array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 142

انتقال المواجهة إلى داخل لبنان يجرها لحرب جديدة يعرض الأمن اللبناني للخطر

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

دخلت العلاقة بين إسرائيل وحزب الله مرحلة جديدة من مراحل التوتر والمواجهة، انتقلت معها ساحة المواجهة إلى الداخل اللبناني، في شكل جديد من أشكال التصعيد بين الطرفين، قد يعرض لبنان للخطر المباشر، حيث أعلن حزب الله يوم الأحد الموافق الأول من شهر سبتمبر الماضي، تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيفيم قرب الحدود الجنوبية للبنان، مدعيًا سقوط قتلى وجرحى، وذلك كرد فعل على اتهامه إسرائيل بشن هجوم بطائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت، بما ينذر باستمرار التصعيد من قبل الطرفين وقيام حزب الله (أهم ذراع عسكري لإيران في المنطقة العربية ) بجر لبنان للدخول في حرب جديدة، وأن تصبح ساحة لمعركة ليست طرفًا فيها، بل مفروضة عليها. فما هي مؤشرات وأسباب تصاعد التوتر بين الجانبين، وما هي التداعيات المحتملة والسيناريوهات المستقبلية لهذه الأحداث المتلاحقة؟

أولاً: مؤشرات تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله:

جاء إطلاق حزب الله لقذائف مضادة للمدرعات على موقع عسكري في بلدة أفيفيم الحدودية، وإصابة ناقلة جند خالية من الجنود، تنفيذًا لوعد حسن نصر الله (أمين عام حزب الله) بالرد على اختراق طائرات إسرائيلية للأجواء اللبنانية وتفجير جانب من المركز الإعلامي التابع لحزب الله في الضاحية الجنوبية، ولكن هذا التصعيد لم يأت من فراغ بل سبقه العديد من المؤشرات التي تؤكد اتجاه التوترات بين إسرائيل وحزب الله صوب التصعيد، والتي تتمثل في:

1-الحرب الكلامية بين حزب الله وإسرائيل:

فلقد بدأت الحرب الكلامية بين حزب الله وإسرائيل، منذ فترة من خلال تصريحات أدلى بها ما يسمى بزعيم حزب الله، (حسن نصر الله)، في لقاء بُث يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر يوليو الماضي بمناسبة الذكرى الـ 13 لحرب 2006م، حيث صرح قائلاً: "المقاومة تستطيع استهداف كامل إسرائيل"، كما استعرض خريطة إسرائيل، قائلًا: "الشمال كله في دائرة نيراننا، ومن أي بقعة في لبنان"، وأضاف: "كل المعلومات عن كل الأهداف في الشمال سواء العسكرية أو الأمنية أو التكنولوجية والصناعية. موجودة". وأكد أن العديد من الأهداف العسكرية والمدنية والاستراتيجية يمكن أن يضربها، بما في ذلك مطار بن جوريون، ومستودعات الأسلحة، ومحطات تحلية المياه، وميناء أشدود، مؤكدًا أن جميع تلك المناطق ضمن نطاق صواريخ الحزب. وخلال المقابلة، قال «نصر الله» إن مجموعته المدعومة من إيران حسنت قدراتها العسكرية بشكل كبير منذ حرب 2006م، بين حزب الله وإسرائيل.

وفي المقابل، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حزب الله من أن إسرائيل ستوجه ضربة «ساحقة» إلى لبنان إذا هاجم حزب الله إسرائيل. وقال نتنياهو، في بداية الاجتماع الأسبوعي للحكومة، يوم الأحد، الموافق الرابع عشر من شهر يوليو الماضي: "سمعنا كلمات (نصر الله) المتعجرفة بشأن خطط هجومه، اسمحوا لي بأن أوضح أنه إذا تجرأ حزب الله على ارتكاب فعل من الغباء ومهاجمة إسرائيل فسنوجه إلى لبنان ضربة عسكرية ساحقة"، وأضاف نتنياهو: "لكن على عكس (نصر الله)، لا أنوي تفصيل خططنا، يكفي أن نذكر أن (نصر الله) لسنوات حفر أنفاق الإرهاب التي هدمناها خلال أيام".

2-تفجير مستودعات أسلحة وقواعد في العراق:

في العشرين من شهر أغسطس الماضي، تعرضت مخازن للأسلحة تابعة لميليشيات الحشد الشعبي، بمحافظة صلاح الدين، لقصف بقذائف الهاون، وقذائف كاتيوشيا، وأنواع مختلفة من الأسلحة، وقد حملت هيأة الحشد الشعبي، التي تنضوي تحت لوائها جماعات موالية لإيران، الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية الانفجارات، وفى المقابل، ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى احتمال ضلوع إسرائيل في هجمات ضد أهداف مرتبطة بإيران في العراق. حيث صرح، في مقابلة مع تلفزيون القناة التاسعة الإسرائيلية الناطق بالروسية بُثت يوم الخميس، عندما سئُل عما إذا كانت إسرائيل ستضرب أهدافًا إيرانية في العراق إذا لزم الأمر فقال "نعمل، ليس فقط إذا لزم الأمر، وإنما نعمل في مناطق كثيرة ضد دولة تريد إبادتنا، بالطبع أطلقت يد قوات الأمن وأصدرت توجيهاتي لها بفعل أي شيء ضروري لإحباط خطط إيران".

3-توجيه ضربات لأهداف إيرانية في سوريا:

أقرت اسرائيل بقصف قوات إيرانية قرب دمشق، وقال بيان للجيش الإسرائيلي إن "الضربة استهدفت قوة فيلق القدس وميليشيات شيعية كانت تخطط لشن هجمات تستهدف مواقع في إسرائيل انطلاقًا من داخل سوريا خلال الأيام الأخيرة". وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الجيش أحبط الهجوم الإيراني المزمع، وأضاف على تويتر " ليس لإيران حصانة في أي مكان، قواتنا تعمل في كل قطاع ضد العدوان الإيراني".

ثانيًا: أسباب تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله:

1-العداء التقليدي بين حزب الله وإسرائيل:

يعد حزب الله، المدعوم من إيران وأهم ذراع عسكري لها في المنطقة، لاعبًا رئيسيًا على الساحة السياسية في لبنان، وتصنّفه الولايات المتحدة وإسرائيل كمنظمة "إرهابية". وقد عرف حزب الله، منذ تأسيسه، بمواجهته للاحتلال الإسرائيلي، في محاولة منه لاستخدام حربه مع إسرائيل كمبرر لتدخلاته وأفعاله المدعومة بالأساس من إيران ولتنفيذ مخططاتها في المنطقة. وإذا تم التسليم برواية حزب الله المتعلقة باختراق طائرات إسرائيلية للحدود اللبنانية، نجد أن هذا يأتي من القناعة الإسرائيلية بأن حزب الله غير قادر على دخول حرب في الوقت الحالي، فلقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا جاء فيه إن تصريحات حسن نصر الله التي تهدد على الدوام بشن حرب ضد إسرائيل لا تعكس واقع الحزب ولا دوافع نصر الله الحقيقية، وأشار التقرير إلى أن رغبة نصر الله الحالية هي تجنب حرب مع إسرائيل خصوصًا بعد أن اكتشف الجيش الإسرائيلي الأنفاق التي أعدها حزب الله للتسلل إلى داخل إسرائيل وقام بتدميرها، كما أن عمليات الجيش الإسرائيلي المستمرة على الجانب السوري من مرتفعات الجولان أدت إلى إضعاف قدرات حزب الله وتعزيزاته العسكرية والأمنية. وعلاوة على ذلك، من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن طهران نفسها لا تريد أن تعرض الإنجازات التي حققها وكلاؤها للخطر لذلك لا تدفع باتجاه حرب شاملة قد تؤدي إلى إضعاف موقف حزب الله السياسي والعسكري والاجتماعي داخل لبنان وعلى هذا الأساس يتبع حزب الله أسلوب يعتمد فيه على العمليات الخارجية عبر دعم المنظمات الجهادية.

2-حرب بالوكالة:

شهدت العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية مستوى عالٍ من التوتر منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة، نتيجة الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن إعلان إيران مؤخرًا تجاوز حدود تخصيب اليورانيوم المنصوص عليها في اتفاقها النووي لعام 2015م، مع القوى العالمية ردًا على قرار ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق قبل عام. وفي السياق نفسه، أرسلت الولايات المتحدة الآلاف من القوات وحاملة طائرات وطائرات مقاتلة متطورة إلى الشرق الأوسط، خلال الأسابيع الأخيرة، وتزداد المخاوف من صراع أوسع بعد هجمات على ناقلة النفط بالقرب من مضيق هرمز، تشتبه فيه إيران، وهجمات المتمردين الذين تدعمهم إيران في اليمن على المملكة العربية السعودية، وإسقاط إيران طائرة عسكرية أمريكية، والإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية من جبل طارق، في حين يستمر احتجاز ناقلة النفط البريطانية. وطالما التوتر والصراع قائم ما بين الولايات المتحدة وإيران، فإنه من الطبيعي أن يظل قائمًا بين إسرائيل (حليفة الولايات المتحدة) وبين حزب الله (الذراع العسكري لإيران)، ولهذا من المتوقع أن يظل الوضع قائمًا بصورته الحالية حتى يتم توازن الأمور بين الولايات المتحدة وإيران.

3-الانتخابات الإسرائيلية:

من الممكن الربط بين التحركات الإسرائيلية الأخيرة وبين الانتخابات الإسرائيلية، فهذا التحرك العسكري الإسرائيلي دائمًا ما يلازم أي إجراء انتخابي في الداخل، إلا أنّه هذه المرة كان في اتجاه لبنان وسوريا والعراق وليس قطاع غزة، الذي اعتادت طائرات الاحتلال استهداف أراضيه. حيث قد قرب موعد استطلاعات الرأي بين حزب "الليكود" وحزب "أزرق أبيض"، وتعد فرص رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تشكيل حكومة قليلة، ولهذا كان لابد أن يتجه إلى التصعيد، وكان من المتوقع أن التصعيد يكون في جبهة قطاع غزة، ولكن ذهب نتنياهو هذه المرة إلى تصعيد المعركة في سوريا ولبنان، مستغلاً توتر الأوضاع بين الولايات المتحدة وإيران.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها نتنياهو باتباع أسلوب التصعيد العسكري قبل الانتخابات، حيث أنه قبل انتخابات شهر أبريل الماضي، زادت حدة التصعيد العسكري بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، وبين إسرائيل. حتى وصل الأمر إلى تبادل إطلاق الصواريخ وتبادل الاتهامات حول الطرف البادئ بالهجوم والراغب في التصعيد، وذلك نتيجة أن "نتنياهو" وجد أن فرص بقائه بمنصبه ضعيفة (نظريًّا على الأقل)؛ بسبب اتهامات الفساد التي تلاحقه، وكذلك «طول مدة بقائه في السلطة»، ولهذا اتجه إلى التصعيد وهو ما يفسر الصورة وراء حجم وعدد الهجمات الصاروخيَّة على غَزَّة، وهي رغبة "نتنياهو" في إيصال رسالة قويَّة إلى الناخبين لتحسين وضعه الانتخابي.

ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية لمسار التصعيد المتبادل بين الطرفين:

السيناريو الأول: ارتفاع مستوى المواجهة:

هذا السيناريو يدعمه العديد من المؤشرات، فمن جهة، نجد أن حزب الله قد بدأ استعداداته للحرب مع إسرائيل، حتى من قبل سقوط الطائرات الإسرائيلية، على خلفية تصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الخليج. فبدأ يعيد انتشار قواته نحو الحدود الإسرائيلية، ليس في لبنان، بل وفي سوريا، وخاصة في المناطق الملاصقة للجولان المحتل. وذلك نتيجة لما يعانيه الحزب من العقوبات الأمريكية المفروضة عليه وعلى حليفته طهران، ولهذا عندما سنحت الفرصة وسقطت الطائرات الإسرائيلية، قام حسن نصر الله، بالرد العسكري مبررًا ذلك بأنه لابد من تجنيب لبنان التداعيات الكارثية للامتناع عن الرد، والتي تتمثّل في مزيد من الاعتداءات نفسها وما يتجاوزها، وفي إطلاق يد العدو في الساحة اللبنانية.

وفى المقابل، نجد أن إسرائيل تشعل فتيل أزمة جديدة، خاصةً وأن المواجهة الحالية داخل لبنان، التي تعاني من وطأة مشاكل اقتصادية هائلة، في محاولة منها للقضاء على الذراع العسكري لإيران، ولضمان عدم تحقيق إيران أي نجاحات سواء في سوريا أو العراق أو حتى في المواجهة المشتعلة مع الولايات المتحدة، ولهذا بدأ ينشط الجيش الإسرائيلي في توجيه رسائل ردعية عبر الميدان من خلال استعراض وسائله القتالية ومنظومات دفاعه الاعتراضية، إضافة إلى إجراءات وتقارير إعلامية موجهة.

السيناريو الثاني: توقف حالة التصعيد عند هذا الحد:

فقد تتجه حالة التـأهب والتصعيد التي شهدتها الأيام الماضية، إلى حالة من الهدوء من الجانبين، فإسرائيل ليست على استعداد في الوقت الحالي للوصول إلى مرحلة مواجهة مباشرة مع حزب الله، خاصةً في ظل الاستعدادات للانتخابات الإسرائيلية، وفى المقابل، قد يُنظر إلى الهدف الذي اختاره حزب الله على أنه يؤكد على عدم رغبة حزب الله في التصعيد أكثر من ذلك، من خلال اختياره عن عمد هدف لن يسقط فيه ضحايا من الصف الإسرائيلي وبالتالي تتجه الأمور تلقائيًا نحو التهدئة بأقل الخسائر الممكنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثة بمركز مستقبل وطن للبحوث والدراسات السياسية

 

 

مجلة آراء حول الخليج