array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 140

الأمم المتحدة وجدلية الأمن والتنمية في إفريقيا

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

على مدار سبعة عقود من عمر منظمة الأمم المتحدة تطورت العلاقات بين هذه المنظمة والقارة الإفريقية عبر مراحل مختلفة ، إلا أن هذه العلاقات حملت سمات جديدة ومتميزة مع بداية عقد التسعينيات وحتى الآن، فعندما تم صياغة ميثاق الأمم المتحدة كان هناك عدد قليل من الدول الإفريقية مستقلة، فقد كافحت البلدان الإفريقية للقضاء على الاستعمار طوال الستينيات حيث بدأت مكانة إفريقيا في الأمم المتحدة تتغير منذ ذلك التوقيت، و أصبحت البلدان الإفريقية المستقلة حديثًا أعضاءً في الأمم المتحدة و تعلموا كيفية استخدام المنظمة العالمية كمنصة لطرح المصالح مثل التنمية الاقتصادية، وإنهاء الاستعمار.

ومع مرور السنوات أصبحت الدول الإفريقية تشكل أكبر تجمع إقليمي في الأمم المتحدة، ويمثل هذا التجمع أكثر من ربع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. إلا أن هذا الحجم لم يترجم في الأنشطة وعمليات اتخاذ القرارات داخل المنظمة. على العكس من ذلك، فالتحدث بصوت واحد في الأمم المتحدة وتأكيد المواقف يمثل تحدٍ مستمر للدول الإفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة.

وفى إطار هذه العلاقة غير المتوازنة بين الكتلة العددية للدول الإفريقية وقدرة هذه الكتلة على التأثير في المنظمة الدولية، ظهر العديد من التساؤلات حول أبعاد العلاقة التي تربط بين المنظمة الدولية والدول الإفريقية، ومدى تأثير التطورات التي تشهدها القارة الإفريقية على الدور الذي تقوم به هذه المنظمة في إفريقيا.  

أولاً-أبعاد الدور الأممي في إفريقيا

اشتمل الدور الذى تولته الأمم المتحدة في إفريقيا على العديد من الأبعاد حيث اعتمدت المنظمة الدولية في تحقيقه على أجهزتها ووكالاتها المتخصصة إلا أن غالبية هذه الأبعاد لم تبتعد كثيرًا عن الأهداف التي نشأت من أجلها المنظمة الدولية وفى مقدمتها تحقيق الأمن والاستقرار الدولي ومنع نشوب الصراعات، لذلك لم يكن من الغريب محاولة الأمم المتحدة القيام ببعض المبادرات في أوقات الأزمات والصراعات في دول القارة الإفريقية وكذلك سعي المنظمة الدولية لتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر والبطالة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الداعمة للاستقرار في القارة. هذا فضلاً عن تأثر المنظمة الدولية بالتحولات في النظام الدولي ومواقف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. ويمكن توضيح أبعاد الدور الأممي في إفريقيا فيما يلي:

المشاركة في استعادة الاستقرار وحفظ السلام في إفريقيا

كان للأمم المتحدة دور مميز في دعم السلام والاستقرار في القارة الإفريقية فمنذ الستينات وحتى أوائل التسعينيات اعترفت الأمم المتحدة بالدول المستقلة عن الاستعمار كما شاركت في القضاء على سياسات التمييز والفصل العنصري التي كان يتبناها النظام الحاكم في جنوب إفريقيا، ودعمت استقلال ناميبيا.

إلا أن حقبة التسعينيات قد شهدت صعود غير مسبوق في قضايا الأمن والصراعات في إفريقيا في ظل انتشار الصراعات داخل القارة، مع التحول في طبيعة الصراعات من صراعات بين الدول إلى صراعات داخل العديد من الدول الإفريقية، مما دفع المنظمة الدولية لاتخاذ العديد من التدابير الأمنية والإنسانية لمواجهة هذه الموجة من الصراعات، وخلال هذه الحقبة كان هناك 160 مليون إفريقي يعيشون في بلدان تستهلكها الحرب الأهلية؛ وقُتل ما يقرب من ثلاثة ملايين منهم في سياق هذه الصراعات.  

تراوحت أدوار الأمم المتحدة في إفريقيا لتسوية الصراعات ما بين الاعتماد على الدبلوماسية الوقائية وبعثات لحفظ السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية والتدخل العسكري لتأمين عمليات الإغاثة الإنسانية والتدخل الإنساني كما في حالتي رواندا ودارفور هذا فضلاً عن عمليات بناء السلم بعد انتهاء الصراع، وإضفاء الشرعية على الدول المستقلة حديثًا.

وتقوم الأمم المتحدة (UN) بعدد من بعثات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم. وابتداء من عام 1960م، بدأت الأمم المتحدة بعثات في مختلف البلدان في إفريقيا. بينما حدثت مهمة واحدة فقط خلال التسعينيات من القرن الماضي، ومع تصاعد الاضطرابات في إفريقيا منذ عام 1989م، تزايدت بعثات السلام.

والعديد من مهام حفظ السلام هذه كانت نتيجة حروب أهلية أو صراعات مستمرة في البلدان الإفريقية، بما في ذلك أنجولا والكونغو وليبيريا والصومال ورواندا. وكانت بعض المهمات قصيرة بينما استغرقت مهمات أخرى سنوات في كل مرة. كما حلت بعض المهام محل البعثات السابقة مع تصاعد التوترات في البلدان أو تغير المناخ السياسي.

ومن أشهر عمليات الأمم المتحدة في إفريقيا بعثات:

-بعثة المنظمة في الكونغو الديمقراطية (ONUC - UN Operations) من يوليو 1960 حتى يونيو 1964 وتلتها بعثة المساعدات المدنية .

- بعثة الأمم المتحدة للتحقق في أنجولا (UNAVEM1) من يناير 1989 إلى مايو 1991 م، في سياق الحرب الأهلية الطويلة في أنجولا وتم سحب القوات الكوبية قبل شهر واحد من الموعد المحدد، و تبعت البعثة بعثتين عام UNAVEM II ) 1991م، و (UNAVEM III من 1997 – 1995م.

- وكذلك بعثتي الأمم المتحدة في الصومال من 1992-1993م، (UNISOM I) و1993-1995م، (UNISOM II)، وبعثة الأمم المتحدة في موزمبيق (ONUMOZ) 1992-1994م، وبعثة المراقبة بين رواندا وأوغندا (UNOMUR) من 1993-1994م، وبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيريا (UNOMIL) من 1993-1997م، وبعثة الأمم المتحدة إلى روندا (UNAMIR) من 1993-1996م، وفريق مراقبة قطاع أوزو بين تشاد وليبيا (UNASOG) عام 1994م، وبعثة المراقبة في الحرب الأهلية في أنجولا (MONUA) من 1997-1999م، وبعثة مراقبة إلى سيراليون (UNOMSIL)من 1998 -1999 م.

- وبعثة السلام في سيراليون (UNAMSIL)من 1999-2005م، وعملية الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية (MONUC) في الحرب الأهلية الثانية من 1999-2010م، وبعثة الأمم المتحدة في ليبيريا (UNMIL) بدأت في عام 2003م، وبعثة المراقبة الدولية بين إثيوبيا وإرتيريا من 2000-2008م، وعملية الأمم المتحدة في ساحل العاج 2003-2004م،عملية الأمم المتحدة في ساحل العاج (UNOCI) التي بدأت عملها في عام 2004م،وعملية الأمم المتحدة في بورندي (ONUB) من 2004-2006م، وبعثة الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد (MINURCAT)2007-2010م، وبعثة الأمم المتحدة في السودان من 2005-2011م .

- أما البعثات الحالية للأمم المتحدة فهي، بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS)التي بدأت عملها في 2011م، قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لإقليم أبيي (UNISFA) بدأت عملها في عام 2011م، وبعثة الأمم المتحدة لتحقيق السلام في الكونغو الديمقراطية (MONUSCO) التي بدأت في عام 2010م، البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور (UNAMID) وبدأت عملها في عام 2007م، بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO). فمن بين 14 بعثة للأمم المتحدة حول العالم تستحوذ القارة الإفريقية على سبع بعثات هي للصحراء الغربية، ودارفور وجنوب السودان ومالي وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وإقليم أبيي، بالإضافة إلى مكتب الأمم المتحدة لدعم الصومال ([1]).

أ‌-      دعم الاقتصاد الإفريقي وتحقيق التنمية المستدامة

تعمل مجموعة من الوكالات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة لتقديم الدعم الاقتصادي في عدة مجالات في عدد من الدول الإفريقية، ومن أهم هذه الوكالات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذى يهدف عبر سياساته إلى الحد من الفقر وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية عن طريق دعم المشاريع والبرامج التنموية المحلية، ومساعدة الحكومات على وضع سياسات اقتصادية واجتماعية تستهدف تعزيز استراتيجيات التنمية البشرية المراعية لمصالح الفقراء و حماية البيئة ودعم مشاريع التنمية المستدامة، وكذلك تعزيز الحكم الديمقراطي، كما تم إنشاء لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا (UNCTAD) كواحدة من خمسة لجان أخرى إقليمية تابعة للأمم المتحدة. وتقوم هذه اللجنة بدعم مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول الأعضاء بها والتي تساهم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وتولي المنظمة أهمية كبيرة للمشروعات التي تدعم التكامل الإقليمي والتجارة والبنية التحتية وتنمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمؤشرات التنموية، وتتعاون اللجنة الاقتصادية لإفريقيا مع المؤسسات الإفريقية الرائدة مثل الاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا(نيباد) ([2]).

كما تعمل الوكالات التابعة للأمم المتحدة على تحقيق التنمية المستدامة حيث ارتبط بعض هذه الأهداف بما عرف بالأهداف الإنمائية للألفية (MDGs)، ومنها الحفاظ على صحة الأمهات والأطفال في إفريقيا وكذلك توفير المياه النظيفة، والقضاء على الأمية ودعم المرأة المعيلة، وقد تمكنت الدول الإفريقية من الوصول إلى مستويات متقدة في تحقيق هذه الأهداف حتى نهاية عام 2015م. كما تقدم الأمم المتحدة مساعدات تنموية رسمية في صورة قروض مالية للدول النامية وتبلغ حصة إفريقيا من هذه المساعدات ما يقرب من 40 %.

ولا تزال القارة شديدة الاعتماد على السلع الأساسية، في حين أنه، نتيجة لتقلب أسعار السلع الأساسية عالميًا، قد كان لإيرادات التصدير غير المستقرة في العديد من البلدان الإفريقية تأثير ملموس على أنماط النمو الاقتصادي. وتواجه القارة تحديات مستقبلية أيضًا. فالتقديرات المتعلقة بالنمو السكاني المتوقع تبين أن إفريقيا هي أسرع المناطق نموًا في العالم، مع تزايد أعداد فئة الشباب، التي ستبلغ حوالي ٦٠ % من مجموع السكان بحلول عام 2050م. وهؤلاء الشباب بحاجة إلى التعليم وفرص العمل والسكن والرعاية الصحية، مما يفرض ضغطًا على الحكومات لكي تلبي تلك الاحتياجات.

ويمكن للقارة الإفريقية أن تستغل هذا العائد الديمغرافي من خلال الاستثمار في التعليم الجيد، وتدريب المعلمين، والتكنولوجيا والابتكار، كما يمكن الاستعانة بشراكات متعددة الأطراف في زيادة الاستثمارات وتعزيز قدرات المؤسسات من أجل تقديم حلول ابتكارية، وهو أمر يمكن للأمم المتحدة أن تيسر تحقيقه. وسيكون توفير الفرص وتمكين النساء والشباب ضروريًا، باعتباره هدفا من الأهداف الإنمائية.

وخطة عام 2030م، ذات أهمية محورية لمستقبل إفريقيا، وتعمل الأمم المتحدة مع شركائها في إفريقيا من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على نحو متعاضد، في تناغم مع خطة الاتحاد الإفريقي لعام ٢٠٦٣م، وتعزيزًا لأوجه التآزر هذه، اعتمدت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي معًا هيكل إبلاغ مشتركًا يتضمن إطارًا واحدًا للرصد والتقييم. وفضلاً عن ذلك، اعتمدت الجمعية العامة في ديسمبر 2016م، إطار تجديد الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بشأن خطة إفريقيا للتكامل والتنمية للفترة 2017-2027م، (القرار 71/254). وتتطلب هذه الديناميات جهودًا مركزة، ومن مصلحة كل بلد في جميع أنحاء العالم أن يسعى إلى التركيز على تهيئة مستقبل قوي لإفريقيا ([3]).

ج-العمل الإنساني

في ظل التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها دول القارة الإفريقية، عملت منظمة الأمم المتحدة على تولي أدوار إنسانية متنوعة لحماية الأشخاص الذين يعيشون في إفريقيا ويتحولون إلى ضحايا للصراعات والكوارث الطبيعية، ومن أهم أجهزة الأمم المتحدة المعنية بالجانب الإنساني كانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتي تعمل من خلال مكاتبها في القارة الإفريقية على استيعاب اللاجئين الهاربين من مناطق الأزمات وتقديم الدعم الاقتصادي والإنساني لهم وكذلك مساندة الدول المستضيفة لهؤلاء اللاجئين.

كذلك عملت الأمم المتحدة من خلال أجهزتها على محاربة ظواهر إنسانية مختلفة مثل الجوع وانتشار الأمراض مثل مرض نقص المناعة المكتسبة وإيبولا والملاريا وغيرها من الأمراض التي تعاني العديد من الشعوب الإفريقية من انتشارها بين السكان. كما تعمل المنظمة على الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاكمة مجرمي الحرب في إفريقيا ودعم التعليم والثقافة الإفريقية.

ثانيًا – تحديات الدور الأممي في إفريقيا

على الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمة الدولية في إفريقيا في المجالات المختلفة، لا تزال هناك العديد من التحديات والمعوقات التي تواجه عمل المنظمة في إفريقيا، في الوقت الذي تلاحق المنظمة العديد من الانتقادات المرتبطة بتأثيرات النظام الدولي والقوى الدولية المختلفة على عملها وكذلك المشكلات الداخلية التي تعاني منها المنظمة وتنعكس على تحركاتها في إفريقيا.

فقد تركزت أهم الأدوار التي اضطلعت بها الأمم المتحدة على الجوانب العسكرية والأمنية، نظرًا للتطورات المتلاحقة التي تشهدها القارة الإفريقية في هذه الجوانب، وكذلك حاجة القوى الكبرى لتحقيق الاستقرار في إفريقيا لتأمين مصالحها في القارة.

وفى هذا الإطار برزت مجموعة من التحديات التي تتطلب البحث عن معالجات جادة لتفعيل دور المنظمة الدولية في إفريقيا، ومن أهم هذه التحديات:

1-نقص التدريب وتصاعد الصراعات  

ويعبر قادة عمليات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية في إفريقيا عن التحديات الخطيرة التي تواجهها هذه البعثات في أثناء القيام بمهمتها ومن أهمها عدم القدرة على وقف الصراع والدفع بأطرافه نحو مفاوضات السلام مما يهدد الأفراد العاملين في هذه البعثة، وكذلك استهداف قوات الأمم المتحدة من قبل الأطراف المتصارعة، واتهامهم بعدم الحيادية والتحيز لطرف على حساب الأطراف الأخرى في الصراع، وعدم تعاون بعض الحكومات الإفريقية مع هذه البعثات وكذلك عدم امتثالها لاتفاقات التهدئة أو صنع السلام ([4]).

ويؤكد العاملون في بعثات السلام على مشكلات ترتبط بتزايد المهام المكلفين بها والتي تتجاوز قدرات البعثة، وكذلك الانتشار الواسع للجماعات المسلحة على نحو ما نشهده في دول مثل الكونغو الديمقراطية.

واتهم تقرير جديد صادر في نهاية عام 2018م، عن مجموعة "البحث عن الأسلحة الصغيرة"، ومقرها جنيف، بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (Unmiss) بأنها تفتقر إلى الحياد من خلال منح الأسلحة للمتمردين في بلدة بانتيو في عام 2013م، ويلقي باللوم على البعثة لعدم الإبلاغ عن الأسلحة المصادرة من الجنود الفارين وتسليم الأسلحة إلى جنود الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة (SPLM-IO) في أكثر من مناسبة. كما زعم التقرير أنه بعد فترة وجيزة من نقل الأسلحة هذا، استمر المتمردون في ارتكاب مذبحة ضد المدنيين. وأصبحت عمليات مهمة الأمم المتحدة في جنوب السودان موضع تركيز حاد بعد الكشف المحير عن فشل قواتها في حماية المدنيين في أعقاب الاشتباكات بين القوات الحكومية والمتمردين السابقين في يوليو 2016م. ([5]).

2-بيئة مناهضة لبعثات الأمم المتحدة

خلال السنوات الأخيرة ظهرت انتقادات كثيرة لبعثات السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا حيث اتهمت هذه البعثات بعدم القدرة على حماية المدنيين وبالتواطؤ في بعض الأحيان مع الميليشيات المسلحة وكذلك ارتكاب عدد من جنود هذه البعثات لانتهاكات أخلاقية، واندلعت بعض الاحتجاجات المناهضة لهذه البعثات.

ففي فبراير 2018م، قتل مسلحون 30 نازحًا داخليًا وجرحوا أكثر من 120 آخرين في أحد مجمعات حماية المدنيين التابعة للأمم المتحدة في بلدة ملكال شمال غرب السودان.

وفي جمهورية إفريقيا الوسطى (CAR)، اتُهمت بعثة الأمم المتحدة (Minusca) بعدم التحرك عندما قتل مئات المدنيين، كما اتهم عدد من الجنود بالاستغلال والاعتداء الجنسي بين عامي 2014-2015م، لنساء وفتيات في هذه الدولة فعلى سبيل المثال، قُتل أكثر من 75 شخصًا بينهم مدنيون في الشمال أثناء اندلاع أعمال العنف في سبتمبر 2016م، وانتقدت منظمة العفو الدولية هذه البعثة. وبعد أسبوع من هذه الأحداث، توفي أربعة أشخاص في العاصمة بانجي خلال الاحتجاجات المناهضة للأمم المتحدة.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أدى ازدراء مماثل للأمم المتحدة ومهمة حفظ السلام التابعة لها، إلى مظاهرات وهجمات عنيفة من قبل المدنيين، ووقعت معظم الاحتجاجات المناهضة للأمم المتحدة في المنطقة الشرقية من كيفو، حيث تواصل الجماعات المسلحة ارتكاب المذابح، لا سيما في منطقة بني. وغالبًا ما يشار إلى حفظة السلام بالسائحين لأنهم مرتبطون بطائرات الهليكوبتر وسيارات الدفع الرباعي ([6]).

3-نقص التمويل المقدم لبعثات السلام

أصبحت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أكثر تحفظًا في تمويل عمليات حفظ السلام أو تسليم المساهمات المالية المتعهدة للمعنيين في مواعيدها، مما يعرض وجود هذه البعثات، والتي تقّدر ميزانية أنشطتها حول العالم بمليارات الدولارات، للخطر.

تنفق الأمم المتحدة ما يقرب من 8 مليارات دولار (6.5 مليار جنيه إسترليني) كل عام على عمليات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم، حيث يذهب الجزء الأكبر إلى البعثات في إفريقيا.

وفي نهاية عام 2018م، بلغ العجز في ميزانية قوات حفظ السلام للأمم المتحدة ما يقدّر بـ 1.4 مليار دولار (1.4 مليار فرنك سويسري). ويتم حاليًا مناقشة هذه المسألة من قِبَل اللجنة الخامسة وهي الهيأة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والمسؤولة عن ميزانية هذه القوات.

وقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اللجنة، في الخامس من شهر يونيو الماضي، من أن العديد من بعثات حفظ السلام تعاني من نقص شديد في التمويل، وأن الأزمة المالية الحالية تمنع الأمم المتحدة من دفع التعويضات اللازمة للبلدان المساهمة بقوات وبأفراد شرطة -معظمهم من البلدان منخفضة الدخل -في مواعيد مناسبة ومعروفة مسبقًا، مما يعوق قدرة هذه القوات على القيام بمهامها الأمنية التي تشتد الحاجة إليها.

ومن الجدير بالذكر أن أكثر من 90% من البلدان المساهمة بقوات وبأفراد شرطة، هي دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في حين أن الدول التي لا تحترم تعهداتها المالية، هي في معظمها الدول الغربية ([7]).

4-استمرار معدلات الفقر والبطالة

وعلى الجانب الاقتصادي لا تزال المؤشرات الاقتصادية للعديد من الدول الإفريقية لا تعكس تطور حقيقي في القطاعات الاقتصادية، فعلى الرغم من وجود ما يقرب من 30 دولة ضمن قائمة الدول الناشئة أو الساعية إلى تحقيق النمو الاقتصادي، ووجود اقتصاديات داخل القارة تتصف بكونها ضمن قائمة الأسرع نموًا في العالم إلا أن هذا النمو لا يتم التعبير عنه في مؤشرات الحد من الفقر والبطالة وزيادة فرص التعليم وتطوير خدمات الصحة وغيرها من المؤشرات التنموية.

وتؤثر هذه المؤشرات على عمل أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة المعنية بالجوانب الاقتصادية في القارة وخاصة البرنامج الإنمائي. في الوقت الذي تتطلع إفريقيا إلى الحد من المشروطية السياسية والاقتصادية التي تفرضها بعض الجهات الدولية المانحة والتابعة للأمم المتحدة حيث تضاعف هذه المشروطية من الضغوط المفروضة على الحكومات وتقلص الأدوار الاجتماعية التي يمكن أن تقوم بها هذه الحكومات.

5-عدم وجود مقعد دائم لإفريقيا في مجلس الأمن

تبدو العلاقة بين الأمم المتحدة وإفريقيا متناقضة ففي حين قد يكون هناك الكثير من الحديث عن إفريقيا، فلا يوجد حديث كثير مع إفريقيا وعن دورها في الأمم المتحدة. تاريخيًا، هذه الرابطة مرت بعدة مراحل كما تضمنت عدة مجالات كان من أشهرها مجالات حفظ السلام في إفريقيا.

ومع نهاية تولي كوفي أنان أمانة الأمم المتحدة بدأ نقاش واسع حول إصلاح المنظمة الدولية. ومع ذلك، فإن الكثير من الصخب حول إصلاح الأمم المتحدة لم يؤد إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بدلاً من ذلك، كانت إحدى النتائج الملموسة القليلة للقمة العالمية لعام 2005م، هي لجنة بناء السلام (PBC)، استفسر النقاش الذي تلا ذلك عن العلاقة بين إصلاح مجلس الأمن المتوقف وإنشاء لجنة السلام التابعة للأمم المتحدة وما إذا كانت هذه النتائج قد أفادت إفريقيا أم لا.

فمع وجود غالبية عمليات حفظ السلام التي فوضتها الأمم المتحدة في إفريقيا، فإن الحاجة إلى التحسين وإلى تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن واضحة. ومما يزيد من ذلك، أن القارة التي تحشد ما يقرب من ربع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تظل المنطقة الرئيسية الوحيدة التي لا تتمتع بمقعد دائم وتتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.

في عام 2005م، أيد القادة الأفارقة إجماع إزولويني، الذي اقترح إصلاح المجلس الذي سيكون لإفريقيا فيه خمسة مقاعد غير دائمة ومقعدان دائمان يتمتعان بحق النقض (الفيتو).

ورأى بعض المشاركين أن إصرار إفريقيا على الموقف كدليل على قوة الكتلة الإفريقية. من وجهة نظرهم، فإن مقعد دائم لإفريقيا بدون حق النقض سيكون ضارًا بالمنطقة الإفريقية. ومع ذلك، أعرب آخرون عن أسفهم لأن إفريقيا فقدت الزخم الاستراتيجي واتبعت بشكل أفضل نهج مجموعة الأربعة (G4) اليابان وألمانيا والهند والبرازيل واليابان. ففي الفترة التي سبقت قمة 2005م، استعانت هذه البلدان بالكتلة الإفريقية للحصول على دعم لاقتراح مجموعة الأربعة الإصلاحي، الذي أسقط الطلب على حق النقض في مقابل التمثيل الدائم. لكن أفريقيا لم تستطع التغلب على خلافاتها، كان هناك اتفاق كبير على أنه في الوقت الحالي، فرص إصلاح مجلس الأمن تكاد تكون معدومة. ومع ذلك، كان الحكم أقل حسمًا حول لجنة السلام، وهي هيأة استشارية تم إنشاؤها لمنع تلك البلدان من العودة إلى الصراعات العنيفة.

خاتمة

لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في إفريقيا وخاصة في مجالات الأمن والتنمية، ولكن هناك حاجة دائمة لتطوير هذا الدور وخاصة في ظل الأزمات التي تعاني منها القارة وانعكاساتها على المصالح الدولية

فتركيز الأمم المتحدة على حفظ السلام وإنهاء الصراعات في إفريقيا قد واجه العديد من العقبات نتيجة لاستمرار الأسباب الجذرية للصراعات والإرهاب وعدم التركيز على معالجتها بصورة فعالة.

كما يؤكد بعض المحللين والمراقبين أنه يمكن استبدال بعثات الأمم المتحدة ببعثات إقليمية مع تقديم الدعم اللوجستي والمالي من الأمم المتحدة؛ وهناك نماذج ناجحة على هذه التدخلات الإقليمية منها قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، تدخل جنوب إفريقيا وتنزانيا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أدى إلى بذل المزيد من الجهود الاستباقية. لاحتواء الصراع. إلا أن هذا التوجه يقلص من الدور الدولي للمنظمة الدولية ويبعث الحاجة إلى تطوير ميثاقها بما يتناسب مع التوجهات الجديدة، وقد يؤثر هذا التطور على المواجهة الفعالة لقضايا الصراع والإرهاب في القارة الإفريقية وخاصة في ظل ما تعانيه العديد من دولها من مشكلات وأزمات.

كما توجد حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للدفع بأطراف الصراعات إلى العملية السياسية وتنفيذ بنود هذه العملية للحد من الصراع، ويجب أن تؤكد الأمم المتحدة على هذا الاتجاه حتى لا تتحول عملياتها في إفريقيا لمجرد مغامرات عسكرية لا تؤتى ثمرها على المدى البعيد.    

ولا تعني أوجه القصور في عمليات الأمم المتحدة بالضرورة أن حفظ السلام الذي ترعاه المنظمة قد فشل في إفريقيا ولكن يجب مراجعة هذه العمليات وتقديم الأفضل، وتحديد التفويض الممنوح للقوات بدقة شديدة، وكيفية التعامل مع السكان المحليين، مع اختيار أفراد هذه العمليات على نحو مميز ومتابعة سلوكياتهم في الدولة المضيفة.  

مع ضرورة توفير نظام لفحص القوات المرسلة إلى مناطق الصراع لضمان ملاءمتها للمهمة والحياد، بحيث لا تستخدم البلدان المساهمة بقوات حفظ السلام للأمم المتحدة إرسال القوات لتعزيز سياستها الخارجية وكسب مكافآت كبيرة لقواتها. فتواجد هذه القوات ليس سوى طريقة واحدة لإخماد الصراع. وحفظ السلام هو أداة قصيرة الأجل، لذا نحتاج إلى التفكير في كيفية ربط ذلك بعملية بناء السلام على المدى الطويل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبيرة الشؤون الإفريقية ومدير تحرير مجلة " مختارات إيرانية " بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية – القاهرة  

 

الهوامش

 

([1]) Where we operate, https://peacekeeping.un.org/en/where-we-operate

([2]) United Nations Economic Commission for Africa (UNECA), https://www.greengrowthknowledge.org/organization/united-nations-economic-commission-africa-uneca

Promoting Economic Development in Africa, https://unctad.org/en/Pages/ALDC/Africa/Economic-Development-of-Africa.aspx)

[3] ) التنمية في إفريقيا ، كلمة الأمين العام للأمم المتحدة ، https://www.un.org/sg/ar/content/chapter-ii-c-development-africa

([4]) Force Commanders in Africa Outline Challenges Facing United Nations Peacekeeping Efforts During Briefing to Security Council, 9 May 2018, https://www.un.org/press/en/2018/sc13329.doc.htm

[5]) Tomi Oladipo, The UN's peacekeeping nightmare in Africa, 5 January 2017, https://www.bbc.com/news/world-africa-38372614

[6]) Idem., )

[7]) فريديريك بيرنون ، الخوذ الزرقاء .. المستقبل المجهول لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، 24 يوليو 2019، https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%81%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9/45085628

مجلة آراء حول الخليج