array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التغيير السياسي في اليمن ومستقبل دولة الوحدة

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

تحاول هذه الورقة دراسة الاحتمالات التي تتمخض عن حركة الاحتجاج في اليمن وما الذي يمكن أن تسفر عنه على صعيد تزايد الاحتمالات الخاصة بانفصال الشطر الجنوبي من البلاد عن دولة الوحدة التي تأسست في عام 1990 وعوامل إخفاق هذه التجربة ودراسة السيناريوهات المحتملة للوضع في اليمن.

لم يكن التوتر الحالي في اليمن وليد لحظة الاحتجاجات العربية التي اندلعت خلال الأشهر الأولى من هذا العام ذلك أن شرارته الأولى تعود إلى عام 1994، أي منذ أن أضحت الوحدة اليمنية تتجاذبها نار الصراع بين الشمال والجنوب، وبدا إخفاق هذه التجربة على المحك، ومنذ أن عالجت الحكومة اليمنية التمرد الحوثي بأساليب من شأنها أن تديم حالة من الصراع بين مكونات المجتمع اليمني بدلاً من أن تفضي إلى حالة من الوئام والاستقرار.

ومع هذه العوامل هنالك عوامل تتعلق بالفشل الذي لحق بممارسات الدولة القطرية العربية عموماً والدولة في اليمن ومنها الرغبة لدى النخبة الحاكمة في الاستحواذ على الأركان الأربعة السلطة والثروة والأمن والمرجعية من دون فسح المجال لوجود مجتمع مدني قادر على موازنة سلطة مهيمنة غاشمة تستند إلى الولاءات القبلية والعشائرية لإدامة حكمها، وتحاول في الوقت ذاته أن تديم حالة من الشرعية أو تدعي التواصل معها باسم الثورة والتحرر وتأسيس دولة الوحدة مع العلم أن دولة الوحدة هذه لم تؤسس على قاعدة صحيحة يجد معها أبناء الشعب الواحد أن هنالك مصلحة مشتركة في إدامة حالة الوحدة والانسجام بين شقي اليمن، فلا تزال النخب السياسية العربية تعتقد أن الحالة المثلى للوحدة هي التي تتماثل مع الأنموذج الروسي الذي يقوم على الحديد والنار من دون إدراك أن هنالك نماذج أخرى للوحدة تقوم على إشاعة الثقة المتبادلة بين الأطراف المشاركة في الوحدة أو الاتحاد، الأمر الذي أفضى لأن تكون الحالة السائدة في المجتمع السياسي العربي هي العمل على تجزئة التجزئة بدلاً من لم شعث الأطراف التي تمت تجزئتها أصلاً بعد الحرب العالمية الأولى وكنتيجة حتمية للاتفاقيات المبرمة بين الدول الاستعمارية الكبرى.

 الحراك الجنوبي: عوامل التحرك

لا بد من القول إن هنالك جملة من العوامل الداخلية والإقليمية التي دفعت نحو تدعيم أسباب الرغبة لدى قطاع كبير من أبناء جنوب اليمن بالانفصال عن دولة الوحدة والرغبة في العودة إلى إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت قائمة قبل مايو 1990، فهناك رغبة في الاستحواذ بشكلٍ كامل على مقاليد السلطة وعدم الرغبة في توسيع إطار المشاركة بالشكل الذي يستوعب الاختلافات الموجودة أصلاً بين أيديولوجيتي حزب المؤتمر الحاكم في الشمال والحزب الاشتراكي الموجود في الجنوب، وحينما تكون العقلية السائدة لدى النظام السياسي هي الرغبة في الانفراد بتسيير أمور البلاد والعباد من دون الأخذ في الاعتبار حجم ونوع المكونات الأخرى وقدرتها على التأثير في المسار السياسي حاضراً أو مستقبلاً، ولا بد من تأشير حالة تكاد تكون سائدة لدى الأنظمة العربية وهي عدم الرغبة في الإبقاء على خط يتم فيه الشروع بالرجعة مع تيار سياسي أو مكون مجتمعي في حالة بروز صراع سياسي في مرحلة تاريخية ما، والتعنت بالرأي إلى حد التقديس وتخوين الطرف المقابل، الأمر الذي لا يجد معه الطرف المقابل سوى التطرف في المطالب ورفع سقفها حتى تصل إلى مستوى يفضي إلى الانشقاق أو الانفصال عن الوضع السياسي القائم.

ومن المعروف أن الحراك قد تأسس في عام 2007 كإطار عام يتم من خلاله تنشيط الفعاليات السياسية الموجودة في اليمن الجنوبي من أجل التخلص من هيمنة الشمال، ويعتقد أعضاء الحراك ومعهم الأعضاء السابقون في الحزب الاشتراكي أن الوحدة التي أعلنت في عام 1990 كانت بمثابة خديعة، إذ إن جنوب اليمن الذي كان أكثر تطوراً من الناحيتين السياسية والاقتصادية قد خضع لحكم قبلي عائلي، وإذ تطورت مطالب الحراك من المطالبة بالاستناد إلى حكم القانون إلى المطالبة بالانفصال بشكل تام عن الجمهورية اليمنية، ويرى الكثير من الجنوبيين أن انفصال جنوب السودان والإعلان عن تشكيل دولة جديدة في هذه الرقعة قد يشكل عاملين، المهم بالنسبة لهم رغم أن التجربة الجنوبية في اليمن تتفوق على التجربة الجنوبية في السودان من خلال وجود حقيقة أساسية وهي أن جنوب اليمن كان دولة مستقلة في يوم ما وكل ما يحتاجه الجنوبيون اليوم هو إعادة الروح لبنى وهياكل الدولة التي ذابت في الوحدة قبل أحد وعشرين عاماً، وقد يراهن الكثير من اليمنيين المتضررين من حكم الرئيس علي عبدالله صالح على أن الوضع السياسي في الشمال وما سوف تتمخض عنه حركة الاحتجاجات يمكن أن يسفر باتجاه إقناع أعضاء الحراك الجنوبي ونسبة كبيرة من أبناء الجنوب بضرورة البقاء في إطار دولة الوحدة والعمل على إجراء إصلاحات شاملة وجذرية في بنية النظام السياسي اليمني القائم.

 عوامل إخفاق دولة الوحدة

كثيرة هي الأسباب التي يستطيع المتابع للوضع في اليمن أن يؤشرها والتي أفضت إلى خاتمة تكاد تكون مأساوية لتجربة وحدوية بين شقي بلد واحد، وهو ما يمكن أن يؤشر إلى الفشل الذي حاق بالتجارب الوحدوية العربية عموماً، ولعل أبرز عوامل الفشل تجسدت في الاختلاف الموجود بين المجتمعين الشمالي والجنوبي لليمن، فالمجتمع الجنوبي كان بشكل عام ونتيجة لظروف تاريخية، لا يسع هذا المقال ذكرها، أكثر انفتاحاً على التيارات السياسية الحديثة ومظاهر الحضارة بشكل عام ونقطة التقاء وانصهار لعددٍ من الثقافات والجنسيات، الأمر الذي ولّد أنموذجاً للشخصية اليمنية الجنوبية تختلف بشكل كبير عن أنموذج الشخصية الشمالية، والتي تقوقعت بفعل عوامل العزلة الطويلة عن أي مؤثرات خارجية، الأمر الذي رسّخ من هيمنة النظام القبلي والمؤسسات الدينية على بنية النظام السياسي في الشمال. وبالمقابل فقد ترسخ الأنموذج الماركسي اللينيني في الجنوب ومن شأن هذا التنافر بين طبيعة نظامين سياسيين أن يولد بالنسبة للجيل الذي ولد ونشأ وترعرع في ظل نظام سياسي كالنظام الذي كان موجوداً في اليمن الجنوبي قبل عام 1990 اختلافاً يكاد يكون جذرياً عن الجيل الذي نشأ وترعرع في ظل النظام السياسي الموجود في الجزء الشمالي، والاختلاف في النمط السياسي يعني فيما يعنيه اختلافاً في الرؤى والتطلعات والأنماط الشخصية، وقد يرد على هذا الرأي الاختلاف الذي كان قائماً بالنسبة لشطري ألمانيا الغربية والشرقية والانسجام الموجود حالياً بين الشعب الألماني الواحد.



والحال أن التجربة الألمانية في الوحدة مختلفة بشكل جذري عن التجربة اليمنية الفقيرة، فألمانيا كانت موحدة قبل عام 1945 وعادت وتوحدت في عام 1991، أي أن الحقبة التي فصلت الشعب الواحد لم تكن بالحقبة الطويلة التي رافقت انفصال شطري اليمن منذ احتلال عدن وإعلانها محمية بريطانية في عام 1878، فضلاً عن أن التجربة الألمانية قد استندت إلى رغبة حقيقية لدى الشعب الواحد في الشطرين الشرقي والغربي بالوحدة والاندماج، كما أن سكان الجزء الشرقي من ألمانيا كانوا تواقين فعلاً للاستفادة من ثمار التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي الذي وصلت إليه ألمانيا الغربية، لكن ما الذي كان يستطيع تقديمه الشطر الشمالي من اليمن لشقيقه الجنوبي غير حكم عسكري يستند إلى شرعية ثورية مزعومة وحشد من التحالفات القبلية المنتفعة من الامتيازات التي منحها النظام للقبائل المقربة منه. ولقد شكا الجنوبيون من أن دولة الوحدة سلبت منهم هويتهم التي كانوا يعتزون بها وهي هوية تستند إلى حالة من الانفتاح والتسامح وعدم الانغلاق ونبذ التعصب، ويشير الكثير منهم إلى أن النظام القبلي في اليمن لم يكتف بسلب الأراضي وممتلكات أبناء الجنوب، بل سلب حتى طرزهم وطرقهم في العمارة والفن والتعبير عن المشاعر، ومن شأن مثل هذا الاستلاب أن يولد حالة من الشعور بالإحباط واليأس والاندفاع المستميت نحو تأييد أي تحرك سياسي يؤدي إلى تغيير الوضع القائم والعودة إلى تنظيم سياسي واجتماعي يجد فيه الفرد مجالاً للتعبير عن كامل تطلعاته ورؤاه من دون تهميش أو كبت.

ولعل من مساوىء التجارب الوحدوية في المنطقة العربية، ومنها التجربة الوحدوية في اليمن، هو اعتماد الطرف الذي هيمن على مؤسسات الوحدة على تجيير حالة الوحدة لصالحه الشخصي وعدها بمثابة مكسب سياسي يجيز له أن يتمترس في السلطة والاستفادة من منافعها وامتيازاتها لأمدٍ غير محدود والنظر في الوقت ذاته من علٍ للمجتمع الذي خضع حديثاً لهيمنته السياسية، وهو ما وقع فيه الرئيس علي عبدالله صالح، وأدى إلى شرخ كبير بين النخب السياسية في الشطرين الشمالي والجنوبي وبالشكل الذي حفز الرغبة في الانفصال لدى سكان الجنوب.

ولعل أبرز الاحتمالات التي سوف يفضي إليها الوضع في اليمن تقوم على:

1- نهاية وشيكة لحكم الرئيس علي عبدالله صالح لا سيما بعد أن انتهت الحلول التي قدمتها المبادرة الخليجية إلى طريق مسدود وتطور الأعمال الاحتجاجية في عدن وسائر مدن الجنوب إلى حركة انفصالية بكل معنى الكلمة والعمل على إعلان جمهورية اليمن الجنوبية.

2- بروز قيادات يمنية جديدة ذات أفق ديمقراطي متنور قادرة على استيعاب مطالب أبناء الجنوب، وبالتالي الإبقاء على دولة الوحدة، لكن بمؤسسات وبنى جديدة تقوم على الاعتراف بالمطالب الخاصة بسكان الشطر الجنوبي من اليمن والعمل على إرساء شكل جديد من الاتحاد قد يكون اتحاداً فيدرالياً بدلاً من دولة وحدوية وهو ما يأمله كاتب هذه السطور.

3- استمرار الصراع بين المؤسسة العسكرية في الشطر الشمالي من اليمن والحراك الجنوبي ودخول البلاد في أتون حرب أهلية وهو ما لا يرغب فيه الجميع لا سيما القوى الكبرى، إذ سيكون اليمن مسرحاً لبروز قوة تنظيم القاعدة بعد أن بدأ يخسر مواقعه في مناطق أخرى في المنطقة والعالم.

 

مقالات لنفس الكاتب