; logged out
الرئيسية / مواجهة تحدي النفوذ الروسي والصيني في أنشطة إنتاج ونقل النفط والغاز في آسيا الوسطى

العدد 142

مواجهة تحدي النفوذ الروسي والصيني في أنشطة إنتاج ونقل النفط والغاز في آسيا الوسطى

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

تمتلك دول آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان، موارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي، الأمر الذي يدفع عددًا من خبراء العلاقات الدولية إلى الحديث عما يمكن تسميته "اللعبة الكبرى الجديدة" بين المتنافسين على بسط السيطرة والنفوذ على هذه الموارد الهائلة سواء على المستوى العالمي (الولايات المتحدة وروسيا والصين) أو على المستوى الإقليمي (تركيا وإيران وإسرائيل). المتنافسون في هذه "اللعبة" يدركون تمامًا أن تركمانستان تتمتعباحتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي، تبلغ حوالي 19.5 تريليون متر مكعب (في نهاية عام 2018 حسب تقديرات شركة بريتش بتروليوم البريطانية)، وهو ما يجعلها تأتي في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث هذه الاحتياطات، بعد روسيا وإيران وقطر والمملكة العربية السعودية. كما يدرك هؤلاء أيضًا أن كازاخستان وأوزبكستان لديهما كميات كبيرة من اليورانيوم، بل أن كازاخستان تعد ثالث أكبر منتج لليورانيوم في العالم.

ورغم الأهمية الكبيرة التي تتسم بها موارد الطاقة في دول آسيا الوسطى من وجهة نظر المشاركين في "اللعبة الكبرى الجديدة"، إلا أن هذه الدول ما تزال تفتقر إلى الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتقدمة من أجل تنمية وتطوير هذه الثروات، سواء من حيث الإنتاج أو التصدير إلى الخارج. كما أدت سيطرة الدولة على شركات النفط والغاز الرئيسية في كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان إلى تدهور أوضاع الإنتاج والتصدير، رغم أن قطاع الطاقة، والذي يشمل النفط والغاز، أصبح يشكل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، لاسيما في تركمانستان (86٪) وكازاخستان (55٪) وأوزبكستان (33٪)، وفقًا لمركز الإمارات للسياسات.

وفي هذا السياق، يؤكد كثير من المراقبين على أن دول الخليج لديها "فرصة تاريخية" في الوقت الحالي من أجل "التمركز" في جمهوريات آسيا الوسطي، استنادًا إلى إمكانات التعاون الهائلة في قطاعي النفط والغاز، خاصة وأن هذا "التمركز" سوف يحقق العديد من الفوائد الاقتصادية والجيوسياسية، لعل من أبرزها جذب هذه الجمهوريات للوقوف في صف دول الخليج ضد إيران وتركيا وإسرائيل[1].

وفي نفس الوقت، تتطلع جمهوريات آسيا الوسطى، التي قبعت لأكثر من قرن خلف الستار الحديدي في ظل الاتحاد السوفيتي واستقلت بعد انهياره، إلى دول الخليج العربي في ظل حاجتها إلى شركاء خارجيين جدد، إلى جانب روسيا والصين والغرب، من أجل الحصول على الاستثمارات الكافية والتكنولوجيا المتقدمة والنفاذ إلى العالم في ظل الجغرافيا الحبيسة لمنطقة آسيا الوسطى. كما أن دول الخليج قد تكون أيضًا سندًا، من وجهة نظر هذه الجمهوريات، في موازنة النفوذ الروسي (الذي لا تزال دول المنطقة تحمل تجاهه شكوكًا تاريخية عميقة) فضلاً عن النفوذ الصيني المتزايد (نتيجة زيادة المشروعات التي تشارك فيها بكين في ظل مبادرة "الحزام والطريق").

ومن أجل استكشاف فرص التعاون بين دول الخليج العربية وجمهوريات آسيا الوسطى في مجال الطاقة، تم تقسيم هذا المقال إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول يستعرض إمكانات النفط والغاز في دول آسيا الوسطى، خاصة في تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان. بينما يركز القسم الثاني على أهم ملامح التعاون الراهن في المجال بين دول الخليج العربي وبين جمهوريات آسيا الوسطى. وفي القسم الثالث والأخير، يقترح الكاتب عددًا من التوصيات والاقتراحات لتفعيل هذه العلاقات في المستقبل.

أولا: إمكانات النفط والغاز في دول آسيا الوسطى

1-تركمانستان

تركمانستان هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي بين جمهوريات آسيا الوسطى، كما أنها تمتلك أضخم احتياطيات مؤكدة من الغاز بين هذه الدول. وتبلغ هذه الاحتياطيات حوالي 19.5 تريليون متر مكعب (في نهاية عام 2018م، حسب تقديرات بريتش بتروليوم)، وهو ما يجعلها تأتي في المرتبة الخامسة عالميًا، بعد روسيا وإيران وقطر والمملكة العربية السعودية، حسبما تظهر إحصاءات كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ورغم ضخامة احتياطاتها المؤكدة، تقع تركمانستان في المرتبة العاشرة من حيث الدول المصدرة للغاز الطبيعي، بصادرات لا تتجاوز 38 مليار متر مكعب سنويًا، وذلك بسبب عدم توافر البنية التحتية الكافية للتصدير. ولذلك، حرصت الحكومة التركمانية، في السنوات الأخيرة، على جذب الاستثمارات الأجنبية لإنتاج وتصدير المزيد من الغاز الطبيعي إلى الخارج.

ويأتي معظم الإنتاج المحلي من الغاز التركماني من خلال حقل نيبيل داج Nebil Dag، والذي تقوم بتشغيله شركة أويل دراجون الإماراتية (في الجزء البحري من الحقل) وشركة إيني الإيطالية (في الجزء البري من الحقل). وتقع معظم حقول الغاز في حوض جنوب المراب وحوض عمو داريا. ومن أكبر هذه الحقول دولتاباد Daultabad وجالكونيش Galkynysh ومالاي Malai، ويأتي معظم إنتاج البلاد من هذه الحقول.

وفيما يتعلق بتصدير الغاز التركماني إلى الخارج، بدأ تشغيل مشروع خط أنابيب وسط آسيا – الصين Central Asia-China Pipeline (CACP) في عام 2009م، ويمتد هذا المشروع، الذي تبلغ قدرته الحالية حوالي 1.9 تريليون قدم مكعب سنويًا،من تركمانستان إلى شنغهاي وهونج كونج عبر أوزبكستان وكازاخستان. وقد بلغت تكلفة هذا المشروع، الذي ساهم في نفاذ الصين بشكل مباشر إلى حقول الغاز التركمانية، 10 مليارات دولار. وإلى جانب هذا الخط، بنت تركمانستان، في عام 2015م، خط أنابيب الشرق -الغرب East-West pipeline الذي يربط حقل جالكينيش مع الساحل الشرقي لبحر قزوين. وتبلغ قدرة هذه الخط حوالي 1 تريليون قدم مكعب سنويًا، ومن المخطط أن يرتبط مستقبلا مع خط الأنابيب العابر لبحر قزوين Trans-Caspian Pipeline (TCP). وسوف يوفر خط الأنابيب العابر لبحر قزوين، وهو خط أنابيب مقترح تحت سطح البحر، منفذًا لتركمانستان لتصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية عن طريق الاتصال بخطوط الأنابيب الموجودة في أذربيجان. إلا أن المشاكل السياسية بين تركمانستان من جهة وكلا من روسيا وإيران من جهة أخرى منعت تنفيذ هذا الخط، الذي تبلغ سعته حوالي 1 تريليون قدم مكعب[2]. وفي ديسمبر من عام 2015م، بدأت تركمانستان بناء الجزء الخاص بها من خط أنابيب تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند، والمعروف باسم "تابي" (TAPI) Turkmenistan-Afghanistan-Pakistan-India. وتبلغ سعة الخط أكثر من 1 تريليون قدم مكعب سنويًا. وكان من المقرر رسميًا أن يبدأ تشغيل الخط في عام 2019م، إلا أنه يواجه عقبات أمنية وسياسية كبيرة. ويبلغ طول خط الأنابيب المقترح 1,680 كم، ويبدأ من حقل دولة أباد في جمهورية تركمانستان إلى أفغانستان حيث يمر بهرات وقندهار ثم إلى باكستان حيث يمر بكويته ومولتان ثم يصل إلى وجهته النهائية وهي بلدة فزيلكا بالهند الواقعة على الحدود الهندية الباكستانية.

ومن جهة أخرى، تكشف إحصائيات الطاقة العالمية لشركة بريتش بتروليوم البريطانية، والصادرة في يونيو 2019م، أن تركمانستان أصبحت من أكبر الدول المصدرة للغاز في العالم (عن طريق خطوط الأنابيب)، وبلغت صادراتها في العام الماضي حوالي 35,2 مليار متر مكعب (33,3 منها إلى الصين). وكانت تركمانستان قد وقعت عدة عقود لتصدير الغاز الطبيعي إلى الصين، كان آخرها في سبتمبر 2013م. وبموجب هذه العقود، تقوم تركمانستان بتصدير حوالي 2.3 تريليون قدم مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي إلى الصين بحلول عام 2020م.

وفيما يتعلق بالنفط الخام، بلغت احتياطيات تركمانستان المؤكدة منه (في شهر يناير 2018م) حوالي 600 مليون برميل، وهو ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة والأربعين عالميًا. وقد بلغ الإنتاج اليومي من النفط الخام حوالي 244 ألف برميل، وهو ما وضعها في المرتبة الثانية والثلاثين عالميًا. وقدرت صادرات النفط الخام التركمانية في العام الماضي بحوالي 68 ألف برميل / يوم، وهو ما جعلها تحجز المرتبة الثامنة والثلاثين عالميًا.

وتعتبر مصفتي تركمنباشي وسيدي، من أكبر مصافي النفط في البلاد، وتبلغ سعتهما التكريرية حوالي 237 ألف برميل / يوم.

تاريخيًا، لم يكن مسموحًا للشركات الأجنبية العمل في قطاع النفط والغاز في تركمانستان إلا عن طريق المشاركة مع شركة تركمانفت Turkmenneft ، أو شركة تركمانغاز Turkmengaz، (المملوكتين للدولة). إلا أنه بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق، سمحت الحكومة التركمانية للشركات الأجنبية بالدخول في شراكات معها في شكل اتفاقيات مشاركة الإنتاج (PSA) وعادة ما تكون مخصصة للحقول البحرية. وتعد الشركة الصينية الوطنية للبترول CNPC الشركة الأجنبية الوحيدة التي تعمل في مجال الحقول البرية للغاز الطبيعي في تركمانستان وفقًا لمجلة Oil and Gas Journal. وإلى جانب الشركة الصينية، تعتبر شركات بتروناس الماليزية وأويل دراجون الإماراتية وإيني الإيطالية من أبرز الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاعات الطاقة في تركمانستان. وقد لعبت شركة غازبروم الروسية دورًا كبيرًا في تطوير البنية التحتية لنقل الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي ساهم في تطوير حقول الغاز في البلاد.

ورغم أن حكومة تركمانستان بدأت خطة طموحة لتطوير قطاع الطاقة مدتها 10 سنوات في عام 1993م، لكي تصبح "الكويت الثانية"، إلا أن هذه الخطة لم تحقق نجاحًا كبيرًا بسبب القيود المفروضة على الشركات الأجنبية فيما يتعلق بحصص الملكية. كما أدت الخلافات السياسية والقانونية في حوض بحر قزوين، بين الدول الخمس المشاركة في الحوض، ومنها تركمانستان، إلى عرقلة تنمية معظم حقول النفط والغاز التركماني الواقعة في حوض بحر قزوين الجنوبي. ومؤخرًا، توصلت الدول الخمس إلى اتفاق تاريخي بشأن تقاسم ثروات بحر قزوين، الأمر الذي يفتح الباب واسعًا أمام تطوير هذه الحقول في المستقبل.

2-كازاخستان

يعتمد اقتصاد كازاخستان بشكل كبير على الاحتياطات النفطية والغازية، لاسيما في حوض بحر قزوين. وتشير تقديرات كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لعام 2019م، إلى أن الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في كازاخستان تبلغ 30 مليار برميل (في 1 يناير 2018)، وهو ما يجعلها في المرتبة الحادية عشرة عالميًا. وفي عام 2018م، بلغ إنتاج النفط الخام 1,856 مليون برميل / يوم، وهو ما يضعها في المكانة الثامنة عشرة من حيث ترتيب الدول المنتجة للنفط الخام في العالم. وفيما يتعلق بصادرات كازاخستان من النفط الخام، فقد بلغت 1,409 مليون برميل / يوم في عام 2015م.

ومن جهة أخرى، بلغ احتياطي كازاخستان المؤكد من الغاز الطبيعي حوالي 2,407 تريليون متر مكعب (في 1 يناير 2018م)، وهو ما جعلها في المركز الرابع عشر عالميًا. وقد بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي 22,41 مليار متر مكعب، وفقا لتقديرات 2017م. وهو ما جعلها في الترتيب الحادي والثلاثين عالميًا. وفي عام 2017، بلغت صادرات الغاز الطبيعي الكازاخي حوالي 12,8 مليار متر مكعب، مما جعل أوزبكستان في المرتبة السابعة عشرة عالميًا.

وقد تم العثور على أول بئر نفطي في كازاخستان في مقاطعة أتيراو في عام 1899م، وكانت كازاخستان، رسميًا، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في الاتحاد السوفيتي السابق بعد روسيا. ورغم ذلك، لم تتمكن كازاخستان من زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط الخام بشكل ملحوظ إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سابقًا، وذلك بفضل دخول ومساهمة شركات الطاقة العالمية في هذا المجال.

وتقع أكبر حقول النفط البرية الكازاخية في الغرب، ومن أبرزها: كاراتشاجاناك كاشاجان وأكتوبي ومانغيستاو وأوزين وجانت تنجيز. وتلعب الشركة الوطنية للنفط والغاز في كازاخستان KazMunayGasKMG، والتي تأسست في عام 2002م، دورًا هامًا في مجال تطوير النفط والغاز الكازاخي. وإلى جانب هذه الشركة، تعمل العديد من شركات الطاقة العالمية في الحقول الكازاخية، من أبرزها: بريتش بتروليوم وأكسون موبيل وتوتال وإيني ولوك أويل وبتروتشينا.

ويرى المراقبون أن نقل وتصدير الغاز الكازاخي إلى الخارج يواجه العديد من العقبات، لعل من أهمها: السيطرة الروسية على شبكة خطوط الأنابيب، ومحدودية البنية التحتية للتصدير، حتى أن بعض حقول الغاز، كتلك الموجودة في تنجيز Tengiz وأوريتاو Uritau وزانازول Zhanazhol ليس لديها أصلاً إمكانية الوصول إلى أيٍ من هذه الخطوط. ولذلك، تستهلك كازاخستان الكثير من الغاز الطبيعي المنتج محليًا. بل، ونتيجة لعدم وجود بنية أساسية مكتملة لنقل الغاز داخل البلاد، تستورد المناطق الواقعة في جنوب كازاخستان الغاز الطبيعي من أوزبكستان[3].

وتكشف إحصائيات الطاقة العالمية لشركة بريتيش بتروليوم البريطانية في يونيو 2019 م، أن صادرات كازاخستان من الغاز الطبيعي بلغت في العام الماضي حوالي 25,6 مليار متر مكعب (19,9 إلى روسيا و5,4 إلى الصين). بينما وصلت واردات كازاخستان من الغاز الطبيعي إلى حوالي 6.6 مليار متر مكعب (4,2 من روسيا و2,4 من أوزبكستان).

وتمر البنية التحتية لصادرات كازاخستان من النفط والغاز الطبيعي عبر روسيا إلى البحر الأسود، وعبر أذربيجان وتركيا إلى البحر المتوسط، ومن خلال خط أنابيب إلى الصين. وفي السنوات الأخيرة، بدأت كازاخستان في التقليل من اعتمادها على روسيا لتصدير النفط، وذلك من خلال استخدام ناقلات النفط في بحر قزوين. كما تتعاون كازاخستان مع إيران من خلال مقايضة شحنات النفط في ميناء نيكا الإيراني.

3-أوزبكستان

وفقًا لإحصائيات شركة بريتيش بتروليوم في شهر يونيو 2019م، تقدر احتياطات النفط المؤكدة في أوزبكستان بحوالي 600 مليون برميل. وبلغ الإنتاج اليومي من النفط 64 ألف برميل في عام 2018م. وتوجد ثلاث مصافٍ رئيسية لتكرير النفط في أوزبكستان تقع في بخارى، وألتي أريك، وفيرجانا، بطاقة 224 ألف برميل / يوم. إلا أن هذه المصافي تعمل بأقل من طاقتها بسبب تراجع إنتاج النفط في البلاد. ويوجد حوالي 60٪ من حقول النفط والغاز الطبيعي الكبرى في أوزبكستان في منطقة بخارى خيفا، والتي تعتبر مصدرًا لما يقرب من 70 ٪ من إنتاج البلاد النفطي.

وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في أوزبكستان 1,2 تريليون متر مكعب. وقد بلغ الإنتاج في عام 2018 م، حوالي 56,6 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل 1,5٪ من إجمالي الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي. وقد قامت أوزبكستان بتصدير 14 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2018م، (عن طريق الأنابيب). وقد ذهبت معظم هذه الصادرات إلى الصين (6,3) وروسيا (5,3) وكازاخستان (2,4). كما تعد أوزبكستان دولة عبور للغاز الطبيعي العابر من تركمانستان إلى روسيا والصين. وقد اتفقت أوزبكستان مع الصين، في عام 2013م، على تصدير 350 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا عبر خط أنابيب وسط آسيا – الصين Central Asia-China gas pipeline.

ويسيطر على قطاع النفط والغاز في أوزبكستان شركة أوزبكنفتجاز NKHK Uzbekneftegaz، والتي تأسست في عام 1998 للقيام بأعمال مختلفة مثل الاستخراج وأعمال البناء وتوزيع المنتجات النفطية وتشغيل خطوط الأنابيب ومصافي النفط والتجارة والخدمات. وتعد الشركة الصينية الوطنية للبترول CNPC وشركتي لوك أويل وجازبروم الروسيتين من أكبر الشركات المستثمرة في قطاع النفط والغاز في أوزبكستان.

وفي عام 2016م، بدأت شركتا لوك اويك الروسية واوزبكنفتجاز الكازاخية في بناء مجمع كانديم لمعالجة الغاز Kandym Gas Processing Complex (KGPC) في مقاطعة بخارى بجنوب غرب أوزبكستان، وذلك من أجل معالجة أكثر من 280 مليار قدم مكعب من الغاز سنويا، مما سوف يجعله أحد أكبر منشآت معالجة الغاز في دول آسيا الوسطى.

 

ثانيًا: علاقات الطاقة الراهنة بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى

1-تركمانستان

تدعم المملكة العربية السعودية، وفقًا لعقد مبرم في عام 2016م، خط أنابيب الغاز القادم من تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند (تابي) (TAPI)، والذي تم الانتهاء من الجزء الخاص بتركمانستان في العام الماضي. ويعد الاستثمار السعودي في هذا المشروع أحد التحركات المهمة من جانب الرياض لمواجهة نفوذ إيران في باكستان والمنطقة المحيطة بها، لأن هذا الخط سوف يمد إسلام أباد بالغاز التركماني وبالتالي تقل حاجتها إلى التعاون مع طهران في مجال الغاز الطبيعي، حسبما يؤكد كثير من المراقبين. ومن ناحية ثانية، يعد تبادل الخبرات مع شركة أرامكو السعودية في إنشاء مشاريع الأنابيب الكبرى أحد مجالات التعاون التي طرحتها المملكة على تركمانستان. ومن جهتها، طلبت تركمانستان بشكل محدد من السعودية الاستثمار في مجال التنقيب عن النفط والغاز من جانب، بالإضافة إلى الدخول في مجالات مصافي التكرير والصناعات البتروكيماوية من جانب آخر.

ومن جهة أخرى، استثمرت الإمارات العربية المتحدة في قطاع الغاز التركماني، الذي تسيطر عليه الدولة بشكل كبير. حيث تعمل شركة دراجون أويل الإماراتية هناك منذ 2005[4]. وإلى جانب كون هذه الشركة من أكبر المستثمرين الأجانب في تركمانستان، فإنها المنتج الأجنبي الوحيد المسموح له بتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية. وقد استثمرت الشركة، خلال الثمانية عشرة سنة الماضية، أكثر من 6.6 مليار دولار في تطوير الحقول البحرية التركمانية، وأعلنت نيتها تمديد العقد الذي ينتهي في عام 2025 م، وقدمت عددًا من المقترحات في هذا الصدد.

2-كازاخستان

رغم انها ليست عضوًا في منظمة "أوبك"، إلا أن كازاخستان شاركت بفاعلية في اتفاق خفض الإنتاج أواخر عام 2017م، بين روسيا ومنظمة "أوبك". وفي ضوء هذا الاتفاق، الذي أنقذ أسعار النفط العالمية من الانهيار، تعهدت كازاخستان بخفض الإنتاج بواقع 20 ألف برميل يوميًا، مؤكدة استعدادها للمشاركة في أية اتفاقات جديدة من شأنها دعم الأسعار العالمية للنفط.

ومن جهة أخرى، قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات مالية لتدريب شركائها في كازاخستان في مجالات النفط والغاز والتنمية البشرية وبناء القدرات. وتدعيمًا لعلاقات التعاون في مجال الطاقة، قامت الرياض أيضًا بتمويل بناء مجلس الشيوخ الكازاخي فضلاً عن إنشاء طريق سريع ومستشفى للأطفال. كما توصلت المملكة مع كازاخستان إلى العديد من اتفاقات التعاون، والتي من بينها اتفاقية للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

ومن ناحيته، يدرس صندوق الثروة السيادية وصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية طرق الاستثمار في صناعة الطاقة في كازاخستان كجزء من استراتيجية استثمارية أوسع في آسيا الوسطى.

ومن جهة أخرى، وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل عشرة سنوات تقريبًا، اتفاقية للحصول على حصة 24.5% في حقل بحري كازاخي في بحر قزوين. وفي نوفمبر 2008، تم إطلاق صندوق الفلاح التابع لـشركة مبادلة الإماراتية في كازاخستان، حيث تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتمويل المشاريع في القطاعات ذات الأولوية مثل الطاقة وإنتاج الغذاء والبنية التحتية والموارد الطبيعية والعقارات. وقد شهد هذا الصندوق تصاعدًا جديدًا في نشاطه مؤخرًا لتعزيز وجود الإمارات في كازاخستان من خلال توفير تمويل إضافي للمشاريع التجارية والسكنية والبنية التحتية. ومن ناحية أخرى، تعتزم شركة بورياليس النمساوية، وهي وحدة تابعة لشركة مبادلة للتنمية (يمتلك الصندوق الإماراتي 64% من أسهم الشركة النمساوية) بناء منشأة بتروكيماويات رئيسية متكاملة مع جهاز تكسير الايثان، بالشراكة مع شركة كازاخستان الكيميائية المتحدة. والأهم من ذلك أنه قد تم توقيع اتفاقية منفصلة بين مبادلة وصندوق الثروة السيادية الكازاخي لهذا المشروع والذي من المقرر أن يتم تشغيله بحلول عام 2025م. وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر المضي قدمًا في خطط لإنشاء صندوق استثماري مشترك بين كازاخستان والإمارات العربية المتحدة بمبلغ إجمالي قدره 500 مليون دولار.

3-أوزبكستان

أنشأ صندوق أبو ظبي للتنمية (ادفد) صندوقًا مشتركًا للاستثمار الأجنبي المباشر في أوزبكستان بقيمة 1 مليار دولار في 3 أكتوبر 2018م، ووفقًا لصحيفة أرابيان بيزنس، خصص الصندوق 200 مليون دولار للتنقيب عن الغاز في منطقة بغرب أوزبكستان لغناها بالغاز. ومن ناحيتها، وقعت شركة مبادلة الإماراتية اتفاقيات استثمار بقيمة 10 مليارات دولار في أوزبكستان في عدة مجالات، من أبرزها: الطاقة والتصنيع والزراعة والبنية التحتية والتنمية. وبالإضافة إلى ذلك، تخطط هذه الشركة أيضًا لتأسيس شركة جديدة خاصة بها للاستثمار في قطاع توليد الكهرباء في أوزبكستان، بعد تحرير هذا القطاع من سيطرة الدولة. ومن جهة أخرى، اتفقت شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) العام الماضي مع شركة أوزبكنفتجاز، المملوكة للدولة، على التشاور الاستراتيجي بشأن إنتاج وتوزيع الغاز الطبيعي. كما تبحث أدنوك أيضًا الدخول والمشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة في أوزبكستان.

ثالثًا: مستقبل واعد للتعاون

كشف هذا المقال بوضوح عن عدد من إمكانات الطاقة الهائلة في جمهوريات آسيا الوسطى وأبرز ملامح العلاقات الحالية لهذه الجمهوريات مع دول الخليج العربي في مجال النفط والغاز. وفي هذا السياق، يمكن القول إنه توجد فرص هائلة للتعاون في مجال الطاقة بين الجانبين في المستقبل القريب، خاصة وأن هذه الجمهوريات تتمتع بموقع استراتيجي مهم وموارد هائلة من النفط والغاز الطبيعي. كما أن صانع القرار الخليجي بشكل عام، والسعودي بشكل خاص، لديه خبرات كبيرة في مجال الطاقة، مما يجعله قادرًا على اقتناص "الفرص المتاحة" بهذه الجمهوريات سواء في مشروعات خطوط أنابيب نقل النفط والغاز أو البتروكيماويات أو مصافي النفط.

وبالإضافة إلى تمويل هذه المشروعات، يمكن لدول الخليج العربي أن تزود جمهوريات آسيا الوسطى بخبراتها المختلفة في مجال التنويع الاقتصادي، خاصة وأن هذه الجمهوريات لم تحقق نجاحًا كبيرًا في تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط والغاز، في الوقت الذي تطبق فيه المملكة العربية السعودية حاليًا "رؤية المملكة 2030" الطموحة، كما تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على تنويع اقتصادها منذ سنوات.

ومع ذلك، لن يكون ميسورًا على دول الخليج العربي زيادة تعاونها من جمهوريات آسيا الوسطى في قطاع النفط والغاز في المدى المنظور، لوجود عدد من العقبات المهمة، لعل من أبرزها:

أولاً، استمرار النفوذ الروسي والصيني على غالبية أنشطة الإنتاج وخطوط أنابيب نقل النفط والغاز في آسيا الوسطى، مما يمثل تحديًا كبيرًا أمام دخول الشركات الخليجية.

وثانيًا، عدم حل الكثير من العوائق الرئيسية التي اعترضت، وما تزال، استثمارات شركات الطاقة العالمية في دول آسيا الوسطى، والتي من أهمها: النزاعات الإقليمية بين دول آسيا الوسطي، وبيئة الاستثمار غير المواتية، والتدخل الحكومي المفرط، وعدم اكتمال الإطار التشريعي للاستثمار، والفساد على مستوى الحكومة والنظام القضائي، وعدم تفعيل حقوق حماية الملكية، والافتقار إلى البنية التحتية للتصدير وتجارة الطاقة، وضعف حوكمة الشركات، واحتكار الحكومة لأعمال النفط والغاز والكهرباء.

ومن أجل التغلب على هذه العقبات، يجب إعادة النظر في منهج العمل المعتمد لدى الجانب الخليجي فيما يتعلق بهذه الجمهوريات. فهذا المنهج يحتاج إلى مراجعة وتعديل، سواء من حيث كثافة التفاعل مع قادة هذه الجمهوريات أو فيما يتعلق بتوفير الدعم المالي للمشروعات التي يمكنها تحقيق المنفعة المتبادلة للجانبين أو فيما يتعلق بإبراز الروابط التاريخية والدينية والثقافية التي تجمع الجانبين. فبدون مثل هذه المراجعة سوف يظل التعاون بين دول الخليج العربي وجمهوريات آسيا الوسطى مراوحًا مستواه الحالي، والذي يقل كثيرًا عن قواعد اللعب في ظل "اللعبة الكبرى الجديدة".

 

النفط -إجمالي الاحتياطات المؤكدة

الدولة

في نهاية عام 1998

في نهاية عام 2008

في نهاية عام 2017

في نهاية عام 2018

 

ألف مليون برميل

ألف مليون برميل

ألف مليون برميل

ألف مليون برميل

ألف مليون طن

النسبة إلى إجمالي العالم

نسبة الاحتياطي إلى الانتاج

كازاخستان  

5.4

30.0

30.0

30.0

3.9

1.7٪

42.7

تركمانستان  

0.5

0.6

0.6

0.6

0.1

--

7.4

اوزبكستان

0.6

0.6

0.6

0.6

0.1

--

25.4

BP Statistical Review of World Energy 2019, p.14

الغاز الطبيعي: إجمالي الاحتياطيات المؤكدة

الدولة

في نهاية عام 1998

في نهاية عام 2008

في نهاية عام 2017

في نهاية عام 2018

 

تريليون متر مكعب

تريليون متر مكعب

تريليون متر مكعب

تريليون متر مكعب

تريليون قدم مكعب

النسبة إلى إجمالي العالم

نسبة الاحتياطي إلى الانتاج

كازاخستان  

1.3

1.3

1.0

1.0

35.0

0.5٪

40.7

تركمانستان  

2.5

8.2

19.5

19.5

688.1

9.9٪

316.8

أوزبكستان

1.2

1.3

1.2

1.2

42.7

0.6٪

21.4

BP Statistical Review of World Energy 2019, p.30

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبير العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة ــ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ـ مصر

 

 

[1]يؤكد كثير من الخبراء على أن "التمركز" في آسيا الوسطى يتيح التحكم في إمدادات النفط والغاز والمعادن والموارد الزراعية إلى روسيا والصين وشبه القارة الهندية ودول الاتحاد الأوروبي وإيران. كما أن السيطرة على ممرات آسيا الوسطى تتيح السيطرة على الممرات البرية والجوية التي تربط بين شبه القارة الهندية وروسيا والصين، وغير ذلك من الطرق والممرات التي تتيح ضبط التفاعلات والعلاقات البينية التي تربط بين الأقاليم المحيطة بمنطقة آسيا الوسطى.

[2][2]اعترضت موسكو على بناء المشروع المقترح لخط الأنابيب العابر لبحر قزوين بسبب قلقها من فقدان السيطرة على صادرات تركمانستان من الغاز الطبيعي. وبالتزامن مع ذلك، خفضت شركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز تدريجيا مشترياتها من الغاز التركماني حتى عام 2016، ثم أوقفتها تماما. ونتيجة ذلك، تقلصت قدرة تركمانستان بشدة على نقل غازها الطبيعي إلى الغرب أو الشمال. وفي الجنوب، لم يكن حظ تركمانستان أفضل بكثير. فإيران، التي تعارض أيضا بناء خط الأنابيب العابر لبحر قزوين، متورطة في نزاع مع تركمانستان بسبب الغاز الطبيعي منذ نحو عامين. وقد بدأت المشكلة عام 2017، عندما توقفت تركمانستان عن إرسال الغاز الطبيعي إلى إيران، زاعمة أن طهران مدينة لشركة الطاقة المملوكة للدولة، "تركمان جاز"، بمبلغ 1.8 مليارات دولار. وقد بدأت إيران شكوى رسمية ضد تركمانستان في يناير 2017، ومنذ ذلك الحين، ذهبت القضية إلى التحكيم الدولي. وقد أدى فقدان عائدات تصدير الغاز، عبر روسيا وإيران، إلى انهيار الاقتصاد التركماني، ودخوله في أزمة كاملة، مع ارتفاع التضخم ونقص الغذاء.

[3]يرى عدد من المراقبين أن تطوير حقل غاز امانجيلدي Amangeldy، الواقع في جنوب كازاخستان والذي بدأ إنتاجه عام 2003. سيساعد على وقف استيراد الغاز من أوزبكستان.

[4]تمتلك حكومة دبي 54% من رأسمال الشركة عبر شركة بترول الإمارات الوطنية (اينوك) أما باقي الحصة فيملكها مستثمرون عالميون في الأسواق العالمية. وتحصل الشركة الإماراتية على نسبة 40% من عوائد الغاز المستخرج مقابل 60% لحكومة تركمانستان، وأهم الحقول التي تعمل فيها هي حقول لامبوازجانوف .

مقالات لنفس الكاتب