; logged out
الرئيسية / إدماج قضايا التنمية في المشاريع البحثية وتشغيل الشباب والارتقاء بهم

العدد 139

إدماج قضايا التنمية في المشاريع البحثية وتشغيل الشباب والارتقاء بهم

الإثنين، 08 تموز/يوليو 2019

تعتبرمراكزالبحث العلمي من أحد أهم المراحل الهامة في إرساء ثقافة البحث العلمي، فالعديد من المجتمعات المتطورة حاليًا تقوم بالاستناد إلى دور مراكز البحث العلمي في تجاوز بعض من مشكلات المجتمع، لأن جل المنطقة العربية أضحت ملزمة الآن بالرجوع إلى الأخذ بعين الاعتبار حلول و مقترحات وحتى أهداف ونتائج مراكز البحث العلمي سواءً كانت مغاربية أو مشرقية، فتنمية المجتمعات المعاصرة المتقدمة استفادت من  الحلول المتواصل إليها من مراكز بحثها العلمية، وأصبحت تستخدم البحث العلمي بشكل مقصود في ابتكار الحلول الاجتماعية وتنمية مختلف القطاعات الوطنية.

 

1/ دور مراكز البحث العلمي في دول المغرب العربي وما قدمته للشباب العربي:

       أصبحت مناهج دراسة العلوم الإجتماعية والمجتمع تشغل جزءًا كبيرًا في معظم معاهد التربية في العالم.

       وتهتم هذه المناهج في تنمية أفكار الناشئة اجتماعيًا، وبالتغذية والصحة وتنظيم الأسرة، وخلق الأجواء الاجتماعية التي تسودها علاقات الوّد والتعاون، وروح الانتماء إلى الجماعة، والشعور بالمسؤولية وحب الوطن. إضافة إلى التوجيه المهني في كل مراحلة التعليمية ليتمكّن الشاب من ممارسة مهنة تعينه على الحياة، إذا لم يتمكن من الإختصاص الجامعي أو التعليم العالي...

       وأصبح اليوم شائعًا أن البحث العلمي في معظم البلدان المتقدمة، وهدف هذه المراكز البحثية هو توفير عمل للشباب يتناسب مع مؤهلاتهم العلمية وشهاداتهم المهنية، وميولهم العملية، وتهدف هذه المراكز أيضًا إلى إبعاد الشباب عن الوظائف أو الأعمال التي لا تتلاءم مع رغباتهم.

       نلاحظ في الدول المتقدمة أبنية مشيدة خصيصًا للشباب ومراكز خدمات عامة لهم، تستعين بخبرات الشباب من خلال إدارة إحصاءات أو أبحاث، وهي مراكز إشعاع ثقافية، يلجأ إليها الشباب لتنفيذ مشاريع خاصة بهم من أندية رياضية، ومسارح، وملاعب لممارسة الهوايات التي يرغبونها، ومحطات إستطلاع، وإكتشاف وإستشعار عن بعد وما شابه.

       ويكمن هدف هذه المراكز في الإعداد المبكر لمجموعات الشباب، وحسن تربيتهم وتوجيههم نحو النشاطات والمهارات النافعة لهم ولوطنهم، وتقوم الحكومات الواعية بتزويد هذه المراكز بالمعدات والأجهزة والتمويل اللازم لتوسيع رقعة إنتشار مثل هذه الأندية والمؤسسات الخاصة للشباب. حيث يكون الفراغ عند الشباب بمثابة تربة خصبة لنمو أفكار الضياع، التي أخذت تنتشر أخيرًا في معظم المجتمعات الحديثة في دول أوروبا وأمريكا، وهي تكشف عن وجهها القبيح في تصرفات الشباب وأهوائهم البعيدة عن تقاليدنا العربية وأخلاقنا الموروثة، ويبرز دور الشباب العربي إيجابيً عندما لا يتخلى عن تقاليده وأخلاقه وعاداته، ويتمشى مع تغيرات المجتمع الصالحة والمثمرة في التقدم العلمي والتنمية الاجتماعية.

       ولا يخفى على أحد، ما وصلت إليه بعض الدول بشبابها الذي وقع فريسة لتيارات وأفكار غربية، جاءت نتيجة الفراغ الذي يعانيه بعض الشباب الذي سقط يتخبط دون توجيه أو توعية لملء هذا الفراغ، فضاع في إقباله على الأفكار الغربية المشوهة، وضلّ عن الخط المستقيم فانحرف وأصبح عدوًا لمجتمعه.

       ولذلك لا بدَّ من فسح المجال لأهمية مراكز البحث العلمي أمام شبابنا في العالم العربي، للتعرف على صرعات وصيحات النشاز التي دوت في معظم البلدن الأوروبية والأمريكية ومقارنتها مع معتقده ومسار حياته الإجتماعي والسلوك، وتترك له حرية المقارنة مرفقة بالمراقبة الموجّهة حتى لا يضلّ الطريق.

       كذلك من واجب المسؤولين سواء كانوا من الأهل أو المرشدين أو المربّين أو من رجالات الدولة أن يرجعوا إلى نتائج وتوصيات وحتى مقترحات مراكز البحث العلمي في ترشيد أجيال الشباب ويذكروهم باستمرار بالفضائل النابعة من أصالة أسرهم وعقيدتهم الوطنية والقومية في عصر العلم والتقنيات التكنولوجية والاتصالات السريعة.

       لا شك أن مجالات عمل الشباب واسعة ومتعددة الجوانب، ويتمثل ارتباط معظم الشباب العربي بمسقط رأسه، بعد أن تكتمل دراسته ورجولته، ويؤدي واجبه نحوه سواء كان مسقط رأسه قرية أو مدينة، ويؤدي واجبه نحوه بالمشاركة في نشر العلم والثقافة والوعي الصحي، وتعبيد الطرقات، وإقامة الجسور والقنوات، وردم المستنقعات، والعمل مع الجماعة لرفع شأن بلده وإصلاح ما يلزم فيه.

       كما يقوم اجتماعيًا بعقد الندوات واللقاءات، وفض النزاعات بين العائلات والأسر إضافة إلى دعمه في حلّ مشاكل الناس المختلفة من إسكان ونقل ومواصلات، وعلاج وتلقيح وغيرها.

       ولا نغفل أهمية مساهمة الشباب في مجال التنمية الصحية في القرية أو الحي، والظهور بالمظهر النظيف، لأن النظافة عنوان تقدم الشباب وتطوره، وهو مقياس تقدم الأمم ونهضتها. والنظافة باب من أبواب التربية الأخلاقية السامية ويبرز دور الشباب واضحًا في مضمار النظافة متمثلاً في مشاركته بحملات تنظيف الشوارع والأحياء وتزيين الساحات وغرس الأزهار والشجيرات، على جوانب الطرقات العامة، يتسلّل الشباب المؤمن بأهداف التنمية الإجتماعية كقوة قادرة داخل طبقات الشعب، دارسًا أحوالها ومشاكلها، وواضعًا الحلول لها أو محاولاً تطبيقها بأسلوب فعّال، يحقق الوصول إلى الأهداف المرجوة في أقصى سرعة وبأقل التكاليف.

       هذا يطلب من الدول النامية السهر على شبابها، والاعتناء المستمر بهم، ذلك كدعامة أساسية في تنمية مواردها وطاقاتها، عن طريق إقامة المنظمات والجمعيات الشبابية الثقافية، وتكوين الكوادر الواعية فيها، والاعتماد عليها في وضع خطط وأهداف استراتيجية البنى الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية وكل هذا لا يكون إلا من خلال الاعتماد والأخذ بعين الاعتبار بما تطرحه مراكز البحث العلمي العربية سواءً كانت مغاربية أو مشرقية.

2/ تفاعل مراكز البحث المغاربية مع خدمة البحث العلمي:

       مما لاشك فيه، أن التنمية الشاملة تحتاج إلى العديد من المقومات البشرية وغير البشرية، إلا أنه يكاد يجمع المهتمون بقضية التنمية، أمثال الدكتور مصطفى محسن، على أن العنصر البشري هو أهم هذه المقومات، حيث يعد هذا الأخير العنصر الأساسي والركيزة التي تقوم عليها التنمية في أي بلد، ولا سبيل إلى بناء هذا الإنسان إلا عن طريق مراكز البحث العلمي التي تقوم على تطوير الشخصية الإنسانية وإعادة بنائها، كما تعمل هذه الهيآت البحثية على إيجاد أنماط من السلوك تناسب التنظيمات الاجتماعية الناشئة عن الأخذ بالأساليب العلمية والتكنولوجية، كما تعيد تلك الهيآت بناء الآراء والمعتقدات لتواكب التغيرات الاجتماعية الناشئة عن طريق عملية البحث العلمي، ومن هنا يتضح أن الإنسان هو أساس التنمية وأداتها، وهو أيضًا غايتها، وهو في الوقت نفسه محور العملية التربوية.

       ولعل أهم خاصية من خصائص البحث العلمي، تأهيل القوى البشرية وإعدادها للعمل في القطاعات المختلفة، وعلى كل المستويات، وذلك بتزويدها بالمعارف والمهارات والقيم اللازمة للعمل المستهدف، والتهيئة للتعايش مع العصر التقني، والتوزان في تأهيل القوى العاملة حسب الاحتياجات المتغيرة، وكذلك تعزيز قيمة العمل والإنتاج، ودعم الاستقلالية في التفكير، ونبذ الاتكالية والنزعة الاستهلاكية، وهي من أهم أهداف التربية. ومن هنا نجد أنه يمكن للبحث العلمي أن يقوم بدور بارز في تحقيق التنمية.

       ولا شك أن الذي زاد من علاقة التربية بالتنمية وخاصة في منتصف هذا القرن هو الإقتصاد كمحور مهم، حيث ظهرت بعض النظريات المهمة مثل نظرية " رأس المال البشري "، والتي تعتبر بمثابة الإطار النظري المسؤول عن التبني الكامل للعلاقة الجدلية بين التعليم وسياسات التنمية، وهو الإطار الذي أصبح التعليم بمقتضاه الحاسم الأول في النمو الإقتصادي للدول. ومع ظهور هذه النظرية زاد الإقتناع بدور القدرة الإنتاجية للموارد البشرية في العملية التنموية واعتبارها رأس مال مستثمرة. ولعل الدور الأكبر لانتشار هذه النظرية يعود إلى وكالات التنمية الدولية مثل البنك الدولي واليونسكو ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وغيرها. وهذه النظرية أدت إلى زيادة الإنفاق على التعليم عالميًا وربطت التعليم بقضية الإنتاج، فتضخمت الاستثمارات في قطاع التعليم وأجريت البحوث والدراسات حول إسهام التعليم في النواحي الاقتصادية وغيرها من نواحي التنمية الأخرى.

       ويمكننا القول بأن دور المراكز البحثية، يتمثل في بناء قاعدة واسعة متعلمة مدربة تستطيع التعامل مع معطيات البحث، تتكيف مع متطلباتها فتساهم فيها وتستفيد منها، إضافة إلى إيجاد القوى العاملة المتخصصة بمختلف أنواعها ومستوياتها، والتوقع لكافة الاحتياجات، والتعرف على ما يطرأ عليها من تغيرات، وتطوير الأنظمة التربوية والمناهج الدراسية والوسائل والطرق الإدارية، بما يتماشى مع المتغيرات والمتطلبات المتجددة. ومن هنا يتضح أن لدور البحث العلمي دورًا فعالا في المساهمة البحثية، شريطة توفر ظروف ملائمة لعمل مخرجات البحثية وتنظيمات اجتماعية وإدارية وإنتاجية أكثر ملاءمة.

       لا يمكن لأحد أن ينكر أن مراكز البحث العلمي إذا أحسن استخدامها وتوجيهها تساهم في تحقيق مع المجتمع عامة وتحافظ على استمراريته. كما يجب أن لا تؤخذ هذه المراكز بمعزل عن البيئة المحيطة بها، وهو ما تعاني منه بلدان العالم الثالث التي استوردت أنظمة تعليمية من الدول المتقدمة دون تكييفها مع متطلبات بلادها وتعديل مناهجها، حيث علقت الدول العربية الآمال على نتائج تلك الأنظمة المستوردة المفروضة على دول الوطن العربي لإحداث التقدم والتطور، ولكنها أهملت القيم والهويات الثقافية الذاتية الخاصة بها، مما أدى إلى حدوث أنسقة تربوية وتنموية قاصرة ومشوهة، فهي تحتاج إلى إحداث طفرة حقيقية تحكم وتسير هذه الأنظمة البحثية التربوية وتوجهها في جميع أبعادها وجوانبها المادية والمعنوية.

       ولكون مراكز البحث العلمي هي أداة للبحث عامة، فإن خدمة البحث لكي تحقق دورها يجب أن تستند إلى فلسفة مجتمعية علمية تربوية، تنبثق منها بدورها فلسفة خاصة لأنظمة تربوية المحققة للتنمية المستهدفة، وهي التنمية الشاملة المتوازنة، ومن هذه الفلسفة التربوية يتم اشتقاق السياسات التربوية والاستراتيجيات البحثية وخطط العمل التنفيذية لخدمة وإفادة الأفراد.

       ويبقى تخطيط البحث العلمي، أهم آلية لبلورة وتجسيد هذه الرؤى على أرض الواقع. ذلك أن خدمة البحث تستلزم التوفر على ميكانيزمات التفكير الاستراتيجي، والتخطيط الاستراتيجي الذي ينبني على مجموعة من العناصر المساهمة في نجاح التخطيط العلمي ومنها: الرؤية الواضحة، القيم المرشدة، الصلاحيات، تشخيص الاحتياجات، الأهداف المركزية، الغايات، خطط العمل، ثم التنفيذ والمراقبة مع اعتماد أسس وآليات التتبع والمواكبة.

       إذ لا يكفي التوفر على تصور وبناء خطط لإنجاح البحث العلمي رغم أهميته القصوى، بل لابد أيضا من التوفر على قدرات وموارد بشرية مبدعة وخلاقة قادرة على تجسيد هذا التصور وبلورة المخططات التنموية المجتمعية. من هنا تبرز أهمية تقوية قدرات الفرد في عملية التنمية مع استحضار أن هذا الفرد هو الأداة والهدف في البرنامج التنموي في نفس الوقت.

3/التخطيط البحثي العلمي الاستراتيجي والتنمية:

       شاع استخدام التخطيط البحثي العلمي الاستراتيجي على نطاق واسع في المؤسسات على اختلاف أنواعها في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. فقد أثبتت التجارب التطبيقية للتخطيط أن المؤسسات التي تخطط استراتيجيًا تتفوق في أدائها الكلي على المؤسسات التي لا تخطط استراتيجيًا. فالتخطيط كأسلوب إداري يختلف عن غيره من أساليب الإدارة الفعالة في كون مبادئه الأساسية وأساليبه ونظرياته قد جرى تطويرها بمزيج من التجارب العملية الميدانية والفكر الأكاديمي المنهجي المتخصص.

       إن التخطيط بمفهومه القديم مارسته الشعوب والمجتمعات البشرية بمختلف أنواعها وأشكالها وبطرق عدة، وذلك حسب ظروف كل منها، ولقد مورست أشكاله البدائية بصورة عفوية وتلقائية وظهرت بمعان بديلة هي التوقع والتدبير والحيطة، وكلها ممارسات تتم في المستقبل وذلك لتجنب المشاكل والمخاطر التي تهدد سلامة وأمن هذه المجتمعات والشعوب، فقد مارسوا فكرًا تخطيطيًا بالرغم من بساطة أساليبه وعملياته وأدواته وأهدافه.

       والملاحظ أن البداية الحقيقية للتخطيط العلمي البحثي بمعناه الحديث يرجع إلى التجربة الوثيقة في التخطيط العام، فمن التخطيط العام نشأ التخطيط البحثي كتخطيط قطاعي منبثق عنه ومرتبط به، وبما  

أن التربية والتعليم جزء من البرنامج الوطني فكان نصيبها التخطيط البحثي التربوي، ولكن بصورة بسيطة وغير دقيقة.

       والتخطيط التربوي يشمل مجموعة الأنشطة المرتبطة والتي تحدد غايات محددة للتنمية التعليمية لوقت معين ومحدود، وهذه الأنشطة تأخذ مكانها خلال عملية التخطيط للتنمية الشاملة في إطار من الإمكانات المحددة، بواسطة الموارد المالية والاقتصادية والبشرية، وخلال مجموعة من المعوقات. ويشمل التخطيط التربوي أيضًا دراسة الكفاءة الداخلية الفعالية وكذلك الإنتاجية للنظام التعليمي إلى جانب بعض التوجهات للتغيرات المطلوبة ".

       التخطيط الاستراتيجي العلمي، بشكل عام، هو صنع الاختيارات، فهو عملية تهدف لدعم القادة لكي يكونوا على وعي بأهدافهم ووسائلهم وبذلك فهو أداة إدارية، ولا تستخدم إلا لغرض واحد ألا وهو مساعدة المؤسسة في أداء عمل أفضل وخدمة المجتمع. ويمكن للتخطيط الاستراتيجي أن يساعد المؤسسة على أن تركز نظرتها وأولوياتها في الاستجابة للتغيرات التي تحدث في البيئة من حولها، وأن يضمن أن أفراد التنظيم، أي المؤسسة، يعملون باتجاه تحقيق نفس الأهداف.

       كما أن التخطيط العلمي في معناه الخاص والضيق هو أسلوب تعلمي يقوم به الأستاذ أثناء التهييئ للدرس، وهو ما يسمى بالتخطيط التعليمي التربوي. هذا النوع من التخطيط يقوم به الأستاذ خارج القسم حيث يعمل على وضع خطة مناسبة تساعده على تحقيق الأهداف أو الكفايات المرجوة. فلا يمكن مواجهة وضعيات التدريس إلا بوضع تخطيط محدد لمختلف الأنشطة التربوية المقررة والاستراتيجيات المناسبة للتنفيذ.

4/ توظيف البحث العلمي في خدمة قضايا التنمية والتكامل العربي:

       يشكل البحث العلمي رافعة للتنمية المجتمعية، ورافدًا محوريًا للتجديد والارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والبحث. وقد أولت الرؤية الاستراتيجية لدولة المغرب مثلا 2015-2030م، للبحث العلمي والتقني والابتكار مكانة حيوية كبرى في تحقيق تطور البلاد، اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا. كما دعت، إلى ربط البحث العلمي بتحقيق أهداف تنمية الإمكانيات البشرية، ولاسيما التمكين من التعلم الذاتي، والمبادرة والابتكار وحرية الاختيار، والعمل الجماعي التشاركي، وترسيخ الكفايات المرتبطة بالقيم والمواطنة الفاعلة.

       لذلك يُعد دور البحث العلمي، مثمرًا في تشخيص واقع انتشار الظواهر السلبية المناقضة للقيم المستهدفة، وتحديد أسبابها وتحليل نتائجها، وكذا في تغذية وإنجاح كافة المشاريع المبتكرة في مجال التربية على القيم المجتمعية العربية، والاجتهاد في بلورة الأساليب والآليات الاستباقية والوقائية في مجالات التأطير والتكوين، أو التواصل والتحسيس، أو قياس الأثر والتقييم، أو الاستشراف والتوقع، الخ.

       في هذا الإطار، وحرصًا على تعزيز دور البحث العلمي في تنمية التربية على القيم والارتقاء بها، على مستوى الجامعات والأكاديميات الجهوية والمراكز الجهوية للتكوين في المهن التربوية، نقترح ما يلي:

- دعم البحث العلمي في مجال القيم والتربية على القيم بهدف تطوير العدة التربوية والبيداغوجية والتكنولوجية للفاعلين التربويين، وبناء مصفوفات القيم وإدماجها في المناهج والبرامج التربوية، وإعداد مؤشرات التقييم، وغيرها، والمساهمة في تذليل الصعاب أمام الفاعلين الميدانيين لترجمتها إلى برامج عمل؛

- إدماج قضايا التنمية في المشاريع البحثية، داخل مراكز التكوين وفي الجامعات، والمشاريع المهنية الشخصية للمدرسين والمدرسات الجدد، وباقي الفاعلين، واستثمار نتائجها في تطوير برامج التكوين الأساس والمستمر لمختلف الفاعلين التربويين.

- النهوض بوحدات التكوين والبحث في مجالات حقوق الإنسان بالجامعات المغاربية وبمجموعات البحث ذات الصلة بموضوع التنمية الوطنية، وتعميم هذه التجارب على سائر الجامعات العربية.

- تجميع البحوث والدراسات والتقارير الوطنية حول موضوع التنمية الوطنية، وتوثيقها، وتعميمها على الجامعات والأكاديميات الجهوية وباقي الجهات المعنية، وتقديم التأطير والتوجيه والدعم اللازم في الموضوع للباحثين الجدد من الطلبة والمهنيين وتمكين السياسات العمومية من نتائجها، بغية استثمارها في مختلف البرامج والتدابير الموجهة لتطوير التنمية والتكامل العربي.

- توسيع الشراكات والتعاون بين مراكز البحث الوطنية العربية وبنياته ذات الصلة بالتنمية البشرية والبيئية والاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية، وبين المراكز المماثلة على الصعيد الدولي، للاستفادة من خطط البحث في الموضوع، واستثمار الخبرات الدولية الناجحة في مجال التنمية في منظوماتها التربوية.

       بهدف تعميم نتائج البحث العلمي في مجال التنمية، يتعين تكوين شبكة عربية للباحثين في الموضوع، والاستعانة بخبراتهم، في معالجة قضايا التنمية والتكامل العربي، وتحسيس طلبة الجامعات بأهمية البحث في الموضوع، وتنظيم ورشات لتوجيههم وتديربهم؛ فضلا عن تنظيم ندوات وملتقيات منتظمة لنشر نتائج البحوث والدراسات في مجال التنمية الإقليمية خاصة العربية، وتقاسم الخبرات والعبر والدروس المستخلصة من تلك التجارب، وتنظيم مسابقات وطنية وجهوية لحفز وتثمين البحوث الجيدة في الموضوع، ونشرها، وتعميم الاستفادة منها.

خاتمة:

       اعتبارًا لأهمية الأبعاد القيمية والأخلاقية، إلى جانب الأبعاد المعرفية والمنهجية والتقنية للبحث العلمي، وأثرها في جودته، يتعين بلورة منظومة قيمية داخلية للبحث العلمي؛ تجمع بين قيم الجودة والصرامة العلمية، والقيم ذات الصلة بأخلاقيات البحث العلمي، وقيم المسؤولية البيداغوجية وكذا المسؤولية الفردية والجماعية تجاه المجموعة العلمية والمجتمع ككل.

تشكل مراكز البحث العلمي إطارا مرجعيا لمجموع ممارسات البحث العلمي بوجه عام، مع تضمينها حقوق وواجبات الباحث، والتزاماته المختلفة، وأخلاقيات البحث، ولا سيما ما يتعلق بقيم البحث العلمي والتأطير من أجل البحث.

       أما مرتكزاتها، فينبغي أن تشمل: الحرية الفكرية والأكاديمية، والاستقامة والنزاهة، والوفاء لأهداف البحث العلمي ذات الصلة بخدمة الوطن وتنميته البشرية والمستدامة، والدقة وجودة الكفاءة العلمية والمنهجية، والاستقلالية والحياد والموضوعية، والشفافية والانفتاح والإنصاف، والمسؤولية تجاه الأفراد والأطراف الشريكة والمجتمع والتكامل الإقليمي العربي.

مجلة آراء حول الخليج