array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

شرق آسيا يلتقي مع غربها: العلاقات عبر آسيا

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

ذكرنا في مناسبات سابقة عدة أن تحول أورو - آسيا إلى شبكة كبيرة من الكيانات دون الإقليمية الجيو - استراتيجية المتداخلة، ولد عدداً من الوشائج الثقافية والاقتصادية والأمنية، التي مالت تدريجياً إلى جعل مصير منطقة الشرق الأوسط مرتبطاً بصورة أوثق بمصائر بقية مناطق آسيا، وهو ما أعطى مغزىً حقيقياً لمفهوم الشرق الأوسط الكبير.

يمكن الجزم أيضاً بأن بعض هذه الوشائج ذو طبيعة استراتيجية. وكما سنرى، يمكن القول عموماً، إن الطاقة والإسلام وقدرة السياسة على عبور الحدود، فضلاً عن حركة العمالة ورؤوس الأموال والعلاقات العسكرية والأسلحة، (بما فيها أسلحة الدمار الشامل)، وجيو - سياسية آسيا الوسطى؛ أمورٌ تشجع المنظومات الإقليمية الآسيوية على التعاون فيما بينها، وتجعل كل واحدة منها تعتمد على المنظومات الأخرى بصورة متزايدة.

 الطاقة:

مثّل الطلب الآسيوي المتنامي على النفط والغاز، أحد العناصر الأساسية في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين شرق آسيا وغربها. فكلما زادت دول الخليج العربية إنتاجها النفطي، كانت اقتصادات الشرق الأقصى تستهلك ذلك الإنتاج الإضافي. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 60 في المائة من صادرات الشرق الأوسط النفطية ذهبت أواخر القرن العشرين إلى آسيا المطلة على المحيط الهادئ، بينما ذهبت نسبتا 13 في المائة و21 في المائة منها إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، على التوالي. كما أن منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ، (باستثناء اليابان وأستراليا)، استهلكت من النفط ما يوازي مجموع ما استهلكته الولايات المتحدة وأوروبا الغربية معاً. وظل المنحى التصاعدي لمعدلات الاستهلاك النفطي في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ واضحاً للعيان. ففي منتصف الثمانينات، أنتجت المنطقة 10 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط، واستهلكت 18 في المائة من إجمالي الاستهلاك النفطي العالمي؛ لكن مع نهاية القرن، بقي نصيب المنطقة من الإنتاج العالمي من الخام ثابتاً (10 في المائة)، بينما ارتفع معدل استهلاكها للنفط بنسبة 27 في المائة. وفي القرن الحادي والعشرين، لا يزال مستهلكو النفط الآسيويون الرئيسيون، الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، في طليعة مستهلكي الهيدروكربونات في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ. وتعليقاً على طلب الصين والهند واليابان المتزايد على النفط، قال أحد كبار المحللين اليابانيين: (نحن الذين سنتصارع فيما بيننا على نفط الشرق الأوسط). إذاً، يبدو أنه سيكون من شبه المستحيل إشباع نهم هذه الدول، إلا من خلال إيجاد منتجين آخرين للهيدروكربونات في آسيا، على الرغم من كل الجهود، التي تبذلها الصين لتنويع مصادرها، ورغم منافستها للولايات المتحدة، من أجل ضمان الوصول إلى هيدروكربونات غرب إفريقيا وشرقها.

إن زهاء 65 في المائة من صادرات الشرق الأوسط النفطية، اتجهت إلى منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ عام 2010، وهو ما يمثل انقلاباً تاماً في المنحى، الذي ساد على مدى قرن من الزمن، حيث كان معظم صادرات الشرق الأوسط من النفط، يتجه إلى الغرب. وترافق هذا التحول الجوهري مع تغييرات ملحوظة في سلوك المستهلكين التقليديين لنفط الشرق الأوسط. فقد بنى أكبر مستهلك للنفط في العالم، الولايات المتحدة، استراتيجيته لتوفير احتياجاته من الطاقة المستوردة، على أساس استيراد معظمها من الأمريكتين وإفريقيا، بينما اعتمدت أوروبا مؤخراً على استيراد الطاقة من شمال إفريقيا وبعض دول الخليج العربية المصدرة للنفط والغاز، إلى جانب استغلال الموارد المتوفرة في أوروبا نفسها.

نحو 60 في المائة من صادرات الشرق الأوسط النفطية ذهبت أواخر القرن العشرين إلى آسيا المطلة على المحيط الهادئ

ونتيجةً لهذه التغييرات في سلوك أمريكا وأوروبا، وتنامي الطلب الآسيوي على الطاقة، فإن منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ قد توفر في غضون الأعوام العشرة المقبلة 95 في المائة من إجمالي وارداتها من الطاقة من منطقة الشرق الأوسط. فالسعودية، التي كانت حتى وقت قريب، الشريك النفطي الرئيسي لأمريكا، بدأت تتبنى استراتيجيات محددة لتطوير شراكاتها الآسيوية،  ويعكس ذلك تصريح وزير النفط السعودي علي النعيمي في نيودلهي عام 2005 حين قال (لقد أصبحت آسيا زبوننا الأول. فنحن نشحن حالياً أكثر من 4.5 مليون برميل يومياً إلى آسيا، أي حوالي 60 في المائة من إجمالي صادراتنا أو نحو 20 في المائة من إجمالي استهلاك آسيا الحالي من النفط. حيث إن أكبر مصدر للنفط الخام في العالم يحافظ اليوم على طاقة إنتاجية احتياطية لتلبية احتياجات اقتصادات آسيا، التي تنمو بوتيرة متسارعة). وأظهرت علاقات إيران منحى مماثلاً. إذ قفزت قيمة تبادلاتها التجارية مع الصين وحدها إلى 9.5 مليار دولار في عام 2005، فيما استوردت الأخيرة 13 في المائة من احتياجاتها النفطية من إيران. وقد تتعزز العلاقات الصينية - الإيرانية أكثر على خلفية الدور الرئيسي، الذي سيلعبه الغاز الطبيعي خلال العقود المقبلة. فعندما تتحول الاقتصادات الآسيوية، ابتداءً من الصين، مروراً بدول السواحل الآسيوية، ووصولاً إلى الهند، من الفحم الحجري إلى الغاز المسال، ستحاول هذه الاقتصادات استيراد الغاز من الدول القريبة منها، (أستراليا وإندونيسيا وماليزيا وروسيا)، ومن مصدري الغاز في منطقتي بحر قزوين والشرق الأوسط، من أجل تلبية طلبها المتزايد على هذه المادة. ويُتوقع أن تكون إيران والعراق وقطر والسعودية، أهم دول الشرق الأوسط في مجال تصدير الغاز المسال إلى آسيا، بينما ستكون كازاخستان وتركمانستان، أبرز دول بحر قزوين في هذا المجال.

ومن شأن شراكات الطاقة في آسيا أن توجد علاقات أوسع نطاقاً، وأن تعزز الاعتماد المتبادل على امتداد القارة. فعلى سبيل المثال، كلما ازداد انفتاح مصدري الطاقة في الشرق الأوسط على بقية اقتصادات آسيا، ازدادت سرعة ودرجة تأثرهم بتقلبات دورات رأس المال في تلك الاقتصادات. وهذا ما حدث بالضبط، عندما اهتزت اقتصادات جنوب آسيا في التسعينات، وتعرضت دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط إلى ضغط اقتصادي كبير، جراء تلك الأزمة. ولو أن الاقتصادين، الصيني والياباني، اهتزا أيضاً في ذلك الوقت، لعانت دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط من ضغط اقتصادي أكبر وأخطر.

من ناحية أخرى، سيُؤدي تعزيز العلاقات الهيدروكربونية، إلى انتقال موارد مالية ضخمة من طرف آسيا الشرقي إلى طرفها الغربي، مما سيشجع مصدري الهيدروكربونات في غرب آسيا على توسيع علاقاتهم مع شرق آسيا. ولو افترضنا أن منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ، ستستورد من نفط الشرق الأوسط خمسة وعشرين مليون برميل يومياً، بحلول عام 2020م، وأن سعر البرميل الواحد هو خمسة وعشرون دولاراً، (وهذا معدل متحفظ للغاية في ظل الأسعار الحالية)، فإن دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط، ستحصل من دول شرق آسيا على 250 مليار دولار سنوياً. فاليوم، وبعدما تجاوز سعر برميل النفط حد الستين دولاراً، يمكن القول إن الموارد المالية، التي تتجه من شرق آسيا إلى غربها، قد وصلت بالفعل إلى مثل هذا المستوى. وكما سبقت الإشارة، فإن هذه المبالغ الضخمة ستشجع مصدري النفط في غرب آسيا على توسيع علاقاتهم مع شرق آسيا، وبالتالي، سوف يتراجع المستوى التقليدي لتأثرهم بأسواق دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في أوروبا وأمريكا الشمالية. وفي الوقت ذاته، سيؤدي هذا التوجه شرقاً، إلى تعميق الفجوة الجيو - سياسية القائمة بين دول الخليج العربية وبقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الواقعة في شرق المنطقة وغربها، التي سبقت الإشارة إلى أنها أصبحت تدور في فلك أوروبا.

سيطرة الغرب على منطقة الشرق الأوسط سوف تتراجع، كلما تعززت العلاقات بين غرب آسيا وشرقها

كما أن التحول الاقتصادي على هذا النطاق الواسع سيُحدث تحولاً سياسياً أيضاً، بمعنى أن سيطرة الغرب على منطقة الشرق الأوسط سوف تتراجع، كلما تعززت العلاقات بين غرب آسيا وشرقها. وخير مثال على ذلك، هو الحليف العربي السابق لأمريكا، المملكة العربية السعودية: ففي عام 2006، كان المعدل السنوي لحجم تبادلها التجاري مع الصين قد تجاوز الخمسة عشر مليار دولار، (مع معدل نمو سنوي بنسبة 43 في المائة منذ عام 1999). وفي تلك الأثناء، أصبحت المملكة تغطي 17 في المائة من واردات الصين النفطية.

سيُؤدي تعزيز العلاقات الهيدروكربونية إلى انتقال موارد مالية ضخمة من طرف آسيا الشرقي إلى طرفها الغربي

أضف إلى ذلك، أن تنامي هذه العلاقات الهيدروكربونية سيجعل اقتصادات آسيا أكثر تأثراً بتقلبات أسعار النفط وبالأزمات، التي قد تنشأ بسببها في الشرق الأوسط، علماً بأن بعض دول الشرق الأقصى، (مثل إندونيسيا وماليزيا) ، مرشحة للاستفادة من ارتفاع أسعار الهيدروكربونات. فكما أشارت (مجلة الشؤون الاقتصادية للشرق الأقصى): (يرى الاقتصادي آندي تشي في دراسة أعدها بناءً على طلب دين ويتَر، من شركة مورغان ستانلي، أنه إذا وصل معدل سعر برميل النفط إلى تسعة وعشرين دولاراً، فإن معدل النمو السنوي في شرق آسيا، (باستثناء اليابان)، قد يتراجع بواقع 0.6 في المائة من النقطة.. وبلغة الدولارات، ستخسر المنطقة مبلغاً يتراوح من خمسة عشر إلى عشرين مليار دولار في عام 2000. وفي الحقيقة، تشير التقديرات إلى أنه كلما ارتفع معدل سعر برميل النفط دولاراً واحداً في سنة بعينها، فإن حجم الفائض التجاري لمنطقة شرق آسيا يتقلص بأكثر من ملياري دولار في تلك السنة. فآسيا، إذن، شديدة التأثر بتقلبات أسعار النفط وتشعر بوطأة ارتفاع أسعاره بشكل فوري تقريباً.

وتُضر مثل هذه الزيادات بالمستهلك الآسيوي بطرق عدة. أولاً: لأنها تولد وضعية تجارية متفاقمة. ثانياً: لأنها تزيد الضغوط التضخمية في الاقتصادات المحلية. وثالثاً: لأنها تُضيف ضغوطاً كبيرة على ميزانيات الحكومات. كما يزداد الميزان المالي تعقيداً، بفعل خصوصيات هيكلية تسعير النفط للمستوردين الآسيويين، التي تجعل نفط الشرق الأوسط يكلفهم أكثر بكثير مما يكلف نظراءهم الغربيين بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

لكن الصورة المعقدة لمستقبل الطاقة في آسيا، لا تكتمل من دون إبراز الآثار الاستراتيجية المحتملة لشبكات خطوط نقل الطاقة، ومسارات عبورها من منطقة بحر قزوين إلى خارجها، على العلاقات بين الشرق الأوسط وبقية آسيا. ومع أن مخزون النفط المؤكد في بحر قزوين ليس هائلاً، (إذ يبلغ حوالي 29 مليار برميل، بينما يبلغ 17 مليار برميل في بحر الشمال وأكثر من 600 مليار برميل في منطقة الخليج العربي)، إلا أن وزارة الطاقة الأمريكية، والعديد من شركات النفط، قدرت المخزون النفطي لبحر قزوين بحوالي 160 مليار برميل، وهو مخزون هائل فعلاً، قد يحول هذا البحر إلى مصدَر رئيسي للطاقة في القرن الحالي. واستناداً إلى هذه التقديرات، خمن خبراء الطاقة القيمة الإجمالية لمخزون بحر قزوين من الهيدروكربونات، بأربعة تريليونات من الدولارات. وهذا هو العامل الذي أثار اهتمام كبرى شركات النفط العالمية بالمخزون الاستراتيجي لبحر قزوين، مع أن تكلفة استخراج البرميل الواحد من نفطه تساوي أضعاف تكلفة استخراج برميل النفط الواحد من حقول منطقة الخليج العربي.

تشير كل جميع الدلائل المتوافرة  إلى أن الصين ستواصل تعزيز علاقاتها العسكرية مع دول غرب آسيا

وعلى الرغم من التحفظات المحيطة بالمخزون النفطي لبحر قزوين، تشير بعض التقديرات، إلى أنه سيُنتج أربعة ملايين برميل من النفط يومياً بحلول عام 2015م أي أكثر من إنتاج إيران في عام 2001. وفي حال الحفاظ على هذا المستوى الإنتاجي، فإن دول بحر قزوين المصدرة للنفط، ستُحقق عائدات ضخمة، تزيد على عشرين مليار دولار سنوياً. لكن مخزون بحر قزوين أقل بكثير من مخزون الخليج العربي، الأمر الذي سيدفع دول بحر قزوين النفطية وشركات النفط العالمية المعنية، إلى رفع الإنتاج إلى أقصى مستوى ممكن، لتحقيق الاستغلال الأمثل لاستثماراتها الضخمة، ما قد يؤثر سلباً في وضعية منتجي النفط التقليديين.

وعلى صعيد الغاز، الذي سيُصبح أحد المصادر الرئيسية للطاقة في القرن الحالي، تشير بعض التقديرات إلى أن مخزون بحر قزوين من الغاز الطبيعي هائل فعلاً. فطبقاً لوزارة الطاقة الأمريكية، يبلغ مخزون بحر قزوين المحتمل من هذا المورد الحيوي حوالي 650 تريليون متر مكعب. وللمقارنة، يشار إلى أن مخزوني إيران وروسيا من الغاز الطبيعي، (خارج بحر قزوين) ، يبلغان 1700 تريليون متر مكعب، و810  تريليونات متر مكعب، على التوالي. لذا، فإن البيانات الخاصة بدول بحر قزوين الثلاث، تدعم الطرح القائل بأنها ستبرز في القرن الحالي كأطراف رئيسية في سوق الطاقة الآسيوية، على الرغم من كل التحفظات المحيطة بمخزونها النفطي. وعلى أي حال، يبقى التنقيب عن هيدروكربونات بحر قزوين وتطويرها، مهمة صعبة للغاية، لأنه يتطلب مهارات تقنية عالية وخبرة واسعة.

وفي منطقة بحر قزوين، تبقى هذه المهمة أسهل بكثير من التعقيدات المرتبطة بإنشاء خطوط مستدامة لنقل موارد الطاقة إلى خارج المنطقة. كما أن أغلب مخزون بحر قزوين من الهيدروكربونات يقع بعيداً عن الشواطئ: إذ يقع تحت مياه هذا البحر أكثر من 80 في المائة من ثروة أذربيجان، وقرابة 40 في المائة من ثروة كازاخستان، ونحو 35 في المائة من ثروة تركمانستان. وفي الحقيقة، خضع النقاش حول مسارات خطوط نقل هيدروكربونات بحر قزوين للكثير من التسييس. فمن ناحية، سعت الولايات المتحدة إلى تلافي مرور هذه الخطوط عبر الأراضي الهندية والروسية، من خلال تعزيز علاقاتها مع أذربيجان، وتشجيع بناء أنابيب للنفط والغاز في بحر قزوين، وإنجاز خط باكو - جيهان، الذي دُشن في يوليو 2006. ومن ناحية أخرى، سعت إيران وروسيا إلى إبراز الجدوى الاقتصادية لبناء وتعزيز طاقات خطوط الأنابيب القائمة، والتي تمتد من الشمال إلى الجنوب.

غير أن الحقيقة المتمثلة في أن مشروع خط باكو - جيهان، الذي قُدرت تكلفته بحوالي 3.5 مليار دولار، طُرح للنقاش، تُعد بحد ذاتها مؤشراً قوياً إلى نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وقدرتها على إقناع الأطراف المحلية القوقازية بأن الاعتبارات السياسية - الأمنية ينبغي أن تعلو على الحسابات المالية في هذه المسألة. أما حالياً، وبعدما أُنجز خط باكو - جيهان، يبدو أن روسيا وإيران لا تريدان التخلي للولايات المتحدة عن المكاسب الاستراتيجية المرتبطة ببحر قزوين، لأنهما واصلتا جهودهما الدبلوماسية لكسب معركة مسارات خطوط نقل النفط والغاز من منطقة بحر قزوين إلى خارجها.

وإلى جانب أهمية مخزوني بحر قزوين المحتملين من النفط والغاز، ثمة عامل رئيسي آخر أثار اهتمام شركات النفط العالمية، وهو الاستعداد المتجدد لدول بحر قزوين لتقديم امتيازات سخية ومغرية لهذه الشركات، خصوصاً أن هذا الاستعداد جاء بعدما ترسخت صناعة النفط في الدول النفطية التقليدية، وتضاءلت فيها فرص الاستثمار الجديدة المحتملة. وبالتالي، توفرت لهذه الشركات فرصة سانحة لتحقيق أرباح خيالية في ظل قيود سياسية محدودة، فبدت جميعاً غير راغبة في التقليل من شأن هذه الفرصة، رغم المشكلات الكبيرة التي تعاني منها منطقة بحر قزوين، مثل المشكلات الأمنية والجغرافية والقانونية، وتلك المتعلقة بمسارات خطوط النقل.

قد تتعزز العلاقات الصينية - الإيرانية أكثر على خلفية الدور الرئيسي الذي سيلعبه الغاز الطبيعي خلال العقود المقبلة

ولم يشكك إلا بضع شركات عالمية فقط بدقة البيانات المتعلقة بمخزوني بحر قزوين. وحتى الآن، قامت مجمل العلاقات بين دول بحر قزوين والغرب، عموماً، والولايات المتحدة، خصوصاً، على أساس حساب بسيط هو (الأمل بأن تُنقِذ منطقة بحر قزوين (الولايات المتحدة وحلفاءها) من الاعتماد الكامل على نفط الشرق الأوسط). وتكمن المصلحة الأساسية هنا في حقيقة أن (إمدادات الطاقة الثابتة والمضمونة القادمة من بحر قزوين، ستقلل درجة تأثر أمريكا بأي نقص في إمدادات الطاقة العالمية). إذاً، كان من الحيوي، ألا تتدفق إمدادات الطاقة القادمة من بحر قزوين باتجاه الجنوب، أو عبر مضيق هرمز (لأن ذلك قد يقوض فرص تحقيق الهدف، المتمثل في تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وقد يعزز مواقع دول بعينها، مثل إيران في منطقة الطاقة المكونة من بحر قزوين والخليج العربي، وقد يتيح لها التحكم في إمدادات النفط المتدفقة منهما)؛ كما كان من الحيوي أيضاً ألا تتدفق إمدادات بحر قزوين باتجاه الشمال، (لأن ذلك يعزز المكانة الإقليمية لروسيا)؛ إذاً، تعين على خطوط نقل هذه الإمدادات أن تتجه غرباً وشرقاً فقط.

وبفضل مخزون بحر قزوين من الهيدروكربونات، واختفاء معوقات الحرب الباردة، وغياب المنافسين الآسيويين الأقوياء، تشجعت الولايات المتحدة على إرساء دعائم جديدة لنفوذها في قلب آسيا، وتمكنت تدريجياً من كسب تأييد دول بحر قزوين للغرب. وإذا كان من الممكن النظر إلى هذه التحركات الأمريكية، كانعكاس لاتجاهات الهيمنة الجديدة، فإنه يمكن اعتبارها أيضاً دلائل قوية على اهتمام أمريكا الطويل الأمد بمنطقة بحر قزوين. ولا شك في أن القوى الإقليمية، إيران والهند والصين وباكستان وروسيا، تدرك هذه الحقائق تماماً. لكن، في الوقت الذي يبحث فيه بعض هذه القوى عن سبل التقرب من واشنطن، نرى أن بعضها الآخر يبذل قصارى جهده لتقليص الحضور الأمريكي في آسيا، وجعله عديم التأثير على المدى البعيد. وبالنسبة لهذه الأطراف جميعاً يبقى ضمان أمن الطاقة أولوية قصوى.

 الشراكات العسكرية وتجارة الأسلحة

تمثل الشراكات العسكرية المدعومة بتجارة الأسلحة، بحد ذاتها، قوة إضافية ملزمة، قادرة على توطيد العلاقات بين الشرق الأوسط وبقية آسيا. ومنذ نهاية الحرب الباردة، تزايد هذا النوع من الشراكات في آسيا بفعل الدور الروسي في المقام الأول. فقد نجحت روسيا، منذ أواخر الثمانينات، في تعزيز موقعها كأكبر منتج ومصدر للأسلحة في أورو - آسيا، بعدما تحولت إلى المصدَر الرئيسي للأسلحة والتقنيات العسكرية المستوردة بالنسبة لأكبر دولتين في آسيا (الصين والهند) وإيران، وعدد من دول آسيا الأصغر منها. وظلت موسكو أيضاً المزود الرئيسي للصين وإيران بالتكنولوجيا النووية، التي عادت عليها بأكثر من 6.5 مليار دولار، منذ منتصف التسعينات. وتبني روسيا حالياً المحطة النووية الوحيدة في إيران بمدينة بوشهر الإيرانية، كما دخلت في مفاوضات مع الصين لتزويدها بمحطات نووية حديثة، بالتوازي مع بناء محطة نووية ضخمة في مقاطعة ليانيونغانغ الصينية.

لذا، تُعد روسيا مركز شبكة تجارة الأسلحة، التي تضم كبرى دول آسيا، وعدداً من أكبر مصدري الطاقة فيها. هذه العلاقة تمنح موسكو نفوذاً واسعاً في آسيا، وتلزمها بالحفاظ على ميزان القوى الآسيوية، كما برهنت مناورات (مهمة السلام 2005) الروسية - الصينية غير المسبوقة، التي جرت في أغسطس 2005، والتي شارك فيها حوالي عشرة آلاف جندي، قاموا بمناورات جوية وبحرية وبرية، بدأت في ڤياديڤوستوك، واستُكملت في مقاطعة شاندونغ الصينية. يُشار أيضاً إلى أن الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، والدول المراقبة فيها (الهند وإيران وباكستان)، تلقت جميعاً دعوات رسمية لمراقبة تلك المناورات، التي شاركت فيها طائرات روسية الصنع من طراز سوخوي 30 (Su-30) وهي طائرات اعتراضية، وقاذفات نووية بعيدة المدى من طرازي توپولوڤ 95 (95-Su)، و(توپولوڤ 22 أم 3 Tu-22M3)؛ كما أن المراقبين الثلاثة في منظمة شنغهاي للتعاون كانوا يستوردون أسلحة من روسيا، أو كانوا مهتمين باستيراد مثل هذه الأسلحة.

لكن هذه العلاقات العسكرية، ليست سوى جزء من الصورة. فتجارة الأسلحة لها بُعدٌ حاسم آخر، يتمثل في العلاقات العسكرية بين الصين ودول الشرق الأوسط؛ حيث تُعد الصين شريكاً عسكرياً رئيسياً لإيران، مثلاً، كما أنها تمتعت بعلاقات عسكرية مثمرة مع العراق (حتى عام 1990)، والمملكة العربية السعودية واليمن. وتشير كافة الدلائل المتوافرة، إلى أن الصين ستواصل تعزيز علاقاتها العسكرية مع دول غرب آسيا، لا سيما تلك الغنية بالنفط، لأنها تمتلك ما يكفي من العملة الصعبة لتسديد فواتير وارداتها من الأسلحة. وفي الحقيقة، عززت الصين فرص تلبية احتياجاتها النفطية الاستراتيجية، عبر إبرام اتفاقيات تسليحية ثنائية مع دول الخليج العربية المصدرة للهيدروكربونات. لذا، يمكن القول إن الصين قادرة أيضاً على التأثير في ميزان قوى منطقة غرب آسيا.

وأوجدت تجارة الأسلحة أيضاً علاقات أخرى، غامضة نسبياً، بين شرق آسيا وغربها. فهناك شراكتان عسكريتان متزايدتا العمق بين إسرائيل من جهة، والصين والهند من جهة أخرى. إذ من المعروف أن تل أبيب زودت، (أو تزود)، الشريك الأول، بمجموعة واسعة من الخبرات والتقنيات العسكرية، كما زودت الشريك الثاني، بما قيمته خمسة عشر مليار دولار من التجهيزات والخبرات العسكرية وتقنيات تحديث أسلحته الروسية القديمة. وقد تمثل الهند حالياً أهم سوق لمنتجات إسرائيل العسكرية. ولطالما كانت إسرائيل شريكاً عسكرياً وثيقاً لتايوان - مصدَر القلق الأمني الرئيسي للصين في شرق آسيا. كما عززت إسرائيل شراكتها العسكرية الحديثة العهد مع تركيا، التي استطاعت، من خلال هذه العلاقات، إجراء مناورات عسكرية ضخمة، واقتناء الكثير من التجهيزات العسكرية المتقدمة، والاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في تحديث منظوماتها العسكرية القديمة. وقد ولدت هذه الشراكة بعض التوترات؛ ليس في العلاقات التركية - الإيرانية فقط، بل أيضاً في علاقات أنقرة مع العالم العربي - الذي يشعر بأن هذه الشراكة موجهة ضده إلى حد كبير. كما أن روسيا قلقة ومرتابة من طموحات تركيا في القوقاز والبلقان وآسيا الوسطى. ولم تخفِ موسكو وطهران قلقهما من أن تستخدم إسرائيل علاقاتها الوثيقة مع تركيا كوسيلة لتعزيز علاقاتها مع أذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى. وقد تعمقت هذه المخاوف عندما علق رئيس الوزراء الإسرائيلي في تركيا قائلاً: (سأقول في أنقرة إننا نريد تعزيز العلاقات مع أذربيجان ضد إيران وروسيا وأرمينيا). وقال روبيرت أولسون، إن تمركز قوات مسلحة إسرائيلية حالياً في شرق تركيا، وتمكن إسرائيل من استخدام عدد من المرافق العسكرية التركية (التي قيل إن 12 في المائة من القوة الجوية الإسرائيلية الضخمة تتمركز فيها)، تطورٌ يدفع إلى الاعتقاد بأن ردود الأطراف المعنية الأخرى على هذا التحدي الأمني، ليست سوى مسألة وقت فقط.

صحيح أن هناك علاقات عسكرية مهمة بين شرق وغرب آسيا، لكن النقطة التي لا بد من إبرازها هنا، هي الآتية: في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع الصين والهند، نلاحظ أن هاتين الدولتين وتركيا، وإن بدرجة أقل، ترتبط بصورة متزايدة بشبكة الطاقة الآسيوية، التي يتكون قلبها النابض من خصوم إسرائيل في الشرق الأوسط، وأبرزهم إيران. ومن المنظور الاستراتيجي، يبدو أن طبيعة تفاعلات المحور العسكري ومحور الطاقة في آسيا ستؤدي بالدول المعنية إلى تبني اتجاهات متعارضة، الأمر الذي قد يوجد الظروف الملائمة لحدوث استقطابات مستقبلية، قد تؤدي بدورها إلى نشوب نزاعات. وخير مثال على ذلك، ما حدث في يوليو 2001، عندما غضبت إيران واستخدمت، للمرة الأولى، قواتها البحرية الصغيرة العاملة في بحر قزوين لحماية مصالحها ضد أذربيجان، وزجت خلال تلك العملية بشركة (بريتش بتروليوم BP) النفطية العملاقة، في التوترات التي نشبت بين باكو وطهران.

ولهذه الشراكات العسكرية بُعدٌ مقلق آخر، هو الدور الذي تلعبه أسلحة الدمار الشامل في صياغة معادلة الأمن الإقليمي الآسيوي. فاليوم، لا يوجد في جنوب آسيا دولتان نوويتان عريقتان فقط (الهند وباكستان)، بل ظهرت أيضاً كوريا الشمالية، ذات النظام السياسي الشمولي والضعيفة اقتصادياً، كدولة تمتلك السلاح النووي. كما سجلت قارة آسيا أكثف نشاط نووي في العالم، خلال السنوات الخمسين الأخيرة، حيث ارتفع عدد دولها النووية من صفر إلى خمس (روسيا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية). غير أن الظروف الجيو - استراتيجية السائدة في آسيا، تحتم على المرء ألا يستبعد احتمال ظهور عدد إضافي لا بأس به من الدول النووية الآسيوية، مثل إيران واليابان وكوريا الجنوبية، التي لديها جميعاً ما يكفي من الإمكانات والدوافع الجيو - سياسية لتطوير قدرات نووية ذاتية. وإذا قامت هذه الدول بذلك، فإن دولاً أخرى في منطقة الشرق الأوسط وآسيا ككل، قد تحذو حذوها جراء الضغوط الجيو - سياسية الهائلة، التي ستتعرض إليها. كما أن المساعدة التقنية النووية العسكرية، التي تلقتها كوريا الشمالية من باكستان، مقابل تزويدها بتكنولوجيا إنتاج الصواريخ، تُعد سابقة خطيرة، قد تفتح الباب أمام تبادلات مماثلة؛ وهو ما سينعكس سلباً على استقرار المنظومات الإقليمية الآسيوية الهش أصلاً.

 

مجلة آراء حول الخليج