; logged out
الرئيسية / 5مرتكزات لسياسة ترامب تعتمد الوفاق مع روسيا وتمويل الحلفاء نفقات الدفاع

العدد 140

5مرتكزات لسياسة ترامب تعتمد الوفاق مع روسيا وتمويل الحلفاء نفقات الدفاع

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

ارتبطت قرارات وتداعيات السياسة الخارجية القطرية بتطلعاتها إلى أن تتنافس بشأن حجم النفوذ الإقليمي في المنطقة، وقد أفضت الدوحة رغبتها في زيادة نفوذها السياسي، وكان الخلاف شديدًا بينها وبين الدول الرباعية (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أحد حلفاء قطر الرئيسين من أكبر التهديدات السياسية التي تواجهها المنطقة. واقترنت المواجهة بعدد من التحديات الداخلية في قطر، وأثارت هذه التحدّيات مخاوف بشأن الاستقرار الداخلي في هذه الدولة، وكذلك بشأن مكانتها في منطقة الخليج العربي.

رأت قطر في الاحتجاجات العربية وأحداث الربيع العربي التي اندلعت في عام 2011م، فرصةً سياسيةً لفرض نفسها كلاعب إقليمي، ولكن مسار هذه الأحداث شكّل اختبارًا لبراغماتيتها ويعود السبب في ذلك إلى علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك ألقت قطر بثقلها وراء الجماعة في الدول التي شهدت تحولات سياسية واجتماعية مثل (مصر، سورية، تونس، ليبيا واليمن) ومؤخرًا في (السودان والجزائر). ولكن في جميع الدول التي مرّت في مرحلة انتقالية والتي راهنت فيها قطر على جماعة الإخوان، فقد تراجعت الجماعة بالسرعة نفسها التي برزت فيها على الساحة، ومن ثم التمسك بجماعة الإخوان أضعف مكانة قطر في الشرق الأوسط. وانعكست هذه التطورات في السياسة الخارجية القطرية والعلاقات المتشابكة الإقليمية على تحديات داخلية تمثلت بمواقف قبلية ونخبوية في قطر. بينما شهدت علاقاتها مع عدد من الدول العربية تراجعًا ملحوظًا بعد الاحتجاجات العربية، وما شهدته مرحلة حكم تميم بن حمد آل ثاني في صيف عام 2013م، والجفاء في العلاقات بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي بسبب طريقة عمل الدوحة بعد الاحتجاجات العربية، وتقديمها الدعم المادي والسياسي للقوى والجماعات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الأخوان المسلمين والتي تحولت الى أزمة تعرف بالأزمة الخليجية.

وفي هذه الدراسة نبحث موقف الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب من الأزمة الخليجية بين الدول الرباعية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من جهة، وقطر من جهة أخرى.

ترامب رئيساً: نهج جديد

يعتبر فوز الرئيس ترامب حدث لا مثيل له في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث والمعاصر وصدمة في الداخل والخارج للمراقبين بالشؤون الأمريكية، وأثبت ترامب أنه مرشح نجح في تجاوز التقليدية في التنظيم السياسي الأمريكي، واستخدامه الإعلام على نطاق واسع وفاز في ولايات لم تصوت للحزب الجمهوري منذ عقود سابقة، واحتفظ بسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، وفقدان مقاعد أقل مما كان متوقعًا في مجلس النواب، وهيمنة الجمهوريين على واشنطن(العاصمة). وأعاد ترامب قواعد الحملات السياسية الانتخابية في الولايات المتحدة. وظهر انطباع أنه لن يكون رئيسًا(تقليديًا) وسيهمل كمايعتقد المتابعون التقاليد السياسية والدبلوماسية الأمريكية المتعارف عليها، فهو ليس عضوًا في المؤسسة السياسية الأمريكية، وليس له ولاء للتقاليد السياسية في واشنطن، وقدّم في حملته الانتخابية برنامجًا سياسيًا معارضًا للحكومة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وطرح رأيًا بأن يتم "تجفيف المستنقع "وهو يستبعد قدرة الحكومة على كشف الإرهابيين المحتملين في صفوف اللاجئين ومنع المجرمين من دخول بلاده بصورة غير شرعية.

ويعتقد الكاتب الأمريكي الدكتور بول سالم أن ترامب يمثل عمليًا "اليمين الأبيض" أعاد تثبيت الهوية الأمريكية البيضاء القديمة بأن الريف"السكان البيض" وبأنه الحنين الأمريكي للماضي، ولهذا فإن فوز ترامب اعتبر نجاحًا لفئة أمريكية مهمة من الحزبين الحاكمين لم يهتما بالريف بل بالمدن والشركات والمال والمصارف، استفاد منها هذه المرة ترامب في حملته الانتخابية ونجح في ذلك. وجاء فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية ليعود الجمهوريون لاستلام السلطة والسياسة الخارجية الأمريكية بعد غياب دام ثمان سنوات ومازالت القيادة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية أمرًا لاغنى عنه لمصالحها والعالم كما يرى المحللون الأمريكيون مع ظهور تغيير في المشهد الجيوسياسي اليوم على ماكان قائمًا عندما تولى الجمهوريون الحكم من قبل.

الا أن الدكتور فواز جرجس يتساءل لماذا فاز ترامب؟ ، ويجيب بأن التعقيد الأمريكي الاجتماعي الداخلي ومعه بعض الدول الأوروبية الذي أفرز"الظاهرة الشعبوية" صعود الهويات الضيقة المحلية تحت تأثير قوى العولمة الرأسمالية التي أدت إلى تفكك اجتماعي عميق في المجتمعات الأمريكية والأوروبية من الثروة التي بيد النخبة إلى جانب الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا المتضررتين والمهمشتين، ومن بين هذا التناقض برز ترامب "الشعبوي" مستغلاً الشرخ الاجتماعي، وتم تحشيد الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا لتحقيق الفوز الانتخابي للرئاسة الأمريكية الجديدة. وشعر حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بالقلق مع مجيء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض فهو لم يكن المرشح الأفضل لدى غالبية هؤلاء الحلفاء لغموض سياسته الخارجية، ولا يتمتع بأيديولوجية واضحة على العكس من منافسته كلينتون،مع التخوف من أن مجيء ترامب للسلطة بعد تبنيه سياسات تقوض الأسس السياسية والأمنية والاقتصادية للنظام الدولي الذي شكّلته الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وأساسه مبدأ التضامن الدولي لحماية الحلفاء في حال تعرض أحدهم للعدوان الخارجي، وطلب من كوريا الجنوبية واليابان السعي لامتلاك السلاح النووي للدفاع على أنفسهم في ظل غياب الالتزام الأمريكي بأمنهم طالما يدفعون لقاء حمايتهم، والتقليل من أهمية حلف الناتو ودوره في الأمن الدولي، والمطالبة بإلغاء الاتفاقيات التجارية الدولية وتبني سياسات حمائية ربما تهدد حرية التجارة والليبرالية الرأسمالية في النظام الاقتصادي الدولي،مع حالة الغموض في سياسة ترامب الخارجية وعدم وجود رؤية متماسكة لها مثل رفع شعار "أمريكيا أولاً"، فضلاً عن السياسية التي اعتبرت "تقليدية" يمثلها رجال الأعمال والمستثمرين الذين وصل بعضهم إلى مراكز صنع السياسة الخارجية.

وطرح تساؤل كيف ستكون مقومات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في عهد الرئيس ترامب؟ لابد من تأكيد أن الكثيرين في الشرق الأوسط يدركون حقيقة الاخفاقات الأمريكية في عهد إدارة أوباما، وهم كانوا يتوقعون أن إدارة ترامب الجديدة ليس لديها قدرة على معرفة ماستفعله بالمستقبل،لأن الرئيس ترامب لم يتبن في حملته الانتخابية بالنسبة للشرق الأوسط برنامجًا للسياسة الخارجية وغلب على برنامجه الاهتمام بالشأن الأمريكي المحلي، ولذلك كان الاعتقاد أن رؤية سياسته الخارجية تنبع من وجهة النظر المحلية، وكان متوقعًا تشدد ترامب بعد انتخابه في مواجهة تنظيم داعش والقضاء عليه مع تأزم العلاقة مع إيران، ولذلك كانت تبدو الظروف تتجه نحو فترة رئاسية مغايرة لم يسبق لها مثيل في الولايات المتحدة من قبل. وكان هنالك في الواقع حالة من الإحباط في الشرق الأوسط من سياسة إدارة أوباما السابقة التي تبنت مبدأ اقامة"توازن داخلي" في المنطقة عبر القوى المحلية دون التزام أمريكي مباشر مع الحلفاء التقليديين، ويتمثل ذلك في التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران إلى جانب الفشل في العراق بعد الانسحاب الأمريكي وماحصل بعده من تداعيات داخلية.

وتشير طروحات ترامب إلى أن الاستراتيجيات التي حدّدتها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط تقوم على عدة مرتكزات هي:

1-سياسة ترامب في تحييد عناصر الصراع الطائفي والتنسيق مع الدول الحليفة التي تشترك مع ادارة ترامب في محاربة ما أطلق عليه تسمية التطرف الإرهابي.

2-تشكيل أرضية تفاهم أمريكية-روسية تنضم إليه دول الشرق الأوسط لمواجهة تحديات قائمة مثل محاربة تنظيم داعش وحل الأزمة السورية، ورغبة ترامب إجراء تسوية واستقرار عبر التدخل المباشر في أزمات المنطقة في محاولة تغيير الواقع الراهن.

3-ان فريق ترامب من (المحافظين) الذي كان ولازال يوافق على هذه السياسة سيدفع من المحتمل المزيد من التشدد تجاه مصادر الخطر، واتخاذ خطوات استباقية ربما تؤدي الى تعميق الشرخ في الشرق الأوسط.

4-سعي إدارة ترامب بشكل سريع وجاد للقضاء على تنظيم داعش وليس إضعافه أو تقليصه في إطار حملة واسعة تهدف الدعاة والمنفذين للآديولوجية"الراديكالية المتطرفة" بوصف ترامب، ومنها تصنيف جديد للأصدقاء والحلفاء سيصبح منوطًا أكثر من أي وقت مضى بمدى مشاركتهم في هذه المساعي.

5-ستحرص الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب على أن يدفع حلفاؤها مثل دول مجلس التعاون الخليجي مساهماتهم ضمن حالة (الدفاع الجماعي) في الحرب على الإرهاب العالمي.

الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية.

       لايمكن بأي حال من الأحوال تصور قيام الكويت بدور الوساطة الدبلوماسية بين قطر والدول الخليجية من دون موافقة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، بل يمكن لنا القول إن الخطوة الكويتية هذه جاءت منسجمة ومتوافقة مع الموقف الأمريكي من الأزمة الخليجية ومحاولة إيجاد الحل لها. وتعتبر الكويت دولة صغيرة من الناحية الجغرافية والسكانية لكن لها دور سياسي واقتصادي مؤثر وفاعل إقليميًا ودوليًا بسبب سياستها الخارجية منذ حصولها على الاستقلال في أهدافها في التوازن والحياد الإيجابي، والمساعدات الإنسانية وال‘غاثية، ودبلوماسية الوساطة. وأدت الكويت دورًا تاريخيًا في الوساطة وحل الخلافات العربية –العربية من خلال دور وزير الخارجية (آنذاك) الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (الأمير الحالي) في خلافات شهدها النظام العربي والإقليمي، بل حتى النظام الدولي، أبرزها الخلاف المصري – السعودي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، واستضافة الكويت اجتماعًا مصريًا- سعوديًا في 17 أغسطس 1977م، وحل الخلاف المصري-اليمني، والتوسط بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي عام 1972م، وتوقيع اتفاقية سلام بعد معارك على الحدود بينهما، ثم الوساطة الكويتية للنزاع الأردني- الفلسطيني في "أيلول الأسود " عام 1970م، والوساطة بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والبحرين وانتهت بإجراء استفتاء شعبي واستقلال البحرين عام 1971م، والوساطة بين سلطة عُمان واليمن في عام 1984م، بالتعاون مع دولة الإمارات وانتهت بتوقيع اتفاق في الكويت، والوساطة بين تركيا وبلغاريا عام 1989م، في حل مشكلات الأقلية التركية، وحل الخلاف الليبي – السعودي في كانون الثاني 2009م، في مؤتمر القمة الاقتصادية في الكويت، والوساطة بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات في عام 2009م، وانتهت الأزمة بينهما. ثم في أبريل 2016م، الوساطة الكويتية والمفاوضات بين طرفي النزاع في اليمن برعاية الأمم المتحدة لتحقيق السلام، واستضافة الكويت القمة الخليجية التي رفضت فيها سلطنة عُمان العملة الموحدة، وسعي الكويت إلى حسم الخلاف بين هذه الدول.

     وتقوم الدبلوماسية الكويتية على علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية بحكم الجوار التاريخي والجغرافي والعلاقات وأواصر القربى والقبلية والاجتماعية، ودفاع المملكة ووقوفها إلى جانب الكويت في خضم أزمة الغزو العراقي في عام 1990م، والتفاهمات بين المملكة والكويت في القضايا العربية والدولية منذ عقود طويلة، ودعم الرياض للكويت في كل الأحداث والظروف السياسية السابقة التي شهدتها منطقة الخليج للحفاظ على استقلالها واستقرارها. ومن هنا جاءت الوساطة الكويتية وماقام به الأمير الشيخ صباح الأحمد في جهوده من أجل حل الأزمة الخليجية عام2017م، وما بعدها بفضل خبرته الدبلوماسية وزيرًا للخارجية (1963-2003م) ، وقدراته في أداء دور الوساطة في السياسة الخارجية، إذ شكّلت الأزمة الخليجية واحدة من أخطر الأزمات التي واجهت دول مجلس التعاون الخليجي مع تدخل دول إقليمية وعالمية فيها، وعولجت الأزمة بوساطة كويتية نشطة وزيارات مكوكية إلى أبو ظبي والرياض والدوحة لتقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف المختلفة، وقادها الشيخ صباح الأحمد نجح في إعادة السفراء لهذه الدول إلى الدوحة بعد توقيع فيماسبق اتفاقية بينهم عام 2014م، في الرياض. ولكن تجدّدت الأزمة الخليجية في حزيران/يونيو 2017م، لعدة أسباب منها، اتهام الدول الأربع لقطر بدعم التنظيمات الإرهابية، ودور قناة الجزيرة القطرية في التحريض ضد هذه الدول، ودعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين المتواجدين حيث أن عمق الخلافات لم يؤد إلى توصل الطرفين إلى حلول جذرية لهذه الأزمة التي ظلت قائمة حتى اليوم. وتقوم الكويت بدور الوساطة الدبلوماسية بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الأخيرة في ظل الأزمات السياسية الخليجية، اذ بقيت الكويت لها تمثيل دبلوماسي في الدوحة لحل هذه الأزمة، واستمرار جولات الحوارات بين مختلف الأطراف الخليجية من أجل حلها، ومنها أزمة سفراء المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات في قطر عام 2013م، وعودتهم اليها في عام 2014م، ثم مع مصر وقطر والدول الثلاث الخليجية عام 2017 م، والتوسط الكويتي فيها.

وفي 24 أيلول/سبتمبر2018م، كشف السفير الأمريكي في الكويت لورانس سيلفرمان عن اتفاق الرئيس ترامب مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد على إنهاء الأزمة الخليجية بالسرعة الممكنة. على الرغم من الصعوبة في الجولات المكوكية التي قام بها الشيخ صباح الأحمد بين أطراف الأزمة الخليجية من أجل إيجاد حل لها. ولكنها لم تصل إلى نهايتها الإيجابية، ويُفسر سبب اتخاذ الكويت سياسة الوساطة هي رغبة الأمير الشيخ صباح الأحمد في الحفاظ على النظام الإقليمي الخليجي متماسكًا، لكون أن أي خلل خليجي سوف يتحول إلى خلل كويتي، لذلك سعت الكويت في السنوات الأخيرة إلى احتواء الأزمة وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء فيه وإيجاد حلول له ، وإدراك صانع القرار الكويتي خطورة أن تكون دولة صغيرة مثلها في مجلس التعاون الخليجي، وعليها ضغوط جراء الأزمة الخليجية الأخيرة لأن تأثير هذه الأزمة لاينعكس على الدول المشاركة فيها بل سوف يمتد إلى بقية دول المجلس الأخرى وهي(الكويت/ سلطنة عُمان)، فضلا ً عن أن الولايات المتحدة الأمريكية وكجزء من مايعرف مسألة توزيع الأدوار في المنطقة اذ تقوم الكويت بدور الوساطة والاعتدال بين طرفيّ النزاع في الأزمة الخليجية، ولإيصال رسائل أحيانًا لهذا الطرف أو ذاك،وإبقاء الأزمة تحت سيطرة واشنطن ونفوذها وتحكمها.

السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الخليجية

     وقفت إدارة الرئيس ترامب موقفًا مغايرًا عن الإدارة السابقة لها تجاه قطر، فقد قال ترامب بعد زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية "التطرف وكل المؤشرات تشير بالبنان إلى قطر ربما هذا سيكون بداية نهاية أهوال الإرهاب". واتهمت كل من (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات المتحدة والبحرين) في عام 2014م، قطر بالتدخل في شؤونهم الداخلية ودعم الإرهاب. ولكن جوهر القضية هو علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين وفضائية الجزيرة القطرية. وترى الرياض وأبو ظبي أن الدوحة دعمت الحركات الإسلامية المتطرفة بعد الاحتجاجات العربية عام 2011م، وتعدّ الدولتان أن جماعة الإخوان المسلمين أكثر خطورة من الجماعات الإسلامية الأخرى. ويظهر أن الرئيس ترامب قد اتخذ قرارًا أن يكون للمملكة العربية السعودية دورًا محوريًا للمقاربة التي يتبعها في منطقة الشرق الأوسط في سياق نظرته إلى الإسلام السياسي كعدو مما دفع الرياض وأبوظبي لأن يكون بإمكانهما ممارسة دور أكبر في الأزمة بعد زيارة ترامب للمنطقة.وترى الدولتان أن الصراع الآن يدور بشأن تهديدات إقليمية مع حالة الصراع في المنطقة، مع استمرار حرب اليمن، وهبوط وصعود أسعار النفط، وموقف واشنطن في سياستها المتشددة مع إيران.

وكان الرئيس ترامب منذ بداية الأزمة الخليجية أشار للحاجة إلى الوحدة الخليجية، وأجرى اتصالات هاتفية مع الزعماء العرب المعنيين بالأزمة بعد قطع الدول الخليجية علاقاتها مع قطر، واتصل أيضًا بأمير قطر تميم وشدد على ضرورة مكافحة تمويل الإرهاب، واقترح عقد اجتماع بين أطراف الأزمة الخليجية في الولايات المتحدة الأمريكية بضيافة البيت الأبيض لإيجاد حل لها، وأكّد الرئيس ترامب إلى "الأهمية المحورية للوحدة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، والتعاون الوثيق له مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى دحر الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي".

وفي 7 أيلول/سبتمبر 2017م، أبدى الرئيس ترامب استعداده للتدخل والوساطة لحل الأزمة، وأعرب بأن النزاع يمكن حله بسهولة إلى حد ما، والتوصل إلى اتفاق سريع وأعرب أمير الكويت عن تفاؤله في حل الأزمة في القريب العاجل، وأقترح الرئيس ترامب التوسط في الأزمة بين قطر وجيرانها، وفي مؤتمر صحفي مع أمير الكويت قال ترامب سيكون مستعدًا للقيام بدور الوسيط وقال"أود القيام بذلك وأعتقد سيكون لديكم اتفاق في أسرع وقت، وأعتقد أنه أمر سيتم حله بسهولة إلى حد ما". وكانت (المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات ومصر) قد أعلنت في 5 حزيران/يونيو2017م، قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر، واتهمتها بدعم الإرهاب والتقرب من إيران. في حين أعطت واشنطن إشارات متباينة تجاه الأزمة الخليجية في بدايتها، اذ أبدى الرئيس ترامب تأييدًا إلى جانب المملكة العربية السعودية، بينما وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون تبنى خطابًا أكثر اتزانًا.

في حين عملت قطر على أن تكون شريكًا أكثر قربًا للولايات المتحدة، وأشار هيذر نويرت الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية في كانون الثاني/يناير 2018م، لدعم زخم أعطته الأزمة الخليجية للعلاقات الأمريكية-القطرية في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والمعاهدات السياسية والعسكرية ومناورات عسكرية مشتركة وزيارات متبادلة بين البلدين، واطلاق(الحوار الاستراتيجي القطري-الأمريكي) في كانون الأول/ديسمبر 2018م، في مقر الخارجية الأمريكية في واشنطن برئاسة وزيريّ خارجية الدولتين لتعزيز التعاون في المجالات كافة ، الدفاع والتجارة والاستثمار والإرهاب والأمن والقانون وحركة الطيران والحرب على داعش والأزمة الخليجية وملفات دول الجوار بالنسبة لقطر، وعملت على توسيع علاقاتها السياسية والعسكرية مع القوة الأولى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى أوربية وإقليمية بعد أيام من فرض الحصار عليها، وتم تنفيذ تمرينين عسكريين بين واشنطن والدوحة جنوبي قطر، ثم المناورات المشتركة في 14 حزيران/يونيو 2018م، وتوقيع اتفاقية لشراء طائرات مقاتلة أمريكية الطراز(F15) بكلفة تبلغ 12 مليار دولار أمريكي. وأفتتح مقر جديد لمكتب الملحقية العسكرية القطرية في واشنطن في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2018م، لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين، وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها جمّدت مشاركتها في مناورات عسكرية مع دول خليجية بسبب الأزمة الخليجية في هذه المرحلة، وقال جون توماس المتحدث باسمها "قرّرنا عدم المشاركة في بعض المناورات العسكرية مع دول خليجية احترامًا لمبدأ مشاركة الجميع في تحقيق المصالح الإقليمية المشتركة". ووافقت قطر في تشرين الثاني/نوفمبر2018م، على مبيعات عسكرية بقيمة 1,1مليار دولار أمريكي في خدمات لدعم برنامج مقاتلات من طراز(F15).هذا فضلاً عن وجود 11 ألف عسكري أمريكي من سلاح الجو في قاعدة(العديد) العسكرية الجوية على بعد 30 كيلومترًا جنوب غربي العاصمة الدوحة التي تضم أكبر تواجد عسكري لها في منطقة الشرق الأوسط في الحرب على تنظيم داعش في سوريا والعراق.

وفي 8 كانون الثاني/يناير 2019م، قدّم مبعوث الرئيس الأمريكي لحل الأزمة الخليجية انطوني زيني استقالته من منصبه بسبب عدم تجاوب أطراف الأزمة مع المقترحات التي قدّمتها بلاده لحل الأزمة بعد أن لمس على حد قول (وكالة سي بي اس الأمريكية) عدم رغبة الزعماء الخليجيين في الموافقة على مقترحات قابلة للتطبيق لحل الأزمة بحسب ما نقلت عن زيني، وكانت مهمته تقوم على تغليب مفهوم التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط وطرحه أمام قادة المنطقة. بينما كان زيني يرى أن دوره كان مهمشًا لأن مسؤولين آخرين في الإدارة الأمريكية قاموا بالترويج لهذا التحالف أي قيام نوع من (حلف شمال الأطلسي العربي) ترغب واشنطن لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

وأثناء زيارة تميم بن حمد إلى واشنطن في 9 تموز/يوليو2019م، أعرب الرئيس ترامب عن سعادته بتوسيع قاعدة العديد الجوية العسكرية على حساب بلاده أي قطر ولكي يستضيف مزيدًا من العسكريين الأمريكيين، وقال ترامب "أنت حليف عظيم ساعدتنا بمنشأة عسكرية رائعة ومطار عسكري لم ير الناس مثيلاً له منذ وقت طويل"وقال "وحسبما أفهم تم خلال ذلك استثمار 8 مليارات دولار، والحمد لله كانت أغلبها من أموالكم وليس أموالنا، بالحقيقة الأمر أفضل من ذلك، حيث كانت كلها من أموالكم"، وتعتبر العديد أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومركزًا أساسيًا لانطلاق عمليات قواتها البحرية في المنطقة، وتسعى قطر من خلالها إلى تعزيزها في ظل الأزمة الخليجية.

الولايات المتحدة ومستقبل الأزمة.

تعتبر قطر الدولة الصغيرة ذات الإنفاق العالي ومستوى الدخل القومي المرتفع. لكنها من جانب آخر لديها مصادر للقلق حقيقية في نشوء معارضة شعبية ونخبوية مع وضع القيود على الحريات العامة أدت إلى نشوء مواقع شبابية ومدنية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل (منتدى الثورة في قطر) يعرض نقد للعلاقات مع الأمريكان والإسرائيليين، والاعتراضات على الاعتقالات للناشطين أو المعارضين والدعوات من النخب الفكرية والاجتماعية والعلمية المطالبة بالديمقراطية الفعلية بدلاً عن الليبرالية الاقتصادية، ومع تنامي إعداد الشباب القطري من المتعلمين والمثقفين الذي قد يدفع الشباب في المستقبل إلى نقاشات عن الشرعية والسلطة والتعددية والديمقراطية والحريات العامة والانتماء الوطني والسياسة الخارجية والانتماء وغيرها من الملاحظات والانتقادات التي تسجل على صانع القرار القطري لاسيما مع ظهور الأزمة الخليجية المتنامية مع الدول الرباعية، والتي تحولت إلى أزمة ليست خليجية بل إقليمية، وتدخلت بها إطراف دولية بكل تأكيد لها تأثيرات على الوضع الداخلي في قطر وعلى مستقبل البلاد لكون الأزمة لم تجد لها حلول عادلة ومقبولة لجميع الأطراف حتى الآن.

إن مواقف الدول العربية المقاطعة التي ترى أن أمنها واستقرارها يتضرر من جراء السياسة القطرية، ومن ثم يبدو بشكل واضح أن هناك "تفوق إقليمي" على "العالمي" أي على موقف الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد حل لهذه الأزمة. ويرى الدكتور عمار علي حسن أن قطر اعتمدت منذ عقدين من الزمن على أنها بعيدة عن العقاب، وأن الآخرين عاجزين عن ردعها وتعلموا على نمط سياستها، وأنها محمية من الولايات المتحدة الأمريكية وظّفتها كدولة وسيطة مع الجماعات الإسلامية المختلفة، فضلاً عن المصالح الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، واعتمدت الدوحة على هامش المناورة واللعب على التناقضات بين دول المنطقة والعلاقة الخفية والرهان على مصالح الغرب معها، وشبكة علاقات متينة مع جماعات الإسلام السياسي بمختلف اتجاهاتها، وعلاقات قطر المتطورة مع الولايات المتحدة الأمريكية حليفها الأستراتيجي الأول وعلاقاتها المتينة مع قوتين إقليميتين هما (تركيا وإيران).

وإن الأزمة الخليجية لم تصل إلى حلول جادة على الرغم من التحركات الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأدت جولاتها إلى حالة من الجمود، وشكّلت الأزمة درسًا لإدارة الرئيس ترامب وإفساح المجال أمام البيت الأبيض لتحقيق أمر كانت بحاجة ماسة له باستعراض كفاءتها على مستوى السياسة الخارجية في قضايا أخرى مثل الصراع العربي-الإسرائيلي وتسوية القضية الفلسطينية، ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ بمركز الدراسات الدولية ـ جامعة بغداد

مجلة آراء حول الخليج