array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 140

مجلس الأمن أداة القوى الكبرى للهيمنة على العالم .. والتعددية قادمة

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

تشكل منظمة الأمم المتحدة كفكرة وكمشروع، أحادي الآليات التي تسعى إلى  مأسسة  القرار الدولي بغرض تحقيق  الأمن والسلم الدوليين، إذ تعود أهداف الأمم المتحدة حسب مبادئ ميثاقها التأسيسي إلى إحلال الأمن والسلم الدوليين، حتى وإن كانت هذه الأخيرة قامت على أنقاض فشل الجماعة الدولية في إقرار السلم والأمن الدوليين في العالم إثر الفشل الذريع الذي منيت به عصبة الأمم ،فجاءت الأمم المتحدة كفكرة أمريكية زكتها القوى الأوروبية جاءت، كمحاولة لضبط التوازن والاتزان داخل المشهد الدولي  وإعمال مبدأ القانون الدولي بما يتيح بسط السلم والأمن الدوليين وتحقيق الكرامة الإنسانية من خلال أبعادها من ويلات الحروب التي أفتكت بالبشرية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية ،وعلى الرغم من أن تأسيسها جاء كتوزيع للقوة العالمية بين القوى الكبرى وهذا ما يعبر عنه مجلس الأمن والذي يعتبر بمثابة أهم محركات هذه المنظمة إذ أن وجود خمس دول تسيطر على القرار الدولي تعبير صريح، على أن هذه المنظمة تقع تحت سيطرتها.

أولاً: الأمم المتحدة بين المساعي النبيلة والأهداف الحقيقية

تعتبر منظمة الأمم المتحدة منظمة من الجيل الثاني، جاءت بعد ظهور عصبة الأمم التي أنتجتها الحرب العالمية الأولى والتي لم يكتب لها النجاح، حيث جاءت منظمة الأمم المتحدة كمنتج لنهاية الحرب العالمية الثانية، و كتعبير عن وجود هيكل مؤسساتي يضم مجموعة من الوحدات الدولية والوحدة هنا المقصود بها، هي الدولة كفاعل أساسي في العلاقات الدولية، وذلك سنة 1945م، في مدينة سان فرانسيسكو غرب الولايات المتحدة الأمريكية وبعد مناقشات حثيثة بين خمسين دولة ولمدة شهرين من الزمن تم الاتفاق على إنشاء منظمة عالمية سميت منظمة الأمم المتحدة ومقرها نيويورك بتاريخ 24أكتوبر سنة 1945م، وكانت أولى ديباجات المؤتمرين هي عبارة نحن شعوب الأمم المتحدة آلينا على أنفسنا إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب المدمرة  وذلك من خلال الاتفاق على ديباجة تحمل أفكارًا تدعو إلى إحلال الأمن والسلم الدوليين ويشير ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء في سياق تراكم تاريخي من اجتماعات بين الدول المؤسسة لها بغر ض وضع حد للحروب التي أنهكت البشرية وأعادت رسم الخرائط الجغرافية والجيوسياسية ، وكان من بين الأهداف الأساسية هو إعادة بعث السلم والأمن الدوليين والوصول إلى استراتيجية من خلالها يتم حل الأزمات وتسويتها وفق منظورات الحوار والتفاوض وهذا المسعى الذي يعتبر نظريًا نبيل إلى أبعد الحدود حصلت له ارتطامات مع مجموعة من الأزمات العالمية التي لم تستطع المنظمة الأممية حلها بل هي مفتعلة في بعض الأحيان من قبل قوى تحوز القرار داخل مجلس الأمن من أجل تمرير مشاريعها الاستراتيجية والتي تتماهى مع مصالحها ونفوذها .

تشير الهياكل المؤسساتية داخل الأمم المتحدة إلى وجود مسعى نبيل لتحقيق هدف يرتقي بالشعوب ،من خلال وجود الجمعية العامة التي تعبر عن إحدى أذرع الأمانة العامة بالإضافة إلى مجلس الأمن و التي تعتبر بمثابة البرلمان العالمي الذي يتم من خلاله مناقشة وتداول القضايا المطروحة في جدول الأعمال الدولي والمرتبطة بمجموعة الأزمات التي تشغل المشهد الدولي ويتم ذلك خلال كل عام من شهر سبتمبر ،كما تحوز الأمم المتحدة أيضًا على منظمات ذات طابع تخصصي  ،كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي المتكون من 54دولة ويحوز على حوالي 70بالمئة من ميزانية المنظمة ويهتم هذا الهيكل بمجموع القضايا ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما تتكون أيضًا المنظمة الأممية محكمة العدل الدولية و مقرها لاها ي  وتعني بحل المنازعات الدولية والاحتكام إليها في إصدار فتاوى قانونية للوكالات المتخصصة داخل الأمم المتحدة ومجلس الوصاية المخصص للحفاظ على الأقاليم المستقلة وقد كانت نهاية وصايته على 11 إقليمًا قد انتهت منذ سنة 1994م .

كما سعت المنظمة الأممية أيضًا إلى المساعدة في المجال الإنساني عبر إرسال فرق إغاثة إلى المناطق المنكوبة من العالم، كما دعمت فرص التعليم والصحة عبر العديد من الدول واهتمت بقضايا ذات الطابع الإنساني من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يشكل الركيزة الأساسية لبلورة أفكار الأمم المتحدة، بشأن القضايا ذات الطابع الاقتصادي والتنموي والسياسي والاجتماعي والبيئي والأمني وتقديم الغذاء والتطعيمات الصحية للدول التي تعاني هشاشات اجتماعية تصل في بعض الأحيان إلى المجاعة، ولعبت القبعات الزرق دورًا معتبرًا في الوقوف على بؤر التوتر المختلفة في العالم، كمحاولة لإرساء أسس السلم والأمن الدوليين. وعلى الرغم من كل هذه النشاطات التي تقوم بها الأمم المتحدة إلا أنها شهدت إخفاقات كثيرة في مناطق مختلفة من العالم جراء وجود أجندات عميقة وأيدولوجيات عميقة لقوى تحوز القرار الدولي داخل مجلس الأمن كأحد أبرز محركات المنظمة الأممية والتي تعبر عن ميلاد نظام عالمي جديد.

ثانيًا: مجلس الأمن: سيطرة الكبار على القرار الدولي

يشكل مجلس الأمن أحد أهم محركات صنع القرار الدولي وهو ذراع الأمانة العامة ورئته الأساسية ويتكون من 15عضوًا ، عشرة غير دائمين ويتخذ القرار فيه بأغلبية 9أعضاء ويحق للدول الخمسة كبح أي قرار عن طريق إشعار الفيتو ،وكان  الأخير محل النقاش بين الدول المؤسسة للمنظمة الأممية خلال الاجتماعات التي عرفتها خلال شهرين من الزمن قبل ميلاد المنظمة الأممية بتاريخها المعروف، وقد شكلت نقطة الخلاف بين المؤتمرين حول مجلس الأمن وحق الفيتو فيه وكلمة فيتو باللغة اللاتينية تعني أنا أعترض، بل وصل الحد بالمندوب الأمريكي إلى القول لا ميثاق للأمم المتحدة دون وجود حق الفيتو، وهذا تعبير صريح، على أن فكرة الأمم المتحدة وحق الفيتو في حد ذاته هو فكرة أمريكية بامتياز وتعبير حقيقي عن ميلاد النظام الدولي الجديد لما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية والذي شكل نقطة تحول حقيقي لموازين القوة العالمية وإعادة ترتيبها ومأسستها والدليل على ذلك هو إلقاء نظرة بسيطة بقراءة عميقة داخل الدول المكونة لمجلس الأمن الدولي سنجد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وقوى الناتو والأطلسي مقابل معسكر الشرق المتكون من الصين وروسيا، إذ أن مجلس الأمن ليس للأمن ولكن تعبير حقيقي عن توزيع القوة العالمية لصالح المصالح العالمية والاستراتيجية للدول المكونة له.

وتشير المؤشرات إلى أن  أكثر الدول التي استخدمت حق الفيتو هي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ،وتأخذ روسيا حصة النصيب الأكبر تليها الولايات المتحدة الأمريكية وقد أنصبت مجملهما على عموم القضايا المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط منذ خمسينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، مع تجدد بؤر التوتر اليوم الموجودة في سوريا وليبيا واليمن ولايزال المعسكران معسكر الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومعسكر الشرق بقيادة الصين وروسيا على ضوء اقتراح قرارات ومشروعات قرار يتم كبحها من فريق ضد الأخر وهذا يعبر على أن النظام العالمي الجديد، لايزال يتبلور  ويتشكل على مقياس تقاسم المصالح الاستراتيجية على مناطق نفوذ استراتيجية والصراع حولها في العالم ويأخذ الشرق الأوسط وقضاياه نصيب الأسد.

وتشير المؤشرات إلى أن ما بعد فترة 1990م، قد شهد حق استخدام الفيتو لصالح إسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل بها الحد إلى استخدام حوالي 32 فيتو ضد قرارات تنتقد إسرائيل وسياستها العنصرية والعدوانية على أراضي الشعب الفلسطيني المحتل، وهي سياسة الانحياز اللا مشروط التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية وشقيقاتها بريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن لصالح إسرائيل.

ثالثًا: إصلاح الأمم المتحدة ومستقبل العالم على ضوء التحولات الجيوسياسية

تطرح فكرة إصلاح الأمم المتحدة إحدى الطروحات الجديدة التي نادى بها الأمين العام الأممي كوفي عنان، وربما هذه الإشارة إلى فكرة إصلاح الأمم المتحدة يعبر عن وجود خلل مؤسساتي داخل أكبر هيئة عالمية تسعى إلى مأسسة القرار الدولي، مع ازدياد شديد للانتقادات لها في أنها فشلت في أداء مهمتها الرئيسة والمتمثلة في حفظ السلم والأمن الدوليين وإقرار القانون الدولي لحفظ الكرامة الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهنالك تناقض كبير في الطرح المثالي للأمم المتحدة وبين الطرح الواقعي الذي عملت به الكثير من القوى الكبرى داخل مجلس الأمن عملت  من خلالها  على تهديد السلم العالمي.

وربما النقطة المتفق عليها بين دراسي القانون الدولي والمنظمات الدولية كمدخل لإصلاح الأمم المتحدة هو تحديد صلاحيات مجلس الأمن والقوى المكونة له، فالدول المؤسسة لميثاق الأمم المتحدة في صياغتها لبنود مجلس الأمن جعلت منه مؤسسة داخل مؤسسة أعطيت لها صلاحيات دون محاسبة حتى ولو تعارضت مع مبادئ القانون الدولي وقامت بانتهاكه، كما أن مسألة التمثيل تطرح بقوة في هذا السياق، إذ كيف لعالم يعرف ثقافات متعددة أن يمثل فقط في مجلس الأمن من خلال خمسة دول تحوز القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وقد بدأت فكرة إصلاح الأمم المتحدة تنتقل عبر دورات الأمم المتحدة في الجمعية العامة من كل سنة ليتم طرحه على مستوى جدول الأعمال وفعلًا تم التحرك في إحدى أبعاد إصلاح الأمم المتحدة في الجانب المالي والإداري لكن بقي الإصلاح السياسي على مستوى بلورة قرار دولي يخدم السلام العالمي حبيس تصورات الدول الكبرى التي تتغذى من مصالحها الاستراتيجية، فمثلا طرحت فرنسا فكرة إصلاح في جانب سياسي للأمم المتحدة تركزت حول مجلس الأمن وكيفية اتخاذ القرار فيه، فمثلًا تم اقتراح أنه في حالات الإبادة الجماعية يجب تعطيل حق الفيتو في هذا الجانب لكن هذا الطرح قُبل بالرفض من قبل قوى داخل مجلس الأمن، وربما كان هذا الطرح يحمل نوعًا ما أيدولوجيات عميقة ، فقد تتورط دول داخل مجلس الأمن في هذا في دول معينة ثم تجعل منه أداة لتنفيذ استراتيجيتها ،وربما رفضت القوى الكبرى داخل مجلس الأمن لفكرة الإصلاح  هو لضمان  لها لما أنتج بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء والذي جاء مجلس الأمن كهدية تقدم له لحفظ التوازن والاتزان داخل المشهد الدولي.

وربما المشهد يعيد نفسه الآن على ضوء أيضًا ازدياد بؤر التوتر في العالم وتزايد حدة الصراع بين الفاعلين الإقليميين والدوليين وصعود قوى جديدة تسعى الآن لتتموضع في بنية النسق الدولي الجديد، فروسيا اليوم أصبحت قوة مناهضة للنفوذ الأمريكي وتبين ذلك من خلال ضمها لشبه جزيرة القرم وتوغلها داخل أوكرانيا وخلط أوراق الأطلسي ،بل وصل الحد ببوتين صرح مرة أنه إذا واصل الغرب الضغط على روسيا فإنها ستنفجر عليكم وحجم الامتداد الروسي واضح اليوم في سوريا وليبيا وكذاك الصين التي تتموقع كعملاق اقتصادي يسعى لأن يبرر مقولة أن القرن المقبل هو قرن الجنس الأصفر، فطريق الحرير هو تعبير واضح عن عزف عالمي صيني  تجاري واقتصادي وحضاري ، كما تتموقع المانيا أيضًا بنموذج اقتصادي جذاب وذي قدرة على التأثير في مجال الصناعات والطاقات المتجددة فألمانيا أصبح لها مجال نفوذ لا يستهان به  في العالم كما يشهد العالم بروز قوى ناشئة تسعى لأن تتموقع في المشهد الدولي كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وتبدي سخطًا على سياسات الأحادية القطبية المغلفة بالأمركة ،كل هذه التحولات تبرز أن بوادر ميلاد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب قد بدأ يلوح في الأفق وبالتالي أصبحت المنظمة الأممية على محك اختبار مدى جديتها في استيعاب التحولات الجيو سياسية والجيو اقتصادية الجديدة  وتحديد مسار واضح لإصلاحها بحيث تصبح مؤسسة جامعة لكل التوازنات الدولية والإقليمية بتمثيله إذا لا يعقل أن لا يمثل العالم العربي والإسلامي الذي يعتبر ثقلا تاريخيًا وحضاريًا في منظمة الأمم المتحدة.

النتيجة 

لقد عبرت الأمم المتحدة كفكرة جاءت كنتيجة لوضع انتصار الحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ،مبلورة بذلك ميلاد نظام عالمي جديد وعلى الرغم من بعض الأهداف النبيلة التي سعت المنظمة الأممية إلى تحقيقها إلا أنها فشلت في إرساء مفهوم واضح للسلام العالمي، جراء تعطيل قرارها من قبل مجلس الأمن الذي يعبر، عن توزيع القوة العالمية ،فرضها وضع ما بعد انتصار الحرب العالمية الثانية ، وبالرغم من فكرة إصلاح الأمم المتحدة المطروحة على جدول الأعمال الدولي من كل دورة للجمعية العامة كل عام ،إلا أن صدق النوايا في تحقيق ذلك بعيد كل البعد عن الطموحات الحقيقة لذلك فالكبار لا يؤمنون إلا بالقوة والقوة والمصلحة الوطنية، هما ساقا العلاقات الدولية كما يقول هانس مورقن تو رائد المدرسة الواقعية وبالتالي فرص نجاحها ونجاح إصلاحها بات على محك مجلس الأمن وتبلور النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

مجلة آراء حول الخليج