; logged out
الرئيسية / المجتمع الفوضوي في العلاقات الدولية

العدد 140

المجتمع الفوضوي في العلاقات الدولية

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

أتفق الكثير من أساتذة العلاقات الدولية والباحثين والساسة، على أن المجتمع الدولي تحكمه القوة وليس الشعارات أو الأخلاق على مر التاريخ، وتشير إلى ذلك الوقائع والمراجع التاريخية مهما اختلفت المدارس السياسية والفكرية، فالأدلة تؤكد صدق منهجية المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية والتي ترى أن القوة فوق القانون في تركيبة المجتمع الدولي قديمًا وحديثًا، وهذا ما ذهب إليه هيدلي بول أستاذ العلاقات الدولية بأكسفورد في كتابه (المجتمع الفوضوي ـ دراسة النظام في السياسة العالمية)، ومارتن غريفيتش في كتابه ( خمسون مفكرًا في العلاقات الدولية) و يضم الأخير بين دفتيه أفكار 50 عالمًا ينتمون إلى 8 مدارس في العلاقات الدولية، والقاسم المشترك بين الكتابين هو الاتفاق على أنه لا مثالية في العلاقات الدولية التي وردت في مبادئ القانون الدولي، أو ميثاق الأمم المتحدة، وأن هذا وذاك مجرد رؤى تحلق في عقول فقهاء القانون الدولي والمشرعين، ويرددها ـ عادة ـ الضعفاء الذين يتمنون أن تحميهم القوانين الدولية ومنظمات المجتمع الدولي من جور الأقوياء وبطشهم على مر العصور، ولكن سرعان ما تسقط أمام جبروت قوة الدول العظمى. فمثلًا ترى المدرسة الواقعية التي ينتمي إليها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر "أن النظام الدولي فوضوي، وأن الفهم الأمثل للعلاقات الدولية يأتي بالتركيز على توزيع القوة بين الدول، وعلى الرغم من تعادله القانوني والشكلي، فإن التوزيع غير المتساوي للقوة يعني أن حلبة العلاقات الدولية هي شكل من أشكال "سياسة القوة"، والعلاقات الدولية جزء من عالم الضرورة والاستمرارية ويتعين على الدول أن تسعى إلى القوة لتستمر في بيئة تنافسية".

وبتطبيق ذلك على قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن القضايا والأزمات العربية الكثيرة والتي بدأت مع إنشاء الأمم المتحدة ذاتها والمتمثلة في القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومازالت هذه القرارات تصدر، بل زادت بعد أن تنوعت أزمات المنطقة وشملت العديد من دولها، ولكن المؤسف أن هذه القرارات تذهب إلى الأدراج المغلقة في أحسن الأحوال، إن لم تذهب إلى سلال نفايات الورق ولا يزال يتردد منها إلا أرقامها التي سرعان ما تسقط من ذاكرة البشرية، وسوف يظل الحال هكذا بالنسبة لقضايا دول العالم الثالث طالما استمرت تركيبة الأمم المتحدة على وضعها، وظل " الفيتو " سيد قرارات مجلس الأمن والذي هو مجرد رفع كف يد أحد مندوبي الدول الخمس الأوصياء على العالم في وجه أي قرار يسقط مهما كانت أهميته أو إنسانيته، وستظل تركيبة مجلس الأمن الدولي مجرد عصا غليظة في يد القوى العظمى تستخدمها عندما تريد لحساب مصالحها فقط، أو كما قال محمد صلاح الدين باشا وزير خارجية مصر الأسبق في حكومة النحاس باشا (1950 ـ 1952م) "إن الأمم المتحدة لا تسمع إلا هدير المدافع وأزيز الطائرات).

إذًا الخيارات المتاحة أمام الدول المتضررة من الفيتو تكمن في عدة نقاط، منها اعتماد توازن القوى كأحد أهم الحلول، فعندما تقترب موازين القوى تتوازي مواقف الدول، وتتوقف الحروب العسكرية المباشرة، فرغم الاعتراض الدولي على امتلاك السلاح النووي إلا أنه يعد أحد أهم أسباب عدم نشوب الحروب، كما أن التكتلات الاقتصادية الكبرى من أهم العوامل التي تعيق استخدام القوة العسكرية بعد أن تحول الاقتصاد إلا أهم مصادر القوة في العصر الحديث، حيث تحافظ الدول الكبرى على مصالحها الاقتصادية وتتحاشى الدخول في معارك عسكرية إما لأنها مكلفة ماليًا، أو لأنها تؤثر سلبًا على مصالحها الاقتصادية، وكذلك أهمية انخراط الدول المتجانسة والتي بينها قواسم مشتركة في تكتلات أو أحلاف اقتصادية، ودفاعية، وعسكرية، وغير ذلك لتستطيع صد الهجوم الخارجي بأدوات مختلفة وعبر توظيف المزايا النسبية لتحسين القدرات الدفاعية والتفاوضية مع الغير، خاصة بعد أن زادت حالة الاستقطاب التي كان البعض يعتقد أنها انتهت مع اختفاء الحرب الباردة التقليدية بسقوط الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى فشل تجربة منظومة دول عدم الانحياز التي ظهرت وقت الحرب الباردة.

الدول العربية الأكثر تضررًا من فشل الأمم المتحدة، والتي خسرت كل معارك مجلس الأمن بسبب "الفيتو"، وكذلك فشل مبعوثي الأمم المتحدة إلى المنطقة والذين تحولوا إلى أدوات لدولهم أو يعملون لحساب أصحاب "الفيتو"، وهذا ما يحدث في اليمن وسوريا وكثير من البؤر الساخنة في المنطقة، على هذه الدول البحث عن مخارج آمنة للوقوف على أرض صلبة بين دول العالم بتقييم المخاطر وترتيب الأولويات وفق رؤية جماعية للتحديات.

مقالات لنفس الكاتب