; logged out
الرئيسية / ميثاق الأمم المتحدة ينص على حق الدولة ضحية العدوان التصدي له بالقوة

العدد 142

ميثاق الأمم المتحدة ينص على حق الدولة ضحية العدوان التصدي له بالقوة

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

لا يعد الهجوم العسكري المباغت المسلح شديد الضراوة على المنشآت النفطية لشركة أرامكو السعودية فجر14/9/2019م، حادثًا منفصلاً بذاته، عن أشد الهجمات المسلحة ضراوة والتي طالت سيادة واستقلال وسلامة الوحدة الإقليمية لدول كبرى ذات سيادة تعرضت من قريب أو بعيد لمثل هكذا هجوم مسلح شديد جسيم في مداه وخطير في آثاره وتداعياته المختلفة ليس على الدولة المعتدى عليها وهي المملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا على الاقتصاد العالمي، وتحديدًا في مجال إمدادات النفط الاستراتيجية للعالم كافة.

وبالنظر إلى أن عديدًا من الدول التي تعرضت لمثل هذه الهجمات المسلحة العدوانية كانت قد لجأت – فورًا - للدفاع المسلح عن نفسها بوصفه مُكنة طبيعية، وملجأ ضروريًا للحفاظ على أمن الدولة وشعبها وإقليمها ونظامها السياسي. ولا يغيب عن البال، في معرض دراسة النموذج السعودي الأخير، الهجمات الإرهابية التي طالت أهدافًا مدنية محضة في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001م. وذلك نظرًا للجوء الولايات المتحدة إلى أفعال الدفاع عن النفس ضد الجماعات الإرهابية التي اقترفت هذه الهجمات، والتي أكدت من جانب آخر المملكة العربية السعودية أيضًا على حقها الطبيعي والمشروع في اللجوء للدفاع عن النفس وفقًا لأحكام القانون الدولي المستقرة.      

حق الدفاع عن النفس .. ماهيته وشروطه

بزغ ورسخ حق الدفاع عن النفس كحق طبيعي وشرعي في التشريعات والأنظمة الداخلية للدول، المواثيق الدولية وفي الصدارة من هذه المواثيق ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وبالنظر لأن الدول تعد الشخص الرئيسي للقانون الدولي، فقد تأصل ذلك الحق تأسيسًا على الحق الشرعي والطبيعي للأشخاص الطبيعية في كافة النظم الداخلية.

حق الدولة في البقاء

إن مفهوم الدفاع الشرعي مبعثه مسلمة بديهية وهي أن الحق في الحياة يعد حقًا أساسيًا غير معلق، بل يعد حق الحقوق الأساسية كافة للإنسان ويتبوأ سائر الحقوق.

ولا يتأسس حق الدولة في البقاء على العرف الدولي والمبادئ العامة للقانون الدولي وحسب، ولكن فضلا عن ذلك: القانون الطبيعي باعتبار أن ذلك الحق يعد من الحقوق الثابتة الأساسية المطلقة والضرورية للدول، ويمكن استخلاص الحقوق الأساسية للدول من شخصية الدولة ذاتها قبل دخول الدول أسرة الأمم وتدعي الاحتفاظ بهذه الحقوق عند دخولها طوعًا هذه الأسرة [1]

وحق وجود الدولة يعد الشرط الأساسي لجميع الحقوق الأخرى التي تدعيها الدولة، لأن عدم قدرة الدولة على البقاء والاستمرار سيؤدي إلى الانقراض لشخصية الدولة من أسرة الأمم، وكثيرًا ما أصرت الحكومات على هذا الحق ولكنها سمته في بعض الأحيان حق "الدفاع عن النفس وفي أحيان أخري حق "وقاية النفس"[2].

تستطيع الدولة أن تجند شبابها، وتعد العدة العسكرية للذود عن حياضها، لحماية نفسها من الاعتداءات الخارجية، وتعقد تحالفات دفاعية مع الدول الصديقة، وتشترك في منظمات عالمية وإقليمية لذلك الغرض[3].

فالشخصية القانونية الدولية هي التي تخول لها ممارسة حقوقها دون تدخل من أحد سواء في الشؤون الداخلية، فضلاً عن كل ما من شأنه أن ينعكس سلبًا على الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وزعزعة الأمن وزرع الفتن الطائفية والعرقية وتشجيع الحروب الأهلية، وما إلى ذلك.

فالدفاع عن النفس ليس حقًا للدولة تمارسه أو تتركه، بل حقًا لا يجوز التنازل عنه، ويعني هذا الحق أن للدولة مطلق الصلاحيات في المحافظة على وجودها.

حالة الدفاع عن النفس في ميثاق منظمة الأمم المتحدة:

تنص لمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأمم المتحدة) وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس- بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه».

تعكس هذه المادة استثناءً صريحًا على الحكم الوارد في المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تحظر على الدول اللجوء للقوة المسلحة من أجل تسوية نزاعاتها، وفي ذات الوقت تعترف المادة للدولة ضحية العدوان المسلح بحقها الطبيعي في التصدي لذلك العدوان وإيقافه بكافة الوسائل المتيسرة لهذه الدولة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، ويشار هنا إلى تأكيد الميثاق بكل وضوح على عدم جواز الانتقاص من ذلك الحق الطبيعي أو إضعافه أو التأثير عليه بأية صورة من الصور، ولاتزال الحالة الكويتية ماثلة في الأذهان، حين استند مجلس الأمن في قراره رقم 661 الصادر في 6 أغسطس عام 1990م، على حق دولة الكويت وجماعات الدول في الدفاع عن النفس ضد العدوان.

محددات الدفاع عن النفس

تقر كافة الأنظمة القانونية في العالم بحق الدول الطبيعي والشرعي في الدفاع عن نفسها، ولكن كافة هذه الأنظمة القانونية حددت الظروف والوسائل والأدوات التي من خلالها تستطيع الدول ممارسة ذلك الحق، ومن ثم سنتناول القيود القانونية على حق الدفاع عن النفس والتي تتقيد بها كافة الدول حين تلجأ لممارسة ذلك الحق.

القيود القانونية على ممارسة حق الدفاع عن النفس

ثانيًا: شروط حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي التقليدي:

ويمكننا الحديث عن طائفتين من الشروط فيما يتعلق بحق الدفاع الشرعي؛ شروط ينبغي توافرها في فعل الاعتداء، وشروط ينبغي أن تتوافر في فعل الدفاع.

أ-الشروط التي يجب أن تتوافر في الفعل المكون للاعتداء:

لكي يكون للدولة الحق في ممارسة الدفاع الشرعي يجب أن ينطوي الاعتداء الواقع عليها على خطر حال ذي مصدر غير مشروع عن طريق استخدام قوة مسلحة، وأن يكون من الضروري أن تلجأ الدولة للدفاع عن نفسها، وأن يكون العدوان ذاته من الشدة، وأن تخطر الدولة مجلس الأمن بالتدابير العسكرية التي اتخذتها لرد العدوان بعد إنفاذها لهذه التدابير، فضلاً عن التناسب بين فعل الدفاع عن النفس مع فعل العدوان ذاته.

أولاً التعرض لهجوم مسلح:

إن استلزام وقوع هجوم مسلح على الدولة الضحية التي تلجأ إلى الدفاع عن نفسها يشكل قاعدة عرفية تتعلق بممارسة حق الدفاع عن النفس، أكدته كل من المحكمة العسكرية الدولية لنورينمبرج، ومحكمة العدل الدولية في قضية نيكاراجوا، ففي القضية الأخيرة كان على المحكمة بشكل مبدئي أن تقرر أن نيكاراجوا قد شنت هجومًا مسلحًا على السلفادور، أو الهندوراس، أو كوستاريكا، وذلك باعتبار أن مثل هذا الهجوم فقط هو الذي يبرر الاحتجاج بحق الدفاع الجماعي عن النفس، وقد رأت المحكمة أن تقيم الأسلحة إلى المعارضة في دولة أخرى لا يشكل في حد ذاته في القانون الدولي العرفي هجومًا مسلحًا على تلك الدولة.  

فالمحكمة في قضية نيكاراجوا تبنت مفهومًا محددًا، وضيقًا للهجوم المسلح الذي يبرر استخدام القوة، واستبعدت بعض التصرفات – وإن كانت تشكل تعديًا على حقوق ومصالح أخرى للدول تتعلق بسيادتها وعدم التدخل في شؤونها-من مفهوم الهجوم المسلح. حيث رأت المحكمة أن الهجوم المسلح لا "يشكل مساعدة الثوار على شكل توفير الأسلحة والدعم المتعلق بالعتاد وغيره من أشكال الدعم".

ثانيًا أن يكون الخطر حالاً:

بدون هذا الشرط لا يتحقق الهدف من إباحة حق الدفاع الشرعي، وهو درء خطر عن الدولة المعتدى عليها لم يكن بوسع المنظمات الدولية صده عنها. ويأخذ الخطر الحال إحدى صورتين: أولاً: أن يكون الخطر وشيكاً أي لم يبدأ بعد لكنه على وشك الوقوع، وهذا يفترض أن تكون قد صدرت أفعال من المعتدي تجعل من وقوع الاعتداء على الفور أمرًا منتظرًا إذا ما سارت الأمور بطريقة طبيعية. إما إذا كان الخطر مستقبلاً، أي متوقعًا لكنه ليس وشيكًا فلا يقوم الحق في الدفاع الشرعي؛ إذ يكون بإمكان السلطات الدولية المختصة التدخل وحماية الطرف محل التهديد. والصورة الثانية هو أن يكون الاعتداء واقعًا بالفعل ولم ينته بعد، أما إذا انتهى فتنتفي عنه عندئذ صفة الحلول، ويكون الرد باستخدام القوة المسلحة من جانب المعتدى عليه انتقامًا محظورًا بمقتضى القانون الدولي.

وقد أثار هذا الشرط خلافًا بين الفقهاء حيث ذهب بعضهما إلى أنه يكفي لقيام حق الدفاع الشرعي وجود تهديد بهجوم وشيك، على حين يصر البعض الآخر على وجوب أن يقع الهجوم المسلح بالفعل كي يتحقق شرط الحلول ويقوم بالتالي الحق في الدفاع الشرعي.

ب-الشروط التي ينبغي توافرها في فعل الدفاع:

  • أولا شرط الضرورة:

يجب أن يكون الخطر المتطلب للدفاع عن النفس حالاً وداهمًا ولا توجد وسيلة لصده سوى باللجوء إلى القوة، فإذا لم يكن هذا الخطر حالاً ولا داهمًا أو وجدت وسيلة أخرى لصده كاللجوء إلى المنظمة الدولية أو أي من الوسائل السلمية، لا يكون للدفاع الشرعي محل، بل واعتبر استخدام القوة عدوانًا يباح الدفاع الشرعي ضده. كما يجب أن يوجه الدفاع الشرعي إلى الدولة مصدر العدوان.

وشرط الضرورة ليس شرطًا جامدًا، بل يعتمد على ظروف كل حالة على حدة، ومدى التقدم في تكنولوجيا الحرب، ولا يتوقف على الخطر الذي تتم مواجهته بالفعل فحسب، بل أيضًا حجم الخطر المتوقع. ويقع على الدولة الضحية التي تحتج بحقها في الدفاع عن النفس عبء إثبات أن استخدام القوة هو إجراء ضروري لحماية الدولة من أية أضرار أخرى.

  • ثانيًا شرط التناسب:

بادئ ذي بدء نستطيع أن نؤكد ما استقر عليه العرف الدولي والقانون الدولي التعاهدي، أن الدول لا يمكنها اللجوء إلى استخدام القوة من جانب واحد إلا للدفاع عن النفس، وذلك في حال تعرضها لهجوم مسلح، على أن يكون استخدام القوة بالقدر الضروري لصد الهجوم. وهذا يعني أن الدفاع عن النفس ليس مطلقًا بلا حدود، ولكن يتحدد ويتقيد هدف الدفاع عن النفس الأساسي في صد الهجمات المسلحة وضمان أمن الدولة مرحليًا. فالقوة الدفاعية المسلحة لا يمكن استخدامها إلا في صد الاعتداءات المسلحة التي تتجاوز درجة معينة من الضراوة، ولا يمكن –كما أسلفنا-اعتبار أي اعتداء دون ذلك الحد "اعتداءً مسلحًا"، ولا ينبغي مجابهته برد فعل اضطراري، ويقاس التناسب باختبار كمي عندما يُراد أن يتوافق رد الفعل من الخصائص الكمية للهجوم، ومنها حجم الفعل ونوعية الأسلحة المستخدمة، وحجم الضرر والدمار الحادثين. أما الاختبار النوعي للتناسب فهو لا يركز كثيرًا على التطابق والتماثل الخارجي بين الهجوم وبين الرد عليه، وإنما يسعى بدلا من ذلك إلى تقرير ما إذا كانت الوسائل المستخدمة مناسبة للهدف المنشود من الرد. وعلى ذلك؛ فإن الرد المتناسب هو الرد الضروري والملائم لصد الهجوم، والذي تتبعه آثار جانبية معقولة على المصالح والقيم التي ستتأثر بهذا الرد.

فالتناسب في إطار الدفاع عن النفس ليس معيارًا قياسيًا عمليًا ولكنه بدلا من ذلك مقياسًا عمليًا إلى درجات الحدة. ويتسق هذا الأسلوب في تناول التناسب مع فلسفة التحكم الاجتماعي في استخدام القوة من جانب واحد. ونظرًا لأن القوة المستخدمة من جانب واحد تمثل أداة خطرة فينبغي اللجوء إليها كملاذ أخير، أي أنه إذا ما أخفقت آليات الأمن الجماعي فإن الدول لن يتوفر لها أية آلية قسرية يمكن اللجوء إليها من أجل ضمان أمنها بصورة فعالة.

وتطبيقًا على المعيارين السابق الإشارة إليهما في مجال تقييم مشروعية الرد الإسرائيلي على الهجمات على الجبهة اللبنانية فقد اعتبر الرد الإسرائيلي غير متناسب حيث لا يحقق شرط التناسب المشار إليه من عدة وجوه: أولها حجم العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تجاوزت ما كان ضروريًا وكافيًا لصد الهجوم، وثاني تلك الاعتبارات هو ما تمخض عنه الرد الإسرائيلي من تدمير للبنية التحتية سواء العسكرية والمدنية والواقعة على بعد مئات الأميال من المنطقة التي تعرضت للهجوم، والتي لم يكن لها بالتالي أية صلة بالهدف الدفاعي لتلك العمليات، وثالثها التهديد الذي تعرض له المدنيون وما لحق بهم من أضرار، وعلى الرغم من أن تلك الطروحات في مجملها تستند إلى الجانب الكمي للرد فإنها لا ترمز إلى الحاجة إلى علاقة توافق كمي دقيق بين الهجوم والدفاع، بل تشير إلى الحاجة إلى معقولية ارتباط العمل الدفاعي بالهدف منه، وإلى ضرورة التوصل إلى هذا الهدف بدون التسبب في عواقب لا تتناسب مع ما يمكن اعتباره عادة الكلفة الاجتماعية للرد الدفاعي.

لقد أدانت ردود أفعال المجتمع الدولي الرد الإسرائيلي غير المتناسب والمفرط في استخدام القوة المسلحة مع مختلف الأحداث الفردية لحزب الله التي أدت إلى الرد الإسرائيلي، وبينت ردود أفعال المجتمع الدولي أن الردود العسكرية الإسرائيلية لم تتكافأ مع الاستراتيجية العدوانية لحزب الله، حيث ينبغي أن يتكافأ القوة العسكرية مع مدى الحاجة الماسة أي الضرورة الملحة لصد الهجوم الحادث، وليس مع الحاجة إلى مستوى الأمن اللازم بالنسبة للدولة التي تعرضت للهجوم، وحتى بإعمال "المنظور التراكمي" على الهجمات المسلحة المتواترة لحزب الله، والتسلل الهجومي لعناصره إلى داخل إسرائيل يمكن أن يترتب عليها رد واسع النطاق، تنطلق من مفهوم أن التناسب أداة ومقياس صممتا من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من القوة الضرورية لرد أي هجوم وتفادي التصعيد فضلاً عن كبح المدافع عن اللجوء إلى القوة المسلحة المفرطة.  

يتضمن حق الدفاع الشرعي في القانون العرفي افتراض تناسب القوة المستخدمة مع التهديد المواجه. ولقد جذبت الصيغة التي استخدمها Webster اهتمام الفقهاء لتأكيدها على أن الدفاع عن النفس يجب ألا يتضمن شيئاً غير معقول أو مبالغ فيه. وطالما كان الفعل تبرره ضرورة الدفاع الشرعي فينبغي له أن يتقيد بهذه الضرورة ولا يتخطى حدودها. وما فعلته صياغة Webster حقيقةً هو أنها تحدثت عن حق للدفاع عن النفس ذي تطبيق أضيق نطاقًا من كل من الحق في الحفاظ على النفس غير الواضح الحدود، والمفهوم السياسي الواسع للدفاع عن النفس كما نجده في الفكر والعمل الدوليين في القرن التاسع عشر

ويعني شرط التناسب، أن تكون الأفعال المتخذة دفاعًا عن النفس متناسبة مع الخطر القائم، وألا تتجاوز الحدود المعقولة، وأن تقتصر هذه الأفعال على دفع الخطر المباشر والحال. وفي بعض الأحيان حيث لا يتضح حجم الخطر المواجه، يمكن أن يتعادل رد الفعل مع الخطر الظني الناشئ عنه، ولو تجاوز ذلك حجم الهجوم الموجه فعلاً. كما يرى عدد قليل من الفقهاء أن مبدأ التناسب لا يحول بين من هو في وضع الدفاع عن النفس وبين إزالة مصدر الخطر الذي يواجهه، وليس فقط إزالة ذلك الخطر. بل يذهب Bowett إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن استخدام القوة يعد مشروعًا بوصفه إعمالاً لحق الدفاع عن النفس في حالة تهديد الاستقلال السياسي لدولة ما عن طريق العدوان أو الوسائل الاقتصادية.

إن التأكيد على شرط التناسب باعتباره ركنًا رئيسيًا يسبغ شرعية على الاجراءات العسكرية التي تتخذها الدولة للدفاع عن نفسها، من شأنه أن يساهم في منع التعسف في استخدام حق الدفاع عن النفس، ويضمن أن تكون ممارسته ضمن ضوابط معينة تمنع ذلك التعسف.

وبالنظر إلى أن لجوء الدولة للدفاع عن النفس مستخدمة القوة المسلحة يعد إجراءً استثنائيًا (استخدام القوة المسلحة)، ولكن تكون الدولة في هذه الحالة مقيدة بالمدى الضروري المناسب والمتناسب لرفع حالة الضرورة، وإعادة الوضع الطبيعي التي كانت عليه.

ثالثًا إبلاغ مجلس الأمن بالتدابير

آل واضعو ميثاق منظمة الأمم المتحدة أن يضعوا قيودًا تحد من إطلاق يد الدولة المعتدى عليها في ممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وهو التزامها بإبلاغ مجلس الأمن فورًا بالتدابير التي تقوم بها في سياق ممارسة حق الدفاع عن النفس. ويشكل هذا القيد نوعا من الرقابة والإشراف يرِدان على تصرفات الدول في مثل هذه الحالات، وذلك منعًا للتعسف والمبالغة في استخدام حق الدفاع عن النفس، ورغبة في عدم إطلاق يد الدول في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الحالات التي تدعي اللجوء إلى استخدام القوة. إلا أن هذا القيد لا يعني – بطبيعة الحال-اشتراط الحصول على الموافقة المسبقة من قبل مجلس الأمن لممارسة حق الدفاع عن النفس، ولكنه يهدف إلى إخضاع التدابير التي يتم اتخذاها من قبل الدولة التي تلجأ إلى ممارسة ذلك الحق لإشراف المجلس.

 

[1] جيرهارد فان غلان، القانون بين الأمم، مدخل إلي القانون الدولي العام، الجزء الأول، دار الجيل، بيروت، ص 137

[2] المرجع السابق، ص139.

[3] الدكتور محمد المجذوب، القانون الدولي العام، الطبعة السادسة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007، ص 286.

مجلة آراء حول الخليج