; logged out
الرئيسية / الأمم المتحدة والحلول المؤجلة

العدد 140

الأمم المتحدة والحلول المؤجلة

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

نشأت منظمة الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان شعارها مرحلة تثبيت السلم والأمن الدوليين بعد حربين كونيتين مدمرتين، إضافة إلى أهداف أخرى تنموية وثقافية وبيئية. واستقبلت الدول العربية مع بقية دول العالم بزوغ ولادة الأمم المتحدة بكثير من الأمل انطلاقًا من ميثاق تأسيسها الذي بشر بميلاد عالم جديد يقوم على الحرية والعدالة وإنصاف الضعفاء، و مبادئ القانون الدولي، ورفض الهيمنة وإنهاء احتلال الدول بالقوة العسكرية، وعليه تحمست الدول العربية للمشاركة في تأسيس الأمم المتحدة ومن بينها خمس دولة عربية حضرت الاجتماع التأسيسي للمنظمة الوليدة آنذاك، ومازالت الدول العربية ملتزمة بدور هذه المنظمة  وما يخرج منها من قرارات، وملتزمة بدفع حصصها المالية للمساهمة في ميزانية الأمم المتحدة ومؤسساتها.

 لكن منطقة الشرق الأوسط لم تجن فوائد كثيرة من قيام المنظمة الدولية، أو على الأقل لم تكن الأمم المتحدة عند مستوى تطلعات دول المنطقة، بل حدثت انتكاسات كثيرة في المنطقة لم تساهم الأمم المتحدة في منع حدوثها، ولم يكن لها دور في معالجة ما تمخض عن هذه الانتكاسات، وهذا ما حدث تجاه قيام إسرائيل على الأراضي العربية والحروب التي خاضتها الدولة العبرية مع الفلسطينيين والدول العربية بعد ذلك، وانتهاجها سياسة ضم الأراضي العربية بالقوة ، قتل وتشريد الفلسطينيين من دولتهم، وهذا ما تكرر من الأمم المتحدة حيال الأزمات التي ضربت العراق، وما يحدث  حاليًا في اليمن، وسوريا، وليبيا، والسودان، والصومال وغير ذلك من بؤر الصراعات في المنطقة العربية، ناهيك عن دور الأمم المتحدة التنموي  غير المجدي، وغير ذلك.

الأمم المتحدة يتم تغييبها عن عمد تجاه قضايا المنطقة وبفعل فاعل من القوى الكبرى، وكذلك لضعف وهشاشة المنظمة الدولية ذاتها التي تظل قراراتها في كثير من الأحيان خاصة تجاه المنطقة العربية مجرد حبر على ورق، أو تتحطم هذه القرارات ومعها الإرادة الدولية على صخرة "الفيتو" في مجلس الأمن الذي يخضع لوصاية الدول الخمس الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا الأكثر استخدامًا للفيتو، إضافة إلى الصين وبريطانيا وفرنسا، أي الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية وفصلت تشكيل مجلس الأمن على قماشة مصالحها فقط دون غيرها، بل اتخذت الدول الكبرى  دائمة العضوية في مجلس الأمن، المنظمة الدولية أداة ومطية لتنفيذ ما تسعى إليه تحت غطاء أو شرعية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأقل تكلفة.

وفي الوقت الحالي، وبعيدًا عن إسرائيل المدعومة بالفيتو ، لم تنجح الأمم المتحدة في حل أي نزاع بمنطقة الشرق الأوسط، بل لم تستطع تنفيذ أي قرار صدر من مجلس الأمن رغم أن الباب السابع من الميثاق يسمح بالتدخل عسكريًا لتطبيق ما يصدر عن مجلس الأمن من قرارات، في حين تستخدم الدول الكبرى سياسة "الانتقائية " لتنفيذ قرارات مجلس الأمن عندما تريد،  وعبر لي ذراع المنظمة الدولية كما حدث في العراق وأفغانستان على سبيل المثال، بل أن الولايات المتحدة والحلفاء معها يستخدمون القوة خارج الأمم المتحدة ومن وراء ظهرها لتنفيذ سياسات هذه الدول بعيدًا عن إرادة واتفاق المجتمع الدولي.

الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط مأساوية منذ فترة، وزادت حدتها بعد نشوب ما يسمى بثورات الربيع العربي واختلال موازين القوى وما ترتب على ذلك من فراغ إقليمي قابله زيادة نفوذ دول إقليمية غير عربية وقوى كبرى تقليدية أو صاعدة سواء في سوريا، أو ليبيا، أو اليمن، أو السودان، أو غير ذلك. وتبدو الأمم المتحدة غير معنية بالمنطقة وخاضعة لسندان "الفيتو" ومطرقة التمويل وإملاءات القوى الكبرى التي أفرغت المنظمة الدولية من مضمونها واجهضت دورها وقلمت أظافرها ما ينبئ إما بسيطرة تامة على المنظمة الدولية وتطويعها كما يحدث منذ ولادتها لتكون أداة الكبار للهيمنة وإجبار الدول الصغيرة على تنفيذ رغبات القوى العظمى، أو انهيار المنظومة الدولية بكاملها.

الأمم المتحدة مغلولة الأيدي أمام ما يحدث في اليمن، بل لم تنفذ ما صدر منها من قرارات تجاه الأزمة اليمنية، بل الأخطر نجد مبعوثيها إلى اليمن في حالة ارتباك وتشتت وضعف وعدم معرفة بما يدور على الأرض، أو في حالة تجاهل متعمد لما يحدث في اليمن لتكريس الأمر الواقع على ما يبدو، وفيما يخص الشأن الإيراني نجد الأمم المتحدة  تجلس على مقعد المتفرج وليس في الملعب بالمطلق وتترك الأمور للفاعلين الكبار، ولذلك لم تفعل المنظمة الدولية أي شيء تقريبًا تجاه إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979م، سواء على صعيد دعمها للإرهاب والتدخل في شؤون دول الجوار علنًا، أو فيما يخص أزمة الملف النووي والبرنامج الصاروخي.

في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها منطقة الخليج العربي، كثير من النخب وربما الدول لا تؤمن بأهمية دور الأمم المتحدة في حل النزاعات، أو إيقاف نزيف الصراعات، وتوجد قناعة أن العلاقات الدولية تُدار خارجها وبدون علمها أو أخذ مشورتها إلا إذا ما أرادت القوى الكبرى إسباغ الشرعية المنقوصة على طموحاتها وتنفيذ رغباتها تتخذ من مجلس الأمن ستارًا لذلك.

وعليه فإن الحلول المؤجلة تكمن في تفعيل القوى الذاتية لدول المنطقة بتكثيف التعاون الثنائي، والإقليمي عبر تقوية منظومة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وإعطاء هذه المنظومات قوة ذاتية وأدوات تنفيذية، وسلطة حقيقة لتفعيل قرارات القمم والاجتماعات الوزارية، والتدخل لحل النزاعات عبر مؤسسات مختلفة، ويكون ذلك عبر تعديل مواثيق تأسيس هذه المنظمات الإقليمية لكونها تقادمت ولم تعد تعبر عن احتياجات ومخاطر المرحلة الحالية التي تبدلت مع تغير التحديات والمخاطر التي تواجه دول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب