array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 141

العقوبات سلاح فعال ضد عدوانية حكام طهران لذلك يسعون لإشعال الحرب

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

تعد العقوبات الاقتصادية إحدى أدوات المجتمع الدولي في تقويم سلوك دولة ما، بما يتفق مع النهج العام للنظام الدولي. ويلجأ المجتمع الدولي أو دولة ما إلى هذه الآليات كمرحلة بديلة للحرب، من باب منح فرصة للدولة المستهدفة بأن تعدل عن سلوكها، على أمل أن تثمر بنتائج إيجابية تقي المجتمع الدولي اللجوء إلى فرض الأوامر عن طريق القوة العسكرية.

وتعرف العقوبات الاقتصادية في أكثر الأدبيات المتخصصة بأنها تعليق للمعاملات الاقتصادية مع البلد المستهدف أو الحجر على موارده الاقتصادية.

واقع العقوبات الاقتصادية على إيران:

تسعى واشنطن لقيادة حملة "ضغوط قصوى" ضد طهران بغية دفعها وفق ما تقوله نحو التفاوض على )اتفاق أفضل(، بسبب البرنامج النووي الإيراني وسجلها السيء في مجال حقوق الإنسان وتشمل العقوبات 50 بنكًا وكيانات تابعة لها وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) وأكثر من 65 من طائراتها، ومن بين العقوبات إدراج نحو 25 مصرفًا إيرانيًا فرضت عليها عقوبات من قبل في قائمة سوداء بما يدفع نظام سويفت للتحويلات المالية والمعاملات بين البنوك ومقره بروكسل، إلى وقف التعامل معها بما يضيف المزيد من العراقيل أمام تجارة إيران مع العالم.

 

 

وستعيد هذه الخطوة فرض عقوبات كانت قد رفعت بموجب الاتفاق النووي الذي تفاوضت عليه إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وخمس قوى عالمية أخرى وأبرم عام 2015م، كما ستضيف 300 تصنيف جديد في قطاعات النفط والشحن والتأمين والبنوك في إيران.

وبتفاصيل هذه العقوبات، فسيتم حظر المعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة كالذهب، بالإضافة إلى الألمنيوم والحديد، والتكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، التي قد تستخدم مدنيًا أو عسكريًا، بالإضافة إلى فرض عقوبات على المؤسسات والحكومات التي تتعامل بالريال الإيراني، أو سندات حكومية إيرانية، ناهيكم عن قطاعات المواصلات والطاقة والبنوك. بما في ذلك السيارات والغذاء والدواء.

 

آثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية على الاقتصاد الإيراني:

مع فرض واشنطن العقوبات على طهران، طرحت تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على الاقتصاد الإيراني، وما هي الآثار التي سوف تتركها العقوبات على الداخل الإيراني؟ وتتمثل أبرز تلك العقوبات، في انخفاض الصادرات النفطية، وانخفاض الناتج المحلى الإجمالي، مع تدهور العملة المحلية، مع ملاحظة أن التأثير الكلى لتلك العقوبات لن يظهر بصورة متكاملة سوى على المدى الطويل، ومن أهم الآثار الاقتصادية:

1-   ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد الغذائية

النفط عصب الاقتصاد الإيراني، ومع انهيار صادرات النفط انهارت العملة الإيرانية الريال، إذ فقدت 60% من قيمتها خلال العام الحالي، الأمر الذي عكسته الفجوة المتزايدة بين السعرين الرسمي والحقيقي للعملة الإيرانية، والنتيجة هي ارتفاع كبير في الأسعار وانخفاض في مستوى المعيشة نتيجة العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة. مع زيادة 70% في أسعار السلع الرئيسة (صندوق النقد الدولي).

 ففيما تفرض الحكومة 42 ألف ريال سعرًا للدولار الأمريكي، يجري تداول العملة الإيرانية في السوق بسعر 145 ألف ريال للدولار الواحد؛ مما أقر البنك المركزي الإيراني بتاريخ 30 يوليو  الماضي خطة لحذفأربعة أصفار من العملة الوطنية للحيلولة من نزيف التومان واستبدال الريال بالتومان.

 

 

 

2-   تزايد ظاهرة الفقر والبطالة بين الشباب: الأمر الذي يسبب تفاقم الأزمات والاحتجاجات في الدولة خاصة خلال الفترة الأخيرة، فمن المتوقع أن تصل نسبة البطالة في إيران إلى 15.4 في المئة نهاية عام 2019م، وأن تزيد على 16 في المئة، العام المقبل. ونقلاً عن بيت الله عبد اللهي (نائب برلماني) أن 7 أشخاص من قرية واحدة انتحروا على مدى الفترة الأخيرة بمقاطعة هريس مركز محافظة أذربيجان الشرقية بسبب البطالة. وأن الأسباب الرئيسة وراء وقائع الانتحار الأخيرة تتعلق بحالة الكساد الاقتصادي، مشيرًا إلى أن غالبية القرويين بهذه المقاطعة يعانون ظروفًا معيشية صعبة. (وكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا).

معدلات البطالة في إيران

كما أن هذه العقوبات كفيلة بالتأثير على (المناخ الاستثماري في إيران، وستؤثر على معاملات الكثير من الشركات الإيرانية التابعة لمكتب المرشد والحرس الثوري وأيضًا الشركات الخاصة).

إضافة إلى التحديات التي تواجهها إيران هناك:

1-   نقصًا في الكهرباء، إذ أن سدودها ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية أصبحت متهالكة وأقل إنتاجية، الأمر الذي قد يتسبب في توقف الصناعات خلال فترة الصيف.

2-   هناك العديد من التحديات المناخية والبيئية، الأمر الذي من المؤكد أن يؤثر على الاقتصاد على المدى الطويل، حيث أصبح الجفاف وتقنين المياه في بعض المدن الإيرانية خلال أيام الصيف الحارة ظاهرة منتظمة خلال العقد الماضي.

الأساليب الإيرانية للتهرب من العقوبات الاقتصادية الأمريكية

وفق استقراء هذه الآثار، نرى أن هذه العقوبات كانت كبيرة إذ انعكست تداعيات هذه العقوبات بشدة على واقع الحياة الاقتصادية، الأمر الذي فجر موجات غضب عارمة داخلها نتيجة ارتفاع الأسعار أو قلة المعروض من الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء وارتفاع معدلات البطالة والحد من التصدير أو الاستيراد وتقييد التحويلات النقدية.

وتمتلك إيران خبرة ليست بالقليلة، في أساليب التهرب من العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليها تلك الخبرة التي اكتسبتها على مدى أربعين عامًا. على الرغم من أن جدية إدارة الرئيس ترامب تختلف تمامًا عما سبقها من إدارات في ما يتعلق بتنفيذ العقوبات، إلا أنه مازال هناك طرق وأساليب ملتوية يستخدمها نظام الملالي في طهران للالتفاف على هذه العقوبات، ومن أبرز هذه الأساليب والطرق الملتوية هي:

أولاً: هناك الخروقات العراقية، إذ كشف مؤخرًا عن تهريب صادرات النفط الإيرانية إلى الأسواق الآسيوية عن طريق ميناء البصرة بعد تغيير شهادات التصدير ووسمها بوثائق عراقية مزورة، كما أن الرئيس حسن روحاني عاد من زيارته الأخيرة لبغداد في بداية شهر مارس الماضي، وفي حقيبته  4 مليارات دولار وفق ما صرح به محمد جواد جمالي عضو لجنة الأمن والخارجية بالبرلمان الإيراني، مبررًا ذلك بأنه التزامات عراقية تجاه طهران![1].


ثانيًا: هناك خروقات من نوع آخر تتعلق بمعاملات طهران المالية، وهي تتم أساسًا من خلال السوق المالية القطرية، فالمؤسسات المصرفية والمالية القطرية لا زالت تتعاون وبصورة كبيرة ووثيقة مع النظام المالي الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية، وهنا أيضًا تلتزم إدارة الرئيس ترامب الصمت! وكذلك استطاعت إيران الالتفاف على العقوبات المصرفية باستخدام المصارف العراقية للتهرب من العقوبات.

 

ثالثًا: خبرة إيران ليست بالجديدة  بالتعاقد مع دول مختلفة لتسجيل ناقلاتها النفطية باسمها وذلك بعد أن انكشفت قصة الناقلات الإيرانية التي ترفع العلم التنزاني دون علم سلطات البلد الإفريقي بذلك عام 2012م. 
رابعًا: هناك التبادل التجاري بين طهران وبعض الدول، كالعراق ولبنان وتركيا، حيث يوفر ذلك لطهران منافذ تصديرية مهمة تدر عليها عملات أجنبية هي في أمس الحاجة إليها، مما منح النظام الإيراني حزمة أوكسجين لا زال يتنفس من خلالها متحديًا تلك العقوبات.

فهل تقف الإدارة الأميركية عاجزة أمام عدم التزام الدول السابقة بالعقوبات المفروضة على طهران؟ علمًا بأنها في المجمل دول حليفة لواشنطن، كالعراق وقطر، أم أن ذلك يتم بترتيب مع هذه الدول التي لا تستطيع مخالفة واشنطن متى ما قررت تشديد العقوبات من خلال إغلاق هذه النوافذ المفتوحة أمام طهران والتي تساهم في إضعاف أثر العقوبات وتشجع طهران على المعاندة وزعزعة استقرار الدول المجاورة وتوتير الأجواء الإقليمية المحيطة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى[2]. 

 

انعكاسات الموقف المالي والاقتصادي في إيران:

تتحدث تقارير رسمية إيرانية بشكل واضح عن تراجع المؤشرات الاقتصادية وفي مراجعة سريعة نجد أنه عودة العقوبات مع تصفير تصدير النفط الإيراني ينذر بأزمة اقتصادية، ولا يمكن القول: بمحدودية تأثيرها في دولة ريعية يعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط. مما اضطرت الحكومة الإيرانية اللجوء إلى:

  • تسريح عدد كبير من الموظفين الحكوميين خلال 2018م، بلغ عددهم 66 ألفًا، كأحد الحلول لمواجهة عجز موازنة البلاد المتضررة من العقوبات الأمريكية.
  • تصاعد أزمة شح السيولة التي تعاني منها طهران، بفعل العقوبات الأمريكية المفروضة منذ أغسطس ونوفمبر 2018م.

الخيارات والبدائل الاقتصادية الإيرانية للتخفيف من وطأة هذه العقوبات

تستهدف الإدارة الأمريكية عبر مجموعة من العقوبات الموجهة تجفيف الموارد المالية - الانفة الذكر- للنظام الإيراني، وزيادة الضغوط الاقتصادية والمجتمعية عليه، لحصاره داخل حدوده الجغرافية وإجباره على تغيير أجندته السياسية والعسكرية في إقليم الشرق الأوسط، وبطبيعة الحال لن يقف النظام مكتوف الأيدي أمام العقوبات الأمريكية، وسيتوجه لاتِّباع مجموعة من الاستراتيجيات والخيارات من أجل إبطال فاعلية العقوبات الخطيرة، بخاصة تلك التي تتعلق بأهم مصادر دخل النظام، أي صادرات النفط الخام ومشتقاته. ويمكن تحديد أربعة خيارات رئيسة هي:

1-    وفقا لنتائج العديد من الدراسات، والتي غالبيتها إيرانية، فإن الأوضاع في إيران ستصل في الربع الأخير من العام الحالي  2019م، إلى حد الانفجار، وستصل سالبية النمو الاقتصادي إلى أكثر من سالب 20%، وهي النسبة التي غالبًا ما يرافقها انهيار اقتصادي شامل في البلاد، لأن هذه النسبة ستقود إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل مفاجئ قد تصل إلى 70%، وستشهد القطاعات الانتاجية شللاً كاملاً مع ارتفاع حاد في التضخم وارتفاع الأسعار ودخول البلاد في فوضى حاضنة لانتفاضة شعبية عارمة، غير أن ردود أفعال النظام الإيراني، وما في جعبته من مخططات استباقية لوأد هذه الثورة، هو الأخطر على إيران والمنطقة، كإشعال حرب خارجية لإطفاء النيران الداخلية، أو نشر جماعات إرهابية في الداخل الإيراني لتهديد الشعوب بها وقمع الثورة تحت غطاء مكافحة الإرهاب.[3]

 



2- استهداف بعض المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة عبر الجماعات والميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري مثل حزب الله والحوثي والحشد الشعبي وغيرها، أو عبر الحرس الثوري مباشرة عبر التحرش بناقلات النفط في مياه الخليج العربي وهذا ما يسمى ( صراع الناقلات النفطية(، أو اللجوء إلى التصعيد في أفغانستان والجبهة اللبنانية-الإسرائيلية وحركة حماس، ويكون هذا الحدث بمثابة رسالة تحذير إلى واشنطن للتراجع عن سياسة الخنق الاقتصادي لطهران.

3ـ اعتماد النظام على الصمود والمقاومة داخليًا، والثبات في السياسة الخارجية من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد واعتماد سياسة اقتصادية تقشُّفية متشدِّدة ورفع صادراتها من المنتجات غير النفطية، إلى جانب تعزيز الاقتصاد الموازي المتمثل في الحرس الثوري والمؤسَّسات (الخيرية) المرتبطة بمكتب خامنئي، والاعتماد على سياسة التهريب والتحايل وتنشيط خلاياها الاقتصادية النائمة من كيانات وأفراد للمساهمة في مساعدة الاقتصاد الإيراني خلال هذه الفترة العصيبة. -ويرى د محمد بن صقر السلمي[4]- أن هذا الخيار ممكن التحقُّق على المديين القريب والمتوسط، بخاصة إذا تراخت واشنطن في موقفها وفي تطبيق استراتيجيتها بدقة، ولم تجد تعاونًا كافيًا من الدول الإقليمية، وبالأخص دول الجوار الإيرانيالتي قد تعتمد عليها إيران كثيرًا في التهرب من العقوبات.

4- وصول الساسة في إيران إلى قناعة كاملة بأن الخيارين الماضيين يُعَدّان مغامرة غير مضمونة النتائج، وأن الكلفة السياسية والاقتصادية ستكون كبيرة جدًّا، وأن شعبية النظام سوف تتآكل بسبب الأوضاع المعيشية المتردية واستمرار الاحتجاجات والمظاهرات في أرجاء البلاد، ومِن ثَمَّ تلجأ إلى القبول بالتفاوض مع الإدارة الأمريكية، ومحاولة الوصول إلى عَقْد صفقة معها بهدف وقف النزيف الاقتصادي المستمر،وكذلك لكسب بعض الوقت عبر التفاوض المشروط، ربما برفع بعض العقوبات أو تجميدها[5].

نظرة عامة على الموازنة العامة لإيران

تعاني الموازنة العامة لإيران، في الأساس، من إشكالات تتعلق بغياب الشفافية والمساءلة وضعف الرقابة على النفقات الحكومية والقطاع العام بشكل أوسع، وهو ما ساهم في انتشار ممارسات الفساد في العديد من الأنشطة الاقتصادية وفق بعض المؤشرات الدولية. ومن هنا،

 

 

تكمن المفارقة في هذا السياق في أن الموازنة العامة الحالية زادت مخصصات الإنفاق الحكومي على المؤسسات الإسلامية بجانب الإنفاق العسكري. ووفقًا لبعض التقارير، خصصت الحكومة نحو 853 مليون دولار لـ 12 مؤسسة إسلامية شيعية أي بزيادة قدرها 9% عن الموازنة السابقة، وهي تعادل تقريبًا ضعف مخصصات وزارة الثقافة. فأصبح هذا المشكل من أهم المشاكل التي تشغل بال الحكومة، وذلك للآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عنه ، خصوصًا مع العقوبات الاقتصادية[6].

فيما استحوذ الإنفاق العسكري على خُمس ميزانية العام المقبل بقيمة 22.1 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبًا المخصصات الموجهة للإنفاق على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وتوجه نحو 7.7 مليار دولار للحرس الثوري بالإضافة إلى 2.5 مليار دولار للجيش.

 

 

 إشكاليات مواجهة عجز الموازنة العامة

في واقع الأمر، لا تنطوي الموازنة على فجوة في الإنفاق بين الأوجه المختلفة فقط، وإنما تواجه العديد من الإشكاليات الأخرى، ومنها:

1- أن حسابات الموازنة العامة لا تعكس الأداء المالي الحقيقي لمجمل القطاع العام، وهو ما يعود إلى أن أنشطة الحكومة لا تمثل سوى نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل القطاع العام الأوسع (بما فيه مؤسسات البونياد وشركات الحرس الثوري) حوالي 70% من الناتج.[7]

2- عدم إدراج حسابات كثير من المؤسسات العامة ضمن حساب الحكومة يعني ضعف أداء مجلس الشورى (البرلمان) في الرقابة على النشاط المالي والتشغيلي للقطاع العام.

3-انتشار ممارسات الفساد في معظم القطاعات الاقتصادية، بما أضعف من الأداء الحكومي في تقديم الخدمات وتنفيذ العديد من المشروعات الخدمية في قطاعات الإسكان على الأخص مثل مشروع "شانديز" السكني الذي تعثرت الحكومة في تنفيذه وكان أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات في مدينة مشهد، بجانب إفلاس عدد من البنوك في المدينة نفسها وبما تسبب في ضياع مدخرات العملاء.

4-   يعاني النظام المصرفي حتى الآن من ارتفاع القروض المتعثرة نتيجة التوسع في عمليات الإقراض لشركات الحرس الثوري بمعدلات فائدة أقل من السوق، مما تسبب في ضعف جودة الأصول المالية للبنوك وتدهور المركز المالي للعديد منها خاصة في الآونة الأخيرة.

هذه الاعتبارات في مجملها جعلت العديد من المؤسسات الدولية تشير إلى أن ممارسات الفساد وغياب الشفافية في إيران تمثل أحد الأسباب الرئيسة في انخفاض مستويات المعيشة، بالإضافة إلى تدهور بيئة الاستثمار. 

السيناريوهات المتوقعة للوضع المالي الإيراني المستقبلي

اعتادت إيران مواجهة التوترات المتصاعدة في منطقة الخليج، بتصريحات تبتعد عن كل منطق،  محاولة بذلك تضليل الرأي العام بإخفاء الهدف الحقيقي وراء سلوكها الذي يزعزع استقرار المنطقة ويهدد أمن الملاحة البحرية، ويندرج الأمر في إطار استراتيجية التنصل والإنكار التي تتبعها طهران.

وتشير التوقعات إلى أن العام الجاري، 2019م، سيكون حاسمًا في إيران لجهة خسارة النظام كافة الأساليب والحيل التي يلجأ إليها للتأقلم مع العقوبات القاسية وامتصاص آثارها الكارثية على الاقتصاد. وإذا كان العام الماضي قد شهد احتجاجات شعبية في نحو 100 مدينة إيرانية فإن العام الجاري ينتظر غضب فئات وشرائح اجتماعية ومهنية داخل أخرى تضاف إلى الفئات الغاضبة والمتضررة من انهيار العملة وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام.

بالتأكيد لا أحد يرغب في حرب جديدة، فالمنطقة لا زالت شعوبها تستنشق رائحة البارود والدمار منذ سنة 2003م، ويبقى الرهان على الداخل الإيراني، وتبقى باعتقادي تنفيذ استراتيجية الإنهاك والتآكل البطيء قادرة على زعزعة النظام الإيراني من الداخل.

فالبنية الذهنية لحكام إيران تخضع لما يسميه الصحافي روبرت فيسك بذهنية "ناسجي السجاد"، أي من ليسوا في عجلة من أمرهم، مع عقلية البازار، الذي يُحسِن المقايضة، ويُبدِي ما يخفي، ويُخفِي ما يُبدِي.

في حين أن الذهنية الأمريكية لحكام البيت الأبيض تخضع لمنطق آخر وسيكولوجية أخرى، يمكن أن ننعتها بعقلية الكاوبوي، أي استعمال القوة، أو التلويح بها لأغراض مالية وليست استراتيجية، مع عقلية البيزنس، أي الربح السريع، عن طريق المخاتلة والمضاربة.

فالربح الآني يغلب على النظرة الاستراتيجية البعيدة المدى. إلى جانب ذلك، تنطلق الولايات المتحدة في سياستها بالمنطقة، من تجربتين للتدخل العسكري لم تكونا ناجحتين، الأولى في أفغانستان والثانية في العراق، ومن ثمة لا يمكن للولايات المتحدة أن تغامر بتدخل عسكري في إيران.

عموما العقوبات الاقتصادية سلاح فعال ضد عدوانية حكام طهران، وهو سلاح لا يملكون رده بطريقة مناسبة؛ لهذا يحاولون جاهدين إشعال حرب، وجر المنطقة لميدان التخريب والإرهاب الذي يجيدونه، فعندها قد ينفتح الباب لمفاوضات تضع حدًا للحرب والعقوبات معًا.

لذلك فإن العلاقة وثيقة بين الحرب والاقتصاد. ويصعب الفصل بينهما، فالخسارة لا تتوقف عليهما فقط، بل إن الأثر السيء يطال الجميع في المدى الطويل.

بيد أن تحميل البلد المفروضة عليه هذه التكاليف الباهظة لا يعني بالضرورة أن المرء قد حقق الأهداف التي يرجى تحقيقها وأن العقوبات كانت ناجحة، فعلى المرء أن يميز على نحو دقيق بين فاعلية العقوبات وبين النتائج التي تنجم عن تلك العقوبات، فعند تقييم منافع العقوبات لا مندوحة لنا عن أن نأخذ في الاعتبار تلك التكاليف أيضًا التي ستتحملها الدول التي فرضت العقوبات. كما يتعين بكل تقييم تحليلي صائب أن يقارن المنفعة النسبية للعقوبات بمنافع وتكاليف الخيارات الأخرى: الخيار العسكري-على سبيل المثال- وما ينطوي عليه من منافع، وما يسبب من تكاليف.[8]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

[1] د محمد العسومي، فعالية العقوبات الامريكية على إيران، الاتحاد، مارس 2019.

[2] مصدر سابق، بتصرف.

[3] مركز المزماة للدراسات والبحوث

[4]رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، خيارات إيران في تجاوز العقوبات الإيرانية، العربي الجديد.

[5] خيارات إيران في تجاوز العقوبات الإيرانية، مصدر سابق، بتصرف.

[6]مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة.

[7] البونياد: مؤسسات دينية صادرت املاك النظام السابق لأغراض خيرية، تحولت فيما بعد الى شركات ضخمة  بدون رقابة أو منافسة من الدولة .

[8] هامش دراسات عالمية- العقوبات في السياسة الدولية، تأليف بيتر رودولف وترجمة عدنان عباس، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ع 65، ص 13.

مقالات لنفس الكاتب