; logged out
الرئيسية / إيران من الداخل: 3 سيناريوهات تواجه النظام وإيران مقبلة على مرحلة جديدة

العدد 141

إيران من الداخل: 3 سيناريوهات تواجه النظام وإيران مقبلة على مرحلة جديدة

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

فرضت الأزمة الحالية المتصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تداعيات مباشرة على الداخل الإيراني، خاصة عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018م، وبدء فرض عقوبات أمريكية ضد إيران على جولتين في 7 أغسطس و5 نوفمبر من العام نفسه.

ورغم أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي لم يؤد إلى انهياره، في ظل حرص القوى الدولية الأخرى التي شاركت في الوصول إليه في 14 يوليو 2015م، (وهي بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين)، على استمرار العمل به، خاصة الدول الأوروبية التي بدأت في تفعيل ما يسمى بـ"آلية انستكس"، إلا أن تلك الخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب ساهمت في تقليص حجم العوائد الاقتصادية التي كانت إيران تتوقع الحصول عليه بمقتضى العمل به.

وقد بدا ذلك جليًا في انسحاب الشركات الأجنبية من الاستثمارات التي كانت قد أبرمت صفقات حولها مع جهات داخل إيران، لتجنب التعرض لعقوبات أمريكية، على غرار شركات "توتال" و"إيرباص" و"بيجو" و"بوينج" وغيرها.

ووصلت الضغوط التي فرضتها العقوبات إلى ذروتها مع تراجع الصادرات النفطية الإيرانية بشكل كبير، خاصة مع تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية في 5 نوفمبر 2018م، حيث انخفضت تلك الصادرات من 2.5 مليون برميل يوميًا إلى 100 ألف برميل حسب آخر التقديرات التي صدرت في يوليو 2019م.

وفي مقابل ذلك، بدأت إيران في تبني سياسة تصعيدية من خلال تنفيذ عمليات تخريبية تستهدف ناقلات وسفن في منطقة الخليج، خلال الفترة من 12 مايو و13 يونيو 2019م، وإسقاط طائرة أمريكية من دون طيار في 20 من الشهر نفسه، مع احتجاز السفينة البريطانية في 19 من الشهر التالي، بهدف توجيه رسالة إلى القوى الدولية والإقليمية المعنية مفادها أن لديها قدرة على رفع كلفة الإجراءات العقابية التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية ضدها.

كما وجهت إيران تهديدات مباشرة لأمن الملاحة في منطقة الخليج ومضيق هرمز، كان آخرها ما جاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه، الذي قال، في 6 أغسطس 2019: "السلام مقابل السلام، والنفط مقابل النفط، لا يمكنكم القول إنكم ستمنعون نفطنا"، مضيفًا: "المضيق مقابل المضيق، لا يمكن أن يكون مضيق هرمز مفتوحًا لكم، وألا يكون مضيق جبل طارق كذلك بالنسبة لنا".

وبالتوازي مع ذلك، بدأت إيران في تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، من خلال زيادة كمية ومستوى تخصيب اليورانيوم، مع التهديد باتخاذ خطوة ثالثة في الفترة القادمة.

وعلى ضوء ذلك، بدأ هذا التصعيد يفرض معطيات جديدة على الساحة الداخلية الإيرانية. فقد تزايدت احتمالات تحقيق معدلات نمو سلبية للاقتصاد الإيراني خلال الفترة من عام 2018م، إلى عام 2021م، بسبب تراجع صادرات إيران النفطية، التي تمثل 80% من العوائد الإيرانية.

ويرجح صندوق النقد الدولي أن يصل انكماش الاقتصاد الإيراني إلى 3.6% في عام 2019م، بالتوازي مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 40%، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أنه قد يصل إلى 50%. ورغم أن سعر الصرف الرسمي يبلغ 42 ألف ريال للدولار الواحد، إلا أنه يصل في السوق السوداء إلى نحو 150 ألف ريال للدولار الواحد.

وقد دفع ذلك حكومة الرئيس روحاني، في 31 يوليو 2019م، إلى تبني مبادرة تقضي بحذف أربعة أصفار من العملة الرسمية وتحويلها من الريال إلى التومان، لتحقيق أهداف عديدة منها تعزيز قدرة العملة على مواجهة الضغوط التي يفرضها تراجعها أمام الدولار واستعادة قسم من قيمتها التي انخفضت بشكل كبير أمام العملة الأمريكية، فضلاً عن تقليل تكلفة طبع الأوراق النقدية وتقليص مشكلات الأعداد الضخمة في المداولات اليومية.

أزمة مزمنة:

هذه الضغوط في مجملها تسببت فيها السياسة المتشددة التي يتبناها النظام الإيراني، القائمة على استنزاف الموارد الإيرانية في دعم المغامرات التي يقوم بها على الصعيد الخارجي، سواء ما يتعلق بتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية والمسلحة في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها حركة الحوثيين المتمردة على الشرعية الدستورية في اليمن وحزب الله في لبنان والميليشيات الطائفية التي قام "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري بتكوينها وتدريبها في كل من سوريا والعراق، أو ما يتصل بمواصلة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية وإجراء تجارب مستمرة على إطلاقها، أو ما يرتبط بمحاولات الالتفاف على الاتفاق النووي ومواصلة تطوير البرنامج بكل ما يفرضه ذلك من تهديدات ومخاطر على المنطقة بشكل عام.

ومن هنا، اندلعت احتجاجات واسعة في إيران خلال الفترة الماضية، كان شعارها الأساسي هو مطالبة النظام بالتوقف عن استنزاف "الخزينة الإيرانية" في دعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة في الخارج لصالح الاهتمام بمعالجة الأوضاع المعيشية الداخلية المتدهورة.

وقد وصل عدد الاحتجاجات التي شهدتها إيران خلال عام 2018م، وفقًا لبعض التقديرات، إلى أكثر من 9 آلاف احتجاج، لدرجة دفعت منظمة العفو الدولية إلى إصدار تقرير، في 24 يناير 2019، وصف عام 2018 بأنه "عام العار في إيران"، التي قامت سلطاتها باعتقال أكثر من 7 آلاف شخص، كان من ضمنهم محامون وصحفيون ونشطاء من القوميات المختلفة، فيما قتل 35 شخصًا لأسباب مختلفة مرتبطة بهذه الاحتجاجات.

جدل متواصل:

رغم أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا في تصريحات مختلفة على أن الهدف الأساسي من الإجراءات العقابية التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران يكمن في "تغيير السلوك" وليس "تغيير النظام" في حد ذاته، إلا أن بعض قوى المعارضة الإيرانية فضلاً عن العديد من الاتجاهات الأخرى المعنية بتقييم ومتابعة تأثير العقوبات الأمريكية على إيران تشير إلى أن استمرار هذا الوضع وتراجع قدرة النظام على احتواء تداعيات العقوبات من شأنه تأجيج الأزمة الداخلية لدرجة قد لا يستطيع النظام التعامل معها بالآليات الحالية التي يتبناها على نحو يمكن أن يساهم في انهياره في النهاية.

وربما تتطور الأزمة، وفقًا لتلك التصورات، إلى درجة نشوب حرب أهلية في إيران، يحاول فيها النظام استخدام قدراته العسكرية في احتواء وقمع أية ثورة داخلية محتملة قد تندلع بسبب تردي الأوضاع المعيشية، على نحو قد يؤدي أيضًا إلى تفكك إيران لدويلات صغيرة تتشكل من القوميات العرقية التي تضمها إيران الحالية وتقطن المناطق الحدودية، حيث تمتد أصولها إلى دول مجاورة لإيران على غرار أذربيجان وأفغانستان وباكستان وغيرها.

لكن ثمة اتجاهات أخرى ترى أن الأزمة قد لا تصل إلى حد انهيار النظام أو نشوب حرب أهلية في إيران، على ضوء عاملين رئيسيين: أولهما، أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت ترى أن التفاوض مع النظام الإيراني الحالي يمكن أن يؤدي إلى تسوية الخلافات الحالية، على المستويات المختلفة، النووية والصاروخية والإقليمية، رغم التصعيد المتبادل الذي جرى في الفترة الأخيرة.

ويعني ذلك أن واشنطن تستخدم الضغوط الاقتصادية والعقوبات من أجل دفع هذا النظام إلى تغيير سياسته باتجاه القبول بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد يستوعب مجمل التحفظات الحالية التي تبديها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاتفاق النووي الحالي، وتسببت في انسحابها منه في 8 مايو 2018م.

وقد أشار المسئولون الأمريكيون إلى هذا الهدف في أكثر من مناسبة. فخلال زيارته لليابان، في 27 مايو 2019م، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "أعتقد حقًا أن إيران ترغب في إبرام اتفاق، وأعتقد أن هذا ينم عن ذكاء، وأعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق"، مضيفًا: "أمامها فرصة لكى تصبح دولة عظيمة بالقيادة نفسها، نحن لن نتطلع لتغيير النظام..أريد فقط أن أوضح ذلك.. نحن نتطلع إلى عدم امتلاك إيران أسلحة نووية".

بل إن تقارير عديدة أشارت، في 3 أغسطس 2019م، إلى أن السيناتور الجمهوري راند بول عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حاول التوسط من أجل ترتيب دعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس ترامب، على هامش الزيارة التي قام بها ظريف إلى نيويورك لحضور اجتماع في الأمم المتحدة خلال يوليو من العام نفسه.

واللافت في هذا السياق أيضًا أن الزيارة التي قام بها ظريف إلى نيويورك جاءت بعد جهود بذلتها فرنسا للتوسط بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام ايمانويل بون كبير مستشاري الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارة إيران يومي 9 و10 يوليو 2019م، للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أسابيع، وبدا أن باريس حاولت التدخل لدى الإدارة الأمريكية من أجل السماح لظريف بزيارة نيويورك، كبادرة حسن نية يمكن أن تعزز من إمكانية خروج تلك الجهود بنتائج تساعد في الوصول إلى حلول وسط للأزمة الحالية.

لكن ذلك لم يحدث في النهاية، على نحو دفع الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات على ظريف، في 31 من الشهر نفسه، بمقتضى الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب، في 24 يونيو 2019م، وفرض من خلاله عقوبات على المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.

وثانيهما، أن النظام نفسه حاول الترويج إلى أن الأزمة الحالية التي يتعرض لها، بسبب تصاعد حدة التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية واتساع نطاق الخلافات مع الدول الأوروبية عززت تماسك القاعدة المؤيدة له في الداخل، وساهمت، حسب مزاعم مسؤولة، في تقليص حدة التباينات في مواقف القوى السياسية المختلفة، التي حرصت على تنحية صراعاتها السياسية الداخلية من أجل المشاركة في مواجهة الضغوط الخارجية.

وبدا أن النظام حريصًا على إضفاء وجاهة خاصة على تلك المزاعم، عبر السماح لبعض الشخصيات التي تبدي تحفظات عديدة تجاه السياسة الحالية التي يتبناها بالتواصل مع وسائل الإعلام الغربية، خاصة الأمريكية والأوروبية.

فقد كان لافتًا، على سبيل المثال، أن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أجرى حوارًا مطولاً عبر الهاتف مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 19 يوليو 2019م، إذ دعا أحمدي نجاد إلى إجراء مفاوضات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل الوصول إلى تسوية للخلافات بين الطرفين التي استمرت على مدار أربعين عامًا منذ اندلاع الثورة في عام 1979م.

وقال الرئيس السابق في هذا السياق: "إن ترامب رجل عملي، وهو رجل أعمال وقادر على حساب الفوائد واتخاذ القرار..نقول له: دعنا نحسب الفائدة على المدى الطويل للتكاليف بين بلدينا وليس على المدى القصير"، مضيفًا: "إن السلام والاقتصاد والثقافة كلها ستستفيد من عملنا على الصعيد الدولي".

وبعد ذلك بثلاثة أيام، وتحديدًا في 22 من الشهر نفسه، نشر الرئيس الأسبق محمد خاتمي مقالاً في صحيفة "الغارديان" البريطانية، وجه فيه تحذيرات إلى الإدارة الأمريكية من أن السياسة الحالية التي تتبعها مع إيران يمكن أن تعزز من احتمالات نشوب حرب واسعة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

تغاضي النظام عن تواصل بعض المسؤولين السابقين والحاليين مع الإعلام الغربي يشير إلى أنه حريص عبر تلك الآلية على توجيه رسائل إلى الدول الغربية بأنه رغم الخطوات التصعيدية التي يتخذها في الوقت الحالي ما زال يمنح الأولوية بدوره للتفاوض.

ومن دون شك، فإن قيام خاتمي تحديدًا بنشر هذا المقال لم يتم، في الغالب، بدون ضوء أخضر من جانب النظام، الذي فرض قيودًا شديدة على الرئيس الأسبق على مدار الأعوام الثماني الماضية بسبب اتهامه بدعم ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" التي قادت احتجاجات واسعة في يونيو 2009م، لدرجة تمنعه من حضور المناسبات العامة على سبيل المثال، على نحو يوحي بأنه حاول من خلال ذلك الترويج إلى أن الضغوط الخارجية التي يتعرض لها ساهمت في تعزيز قاعدته الداخلية ودفعت بعض القوى التي تتحفظ على سياسته إلى إبداء دعمها له.

لكن هذه المزاعم لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن الضغوط الخارجية سوف تؤدي إلى تصاعد حدة الصراع السياسي في الداخل خلال المرحلة القادمة، خاصة مع اقتراب موعد بعض الاستحقاقات السياسية الهامة، وفي مقدمتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، اللتين سوف يتم إجراؤهما في عامي 2020 و2021م، على التوالي.

سيناريوهات محتملة:

وعلى ضوء ذلك، يمكن طرح سيناريوهات ثلاثة رئيسية للتداعيات التي تفرضها الأزمة التي تتعرض لها إيران في المرحلة الحالية: السيناريو الأول، يتمثل في استمرار الوضع على ما هو عليه، بما يعني استمرار الأزمة الاقتصادية التي يواجهها النظام الإيراني بفعل السياسات المتشددة التي يتبناها على الساحتين الداخلية والخارجية، على المدى القريب على الأقل.

وبالطبع، فإن ما يدعم من هذا السيناريو هو استمرار تعنت النظام في رفض الدعوات الأمريكية المتكررة بإجراء مفاوضات، بالتوازي مع إصراره على تخفيض مستوى التزاماته في الاتفاق النووي، حيث قام بزيادة كمية تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 300 كيلو جرام، ثم رفع مستوى التخصيب من 3.67% إلى 4.5%، مع التهديد باتخاذ خطوة ثالثة ما لم تستجب الدول الأوروبية وتقوم برفع مستوى التعاملات التجارية والمالية مع إيران خلال المرحلة القادمة.

ويبدو أن إيران تربط إصرارها برفض التفاوض مع الإدارة الأمريكية في الفترة الحالية باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبداية انشغال الإدارة الأمريكية الحالية بالتنافس المحتمل فيها، حيث يرغب الرئيس ترامب في تجديد فترته الرئاسية لأربعة أعوام أخرى، على نحو يوحي بأن إيران تفضل الانتظار إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل أن تقرر الخيار الذي يمكن أن تتجه إليه فيما بعد ذلك.

لكن هذا السيناريو يعني في الوقت نفسه أن الاحتجاجات سوف تتواصل في إيران خلال المرحلة القادمة، بسبب تردي الأوضاع المعيشية وفشل السياسات التي تتبعها الحكومة في التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية. وقد بدأت هذه الاحتجاجات تستقطب اهتمامًا دوليًا، بعد أن كانت بعض القوى الدولية تتعمد التغاضي عن الانتهاكات التي ترتكبها السلطات في التعامل مع المحتجين ومطالبهم لحرصها على مصالحها مع النظام الإيراني، خاصة بعد الوصول للاتفاق النووي.

وينصرف السيناريو الثاني، إلى قبول النظام الإيراني بإجراء مفاوضات مع الإدارة الأمريكية، في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خاصة في حالة ما إذا أدرك أنه لن يستطيع تحمل أعباء السياسة الحالية، لاسيما مع وصول الصادرات النفطية إلى أدنى مستوى لها، وهو 100 ألف برميل يوميًا في يوليو 2019م.

وهنا، فإن وصول هذه المفاوضات المحتملة إلى اتفاق جديد يمكن أن يقلص من الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الإيراني في المرحلة الحالية، بشكل قد يساهم في تراجع مستوى الاحتجاجات التي تشهدها إيران، دون أن يؤدي إلى إنهائها باعتبار أن هناك أسباب أخرى غير اقتصادية ساهمت في تفاقمها خلال المرحلة القادمة. وقد يحاول النظام عبر تلك المفاوضات المحتملة الحصول على ضمانات من واشنطن بعدم العمل على إسقاطه أو دعم القوى المناوئة له في الداخل والخارج.

لكن هذا السيناريو مؤجل إلى حين تبلور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي سيكون لها تأثير، غير مباشر، على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي سوف تجرى في منتصف عام 2021م، ولن يترشح فيها الرئيس روحاني، حيث يتوقع أن يسعى تيار المحافظين الأصوليين المتشدد إلى تصعيد أحد أقطابه لمنصب الرئيس بكل ما يمكن أن يوجهه ذلك من رسائل متشددة إلى الخارج.

كما أن أية مفاوضات محتملة بين طهران وواشنطن قد لا تنتهي بالضرورة بالوصول إلى اتفاق، أو على الأقل ربما تستغرق فترة ليست قصيرة، في ظل تعدد وتعقد القضايا الخلافية العالقة بين الطرفين. وقد استغرق الوصول للاتفاق النووي الحالي، على سبيل المثال، نحو ست سنوات، منذ بداية إجراء مباحثات سرية بين طهران وواشنطن في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2009م، وحتى الإعلان عن الصفقة في 14 يوليو 2015م.

بل إن هناك من يرى أن مرحلة الوصول للاتفاق النووي بدأت في عام 2002م، عندما تصاعدت أزمة البرنامج النووي الإيراني على الساحة الدولية، حيث قادت ما يسمى بـ"دول الترويكا الأوروبية" (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) جهودًا دبلوماسية للوصول إلى تسوية لها منذ هذه الفترة، لكنها لم تنجح في ذلك، على نحو أدى إلى فرض عقوبات دولية على إيران التي قامت بتطوير برنامجها النووي ردًا على ذلك، إلا أنها واصلت المفاوضات من جديد مع إدارة أوباما انتهت بالوصول للاتفاق الحالي، الذي رفعت بمقتضاه هذه العقوبات.

وهنا، لا يمكن تجاهل أن الفشل في الوصول إلى هذا الاتفاق المحتمل سوف تكون عواقبه أكثر فداحة، لا سيما على النظام الإيراني، الذي سيتعرض في هذه الحالة لمزيد من الأزمات الداخلية في وقت لا يبدو فيه قادرًا على مواجهتها بالآليات الحالية نفسها.

أما السيناريو الثالث، وهو الأضعف، فيتعلق بنشوب مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في حالة ما إذا واصلت إيران رفضها دعوات التفاوض الأمريكية بالتوازي مع تخفيض مستوى التزاماتها النووية، والذي يقربها من مرحلة الخروج من الاتفاق النووي على غرار الخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب.

وهنا، فإن هذا السيناريو يعني أن أزمة الملف النووي الإيراني سوف تعود إلى مربعها الأول من جديد، وأن إيران قد تحاول الاقتراب من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وهو ما يمثل خطًا أحمر لن تسمح به القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأمن في المنطقة.

وقد تعزز الخطوات الاستفزازية والعمليات التخريبية التي يقوم بها الحرس الثوري والميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة من احتمالات حدوث احتكاكات أو تصعيد عسكري متبادل خلال المرحلة القادمة.

وهنا، فإن بقاء النظام الإيراني في الحكم سوف يكون، وفقًا لهذا السيناريو، موضع تساؤل، خاصة أن أى حرب قد ينخرط فيها سوف تكون عواقبها وخيمة، في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها سياساتها على الصعيد الداخلي، وهو ما يعني أنه سوف يحاول تفاديها في كل الأحوال، باعتبار أنها سوف تهدد استمراره في الحكم وستسمح بتأجيج الاحتجاجات الداخلية التي قد تتطور إلى ثورة تطيح به على غرار ما حدث لنظام الشاه في عام 1979م.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران تبدو مقبلة على مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها، وتسببت فيها السياسات المتشددة التي يتبناها النظام الحاكم، على نحو سوف يفرض تأثيرات مباشرة على مستقبل هذا النظام نفسه في الحكم خلال الفترة القادمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • رئيس تحرير دورية "مختارات إيرانية" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

مجلة آراء حول الخليج