; logged out
الرئيسية / التأويل في الشرق والغرب: تأثيره في تعزيز الإرهاب ونبذ الوسطية والتعايش

العدد 141

التأويل في الشرق والغرب: تأثيره في تعزيز الإرهاب ونبذ الوسطية والتعايش

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

إن جوهر الحضارات منذ الأزل كان عمارة الأرض، فالإنسان سُخر لعمارة الأرض وليس ليقوم بعملية الفناء، فالحضارات بنيت على التفاهمات المشتركة والتفاعلات الاجتماعية المستمرة لمن يعيشون عليها، فالحضارة الإغريقية، والهيلينية لم تكن نسيجًا لوحدها، بل هي وريثة ومستفيدة من حضارات سابقة في مصر وبين النهرين، وهي إرهاص لحضارة الرومان والحضارة الإسلامية، أو الحضارة في الغرب، يرى أرنولد توينبي" أن الحضارة ذات مسار تصاعدي مستمر إذا نظر إليها نظرة شاملة، رغم أن كل حضارة خاصة تمر بدور الولادة والتطور والتعطيل، فالحضارة الآفلة تمنح الشعلة لحضارة صاعدة، وتكون النتيجة صعود عام للحضارة الإنسانية، فكل حضارة قومية أو جغرافية أو عقيدية، هي في الحقيقة تمثيل للحضارة الإنسانية في قمتها، رغم فئويتها " (تركي الحمد، 2001، ص 64).

فالحضارات تنشأ بحركة تفاعلية وتقدمية أي تتطور وإذا فنيت لا يفنى الأثر المادي، بالعكس يبنى عليه من قبل حضارة قادمة، فالحضارات متحاورة ومتداخلة سواء كانت متعاقبة أو متزامنة، فالمنجزات الحضارية تنتقل في الزمان والمكان بشكل تلقائي. فالحوار الحضاري لم يكن مشكلة بقدر الحوار الثقافي والتي هي عكس الحضارات،  فالحوارات الثقافية سواء تناولت العادات والتقاليد أو القيم أو المعتقدات الدينية بالنقاش فهي دائمًا متوترة لأنها تخاطب الضمير الجمعي، لذلك ردة الفعل تكون من وعي الجماعة بذاتها، وقد تكون ردة الفعل عنيفة ومتعصبة وفيها إقصاء خاصة إذا ارتبطت بمفاهيم تشكل هوية الفرد والجماعة كالانتماءات الدينية.

تعتبر الأديان والمعتقدات الدينية جزء من المكون الثقافي الحضاري، فبعد أن استقر الإنسان وحقق المنجزات المادية بقي المكون الغير المادي أي "الروحي" يشغل تفكير النفس البشرية لذلك تفرغ بعض البشر للدراسة والبحث في هذا الميدان. يعتبر   إيميل دور كايم من علماء الاجتماع الذين تطرقوا لموضوع الأديان من خلال  كتابه " الأشكال الأولية للحياة الدينية"، حيث يفسر دور كايم نشوء الدين، "بأن الإنسان يريد تفسير للانطباعات التي يستقبلها، لذلك يعزو الإنسان للأشياء التي له علاقة مباشرة بها، قوى خارقة وفضائل لا تملكها مواضيع الدين والمعرفة والأخلاق، لذلك يخلق عالم مثالي "مقدس" إلى جانب العالم الدنيوي " الدنس" الذي يعيش فيه"، يرى دور كايم النظام الديني جد مساو للأنظمة الاجتماعية الأخرى فهو نتيجة للتجمعات الإنسانية، معبرًا عن هوية الجماعة، معززًا لوحدتها وتضامنها، فالدين نسق موحد متناسق من المعتقدات والممارسات التي ترتبط بالاعتقاد بماهية مقدسة، تتوحد هذه المعتقدات والممارسات في نسق أخلاقي واحد مميز يجمع أعضاء المؤمنين، وقد يتجسد هذا التجمع في مؤسسة كالجامع أو الكنيسة أو المعبد.  (ابراهيم عثمان، سالم ساري، 2009، ص 99-101).

المبحث الأول: التنظير الغربي للدين الإسلامي وتأثيره في الصورة الذهنية عند الشعوب الغربية

لم تكن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول التي حصلت في الولايات المتحدة الأمريكية وسقوط الأبراج شرارة إثارة الشعوب الغربية تجاه الإسلام، هذا العداء كان موجودًا بشكل كامن لكن الأحداث الأخيرة صعدت الموقف، والإعلام ساهم بشكل كبير في تغذية هذا العداء المفتعل من خلال الدعوة إلى الحد من هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، والغرب بشكل عام، فهو عداء من قبل فئات معينة، أو أفراد متشددين لمفاهيم، هم من قاموا بصياغتها تدعو إلى نبذ الآخر ومن أجل ترويجها ألصقوا بها صبغة دينية، ففي الغرب اليوم نشهد انتشارًا واسعًا للديانة الإسلامية وهذا ما قد يكون أزعج بعض المتعصبين في الغرب ودعاهم لشن الهجوم على الإسلام والمسلمين.

          وهنالك العديد من المنظرين الذين ساهموا في تأجيج العداء على مر التاريخ ومنهم، الكاتب فوكومايا في كتابه " نهاية العالم"، وهنتنجتون في كتابه " صراع الحضارات"،  ونظرية برنارد لويس والأصولية الإسلامية.

نظرية برنارد لويس والأصولية الإسلامية:

أقام برنارد لويس تنظير غير علمي للعلاقة بين الغرب والإسلام، وصاغه في كتابه " الأصولية الإسلامية" ويمكن تلخيص رؤية العلاقة بالنقاط التالية:

1- إن الصراع بين الإسلام والغرب قديم، وقد استمر على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان، وقد تضمن سلسلة طويلة من الضربات المضادة من الجانبين.

2- إن الإسلام والمسلمين كانوا هم المحرضين والدعاة للحرب والجهاد، فالإسلام عدواني بطبيعته، على حين وصف الغرب بأنه دفاعي، يرد هجمات مضادة على نحو ما تجلى في الحروب الصليبية.

3- إن المسلمين يمثلون الآن تهديدًا ثلاثيًا للحضارة الغربية، سياسيًا وحضاريًا وسكانيًا، وقد ركز برنارد على الصراع الحضاري بوجه خاص.

4- إن المسلمين يعتبرون أمريكا الآن العدو الأكبر لهم، وأن هناك نزاعًا وشيكًا سيقوم بين الغرب وبين المسلمين، ويقول برنارد لويس" إن معظم العالم المسلم يسيطر عليه حالة كراهية للغرب، وأن أمريكا عندهم هي العدو الأكبر، والخصم الشيطاني للإسلام والمسلمين.

5- إن المسلمين بزيهم ولحاهم وعمائمهم يعيشون في العصور الوسطى، ويهددون الغرب كما أن المسلمين الآن يمثلون ثورة باعتبارهم أقلية مهمشة، ويتسمون بالعنف، يحاربون الحداثة والمعاصرة، وهو يعبر عن خطورة الأصولية الإسلامية بقوله: " إن ما يصعب علينا رؤيته هو كيف ستتمكن ديمقراطيات القرن الحادي والعشرين من العيش في سلام مع قوى عقدت العزم على أن تبرهن أن الألف سنة الأخيرة لم تحدث".

ويصل الكاتب إلى التطرف بقوله:" إنه يجب التخلص من المسلمين ولو بالقوة، بل إن استخدام القوة يعد عملاً أساسيًا لتمكين الحضارة الغربية في هذه البلاد، وتجفيف منابع التخلف والعداء للغرب من جذوره" (جعفر عبد السلام، 2004، ص 79-80).

نظرية (فوكو ياما ) نهاية التاريخ:

في نظريته يشير فوكوياما إلى أن الحضارة الأوربية بفكرها ومؤسساتها هي نهاية التاريخ، وأنها متفوقة على كل الحضارات الأخرى، وأن المسلمين الآن يقودون حملة للهجوم على هذه الحضارة، وأنهم الأعداء للتقدم وللفكر الغربي، ولا مانع من استخدام القوة لتغير الأنظمة الإسلامية.

وهذا الكلام مغلوط ولا دليل على صحته فالكاتب يرى أن المسلمين يمثلون خطرًا سياسيًا وحضاريًا وسكانيًا، وأن تزايدهم وتواجدهم في الغرب خطر عليهم، فهم لا يؤمنون بالديمقراطية ومتعصبون ويدعون إلى الإرهاب وقتل الآخر المخالف لهم في المعتقد.

بعد قراءة تلك التنظيرات نجدها غير دقيقة ولا تعتمد على أدلة تثبت صحتها، هي تدعم وجهة نظر كاتبها ومن يروجون لها، إلا أنها نجحت في بث آراء ونظريات ومواقف فردية لتستدعي القوى الكبرى في العالم ضد الإسلام والمسلمين، على أساس وهمي أن المسلمين قادمون لحكم وقيادة العالم بتعصبهم وعدم تسامحهم وحقدهم على الغرب، وبالتالي يجب على العالم والقوى الغربية أن تدافع عن نفسها في مواجهتهم وأن تقضي عليهم باعتبارهم قوى إرهابية معادية للتقدم (جعفر عبد السلام، 2004م، ص81).

صراع  الحضارات لهنتنجتون: 

عرف "هنتنجتون " الحضارة الغربية حصرا بأنها: الحضارة المسيحية – اليهودية، وافترض أن صدام الحضارات سيكون صراعًا بين الحضارات الكبرى (الغربية، الكنفوشية، والإسلامية)، الأمر الذي يستدعي بناء استراتيجية كونية للدفاع عن الغرب تقوم على أساس تحالف مسيحي – يهودي، ويكون هدفها منع قيام تحالف مضاد بين الإسلام  والكنفوشية- الطائية. كما أن "هنتنجتون" يقول من خلال كتابه :" إن الإسلام محاط بحدود دموية، وأنه غير قادر على التوافق مع القيم الأساسية للغرب (عدنان زرزور، 2004، ص 165).

هكذا ترى أن الخطاب الغربي من قبل هؤلاء الكتاب، وهو خطاب يشجع على التعصب وكره الآخر من قبل التعامل معه، أي بناء صورة نمطية مغايرة للواقع، بدون تجربة ذاتية خاصة للفرد، تعطيه الفرصة للمقارنة بين ما يكتب وبين الحقيقة على أرض الواقع، فمن غير المصدق أن يكون كل فرد ينتمي للإسلام إرهابي أو متطرف، لان روح الديانة الإسلامية كغيرها من الديانات روح إنسانية تشجع على التعايش والوسطية واحترام الآخر .

المبحث الثاني: التنظير الإسلامي المتشدد تجاه الديانات الأخرى ودوره في نبذ التعايش والوسطية 

أوردنا سابقًا بعض التنظيرات الغربية الغير مشجعة على التعايش والوسيطة، وكما في الغرب من تنظيرات خاطئة يوجد في الشرق كذلك من كتبوا وانحرفوا بتفسيراتهم عن الطريق القويم الذي يدعو اليه الإسلام وهو السلام، ومن هؤلاء الجماعات السلفية المتشددة والتي انتشرت في الوطن العربي والغربي مقدمة صورة مشوهة عن الإسلام، فالجماعات السلفية من أقدم الحركات السياسية الإسلامية، وينسب لفظ السلف إلى السلف الصالح الذي حمل لواء الإسلام ونقله إلى الأجيال اللاحقة، غير أن هذا اللفظ اكتسب دلالة اصطلاحية مذهبية عند ابن تيمة، وتلميذه ابن القيم، فقد عاب ابن تيمة على المسلمين جملة من السلوكيات التي عدها انحرافًا عن السلوك القويم مثل: التوسل بالأموات والتمسح بالقبور، والبعض الآخر بالتشريع مثل تقديس المذاهب الفقهية والركون إلى التقليد، ولهذا السبب دعا إلى الرجوع للعقيدة السلفية الصالحة، ويرى البعض في ذلك أنه لم يتم مراعاة الفجوة الزمنية بين ذلك الزمن والحاضر اليوم، مع رفض التحديث والتجديد في الخطاب الديني، متمسكين بالنستولوجيا والتي هي عبارة عن توق إلى ماض ولى من غير رجعة وهو ناتج عن عدم قدرة الذات على التكيف مع المستجدات والمتغيرات، لذلك هم يريدون العودة ولو بالعنف.

تعتبر حركة الإخوان المسلمين من الحركات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي أبرز روادها حسن البنا وسيد قطب، كغيرها من الحركات وهذه الحركة  أعلنت أنها تريد استعادة الحكم الإسلامي حتى ولو بالقوة وهذا ما جعلها في صراع سياسي دائم مع أنظمة الدول العربية، كما قسمت هذه الحركة المجتمعات إلى قسمين مجتمع إسلامي وهو من يطبق الشريعة الإسلامية وتعاليمها ومجتمع جاهلي وهو الذي لا يطبق تعاليم الإسلام وشرائعه حتى لو كان يقر بوجود الله سبحانه وتعالى .وهذا تناقض وتطرف من قبلهم، ومخالف للشريعة السمحة ومبدأ لا إكراه في الدين (محمود عبيدات، 1998، ص82).

وفي القرن 19 ظهرت في الجزيرة العربية السلفية الوهابية، وهي حركة ظهرت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، وهي منطقة صحراوية شحيحة الموارد تقع في قلب صحراء الحجاز، وكانت تحت الحكم العثماني، الذي أهمل البلاد العربية وأثقل أهلها بالضرائب الشيء الذي حكم عليها(نجد) أن تعيش على الهامش في هذه الأجواء ظهرت الدعوة الوهابية التي كانت تدعو إلى التوحيد وإنكار البدع، إصلاح العقيدة والدين، والعودة إلى ما كان يدعو إليه الصحابة والأئمة الأربعة ممثلاً بالمذهب الحنبلي، وكان اعتمادهم على كتب ابن تيمية، وابن القيم، كمراجع أساسية للدعوة.

لكن من الحركات المتطرفة (الراديكالية) كان تنظيم القاعدة والذي ظهر في أفغانستان على يد أسامة بن لادن وقتها أي عام  1987م، وهو تنظيم يتبنى فكرة الجهاد ضد الحكومات الكافرة وتحرير بلاد المسلمين من الوجود الأجنبي، ومن أهداف التنظيم نهاية النفوذ الأجنبي في البلدان الإسلامية، وإنشاء خلافة إسلامية ومن معتقدات القاعدة أن التحالف المسيحي اليهودي يتآمر لتدمير الإسلام، وقام بهجمات عديدة في دول العالم، باسم الإسلام الذي هو بريء مما يقوم به هؤلاء الأشخاص، وقد توج التنظيم أعماله المسيئة إلى الدين الإسلامي بأحداث  11سبتمبر/أيلول، والتي صدمت العالم العربي والغربي على حد سواء، وناقضت مبادئ الإسلام بتحريم قتل الآخرين الأبرياء دون وجه حق، من وقتها بدأت الحركات المعادية للإسلام تظهر وترفض تواجد المسلمين في بلادهم ليس كرهًا بل خوفًا على حياتهم (يوسف رزين، 2019(.

بعد تنظيم القاعدة ظهر اليوم ما يسمى (داعش) أو كما يحلو للإعلام تسميته وهو تنظيم الدولة الإسلامية وقد ظهر في العراق والشام، وهي دعاية سلبية من قبل الإعلام للإسلام، وهو تنظيم ينتهج نهج القاعدة نفس الأيدولوجيات في قتل المخالف وإن كان يدين بنفس الديانة، وقد أظهرت وسائل الإعلام بعض ما قام به هذا التنظيم من عمليات إرهابية يقشعر لها الأبدان، فهم لم يكتفوا بالقتل بل قاموا بحرق الأشخاص أحياءً وهذا ما حصل مع الطيار معاذ الكساسبة في الأردن، كذلك سبي النساء واغتصابهن في العراق.

بعد هذا كله يتحدثون أن الغاية من وجودهم تمكين الشريعة والعودة إلى زمن السلف الصالح، ولا يدركون أنهم خلقوا بتصرفاتهم صورة وصمت الديانة الإسلامية بأنها دين عنف ونبذ للتعايش واحترام الآخر، لذلك كان لابد من وجود تنظيرات جديدة نافية لما يدعون إليه، داعية إلى وسطية تحترم جميع الأديان، كذلك دعوة إلى صحوة فكرية تجعل الأشخاص أكثر وعيًا لما يروج له هؤلاء المتطرفون من فتنة وانحراف فكري يحققون من خلاله غايات مادية بالدرجة الأولى .

ومن أجل معالجة الأسباب الداخلية للحركات الجهادية يقترح الكاتب التونسي " عبد الوهاب مدب" التحرك على ثلاثة مستويات: التقاليد، القانون، التعليم، أولاً: ينبغي إعادة إحياء المناظرات الكثيرة والجدل الكبير الذي ثار في التاريخ الإسلامي -  من أجل خلق حرية الخطاب التعددي داخل الإسلام اليوم، ثانيًا: عندما تبدو المعايير غير إنسانية، ينبغي البحث عن القصور في الموروثات الماضية، في جهد لجعل القانون أكثر إنسانية وتكفيًا مع العصر الحديث، ثالثًا:  ينبغي تطهير كل ما هو مخالف لسماحة الدين الإسلامي من المناهج الدراسية حتى لا تلوث عقول النشء في المدراس (هانس كونغ، كونغ، 1995، ص 106).

مما سبق نجد أن الحركات الإسلامية الجهادية والقائمين عليها يوجد عندها غلو في تديين الدنيا مع أن الأصل في الأمور الإباحة فالتقييد والتحريم هو الشذوذ عن القاعدة، ونستولوجيا للماضي ناتجة من عدم القدرة على التكيف مع الحاضر القائم على التنوع والعددية الدينية والعرقية وعدم مقدرة الذات على التكيف مع المستجدات والتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية، لذلك لجأوا إلى العنف كنمط سلوكي لترجمة أفكارهم وسيطرة نفوذهم مستخدمين بعض الاستراتيجيات التي تثمر مع عقول غير واعية لخططهم حيث يتم إغراؤهم بالمال والسلطة (غسيل أدمغة)  لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية.

 المبحث الرابع :منظورات فكرية لعلاقة سوية بين الإسلام والغرب

 منظور الاحترام والحوار  والكرامة الإنسانية :

إن حدود العلاقة مع الآخر تعني ضمنيًا، التعايش مع احترام الفروق بالنسبة إلى الأفراد والجماعات على حد سواء، لأن الهدف ليس السعي إلى الاتفاق الكلي وإنما ربط العلاقات مع الآخر لإثراء الفكر، وتمهيد طرق التعاون المثمر في شتى مجالات الحياة، وترسيخ قيم التسامح واحترام إنسانية الإنسان، وبالبحث الجاد عن قواسم مشتركة التي تشكل الركيزة الأساس للتعاون بين الأمم والشعوب. فالمفهوم  الإسلامي للكرامة الإنسانية، يتسم بخاصتين الشمولية والتعميم بحيث لا يستثنى عنصر دون آخر، ولا يختص جنس دون جنس، وبذلك يتساوى الإنسان في الحقوق مع أي إنسان آخر بقطع النظر عن اختلافه في اللون أو الجنس أو العقيدة أو الانتماء، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الكرامة الإنسانية المكفولة بحرية الفكرية الدينية، لا يمكن أن تسمو وترتقي مجتمعيًا وعالميًا بين الجنس البشري، من دون اعتماد لغة الحوار وإشاعة قيم العدالة والمساواة والحقوق لضمان استمرارية الحفاظ على مستوى التكريم الإنساني بنفس القيمة المعيارية، فاحترام التكريم الإسلامي للإنسان القائم على مراعاة تعدديات المجتمع، وتنوعه الفكري والثقافي والديني والسياسي، وهو الذي يؤدي إلى نضوج خيار التمازج والتداخل والتواصل والحوار المتبادل بين مجموع انتماءات المجتمع والأمة (عبد الملك المصعبي، 2004، ص117).

منظور الوسطية والتعدد:

يقول الدكتور مراد هوفمان في كتابه (الإسلام كبديل الحجر)، إن الوسطية الإسلامية هي الأهم، والإسلام هو دين الوسط، فالإسلام يرفض التطرف والغلاة، وطغيان العاطفة أو الوجدان الظالم، والقنوط واليأس على الماضي". ويكمل بأنه " إذا كانت الوسطية الإسلامية شرطًا من وجهة نظرنا للدخول إلى حوار الحضارات في عصر إتهام الإسلام بأنه العدو الجديد (أو القديم/الجديد)، وفي عصر العولمة وفي عصر نهاية التاريخ، فإن الغرب مطالب بالتنازل عن الأحكام المسبقة والتشويه، كما يدعو إلى عدم تصوير الآخر بأنه عدو فيقول" إن تصوير الآخر بأنه عدو، والحفاظ على هذه الصورة، كان دائمًا أمرًا أسهل من إعطاء صورة موضوعية واقعية عن الآخر، والتعامل معه بما يتناسب مع ذلك، ويضيف قائلا:" أليس محتملاً أن يكون السبب في عدم تفهمنا للإسلام هو رسوخه على أسس عميقة من التدين الشعبي، بينما نعيش نحن في مجتمع علماني إلى حد كبير "(عدنان الزرزو،2004، ص169).

 فالإسلام الذي يدعو إليه الصحي، هو إسلام يحقق ملامح الوسطية، وليس إسلام التطرف والإرهاب والعدوان، أو إسلام الانفعال وردود الأفعال غير السوية، كما أنه ليس إسلام الاجتهادات الخاطئة التي أفرزها واقع المجتمعات الإسلامية الصعب والاستعمار عبر العصور المختلفة، أو التي كان لهذا الواقع التاريخي أثره في  ظهورها في تلك العصور، ولكنه إسلام العقل الذي خاطبه القرآن، الذي أنيط به أمر الاجتهاد الدائم الذي لا ينقطع، وأنيط به الحركة الدائبة في إنزال نصوصه وأحكامه على واقع المجتمعات الإنسانية المتعددة والمتطورة عبر الزمان والمكان, فاليوم نحن نتحدث عن (الدين) الذي يعمل العقل لفهمه وتطبيقه، وليس عن الدين الذي يبطل عمل العقول السليمة.

  استنتاج  عام :

إن السلام السمح هو الحل لمواجهة ما نشاهده اليوم من دمار وقتل وتطرف وإرهاب، لذلك لابد من خطاب ديني تنويري ومعتدل يشترك في صياغته العلماء، خطاب يتضمن تدريس مبادئ السلام على مستوى الأفراد والجماعات، ورفض السياسات والأيدولوجيات والتنظيرات، التي تخلو من مبادئ أخلاقية لا تحترم حقوق الإنسان، وتحرض على التطرف الفكري والإرهاب. كما أن الإعلام سواء (المرئي، المسموع ، المقروء، ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، سناب شات أنستغرام، لينكد) عليه مسؤولية كبيرة لمحاربة المتطرفين والمنحرفين بأفكارهم، وذلك من خلال التوعية لرفع مستوى الوعي عند المتلقي، في حال شاهد أو سمع أو قرأ ما يدعو اليه هؤلاء المضللين. وليس فقط استخدام تلك المنصات لرفع مستوى المشاهدة أي جعل الربح المادي والتجاري يعلو على الجانب الأخلاقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة في الشؤون الاجتماعية والأمنية ـ المملكة الأردنية الهاشمية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع :

ابراهيم عثمان، سالم  ساري( 2009)، نظريات في علم الاجتماع، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان، الأردن.

تركي الحمد (2001)، الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، بيروت، لبنان.

جعفر عبد السلام(2008)، نحو بلورة معاصرة للعلاقة بين الإسلام والآخر، أوراق عمل المؤتمر الدولي الأول "وسطية الإسلام بين الفكر والممارسة، ، وزارة الثقافة، الأردن .

عبد الملك المصعبي (2008)، التصور الإسلامي للعلاقة مع الآخر، أوراق عمل المؤتمر الدولي الأول "وسطية الإسلام بين الفكر والممارسة، وزارة الثقافة، الأردن.

عدنان زرزور (2008)، الوسطية الإسلامية مدخل الى الحوار الحضاري، أوراق عمل المؤتمر الدولي الأول "وسطية الإسلام بين الفكر والممارسة، وزارة الثقافة، الأردن.

محمود عبيدات(1998)، تاريخ الفرق وعقائدها، دار الفرقان، عمان، الأردن.

هانس كونغ(2004)، الدين والعنف والحروب المقدسة، مختارات من المجلة الدولية  للصليب الأحمر، ميونخ، سويسرا.

المواقع الإلكترونية:

  يوسف رزين(2019)، الحركة الوهابية النشأة والتطور، تم الاطلاع عليه 23/5/ 2019((www.ahewar.org.

مجلة آراء حول الخليج