; logged out
الرئيسية / التصعيد الإيراني في الخليج للهروب من ضغوط الداخل وجر الخارج للمفاوضات

العدد 141

التصعيد الإيراني في الخليج للهروب من ضغوط الداخل وجر الخارج للمفاوضات

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

تتبنى ايران سياسة صفرية وتضع نفسها كعامل لا استقرار بوضوح ،على ضوء التحولات في منطقة الخليج ومضيق هرمز، اثر قيامها باحتجاز مجموعة من الناقلات النفطية في هذا المضيق المهم من الناجية الجيو ستراتيجية ،وربما لم تحسب إيران حجم مآلات هذا التصعيد في المنطقة بحكم أن أسس حسن الجوار واحترام مبادئ القانون الدولي لا توجد في قاموس إيران السياسي وفي شكل تعاملاتها مع دول محيطها الإقليمي ،ويبدو ان سياسة ايران الخارجية التي يقودها المرشد والحرس الثوري كأهم مؤسستين تصنعان القرار في نظام الحكم الإيراني قد تؤديان بإيران إلى مواجهة غير محمودة العواقب في المنطقة وخصوصا أن المنطقة حساسة، من حيث تركيبتها الديمغرافية والجغرافية والطاقوية، ويتضح ذلك من خلال تبني ايران لمقاربة غير واقعية وغير عقلانية، جراء اتخاذ التصعيد والعمل من خلف الستار كمنهج لها في المنطقة وهذه الطرق لن تخدم مستقبل إيران، في ظل واقع مهزوز اجتماعيا ومأزوم اقتصاديا ومن ثم فإنها ستفتح الباب أمام القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، التي لها مصالحها الاستراتيجية  في المنطقة إلى تصحيح سلوكها والتصحيح هنا قد يأخذ اشكالا متعددة، إما العزلة الدبلوماسية أو المقاطعة والحصار الاقتصادي أو الحرب في حد ذاتها والتي ستكون لها نتائج وخيمة على عموم المنطقة، هذه المنطقة التي تعتبر من المناطق الحساسة في العالم، وبالتالي أصبح السؤال الأكبر الذي يحتاج إلى إجابة كبرى هو ما مستقبل إيران على ضوء هذه السياسة الصفرية العدمية التي تتبناها في المنطقة ؟

اولا: بنية نظام الحكم في إيران: المرشد والحرس الثوري مركز السلطة

يمكن القول إن إيران من الناحية النظرية واثناء تفكيك طبيعة المؤسسات التي تحكمها، انها تقوم على أساس نظام حكم وليس نظام سياسي يقوم على أساس مجموع متماسك من المؤسسات السياسية التي تمارس من خلالها السلطة وتخضع لطبيعة نظام اجتماعي معين ،بل تقوم على اساس نظام حكم يحدد قواعد اللعبة السياسية التي يحكم من خلالها مؤسسات قد تكون مرئية وقد تكون عكس ذلك وهذا ما اتضح  بعد الثورة الإيرانية سنة 1979م، فقد حكم إيران نظام حكم فريد من نوعه يقوم على اساس ثنائيات معقدة فالمرشد يقابله الرئيس والحرس الثوري يقابله الجيش النظامي ومجلس صيانة الدستور يقابله البرلمان وتجعل من المؤسسات التي ولدت مع الثورة الإيرانية هي المؤسسات المركزية التي تصنع القرار  ومأسسة ذلك في كلياته ضمن ما يسمى بنظام ولاية الفقيه التي تتحدد حولها العملية السياسية في إيران، ونظام ولاية الفقيه يؤسس لطبيعة نظام حكم يسمى في تصنيفات نظم الحكم، بالنظام الثيوقراطي الذي يقوم على أساس محدد خلط  السياسة بالدين أي السياسة بالشيعة للتأثير على الحالة الوجدانية للشعب الإيراني ويصبح المرشد الذي يمثل ولاية الفقيه مركز القوة الاساسي داخل نظام الحكم الإيراني، وهو من يحدد علاقات القوة فيه مع الحرس الثوري الذي يعتبر ذراعه العسكري الذي يتراوح تعداده 125الف مجند في حين يفوق الجيش النظامي 400 ألف جندي، ويعتبر المرشد والحرس الثوري هما من يقرران ويرسمان السياسة الخارجية الايرانية ويوجهانها، أي يمكن القول إن نظام الحكم في إيران هو مرادف للمرشد والحرس الثوري بكل ما تحمله الكلمة من معنى في حين تبقى باقي المؤسسات الأخرى الدستورية مجرد ديكور في حضرة ولاية الفقيه والحرس الثوري .

وحتى ثنائية الاحزاب السياسية التي تتراوح ما بين الاصلاحيين والمحافظين فهي لا تخرج عن النسق العام الذي يرسمه المرشد والحرس الثوري وبالتالي تأتي منهجية المحافظين والاصلاحيين ليس لتطبيق برنامج انتخابي واضح ولكنه ليكون غطاء ضمن الشرعية الانتخابية لدمغها مع شرعية ولاية الفقيه التي ينتهجها المرشد فهما وجهان لعملة واحدة.

من ناحية اخرى يغلف نظام الحكم في إيران نفسه بالإضافة إلى متغير الشيعة للتأثير على المستوى الداخلي والخارجي ما يسمى ايضا بالهوية الفارسية فالسياسة التوسعية والمطامع والمطامح والاهداف واضحة في نهج إيران، والدليل على ذلك أن إيران في سياستها الجوارية تعتمد كثيرا على دعم الجماعات التي تشتغل في إطار مذهبها الديني وتحاول خلط الاوراق من خلالها والاشتغال من خلف الستار.

اذن اجمالا يمكن القول إن الثورة الايرانية 1979م، كانت ممرا لإنتاج نظام حكم سلطوي استبدادي يحكم باسم خلفيات دينية شيعية، وتتركز السلطة فيه في يد المرشد والحر س الثوري، والنتائج المأزومة التي تعيشها إيران على المستوى الداخلي من خلال تراجع معدلات التنمية وتفاقم معدلات البطالة والفقر وذلك حسب مؤشرات منظمات دولية متخصصة، تبين أن إيران هي اسيرة باسم سلطوية ولاية الفقيه وان القرارات تصنع على مستواه.

ثانيا: التصعيد في منطقة الخليج وأهمية مضيق هرمز

يعتبر مضيق هرمز من بين أهم المضايق والتي تقدر بحوالي 120مضيقا في العالم، فمضيق هرمز هو الشريان والعصب والمفصل الذي يحدد الواقع الجيوسياسي والجيو اقتصادي والجيوطاقوي في المنطقة ومؤشر ذلك أنه تمر من خلاله ما يقدر بـ 40 بالمئة من النفط العالمي كما أنه همزة الوصل بين انتاج النفط والغاز ومربطه نحو السوق، إذن النفط هو السلعة التي تشكل عصب الصناعة العالمية، بل وتشكل السلعة الاقتصادية التي تدار من خلالها المعارك الاقتصادية في منطقة الخليج والشرق الاوسط والعالم بصفة عامة.

لكن السؤال المطروح ما الذي دعا إيران إلى تبني سياسة تصعيدية باحتجاز السفن داخل مضيق هرمز والتلويح بغلقه في وجه الملاحة الدولية؟

تحتمل الاجابة على هذا السؤال فرضيتين أساسيتين:

الأولى: إيران بهذا التصعيد في مضيق هرمز تسعى إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، بحكم ان النظام في إيران يعيش ضغوط داخلية جراء، فقدان الثقة للشعب الإيراني إزاء نظامه الذي انهمك في صراعات إقليمية ودولية وفي برنامج نووي ،دون الاهتمام بالتنمية التي تعد الدعامة الأساسية للدولة وللمواطن فمعدلات الفقر والبطالة متزايدة في إيران وما خروج متظاهرين خلال الاشهر المنصرمة للتنديد بالممارسات الإيرانية خارجيا دون الاهتمام بالمواطن ومستوى معيشته وتحقيق كرامته الانسانية الا دليل على ذلك، ومن هذه الزاوية تحاول إيران ،كسب شرعية داخلية على حساب التصعيد الخارجي بالتصوير للمواطن وللشعب الإيراني على أن هنالك خطر محدق بإيران من الخارج ينبغي التعامل معه وهذه سياسات إيران المعروفة للحفاظ على نظام ولاية الفقيه.

اما الفرضية الثانية :فإيران تسعى من خلال التصعيد في مضيق هرمز إلى جلب الولايات المتحدة الأمريكية للتفاوض، فالتحول في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في عهدة ترامب التي نسفت الاتفاق النووي في لوزان 2015م، قد اربك التصور الإيراني وجعلها في قلب العاصفة بحكم أن رد ترامب في 2018م، ونسفه للاتفاق النووي الايراني جاء سريعا ودون ارتباك، فترامب لا يؤمن مثل اوباما بمنهجية توزيع النفوذ في المنطقة بل منطقه هو منطق اقتصادي وبحساب الربح والخسارة وجد ترامب أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت من الاتفاق النووي الايراني ،وان قرار ترامب قد أعاد إيران الى وضع ما بعد لوزان 2015م، وكأن شيئا لم يحدث، ومن هنا تسعى إيران جاهدة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع أمريكا والغرب الاوروبي لمناقشة ما يمكن مناقشته بشأن وضعها على ضوء الاتفاق النووي السابق وهنا يعبر على أن السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة تعيش ارتباكًا في التصور عمومية في التشخيص تباين في المواقف وهذا يعبر بصورة حدية على انها في قلب عاصفة تحول ميزان القوة وإعادة تشكيل رؤى جديدة في المنطقة تكون هي الخاسر الأكبر استراتيجيا بزيادة العزلة عليها اقتصاديا بمقاطعتها وتجميد حساباتها وتنمويا بازدياد وتيرة الفقر والبطالة وتراجع معدلات النمو داخل ايران. خاصة بعد تحريض ترامب للدول الغربية بعدم شراء النفط الإيراني.

بالتأكيد أن إيران تتبنى سياسة عدائية في المنطقة وتوسعية ولا تعتمد على مبادئ حسن الجوار ولا على مبادئ بناء الثقة بين الدول، فالتدخلات والممارسات  الإيرانية مفضوحة في العالم العربي، وقد صرح مستشار خامنئي بعد سقوط عدن ،بأنه قد سقطت العاصمة الرابعة في أيدينا بعد لبنان العراق فسوريا فاليمن وهذه جملة معبرة حقيقة على حجم التفكير الإيراني في المنطقة الذي يشتغل من وراء الستار للتأثير في المنطقة باسم الطائفة الشيعية ودعمها، كما تطالعنا التقارير الإعلامية أيضا عن حجم الخلايا الإرهابية المدعومة من إيران في العديد من الدول بل وصل الحد بإيران حتى دول الساحل التي بنت فيها مساجد تدعو إلى التشيع ،وكل هذه الممارسات من قبل إيران تجعل منها عنصر لا استقرار في المنطقة وربما عنصر غير مرغوب فيه من حيث التعامل في المنطقة .

اجمالا يمكن القول إن إيران ارهقت نفسها في المنطقة على حساب شعبها وتحاول أن تؤدي دورا أكبر من حجمها وهذا سيعود عليها بنتائج وخيمة.

ثالثا: مستقبل إيران: ثلاث سيناريوهات

ما مستقبل إيران كنظام حكم وكدولة في المنطقة ؟،هو السؤال الأكبر الذي يحتاج إلى إجابة كبرى، وفي هذا السياق وبناءً على العرض السابق الذي حددنا فيه طبيعة نظام الحكم في إيران، وأهمية مضيق هرمز وممارسات وسلوكيات إيران في المنطقة كمداخل لاختبار سيناريوهات مستقبل إيران على ضوء التحولات الحدية استراتيجيا واقتصاديا وطاقويا في المنطقة ومن ثم نحدد لاستشراف المستقبل الإيراني السيناريوهات التالية:

1-السيناريو الكارثي:

ومحددات هذا السيناريو هو تغيير النظام من الداخل من خلال توفر الشروط الموضوعية لتغييره ومؤشرات ذلك مثلا: عدم الرضا الشعبي وتراجع التنمية على حساب صرف ملايين الدولارات على البرنامج النووي الذي لا أثر له في الواقع، بالإضافة التي ازدياد معدلات البطالة والفقر، والشعور بأن المواطن الايراني يعيش منذ نهاية السبعينات في اطار مواجهة غير مع الغرب فلا النظام الايراني واجه الغرب بحدة ولا هو انهمك في مخططات التنمية التي تعود بالفائدة المرجوة على الشعب الإيراني، إذن كل هذه الشروط الموضوعية يمكن أن تكون عناصر إشعال ضمن ما يطلق عليه بنظرية تغيير النظام والتي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وطبقتها في النظم العربية ضمن ما يسمى بالربيع العربي.

أو عن تغيير صلب وذلك بلجوء الولايات المتحدة الامريكية عن طريق التغيير بالقوة العسكرية من خلال شن حرب على إيران وهذا ما يلوح به ترامب، كما أن ذلك يمكن ان يشمل تعطيل للبرنامج النووي الإيراني عن طريق هجمات سيبرانية ضمن ما يطلق عليه بالحرب الالكترونية.

وهذا النوع من السيناريوهات متصل بما يضعه الاستراتيجيون وفي النهاية لا تعرف ماذا يريد خصمك، وفي هذه الحالة يكون رد فعلك مبالغ فيه كحالة احتجاز الناقلات النفطية في مضيق هرمز مثلا أو مقللة لردة الفعل من الخصم وبالتالي تكون النتائج وخيمة والاخطاء فادحة

2-سيناريو الوضع القائم:

سيناريو الوضع القائم هو من بين السيناريوهات المطروحة ،أي بقاء الحال الإيراني في المنطقة على ما هو عليه، بحيث تبقى إيران عامل لا استقرار في المنطقة ليس له القدرة على المواجهة الحقيقية لأنه وبحسب رأي إيران ليست قوة عسكرية مثلما يتم تصوريه وتسويقه إعلاميا وليس لها محددات القوة الإقليمية، لكنها من نمط الدول المشوشة التي تعمل كعنصر لضرب استقرا ر المنطقة ومرسوم لها دور تؤديه، وبالتالي تواصل إيران السياسات المعهودة التي تتبناها والمتمثلة في التدخلات فيما وراء الستار في الشؤون الدول  في المنطقة بدعم بعض الجماعات داخل هذه الدول وممكن مواصلة البرنامج النووي و محاولة العودة الى طاولة المفاوضات مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما افترضناه سابقا من خلال تحليل تداعيات وسياقات التصعيد في مضيق هرمز، لأن دون ذلك فلن تجد إيران من يدافع عنها حتى الحليف الروسي فله حساسية تاريخية من التعامل مع إيران ، وإن كانت اواصر التحالف اشتدت بينهما في الآونة الاخيرة ،فان ذلك يعود إلى أن إيران كانت العمق التعبوي التي استخدمته روسيا في سوريا كعمق استراتيجي بالنسبة للجيوسياسية الروسية. وربما كان سيناريو الوضع القائم ايضا يساعد الدول الغربية فهنري كيسنجر عندما سؤل اثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية من تتمنى أن يربح الحرب إيران أم العراق، أجاب أتمنى: أن ينهزما الاثنين وهذه إجابة تبين أن الوضع القائم في بعض الأحيان هو مبدأ وفلسفة في الاستراتيجية الأمريكية والغربية.

ثالثا: سيناريو التطبيع مع دول المنطقة ومع الغرب

ومحددات هذا السيناريو هو اتجاه إيران إلى سياسة تطبيعية مع دول المنطقة، والدول الغربية بصورة عامة تتعهد من خلالها بالاستخدام السلمي للبرنامج النووي أو الابتعاد عنه أساسا، وذلك من خلال تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة والعالم، والانهماك في اجراءات بناء الثقة بين دول المنطقة، وتكريس سياسة حسن الجوار بين دول المنطقة.

النتيجة:

يمكن القول في نهاية المطاف، إن  إيران تتبنى السياسة الصفرية ولا تملك ولا تبدي اساسا نوايا بناء الثقة لبناء جسور تواصل بين دول المنطقة بالرغم من الدول الخليجية كانت أكثر عملية وعقلانية من خلال التعامل معها فعلى  سبيل المثال، رغم التوتر الحاصل لعبت الدول الخليجية وفق نظرية اللعبة بمنطق اللعبة غير الصفرية فقد حافظت مثلا على العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران، وتبدي دوما سياسة حسن الجوار وإذا كانت إيران تسعى إلى مواجهة ما وانها تعتقد بانها ستستطيع التأثير في المنطقة فهي واهية تماما، فدول الخليج تحتفظ بنقاط القوة التي يمكن ان تدير الكفة اليها فالخليج الذ ي رأسه السعودية قوة لا يستهان بها فهي مركز حضاري وقوة نفط وأكبر منتج له كما انها تحتفظ بشبكة علاقات واسعة في العالم، وتستطيع أن تواجه أي طارئ في المنطقة وبالتالي على إيران الاتجاه نحو تعديل سلوكها والابتعاد عن سياسة النوايا الخبيثة. وأن إيران بالمنطق الذي تدير به سياستها الداخلية والخارجية فيه ترتكب اخطاء فادحة غير محمودة العواقب في المستقبل المنظور كما هي ليست بالصورة الت ييتم تصوريها بها بانها قوة عسكرية وقوة اقليمية، فقوتها هشة جدا كما ان عناصر القوة الاقليمية عدا العامل الجغرافي غير متوفرة فيها اطلاقا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* استاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية –الجزائر-كاتب ومحلل سياسي

مجلة آراء حول الخليج