; logged out
الرئيسية / تجربة اتحاد المغرب العربي: تصادم الإرادات والحلم والمحصلة والآفاق

العدد 143

تجربة اتحاد المغرب العربي: تصادم الإرادات والحلم والمحصلة والآفاق

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

مثلت تجربة المشروع التكاملي والاندماجي لاتحاد المغرب العربي استمرارية لحلم مشاريع الوحدة العربية الذي تكرست بإنشاء الجامعة العربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع إعلان استقلال الدول المغاربية في مطلع الستينيات من القرن العشرين حلم الآباء المؤسسون بمشروع وحدوي مغاربي، في قمة وزراء الاقتصاد المنعقد بطنجة في سنة 1964م، بطرح مشروع تكاملي أكثر برغماتية، من خلال وضع مجموعة من الصيغ والخيارات لمستقبل الاندماج المغاربي التي تعتمد على المقاربة الاقتصادية، التي وضعتها اللجنة الاستشارية المغاربية الدائمة في سنة 1967م، حيث تمحور المشروع التكاملي المغاربي بين خيار الحد الأعلى، بأن توقع الدول المغاربية اتفاقية الاتحاد المغاربي وفق نموذج اتفاق روما، بتحديد آجال زمنية من أجل رفع القيود الجمركية والحواجز الجبائية وإنشاء سياسات اقتصادية ونقدية، مع إحداث مؤسسات مشتركة تتمتع بسلطات اتخاذ القرارات. بينما كان التصور في خيار الحد الأدنى، أن ينشأ اتحاد اقتصادي تدريجي بالتزامات قانونية تخضع للمفاوضات البينية حول خفض التعريفات الجمركية والمشاريع الصناعية المشتركة وفق رزنامة زمنية متفق عليها بين دول الأطراف.

تجسدت هذه الخيارات فيما بعد في القمة المغاربية بزرالدة (الجزائر) سنة 1988م، حيث اجتمع قادة الدول المغاربية الخمسة، تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب وموريتانيا، ليعلنوا عن إنشاء مشروع اتحاد المغرب العربي، تبنت قمة مراكش (المغرب) في 19 فبراير  1989م، معاهدة الاتحاد المغاربي، التي جاء في ديباجيتها بأن القادة الموقعين على المعاهدة " وإيمانًا منهم بما يجمع شعوب المغرب العربي من أواصر متينة قوامها الاشتراك في الدين والتاريخ واللغة، واستجابة لما لهذه الشعوب وقادتها من تطلع عميق ثابت إلى إقامة اتحاد بينها لتسير تدريجيًا نحو تحقيق اندماج أشمل فيما بينها"، فالاندماج كان وفق خيار الحد الأدنى التدريجي، حددته الأهداف في نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل التدريجي على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بينها. وقد حددت المادة الثالثة من المعاهدة على أن السياسة المشتركة تهدف في الميدان الدولي إلى تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة التعاون الدولي، وفي الميدان الاقتصادي تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية وإنشاء مشروعات مشتركة، أما في الميدان الثقافي فإنها تسعى إلى إقامة تعاون في تنمية التعليم والحفاظ على القيم الإسلامية وصيانة الهوية القومية العربية، بإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية وتبادل الأساتذة والطلبة.

نصت معاهدة الاتحاد المغاربي على إنشاء مؤسسات وهياكل، سلطة اتخاذ القرار فيها تعود لمجلس الرئاسة، الذي يتألف من رؤساء الدول الأعضاء الذين يصدرون القرارات بإجماع أعضائه، ويعقد دوراته العادية مرة كل سنة، وله أن يعقد دورات استثنائية كلما دعت الحاجة لذلك. كما يتشكل الاتحاد المغاربي من مجلس وزراء الخارجية، وظيفته الأساسية تحضير دورات مجلس الرئاسة ويبث في الأعمال التي تعرضها عليه لجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة. كما نصت المعاهدة على إنشاء مجلس للشورى، يتكون من عشرين عضوًا عن كل دولة، من مهامه إبداء الرأي فيما يحيله عليه مجلس الرئاسة من مشاريع قرارات، ويحق له أن يقدم التوصيات التي يراها مناسبة إلى مجلس الرئاسة، في كل القضايا التي تخدم أهداف الاتحاد وتقوية العمل المغاربي المشترك.

بعد ثلاثين سنة من إنشاء الاتحاد المغاربي (1989-2019م) وقعت الدول الأعضاء37 اتفاقية حاولت من خلالها دول الاتحاد البناء التدريجي لمنطقة التبادل الحر ووحدة جمركية وتقليص الحواجز التجارية التمييزية، لدفع النشاط التكاملي للجان الأربع المتخصصة في ميادين، الأمن الغذائي، الاقتصاد والمالية، البنية الأساسية وميدان الموارد البشرية.

دوافع إنشاء الاتحاد المغاربي

ساهمت عدة عوامل مرتبطة بالبيئة الداخلية والإقليمية والدولية في إنشاء اتحاد دول المغرب العربي، فعلى المستوى الداخلي، شكلت حالة تطبيع العلاقات الجزائرية- المغربية، اللتان تشكلان دولتا القلب في المنطقة، الدافع الأساسي للتعجيل ببناء هذا التكتل في قمة زرالدة 1988م، بعد قطيعة دبلوماسية وسياسية استمرت أكثر من عقدين من الزمن بسبب قضية النزاع الحدودي بعد حرب الرمال في سنتي 1963م، والصدام المسلح بين البلدين في 1975م، وقضية الصحراء الغربية حيث تتصادم الإرادتان الجزائرية والمغربية حول طبيعة النزاع وأبعاده السياسية والجيوسياسية، وهو الموضوع الذي لا يزال يشكل التحدي الأمني والسياسي في المنطقة في غياب الحل النهائي الذي لا يزال يؤثر سلبًا على المسار المغاربي. كما شكلت التحديات الاقتصادية والتنموية لبلدان المغرب العربي دافعًا موضوعيًا للبحث الجماعي عن تجاوز مشاكل الديون الخارجية، التبعية الاقتصادية لأوروبا، تصاعد البطالة لدى فئة الشباب وحاملي الشهادات الجامعية، تهديدات بيئية مشتركة مثل التصحر، ونقص الموارد المائية، أدت هذه المشاكل إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية داخلية لاسيما في البلدان الأربعة، الجزائر، المغرب، تونس وموريتانيا.

 أما على المستوى الإقليمي، فإن التوجهات العربية في منطقة الخليج والمشرق العربي نحو بناء التكتلات الإقليمية أغرت الدول المغاربية بمحاكاة تجربة مجلس التعاون الخليجي الذي تشكل في 1981م، ومجلس التعاون العربي الذي تأسس في سنة 1989م، وتكون من أربع دول، مصر، الأردن، العراق واليمن، وتقريبًا نفس المبادئ والأهداف التي تبنتها دول المجلسين كرستها الدول المغاربية، من حيث الدعوة لتعزيز العمل العربي المشترك ومواجهة تهديدات الأمن القومي العربي ومخاطر السياسات التوسعية لإسرائيل وإيران، إدراكا لطبيعة وخلفيات الحروب العربية- الإسرائيلية المتتالية والحرب العراقية- الإيرانية وما حمله المشروع الإيراني من إيديولوجية توسعية باسم تصدير الثورة للمحيط العربي المباشر.

أما على المستوى الدولي، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي وما خلفه من تحولات سياسية جذرية ومتسارعة من خلال إعادة الخريطة الجيوسياسية العالمية، بتفكك الإمبراطورية السوفياتية إلى مجموعة من الدول، الانهيار الدرامي للكتلة الاشتراكية، التفكك الدموي ليوغسلافيا المحسوبة على دول عدم الانحياز، تصاعد صدام الهويات والأقليات، كلها شكلت هواجس أمنية لدى التكتلات العربية دفعها لوضع استراتيجيات للأمن الإقليمي لمواجهة التفكك من جهة، وللتكيف مع الاتجاه التكاملي القاري حيث المشروع الأوروبي الوحدوي عزل دول المغرب العربي وأضعف من قدراتها التنافسية خصوصًا وأنها تعتمد في معظم تبادلاتها التجارية على السوق الأوروبية مقابل تصدير الموارد الأولية، النفط، الغاز والفوسفات بشكل أساسي، إضافة للمشاريع التكاملية الآسيوية وتجربة التنينات في جنوب شرقي آسيا ( تايوان، كوريا الجنوبية، سنغافورة وهونغ كونج ) والنمور الآسيوية (اندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، تايلاند) التي عرفت إقلاعًا تنمويا بفضل الإرادات الوطنية رغم شح الموارد الطبيعية إلا أنها استثمرت في الموارد البشرية وحققت تفوقًا صناعيًا وتكنولوجيًا، وتجاوزت بذلك التحديات الاجتماعية من فقر وبطالة.

ساهمت كل هذه العوامل الداخلية، الإقليمية والدولية المتضافرة في دفع الإرادات الوطنية المغاربية نحو تشكيل اتحاد المغرب العربي، رغبة في تعزيز التعاون والتكامل من خلال وضع مشاريع وإنجازات ملموسة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كان هذا هو الهدف في معاهدة الاتحاد المغاربي، فأين وصل هذا الحلم في الواقع؟ وما هي المعوقات التي يواجهها؟

الاتحاد المغاربي: معوقات العمل المغاربي المشترك.

اصطدم هذا الحلم المغاربي بمجموعة من المعوقات، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية. على المستوى السياسي، لم تجتمع الدول المغاربية على مستوى مجلس الرئاسة منذ سنة 1994م، وهو أعلى سلطة لاتخاذ كل القرارات التكاملية الاستراتيجية، بالرغم من أن المعاهدة تنص على أن الاجتماعات على مستوى القمة تكون بصفة دورية كل سنة، وكان أحد الأسباب المباشرة لهذا الجمود، عودة النزاع بين الجزائر والمغرب حول قضية الإرهاب فيما عرف بقضية الهجوم الإرهابي على فندق بمراكش واتهام المغرب للمخابرات الجزائرية بأنها كانت وراء الحدث، ومحاولة استخدام المغرب الجماعات الإسلامية المسلحة كورقة ضغط في دعم الجزائر لجبهة البوليزاريو، ومنذ تلك الفترة بقيت الحدود البرية مغلقة بين البلدين، مما أثر سلبا على بناء الثقة المغاربية، ولم تستطع دول الاتحاد الأخرى لعب أي وزن استراتيجي أو دبلوماسي لإعادة العلاقات بين دولتي القاطرة المغاربية لسكة المشروع المغاربي. إضافة إلى هذا النزاع الدائم بين دولتي القلب، فإن قضية لوكربي كانت اختبارًا آخرًا للعمل المغاربي المشترك، حيث عزلت ليبيا عن المجتمع الدولي بمجموعة من العقوبات الدولية بعد اتهام نظام القذافي بأنه كان وراء تفجير طائرة بان.ام الأمريكية في سماء لوكربي، يضاف إلى ذلك الأحلام الليبية في بناء مشاريع وحدوية خارج المنطقة المغاربية، فبعد فشل القذافي في المشروع العربي القومي وتقمص شخصية عبد الناصر باعتباره الأمين على القومية العربية، أدار ظهره للعمل العربي المشترك واتجه نحو إفريقيا بتكريس جهوده المالية في تجمع الساحل- الصحراء وانتهى به الأمر ليبايع نفسه ملك ملوك إفريقيا.

أما المعوقات السياسية الراهنة التي جمدت العمل المغاربي المشترك، فتمثلت في تحديات التحول الديمقراطي، حيث شكلت تونس النموذج المغاربي والعربي لموجة الربيع العربي، بسقف عالٍ من التفاؤل المفرط بعد ثورة الياسمين، من أجل القضاء على الاستبداد السياسي والفساد المالي، أغرى هذا النموذج شعوب دول الجوار لركب هذه الموجة الديمقراطية، فكانت التجربة المأساوية والدموية في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، ولم تستطع النخب السياسية الجديدة في ليبيا لغاية اللحظة الراهنة التوافق على مشروع بناء الدولة الوطنية، وأضحت منطقة للصراعات الإقليمية والدولية، حيث أثر الوضع الداخلي في ليبيا على دول الجوار لاسيما الدول المجاورة تونس والجزائر غربًا ومصر شرقًا، مما جعل هذه الدول الثلاثة تنشأ آلية ثلاثية للتنسيق والتشاور الأمني والسياسي قصد دفع العملية السياسية في الداخل الليبي لبناء التوافق حول مشروع بناء مؤسسات الدولة المفتتة، أمنيًا، سياسيًا، جغرافيًا وماليًا.

وفي إطار تحديات التحول الديمقراطي، حاولت كل من الجزائر والمغرب التكيف مع موجة الاحتجاجات الشعبية، بإدخال مجموعة من الإصلاحات السياسية والدستورية، ومحاولة كسب الرضا الاجتماعي بحزمة من الإجراءات الاجتماعية والمالية، بالتركيز على توزيع السكنات ومنح القروض الميسرة إلى فئة الشباب، إلا أن هذه المسكنات الاجتماعية لم تستطع وقف موجات الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، في منطقة الريف بالمغرب أو ما يسمى بثورة الابتسامة في الجزائر التي عجلت برحيل نظام بوتفليقة ومشروع العهدة الخامسة، والمنطقة تترقب هذه التجربة ومستقبل مخرجاتها السياسية والدستورية لانتقال السلطة بعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 12 ديسمبر 2019م، لأن تجربة التحول الديمقراطي في الجزائر كانت مريرة ودموية، لم ينته مسارها بعد نحو الرسوخ الديمقراطي، منذ أن انتقلت من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية سنة 1989م، وهو التاريخ الذي تزامن مع إنشاء اتحاد المغرب العربي.

إلى جانب الجزائر، فإن الربيع العربي في تونس لم يكن كله ياسمين، فالحلم بالقضاء على الاستبداد والفساد المالي اصطدم بتجربة سياسية رغم حداثتها بالكثير من الأشواك، فلم تستطع الحكومات المتعاقبة من معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد التماسك الوطني، حيث ارتفعت نسبة البطالة وزاد الشعور بالإحباط لدى المناطق الجنوبية التي انطلقت منها الثورة الاجتماعية، وانعكست هذه الاحباطات في تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019م، في الدور الأول إلى 49 بالمائة، أما في التشريعيات التي جرت في 6 أكتوبر 2019م، فإن 60 بالمائة من الكتلة الناخبة عزفت عن التصويت، مع اللجوء للتصويت العقابي ضد الشخصيات والأحزاب التي شاركت في الحكومات السابقة ، لاسيما حزبي نداء تونس والنهضة.

أما في موريتانيا، فإن الوضع السياسي لم يكن في أفضل الحالات، فرغم الانتخابات الرئاسية التي شهدت التداول على السلطة بين الرئيسين ولد عبد العزيز وولد الغزواني، فإن المعارضة اعتبرتها لعبة الكراسي الموسيقية على طريقة بوتين- ميدفيدف، وأن الجيش هو الذي لا يزال يتحكم في العملية السياسية، كما أن موريتانيا، في مجالها الجغرافي والسياسي، تجد نفسها أقرب إلى المشاريع المرتبطة بغرب إفريقيا عن مشروع المغرب العربي في شمال إفريقيا الذي جمدته الأنانيات الضيقة، فرغم انسحابها من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا ( الايكواس) فإن مشاريعها التجارية والاقتصادية مرتبطة بهذا القضاء التكاملي المتحرك التي تطمح أن تندمج فيه، وارتبطت أمنيًا بالمشروع الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، عسكريًا بالتواجد الفرنسي من خلال العمليات العسكرية لبرخان، والانتماء لمجموعة الساحل الخمسة التي تبحث عن تمويل خارجي من أجل مكافحة الإرهاب بعد التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي.

أما المعوقات على المستوى الاقتصادي، فإن الدول المغاربية بعد ثلاثة عقود من معاهدة الاتحاد عمقت من تبعيتها الاقتصادية والمالية لأوروبا، حيث اندمجت الدول الثلاثة المركزية المغرب، الجزائر و تونس في شراكة مع الاتحاد الأوروبي، من خلال التوقيع على اتفاقيات للتعاون المالي والتجاري والسياسي والاجتماعي، كل دولة على حدة، في الوقت الذي تفاوضت أوروبا ككتلة واحدة، دفاعًا عن مصالحها الاستراتيجية، والنتيجة بعد دخول اتفاقيات الشراكة حيز التنفيذ، أظهرت المزيد من التبعية الاقتصادية والمالية، حيث تتراوح نسبة التبادلات التجارية بين الدول المغاربية والاتحاد الأوروبي ما بين 55 و 65 بالمائة بينما لا تتعدى التجارة البينة بين الدول المغاربية في أحسن الأحوال 3 بالمائة من إجمالي تبادلاتها التجارية، وهي من أضعف النسب مقارنة بالتكتلات الإقليمية الإفريقية حيث تصل إلى 10 بالمائة بين بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا و 19 بالمائة بالنسبة لمجموعة التنمية لجنوب إفريقيا.يقابل هذه التبعية التجارية لأوروبا ضعف الاستثمارات الأوروبية في منطقة المغرب العربي بحيث لا تمثل نسبة الاستثمارات إلا 2 بالمائة من إجمالي الاستثمارات الأوروبية في العالم.

وفيما يخص التفاوت الاجتماعي، فإن الدول المغاربية غير متجانسة فيما يخص الدخل الفردي، متوسط دخل الفرد في موريتانيا 3589 دولار للفرد، المغرب 8217 دولار للفرد، الجزائر 15275 دولارًا، تونس 11911 دولارًا، ليبيا 17882 دولار، ويصاحب هذا التفاوت في الثروة بين الدول المغاربية تصاعد نسبة الفقر بسبب انعدام التوازن التنموي الجهوي بين المناطق داخل الدولة الواحدة، وتتراوح نسبة البطالة 16 بالمائة من الفئة النشطة في كل من تونس وليبيا و12 بالمائة في الجزائر و10 بالمائة في المغرب.

بالرغم من هذه المعوقات السياسية، الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فإن تقديرات البنك تقدم تنبؤات أفضل في حالة الإسراع نحو بناء حلم الاندماج المغاربي، بحيث ستستفيد هذه الدول بنسبة نمو إضافية تتراوح ما بين 3 إلى 4 بالمائة من الإنتاج المحلي الخام سنويًا، تكون فوائده كبيرة على إنشاء مناصب الشغل والتقليل من نسبة البطالة وتجاوز معضلة الفقر.

أي مستقبل للاتحاد المغاربي..؟

إن حلم بناء المغرب العربي مرهون بمجموعة من السيناريوهات المثالية والواقعية في الوقت ذاته، فإذا نظرنا إلى الواقع الراهن، بحساب المتغيرات السياسية، الداخلية والإقليمية والدولية، فإن السيناريو الاتجاهي الخطي هو الذي سيفرض نفسه على المدى القريب، بتكريس نفس البيئة الممتدة ما بين 1994 – 2019م، حيث تستمر حالة الجمود على مستوى الإرادة السياسية، بتعطيل عمل مجلس الرئاسة الذي لم يجتمع منذ ما يقارب الثلاثة عقود، وتستمر معها حالة الانتكاسة الديمقراطية في البلدان المغاربية بين حالة انهيار الدولة في ليبيا واستمرار النزاع الداخلي حول السلطة على الأقل في المدى الزمني المتوسط، وحالة الإحباط الاجتماعي من التفاؤل المفرط في رهانات ثورة الياسمين في تونس، وهشاشة الانتقال الديمقراطي في الجزائر بسبب العزوف الانتخابي و البحث عن البدائل في الشارع وضمن تفاعلات العالم الافتراضي الذي شكلته وسائل التواصل الاجتماعي، ونفس الاتجاه في المغرب وموريتانيا حيث الاحتجاجات السياسية والاجتماعية المناهضة للسياسات الحكومية التي عجزت عن إيجاد البدائل المغرية لحالات الفقر، البطالة، الديون الخارجية.
أما إذا أخذنا بالمتغيرات الإيجابية الأكثر مثالية، فإن التركيز على البيئة الإقليمية لدول المغرب العربي في بعدها الاقتصادي التكاملي، نجد بأن المشروعين العربي والإفريقي لمنطقة التبادل الحر قد انخرطت فيه بعض الدول المغاربية، وهناك بعض الإرادات الاقتصادية لاسيما في المجالات الفنية الداعمة لبناء التكامل على غرار توقيع 14 دولة عربية ومن ضمنها الجزائر، المغرب وليبيا على مذكرة تفاهم للربط الكهربائي العربي من خلال إقامة سوق عربية مشتركة للكهرباء، وهذه المجالات الفنية في ميادين الاتصالات، والبنية التحتية هي العوامل البرغماتية التي تسهل من تجاوز الخلافات السياسية والحدودية، على الأقل محاكاة للنموذج الأوروبي الذي انطلق من اتحاد الحديد و الفولاذ، خصوصًا وأن الدول المغاربية الفاعلة الجزائر، المغرب وتونس، قد دخلت في التطبيق التنفيذي للمنطقة العربية للتبادل الحر الذي تم تبنيه في سنة 1997م، ووقعت هذه الدول على اتفاقية تيسير وتنمية المبادلات التجارية بين الدول العربية، بمشروع وحدوي على مدى 10 سنوات، حيث يتم التقليص التدريجي للحقوق الجمركية بنسبة 10 بالمائة سنويًا. كما أن بعض المشاريع المغاربية المطروحة في الميدان، تعطي التفاؤل بمستقبل أفضل لبلدان المنطقة على غرار مشروع السكة الحديدية الذي يربط ثلاث دول من تونس إلى الدار البيضاء في المغرب مرورًا بالجزائر، بكلفة تقديرية تصل إلى 4 مليارات دولار، أو مشروع الطريق السيار الذي يربط الدول الخمس من نواكشوط إلى طرابلس الذي لا يزال متعطلاً رغم أن التقديرات الأولية كانت تشير إلى تاريخ إنجازه سنة 2010، لكن يبقى مشروعًا حيويًا واستراتيجيًا، قد يعزز من الدفع نحو التفاعل الاجتماعي والاقتصادي الايجابي متجاوزا المعوقات السياسية.

وختامًا، يبقى حلم بناء المغرب العربي قائمًا ونكرر هذا الحلم بقراءة مقطع من النشيد الرسمي للاتحاد الذي وضعه الشاعر الجزائري الراحل محمد الأخضر السائحي، ولحنه الموسيقي التونسي سمير العقربي:

نضع الأيدي على الأيدي نسير   جمع الأوطان ماض ومصير        

ومارام واحد نطلبه              هو هذا المغرب الحر الكبير        

                       مغرب نسبته للعرب          

فاحرصوا العزة فيه والإباء        واجعلوا القوة فيه مطلبا      

وازرعوا الإخلاص في كل القلوب   ليس الإخلاص يعلي الرتبا    

                   وهو سر النصر سر الغلب

مجلة آراء حول الخليج