array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الصعود إلى أسفل: تسير( القاعدة ) إلى حتفها؟

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

تدور منذ أسابيع عدة مواجهات بين تنظيم (القاعدة) والقوات الحكومية اليمنية، ومعها تزداد المخاوف من اتساع هذه المواجهات لتصل إلى مدينة عدن التي تعد أهم ثاني مدينة يمنية، فقد حذر ابن شقيق الرئيس اليمني يحيى محمد عبدالله صالح الذي يشغل منصب رئيس أركان قوات الأمن المركزي من سعي تنظيم القاعدة للاستيلاء على مدينة عدن بعد سيطرته على محافظتي أبين ولحج، واعتبر في حوار مع أربع صحف ألمانية بينها مجلة (دير شبيغل) أن الانقسام في الجيش قد يحقق أهداف (القاعدة)، فيما اتهم الجيش اليمني المؤيد للثورة نظام الرئيس علي عبدالله صالح بالوقوف وراء تمدد (القاعدة) في المحافظات الجنوبية لتخويف العالم من أن انتهاءه سيكون بمثابة انتصار للقاعدة في اليمن.  

لا شك في أن الفراغ السياسي الذي يشهده اليمن، وانقسام المؤسسة العسكرية بين مؤيد لخيار التغيير، ومؤيد لنظام الرئيس علي عبدالله صالح الذي يبدو أنه غير قادر على الإمساك بزمام الأمور، يعطيان (القاعدة) هامشاً أكبر للحركة والمناورة، وهو الأمر الذي قد يصيب الجهود الأمريكية لمحاربة الإرهاب بنكسة كبيرة. وقد كشفت التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأدميرال مايك مولن في مؤتمر صحفي عقد لإعلان تقرير مؤشر الدول الفاشلة لهذا العام نهاية يونيو الماضي عن حجم القلق الذي يسيطر على الإدارة الأمريكية من إمكانية أن تقوم (القاعدة) باستغلال تدهور الأوضاع السياسية والأمنية وتقوية نفوذها في بلد صعب المراس، إذ اعتبر مولن أن اليمن أصبح مركز جذب لتنظيم القاعدة، وأن خطورة المجموعة المتماسكة في اليمن تكمن في استفادتها القصوى من الفوضى. كما أن وزير الدفاع الألماني توماس دي ميزير هو الآخر عبّر عن قلقه من أن يصبح اليمن في قبضة (القاعدة)، فقال في تصريحات لصحيفة (هامبورغر آبندبلات) الألمانية في 8 يوليو الماضي إن اليمن (في خطر كبير لأن يصبح دولة واهنة ويعطي مساحة أكبر لتنظيم القاعدة).

وبالنسبة لكثيرين تبدو تصريحات مولن ودي ميزير هي الحقيقة، الفوضى هي ما تحتاج إليه (القاعدة) للتمدد واكتساب مزيد من النفوذ. جيل أندرياني وهو أستاذ في جامعة باريس الثالثة والمدير السابق لمركز التحليل في وزارة الخارجية الفرنسية يدافع عن هذه الحقيقة المزعومة، فيرى أن موجة الاحتجاجات التي تخيم على اليمن تقدم مجالات جديدة لمقاتلي تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب الذين باتوا يسيطرون على مدن وعلى قطاعات بكاملها من دون أدنى شك.

 هل الفوضى في مصلحة (القاعدة)؟

نظرياً نعم. لا يوجد أفضل من الظروف الحالية، ليقوم تنظيم(القاعدة) بتوسيع نفوذه في اليمن، لكن من يعرف اليمن والطريقة التي يفكر فيها اليمنيون يدرك أن الفوضى ليست خياراً جيداً بالنسبة لتنظيم عقائدي أصولي إرهابي مثل تنظيم القاعدة؛ فعندما يتعلق الأمر بفرض السيطرة على مجتمع قبلي مسلح، معروفٌ عنه الدفاع عن مصالحه بكل شراسة ممكنة، يصبح من يحاول فعل ذلك كمن يقامر بحياته.

ولا بأس في توضيح بعض الحقائق التي تفسّر كيف ظل تنظيم القاعدة قوياً بعض الشيء في اليمن، حيث يمكن القول إن تنظيم القاعدة أفاد من حالة الشك العميقة بين الدولة والقبيلة، فقد عمل النظام اليمني على إبقاء (القاعدة) ورقة للمساومة، وهذا جعله لا يخوض الحرب ضدها للنهاية. ومع ذلك، حقق الرئيس اليمني من خلال هذه السياسة العديد من الأهداف المهمة، فبالإضافة إلى الحصول على مساعدات مالية كبيرة تحت حجة مواجهة الإرهاب، استطاع الرئيس اليمني اكتساب شرعية سياسية من حربه على الإرهاب أدت إلى تكريس وجوده في الحكم، فأصبح بالنسبة لدول كثيرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية الرجل القوي الذي يحارب الإرهاب، والذي يجب المحافظة عليه، وهذا يفسّر الموقف الأمريكي المتردد من الثورة اليمنية التي تطالب بإسقاط نظام صالح. على الصعيد الداخلي أتاحت ورقة (القاعدة) للرئيس اليمني استخدام القوة في الداخل اليمني ضد خصومه لتمهيد الطريق أمام توريث الحكم لنجله الأكبر الذي يشغل منصب قائد الحرس الجمهوري والذي يحظى بثقة الأمريكيين الذين يقودون التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب من دون أن يتعرض إلى مساءلة من المجتمع الدولي.

لكن هذه السياسة المراوغة التي انتهجها النظام إزاء تنظيم القاعدة سرعان ما استهوت بعض القبائل التي قامت بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة بغرض ابتزاز الحكومة لتحقيق مصالح خاصة بها، غير أن صعود (القاعدة) على هذا النحو يخيف أول ما يخيف القبيلة التي لن تقبل بوجود قوة عسكرية غير نظامية خارج إطارها مهما كانت الذرائع، وبالتالي ستكون القبيلة في مرحلة ما بعد سقوط النظام وتأسيس الدولة الجديدة أحد الأسلحة الفعالة لمحاصرة (القاعدة) وضرب نفوذها المصطنع. ولحسن الحظ سيلقى تنظيم القاعدة المصير نفسه في حال دخول البلاد أتون فوضى عارمة، إذ إن لا أحد سيقف بجواره، وسيضطر لمحاربة الجميع وهو أمر فوق طاقته.

 المواجهة المفتوحة

كثيراً ما يرتكب تنظيم القاعدة أخطاء، وكثيراً ما يدفع ثمنها. ففي اليمن ساهم ضعف السلطة المركزية، وتراجع مستوى الثقة بين النظام والقبيلة والمجتمع بشكل عام في الإفلات من العقاب، لكن العمليات الأخيرة التي يقوم بها مقاتلون من تنظيم القاعدة وجماعات مسلحة متشددة متحالفة معه للسيطرة على مدن ومنشآت حكومية في الجنوب، قد تكون الخطأ الفادح الذي ربما يكلف (القاعدة) فوق ما كانت تتصور.

والحال، يجب عدم التسرع والحكم على سير المعارك التي يبدو أن تنظيم القاعدة يحقق فيها بعض المكاسب، فالحرب الحقيقية لم تبدأ بعد. فالظهور الأخير لتنظيم القاعدة الذي يتميز بالشراسة والخطورة في آن، وضع اليمنيين ومَنْ لهم مصلحة في محاربته في خندق واحد، وهذا هو السيناريو الذي يخشاه التنظيم.  

 وفي هذا السياق، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية وكثيراً من دول العالم لن تتأخر في دعم اليمن في الحرب على القاعدة بكل الوسائل والإمكانات. فتبعات انهيار الدولة في اليمن بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مهمة لأن هناك اهتماماً مباشراً بمكافحة الإرهاب في اليمن، إذ يشكّل تنظيم (القاعدة) في شبه جزيرة العرب تهديداً مباشراً للمصالح القومية للولايات المتحدة، وهي معروفة الآن بوصفها أخطر تهديد من بين كافة فروع تنظيم القاعدة في المنطقة وفقاً لكريستوفر بوتشيك المتخصص في شؤون اليمن. 

ولعل من المناسب الإشارة إلى التحركات الأمريكية التي تستهدف قيادات تنظيم القاعدة الموجودة في اليمن، فقد كشف مسؤولون أمريكيون عن استعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ (CIA) لبدء العمل ببرنامج سري، لتصفية قيادات تنظيم القاعدة في اليمن، وذلك باستخدام طائرات من دون طيار، ووفقاً لصحيفة (وول ستريت جورنال) فإن الخطط الأمريكية الجديدة ستعمل بموجب بنود قانونية مختلفة، تعطي الإدارة الأمريكية حرية أكثر في تنفيذ الضربات، ومن دون موافقة من الرئيس اليمني، كما يضفي البرنامج مزيداً من السرية على العمليات الأمريكية.

والأرجح أن هذه الخطط حقيقية، وعلى الرغم من أنها مغامرة غير محسوبة النتائج، لكنها لن تجد معارضة شرسة في حال انزلق اليمن إلى الفوضى.

والحال أن نجاح الثورة في تحقيق أهدافها سيضع (القاعدة) في حجمها الحقيقي، ويجعلها هدفاً لحرب جدية، فالجيش اليمني سيخوض هذه الحرب وهو موحد كما لم يكن من قبل، مدعوماً من الشعب الذي يرغب في بناء دولة حديثة تقوم على مبادئ الديمقراطية والحريات وسيادة القانون. وفي كل الأحوال، سواء نجحت الثورة أو الفوضى لا يمكن الحديث عن مستقبل تنظيم القاعدة بمعزل عن الثقافة الشعبية التي تقاوم الأجنبي مهما كانت نواياه وشعاراته، وعندئذٍ قد يكون فات الأوان على من ينتمي إلى هذا التنظيم أن يفهم لماذا كان اليمن معضلة للأجانب باستمرار؟

 

مجلة آراء حول الخليج