; logged out
الرئيسية / التعاون الإقليمي و المنفعة المتبادلة وتعميق التكامل الاتجاه الرئيسي لطاجيكستان

العدد 142

التعاون الإقليمي و المنفعة المتبادلة وتعميق التكامل الاتجاه الرئيسي لطاجيكستان

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

تظل قضية التكامل والتعميق الشامل للتعاون أحد أكثر القضايا التي خضعت للنقاش على صعيد العلاقات الإقليمية في آسيا الوسطى. ويعتبر التكامل والتعاون ضرورة موضوعية بالنسبة لبلدان المنطقة، حيث تجمعهم الحدود والتاريخ والتراث الروحي المشترك والمتشابك، ويتقاسمون الأحواض المائية وشبكات من الطرق والسكك الحديدية، كما يواجهون نظمًا اقتصادية وأسواقًا محلية متشابهة، ومشاكل اجتماعية واقتصادية مشتركة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوعي بالمصالح الإقليمية المشتركة وظهور تحديات وتهديدات مشتركة جديدة للأمن الإقليمي، يمنحان عملية التكامل زخمًا ومضمونًا جديدين.

 

وبناءً على ذلك، يعد تطوير التعاون الإقليمي ذو المنفعة المتبادلة وتعميق عمليات التكامل في المنطقة أحد الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية لجمهورية طاجيكستان.

 

وعند تحديد الأولويات الرئيسية للسياسة الخارجية لطاجيكستان، التي شرعت في مرحلة جديدة، أشار فخامة السيد إمام علي رحمان، رئيس جمهورية طاجيكستان وزعيم الشعب، إلى أن: "جمهورية طاجيكستان تعتبر التعاون الإقليمي النشط أهم وسيلة لحل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية في آسيا الوسطى. ونحن على يقين من أن التكامل الإقليمي البناء سيعود بالفائدة على دول وشعوب جميع بلدان آسيا الوسطى وكل بلد من بلدان آسيا الوسطى".

 

وعند تقييم دور طاجيكستان في عمليات التكامل في المنطقة، أود أن أشير إلى إسهامها المهم بصفة خاصة في الحفاظ على الأمن الإقليمي. ومن هذا المنطلق، يتمثل أحد الشروط الرئيسية لتنمية التعاون الإقليمي في آسيا الوسطى في الحاجة إلى تحسين منهجية تحديد المصالح الوطنية، وقبل كل شيء، تحديد المصالح الوطنية لكل بلد في منطقة آسيا الوسطى في سياق المصالح الإقليمية المشتركة. إن الوعي بعدم قابلية المصالح الوطنية والإقليمية للانفصال وبالترابط الوثيق بينهما، سوف يُمكِن بلدان المنطقة من إنجاز نجاحات جذرية، لا في مسائل التعاون والتكامل فحسب، بل أيضًا في تحقيق مصالحها الوطنية.

 

واليوم، نرى أن المشكلة الأمنية تحتاج إلى النظر فيها على نطاق أوسع من منظور الحرب الهجينة " hybrid war "بما لها من عناصر خاصة مكونة لها. وسيتيح لنا هذا النهج إعادة تقييم أمن دول المنطقة بأكثر الطرق موضوعية.

وعليه فإن طاجيكستان، التي تمتلك أطول حدود مع أفغانستان، هي في طليعة الكفاح ضد هذه التهديدات الحقيقية لجميع بلدان المنطقة، مثل التطرف والإرهاب وتهريب المخدرات، وما إلى ذلك. ولا تزال الأزمة الأفغانية تؤثر سلبًا على أمن الدول المجاورة. وكما لوحظ، فإن مشكلة الحفاظ على الأمن والوعي بطبيعة ونطاق التهديدات القائمة اليوم هي واحدة من أكثر مجالات التعاون الملموسة فيما بين بلدان المنطقة. وفي مثل هذه الحالة، فإن الجهود الهائلة التي تبذلها طاجيكستان وخبرتها العملية الواسعة في منع هذه التهديدات، هي اليوم أحد أهم العوامل في الحفاظ على الاستقرار والأمن في جميع أنحاء آسيا الوسطى. وبالتالي، تعد طاجيكستان جزءًا أساسيًا مهمًا من آسيا الوسطى، وقد يكون تطوير إمكاناتها عاملًا مهمًا في التنمية الاقتصادية للمنطقة بأسرها، فضلًا عن ضمان الأمن الإقليمي العام. وفي هذا الصدد، أود أن أشير إلى مبادرة رئيس جمهورية طاجيكستان الموقر بشأن إنشاء مركز مكافحة المخدرات التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون في طاجيكستان، والذي سيصبح عاملًا حقيقيًا في ضمان الأمن في هذا المجال.

 

وينبغي الاهتمام بشكل خاص بحالة الأمن المعلوماتي في الدول المستقلة الجديدة في آسيا الوسطى، حيث تتعرض النظم السياسية التي هي في طور التشكيل والتحول لهجمات إعلامية تشنها المنظمات الإرهابية والمتطرفة الدولية، تحت ضغط من الجهات الفاعلة العالمية، وتلك الضالعة في المنافسات الإقليمية.

وقد بدأت جميع دول آسيا الوسطى خلال حقبة استقلالها (منذ عام 1991م) في تشكيل رؤيتها الخاصة (الأيديولوجية) لعملية الدخول في فضاء المعلومات، والتشريعات الوطنية المصممة لتنظيم مجال أمن المعلومات، وخلق المؤسسات المناسبة التي يمكن أن تضمن أمن البنية الأساسية للمعلومات وفضاء المعلومات.

 

وتواجه دول آسيا الوسطى مشاكل مشتركة تتمثل في ضمان الأمن المعلوماتي، والتي تشمل: نمو تأثير المعلومات السلبي والمدمر للقوى الخارجية، وعدم كفاية تطوير القطاعات الوطنية في فضاء المعلومات بلغات الدولة، وعدم المساواة في المعلومات في مناطق الجمهوريات، والتكلفة المرتفعة نسبيًا للوصول إلى الإنترنت، وما إلى ذلك. ويعتبر الأمن المعلوماتي في جميع جمهوريات آسيا الوسطى شكلًا من أشكال الأمن القومي، وتعطى الأولوية للحماية من التأثير المدمر للمعلومات الخارجية التي تهدف إلى الإطاحة بالنظام الدستوري وانتهاك السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية والاستقرار الداخلي والقدرة الدفاعية.

 

وفي جميع دول المنطقة، أنشئت هياكل سلطة متخصصة، تشمل اختصاصاتها حل مشاكل الأمن المعلوماتي، وجميع الدول أطراف في المعاهدات والاتفاقات الحكومية الدولية الرامية إلى حماية فضاء المعلومات وضمان الأمن المعلوماتي الدولي.

 

ولا بد من التأكيد على أن إحدى العقبات الكبرى التي تحول دون ضمان أمن التواصل السياسي في دول آسيا الوسطى هي زيادة التهديدات ذات الطابع العسكري والسياسي والإرهابي والإجرامي. وهذا، بدوره، يضع على كاهل العلماء مهمة وضع وتنفيذ استراتيجية للأمن المعلوماتي الجماعي، والتي يمكن حلها في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي " CSTO"ومنظمة شانغهاي للتعاون " SCO "ورابطة الدول المستقلة " CIS "، ويتطلب تحليل كيفية وضع أحكام "نموذج القانون الإعلامي" للدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة" وإعمالها في دول آسيا الوسطى و"توصيات لتحسين ومواءمة التشريعات الوطنية للدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة في مجال ضمان الأمن المعلوماتي " (23/11/2012)، ونموذج قانون "بشأن المعلومات والمعلوماتية " Informatization " وضمان الأمن المعلوماتي " (28/11/2014) التي اعتمدتها الجمعية البرلمانية لاتحاد الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تشارك دول آسيا الوسطى وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان باستمرار في عملية بروكسي "PROXI" (مكافحة الجريمة الالكترونية)، التي كانت التجربة الأولى في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية المنسقة في إطار مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي كل عام، يتم تسجيل مواقع مختلفة في فضاء المعلومات للدول الأعضاء في المنظمة، يتم من خلالها نشر المعلومات التي تسبب ضررًا سياسيًا لمصالح الدولة والحلفاء. ويعتبر تعميم هذه التجربة ووضع توصيات لتحسينها مهمة مطلوبة في عصرنا. ويمكن القول إن مشكلة أمن المعلومات في جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي ذات السيادة هي أحد المجالات ذات الأولوية في سياسة أمن المعلومات في طاجيكستان.

 

يشكل أمن المعلومات في نظام الاتصال السياسي عنصرًا من عناصر المصالح الوطنية لأي دولة. وفي هذا الصدد، تواجه بلدان آسيا الوسطى، ولا سيما جمهورية طاجيكستان، مشاكل مشتركة فيما يتعلق بتوفيرها.

وعليه، ينبغي أن يستند إنشاء نظام للأمن المعلوماتي الجماعي والاتصال السياسي داخل "رابطة الدول المستقلة"، و"منظمة شنغهاي للتعاون"، و"منظمة معاهدة الأمن الجماعي" إلى مبدأ المشاركة المتساوية في العلاقات الإعلامية العالمية، والنهج العام لتنظيمها القانوني، وإلى الاعتراف بضرورة التصدي لاستخدامات إمكانيات تكنولوجيا المعلومات التي تشكل تهديدات حقيقية للمصالح الوطنية والجماعية للدول الأعضاء.

 

وفيما يتعلق بقضايا تطوير التعاون في قطاع المياه والطاقة، تجدر الإشارة إلى أن المنطقة تدخل اليوم في مستوى جديد تمامًا من العلاقات بشأن هذه القضية. وفي هذا الصدد، أود أن أشير إلى أن استخدام الطاقة الكهرومائية الهائلة لجمهورية طاجيكستان سيكفل أكبر حصة من استهلاك المنطقة للطاقة النظيفة من وجهة نظر بيئية. واليوم، وفقًا للمنظمات الدولية، تحتل طاجيكستان المرتبة السادسة على مستوى العالم في إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة. ومع ذلك، فإن بلادنا لديها الفرصة، بعد تشغيل القدرات الجديدة، بما في ذلك محطة روغون للطاقة الكهرومائية، لتحتل المركز الثاني أو الثالث في العالم في إنتاج الكهرباء النظيفة من المصادر المتجددة. وبطبيعة الحال، يمكن النظر إلى ذلك بوصفه دور طاجيكستان في حل إحدى المشاكل العالمية الرئيسية اليوم، وهي الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتقليل الآثار المدمرة لظاهرة الاحتباس الحراري.

 

تتوقف احتمالات تنمية التكامل والأمن الإقليميين في منطقة آسيا الوسطى، وإمكانيات اجتذاب الاستثمارات في تنمية الطاقة الكهرومائية، إلى حد كبير على زيادة النشاط في تنظيم المشاكل الإقليمية في منطقة آسيا الوسطى في قطاع المياه والطاقة. وفي المستقبل، سيساهم إيجاد حل شامل للمهام في الاستخدام الرشيد والفعال لإمكانات المياه والطاقة، وسيكفل التنمية المستدامة لاستخدام المياه عبر الحدود، وهو ما يعد أحد أهم مجالات النمو الاقتصادي في المنطقة.

 

وتبين هذه العوامل أن التعاون الوثيق والتكامل الحقيقي بين دول المنطقة يمكن لهما أن يكفلا المصالح الوطنية الحقيقية لجميع بلدان المنطقة معًا، ولكل منها على حدة. ولهذا نعتبر التكامل أحد أهم شروط التنمية السياسية والاقتصادية لبلدان آسيا الوسطى، فضلًا عن دوره في ضمان أمنها ومصالحها الوطنية.

 

وإذا انتقلنا من المصالح الوطنية الحقيقية لجميع بلدان آسيا الوسطى، يمكننا بالتأكيد أن نستنتج أن تنمية التعاون وتعميق التكامل الإقليميين يعتبرا أحد الشروط الرئيسية لتنمية دول منطقة آسيا الوسطى ككل وكل دولة منهم على حدة، فالتعاون البناء والاستخدام المشترك للموارد الإقليمية الضخمة والفريدة من نوعها والتنمية المشتركة هي التي يمكن أن تضمن تحقيق المصالح الوطنية لبلدان المنطقة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، تحت إشراف رئيس جمهورية طاجيكستان - دكتور في العلوم السياسية ـ طاجيكستان

 

مجلة آراء حول الخليج