; logged out
الرئيسية / الاستراتيجية الجديدة للناتو: للإسهام في ضمان أمن الطاقة وحماية البنى التحتية

العدد 143

الاستراتيجية الجديدة للناتو: للإسهام في ضمان أمن الطاقة وحماية البنى التحتية

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

على الرغم من أن حلف شمال الأطلسي " الناتو" الذي تم تأسيسه في عام 1949م، بموجب معاهدة واشنطن بين اثنتي عشرة دولة وهي دول غرب أوروبا لتصل في الوقت الراهن إلى 29 بعد ضم أعضاء جدد لعضوية الحلف يعد تنظيم دفاعي إقليمي من حيث الهوية وفقاً للفصل الثامن من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي أتاح تأسيس تنظيمات إقليمية تنهض بدور ما في حفظ السلم والأمن الدوليين بما يتناسب مع مبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها، ومن حيث الهدف حيث أن الحلف تم تأسيسه وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والتي منحت الدول فرادى أو جماعات حق الدفاع الشرعيعن النفس، على الرغم من ذلك فإن عمل الحلف قد تجاوز النطاق الجغرافي لدوله الأعضاء، إلا أن ذلك لا يعني أنه قد أضحى "شرطي العالم" فللحلف أسس للتدخل في الأزمات الإقليمية خارج أراضيه ترتبط إما بحالة التوافق داخل الحلف أو وفقاً لطبيعة كل أزمة على حدة، ويثير ذلك أربعة تساؤلات رئيسية:

أولها: ما هو الأساس القانوني لنشأة حلف الناتو وتأثيره على تدخل الحلف في الأزمات خارج أراضي دوله الأعضاء؟

وثانيها: ما هي السوابق التاريخية لتدخل الحلف في الأزمات العربية وأسس ذلك التدخل؟

وثالثها: ما هو دور حلف الناتو تجاه الأزمات الإقليمية الراهنة؟

ورابعها:هل سيكون حلف الناتو طرفًا في حرب إقليمية محتملة؟

 

أولاً: الأساس القانوني لنشأة حلف الناتو وتأثيره على تدخل الحلف في الأزمات خارج أراضي دوله الأعضاء

أنشئ حلف شمال الأطلسي "الناتو" بموجب معاهدة واشنطن في الرابع من أبريل عام 1949م، بين اثنتي عشرة دولة "دول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية" ليزداد عدد الدول الأعضاء في الوقت الراهن إلى 29 دولة ، تلك المعاهدة التي تتضمن أربعة عشر مادة أهمها على الإطلاق المادة الخامسة والتي تنص على "توافق الأطراف على أن الهجوم المسلح على أي منها أو أكثر في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعد هجوم عليها جميعًا وبالتالي فإنها توافق في حال وقوع مثل هذا الهجوم على أن يساعد كل منها بموجب حق الدفاع عن النفس الذي تقره المادة الحادية والخمسون من ميثاق الأمم المتحدة ،الطرف أو الأطراف المهاجمة باتخاذ أي إجراء تراه ضروريًا على الفور على نحو منفرد أو بالتنسيق مع الأطراف الأخرى بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة أمن منطقة شمال الأطلسي والمحافظة عليه، وسيبلغ مجلس الأمن على الفور بأي هجوم مسلح كهذا وبكل التدابير المتخذة نتيجة ذلك ويوضع حد لهذه التدابير عندما يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية لاستعادة السلام والأمن الدوليين والمحافظة عليهما"، وربما يكون نص تلك المادة معروفًا للعديد من الدارسين والمهتمين بسياسات حلف الناتو إلا أنها تثير ملاحظات ثلاث:

الأولى: أن الحلف يجسد مفهوم الأمن الجماعي لعدة دول تقع في إقليم جغرافي واحد بما يعنيه ذلك أنه يعتبر جيش موحد لتلك الدول. والثانية: أن هناك ركيزة قانونية دولية لنشأة الحلف وهي مضامين الفصل الثامن من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي أتاح للدول تأسيس منظمات أمن إقليمي على غرار الحلف أو جامعة الدول العربية أو ما يمكن أن نسميه منظمات أمن دون الإقليمي" مجلس التعاون لدول الخليج العربية" كونه أنشئ بدوره وفقًا للمادة التاسعة من ميثاق جامعة الدول العربية والتي نصت على" لدول الجامعة العربية الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه هذا الميثاق أن تعقد فيما بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض، والمعاهدة والاتفاقات التي سبق أن عقدتها أو التي تعقدها فيما بعد دولة من دول الجامعة مع أي دولة أخرى لا تلزم ولا تقيد الأعضاء الآخرين".

والثالثة: أن الحلف كتنظيم إقليمي دفاعي يمكنه التحرك للدفاع عن أحد أو بعض دوله الأعضاء حال تعرضها للاعتداء إلا أن الأمر لم يترك على عواهنه وإنما يتعين أن يبلغ الحلف مجلس الأمن وهو الجهة الدولية الوحيدة المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين بكافة الإجراءات التي اتخذها الحلف إلى أن ينهض المجلس بالمهمة ذاتها، إلا أنه بالنظر إلى أنه لا يوجد لدى المنظمة الأممية جيش دولي فإن الحلف دائمًا ما يضطلع بتلك المهمة استنادًا إلى قرارات أممية كما سيلي تفصيله لاحقًا، ففي رد على سؤال لأحد مسؤولي الحلف مفاده لماذا يتدخل الحلف في النزاعات الدولية ؟ قال "لأن الحلف لديه جيش عالمي أما المنظمة الأممية فلا جيش لديها".  

ومع أهمية تلك النصوص القانونية لجهة تفسير أسس نشأة الحلف وعلاقته بمنظمة الأمم المتحدة تجدر الإشارة إلى أمرين مهمين للغاية:

الأمر الأول: الخطأ الذي تقوم العديد من الكتابات بالترويج له من أن حلف الناتو قد أنشئ ضمن حقبة الحرب الباردة ردًا على حلف وارسو حيث أن الأخير أنشئ عام1955م، صحيح أن حلف الناتو كان الأداة الأساسية للمعسكر الغربي ضمن صراعه مع نظيره الشرقي إبان حقبة الحرب الباردة بيد أن نشأة حلف الناتو ذاته قبل وارسو بست سنوات وكان انعكاسًا للرغبة المشتركة لدول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية في إيجاد هوية أمنية مشتركة لتلك الدول.

الأمر الثاني: ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بسابقه وهو مع أن ميثاق الحلف كان-ولايزال- هو المحدد الأساسي لعمله إلا أن المرونة والتكيف كانتا السمتين الرئيسيتين لسياسات حلف الناتو والذي وجد ذاته أمام كم هائل من التساؤلات والانتقادات في أعقاب انتهاء الحرب الباردة حول جدوى استمراره مع أن نشأته لم تكن مرتبطة بها بالضرورة على نحو ما أسلفت إلا أن المتتبع لسياسات الحلف يلاحظ قدرته على التكيف مع نتائج حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة سواء من خلال سعي الحلف لتأسيس شراكات شملت 55 دولة من دول العالم، أو إصدار ما سمي "المفهوم الاستراتيجي الجديد" والذي يصدر كل عشر سنوات، صدر الأخير عام 2010م، وهو عبارة عن ميثاق أمني رفيع المستوى يخضع للدراسة والنقاش في جلسات مطولة سواء بين أعضاء الحلف أو مع الشركاء حول العالم ويتضمن تحديد أهم التحولات التي طرأت على التهديدات الأمنية التي تواجه دول الحلف والشركاء وكيفية مواجهتها وهو بهذا المعنى يتكامل مع الميثاق المنشئ للحلف ولا يتناقض معه بما يعطي الحلف مرونة وقدرة على التأقلم مع البيئة الأمنية العالمية سريعة التحول والتغير.

   ثانيًا: السوابق التاريخية لتدخل الحلف في الأزمات العربية وأسس ومحددات ذلك التدخل

على الرغم من وضوح ميثاق الحلف وخاصة المادة الخامسة منه التي جعلت تدخل الحلف قصرًا على رد عدوان يقع ضد دولة أو أكثر من دوله الأعضاء، فإن ذلك لم يكن بالضرورة هو مسار سياسات الحلف على أرض الواقع بما يعنيه ذلك من أنه من الخطأ وضع قاعدة عامة لحالات تدخل حلف الأطلسي في الأزمات التي تقع خارج أراضي دوله الأعضاء، وقبيل الخوض في تلك النقطة من الأهمية بمكان إيضاح شروط تدخل الحلف في الأزمات ويتمثل أولها:في ضرورة أن يكون هناك إجماع بين الدول الأعضاء بشأن ذلك التدخل حيث يتعين أن توافق كافة الأعضاء على أن أزمة ما تمثل تهديدًا للمصالح الجوهرية للحلف، وثانيها: أن يكون هناك قرار أممي كغطاء قانوني لذلك التدخل، صحيح أنه كانت هناك أزمات قد أثارت جدلاً بشأن مشروعية تدخل الحلف مثل أزمة كوسوفو، فخلال احتدام تلك الأزمة قالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك" أنه لا يمكن انتظار اتخاذ قرار من مجلس الأمن للتدخل، إن حلف شمال الأطلسي من شأنه أن يتمتع بصلاحيات حفظ الأمن والسلم الدوليين ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة قدر الإمكان" ، وثالثها: وهو ليس ضروريًا بدرجة كبيرة ولكنه يرتبط بإمكانية تقدم الدولة المعنية بطلب للحلف للتدخل وما يتطلبه ذلك من مناقشة القدرات المتاحة والمطلوبة لذلك التدخل.

فهل يعني ذلك أن تدخل الحلف ظل مرتهنًا بتلك الشروط؟ واقع الأمر أن حالة التدخل الأطلسي الأولى تجاه أزمات المنطقة العربية كانت خلال الأزمة الليبية عام 2011م، إلا أن ذلك لا يعني أن الحلف ظل بعيدًا عن مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي فقد لعبت القوى الكبرى في الحلف دورًا رئيسيًا في تأمين ناقلات النفط الخليجية إبان الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات فيما عرف "بتحالف الراغبين"، كما شاركت القوى الرئيسية في الحلف في حرب تحرير دولة الكويت عام 1991م، من الغزو العراقي، ولكن خلال هاتين الحالتين لم يتدخل الحلف كمنظمة، إذ كانت حالة التدخل الأولى بوصفه منظمة خلال الأزمة الليبية عام 2011م، والذي أرجعه مسؤولو الحلف لمرجعية قانونية دولية تمثلت في قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973م، بشأن الحالة الليبية وكان مضمونهما إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وحظر الأسلحة والسفر، وتجميد الأصول الليبية في الدول الغربية، وإقامة منطقة حظر طيران جوي في الأجواء الليبية، فضلاً عن قرار الجامعة العربية رقم 7298 بتاريخ 2 مارس 2011م، بشأن الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن التي تتعرض للقصف، وعلى الرغم من ذلك فقد أثار تدخل الحلف في ليبيا حالة كبيرة من الجدل الذي اتخذ طابع قانوني بدرجة ما ومفاده باختصار ثلاث نقاط: الأولي مع أن مضمون القرارات المشار إليها هو "فرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي كإجراء وقائي لتوفير الحماية للشعب الليبي وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة"، فإن مهمة الناتو قد تجاوزت ذلك من خلال قصف مواقع مدنية ومقرات حكومية تابعة للرئيس الليبي ،الثانية: لم تشر قرارات مجلس الأمن إلى الأطراف المنوطة بالعمليات في ليبيا سوى بالقول "يؤذن للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام، وهي تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية وبالتعاون مع الأمين العام، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين وإبلاغ الأمين العام بها"، أما النقطة الثالثة وهي الأهم: ما روجت له العديد من الكتابات من أن الجامعة العربية قد منحت لحلف الناتو "شرعية التدخل العسكري في ليبيا" وهو أمر ليس صحيحًا ولكن في بعض الأزمات تلجأ الجامعة العربية بوصفها تنظيمًا فرعيًا للمنظمة الأم وهي الأمم المتحدة وعلى نحو خاص مجلس الأمن للمطالبة باتخاذ ما يراه ضروريًا لحفظ السلم والأمن الدوليين وقد كان نص قرار مجلس الجامعة واضحًا في هذا الشأن وقد اعتبره حلف الناتو دعمًا إقليميًا وهو ما أشار إليه الأمين العام لحلف الناتو بالقول" تحرك الناتو ضد النظام الليبي كان بمقتضى تفويض قوي من مجلس الأمن ودعم واضح من دول المنطقة، وهو مزيج نادر لم نشهده في مواقف أخرى".

وقد أثار تدخل الحلف في ليبيا الكثير من الجدل ليس فقط بشأن تدخل الحلف خارج أراضي دوله الأعضاء بل في مسألة قرار الحلف التدخل في أزمة ما والعزوف عن أزمة أخرى ومنها على سبيل المثال الأزمة السورية وهو الأمر الذي حدا بالأمين العام لحلف الناتو لكتابة مقال مطول لإيضاح فكرة التدخل ذاتها وأسس ذلك التدخل، ولم تكن الأزمة الليبية هي المرة الأولى التي تثار فيها تلك التساؤلات بل تجاه القضية الفلسطينية وهو ما أوضحه مسؤولو الحلف أيضًا بأن تدخل الحلف تجاه ذلك الصراع يظل مرتهنًا بشروط ثلاثة الأول: أن يكون التدخل وفق قرار من مجلس الأمن، والثاني: مشاركة الأطراف المعنية بالشرق الأوسط في ذلك الأمر، والثالث: أن يكون دور الحلف ضمن المراحل النهائية لهذا الصراع والتي تتضمن تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ثالثًا: دور حلف الناتو تجاه الأزمات الإقليمية الراهنة

مع التسليم بالشروط التي حددها مسؤولو الحلف للتدخل في الأزمات فإن ذلك لا يعني أن الحلف ظل بعيدًا عن الأزمات الإقليمية الراهنة دون أن يعني ذلك بالضرورة التدخل العسكري المباشر وذلك لسبب مفاده أن منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي يحظى فيها الحلف بشراكتين مهمتين وهما مبادرة الحوار المتوسطي عام 1994م، مع سبع دول متوسطية وهي تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والأردن ومصر وإسرائيل، ومبادرة استانبول عام 2004م، والتي انضمت إليها أربع دول خليجية وهي الكويت والبحرين والإمارات وقطر بينما ظلت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطار تلك المبادرة، ومن ثم فإن المستجدات الأمنية التي شهدتها دول الجوار الإقليمي لمنطقة الخليج العربي قد فرضت تحديات أمنية سواء من داخل المنطقة من خلال عدم قدرة دول الجوار السيطرة على كامل أراضيها ومن إتاحة الفرصة لنمو الميلشيات المسلحة لاستهداف المصالح الحيوية لدول المنطقة والعالم، بالإضافة إلى التهديدات الإيرانية، واستمرار تهديد الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تغير المشهد الاستراتيجي الإقليمي مع التدخل الروسي في الأزمة السورية عام 2014م، الأمر الذي رآه حلف الناتو تحديًا هائلاً حيث أدى ذلك التدخل إلى توحيد قوسي التهديدات التي تواجه الحلف سواء على الجبهة الشرقية "أوكرانيا" والجبهة الجنوبية "سوريا" وهو ما أشار إليه أحد مسؤولي الحلف في أعقاب التدخل الروسي في الأزمة السورية بالقول "اعتدنا الحديث عن التهديد الشرقي والتهديد الجنوبي ولكن الجبهتين تشابكتا الآن" وجميعها تهديدات رأى مسؤولو الحلف أنها تمثل تهديدًا لمصالح الأعضاء والشركاء على حد سواء.

وتأسيسًا على ما سبق فقد عمل الحلف على مسارين متوازيين المسار الأول: تجاه دول الخليج من خلال تعزيز الشراكة مع دول مبادرة اسطنبول من خلال افتتاح المركز الإقليمي للحلف في عام 2017م، بدولة الكويت والذي يستهدف تقديم دورات تدريبية متخصصة في مجالات الأمن الإلكتروني وإدارة الأزمات وأمن الطاقة والحوادث والطوارئ الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والتخطيط للطوارئ المدنية وهي مجالات مهمة للغاية وتلبي بعض الاحتياجات الأمنية لدول الخليج أعضاء مبادرة اسطنبول.

أما المسار الثاني: فهو المسار الإقليمي: فقد كان للحلف دور تجاه تلك الأزمات من خلال سياسة متوازنة تلتزم بميثاق الحلف من ناحية وتستجيب لواقع تلك التهديدات من ناحية ثانية ومن ذلك إعلان الحلف الانضمام رسميًا إلى عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا من خلال إرسال طائرات إنذار مبكر "أواكس "والتي يمكنها مراقبة المجال الجوي على مسافات تتجاوز 400 كم من خلال الرادارات التي تحملها على متنها ،فضلاً عن تقديم المساعدة في ضمان الاتصالات اللاسلكية بين القيادات الموجودة في الجو والبحر والأرض، بالإضافة إلى حرص الحلف على تحقيق الاستقرار في دول الجوار الإقليمي ومن ذلك الاتفاق بين حلف الناتو والحكومة العراقية عام 2018م، على تدريب قوات الأمن العراقية وفي هذا السياق قال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج إن "التدريب وبناء القدرات الذي يقوم به حلف الناتو في العراق يعزز قدرة البلاد على مكافحة داعش ويكفل لها الأمن". وأضاف "أفضل سلاح لدينا في مجال مكافحة الإرهاب هو تدريب القوات المحلية"، وقال" وجود جيش عراقي أكثر فعالية يعني أن يصبح العراق أكثر أمانًا، والشرق الأوسط أكثر استقرارًا"، والجدير بالذكر أنها لم تكن المرة الأولى التي يضطلع فيها الحلف بتلك المهمة في العراق حيث كانت هناك دورات تدريبية سابقة خلال الفترة من 2004 إلى 2011م.

رابعًا: هل سيكون حلف الناتو طرفًا في حرب إقليمية محتملة؟

على الرغم من أن تدخل حلف الناتو في الأزمات يظل مرتهنًا بالميثاق المنشئ للحلف فإنه يجب عدم إغفال مضامين المفهوم الاستراتيجي الجديد والذي صدر بإجماع كافة أعضاء الحلف وتضمن فقرة مطولة عن تهديدات أمن الطاقة كما يلي"إمدادات الطاقة ستظل عرضة بصورة متزايدة لخطر التعطيل، ومن ثم فإنه يتعين على الحلف تطوير القدرة على الإسهام في ضمان أمن الطاقة بما في ذلك حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ومناطق عبورها وخطوط إمداداتها، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء وعقد مشاورات بين دول الحلف على أساس التقييمات الاستراتيجية والتخطيط للحالات الطارئة".

ومن ثم في ظل استهداف إيران لقطاع الطاقة سواء ناقلات النفط أو المنشآت النفطية فإن ذلك يعد تحدٍ هائل لمصالح أعضاء الحلف، فعلى الرغم من أن الحلف ظل بعيدًا عن مسار العلاقات الأمريكية- الإيرانية فإن زيادة وتيرة التهديدات لأمن الطاقة من خلال الهجوم على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو السعودية قد حدت بالأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج للقول بأن" إيران تزعزع استقرار المنطقة بالكامل" وأضاف" "ندعو جميع الأطراف للتوقف عن تكرار مثل هذه الهجمات لأنها قد تخلف آثارًا سلبية على المنطقة بأكملها"، مشيرًا إلى أن" الحلف يشعر بقلق كبير من التصعيد" .

ويعني ما سبق أن حماية أمن الطاقة هي إحدى المهام التي يضطلع بها الحلف سواء كدول كبرى فرادى أو من خلال الحلف ذاته إلا أن التساؤل هو هل يمكن أن يكون حلف الناتو طرفًا في مواجهة عسكرية إقليمية محتملة؟

ومع الأخذ بالاعتبار القيود التي تفرضها المادة الخامسة لتدخل الحلف في الأزمات فإن مسألة تدخل الحلف عسكريًا تظل مرتهنة بإجماع الدول الأعضاء والتي ربما تتباين في مواقفها تجاه إيران ومن ذلك مطالبة القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الانضمام للتحالف البحري الذي تعمل الولايات المتحدة على تأسيسه لضمان أمن الملاحة البحرية في منطقة الخليج العربي تلك الدعوة التي لم تلق استجابة لدى أعضاء الحلف، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها تباين أمريكي- أطلسي ففي مؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2019م، اقترح نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس أن يرسل حلف الناتو قوات لتحل محل القوات الأمريكية التي كانت ستنسحب من سوريا وهو الأمر الذي لم يستجب له الحلف في الوقت ذاته، من ناحية ثانية فإن الحلف يحتاج لقرارات أممية للتدخل عسكريًا ليست بالضرورة تتضمن مطالبة الحلف بشكل صريح بهذا الشأن ولكن يمكن أن تكون على غرار القرارات الأممية التي صدرت بشأن مواجهة القرصنة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن عام 2008م، والتي تضمنت حث المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية المشاركة في مواجهة ذلك التهديد وأرسل الحلف بموجبها سفنًا بحرية عالية التسليح من أجل تلك المهمة، من ناحية ثالثة فإن الحلف سيكون بحاجة إلى دعم إقليمي سواء على صعيد القرارات على غرار الحالة الليبية أو المساهمة الإقليمية في العمليات العسكرية ذاتها وجميعها قضايا ليست من السهولة بمكان، وربما يرى مسؤولو الحلف أن الخيار الأفضل هو ممارسة الضغوط وتفعيل الردع تجاه إيران استنادًا إلى الفجوة الهائلة بين القدرات العسكرية للحلف والتي تحيط بإيران من الاتجاهات كافة.

ولا يمكن الجزم بتدخل حلف الناتو من عدمه حيث تشير الخبرة التاريخية تباين أسباب وظروف حالات تدخل الحلف السابقة في أزمات خارج أراضيه مثل كوسوفو وأفغانستان وليبيا إذ تبقى لكل حالة خصوصيتها وسياقها الإقليمي والدولي، إلا أن الأمر الذي لا جدال بشأنه هو أن للحلف قدرات عسكرية ضاربة بإمكانها تنفيذ أي مهمة عسكرية يرى أنها ضرورية للحفاظ على المصالح الحيوية لدوله الأعضاء، ومن ناحية ثانية فإن هناك ما يمكن أن يطلق عليه "الخطوط الحمراء" التي يضعها الحلف ولن يسمح بتجاوزها يأتي في مقدمتها أمن الطاقة سواء بالنسبة لطرق المرور أو المنشآت النفطية، تلك القضية التي حظيت بنقاشات مطولة داخل أروقة الحلف إبان العقدين الماضيين وأسفرت عن صياغة خطط وآليات محددة لدى الحلف، بالإضافة إلى الحفاظ على توازن القوى الإقليمي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط وذلك هو التحدي الأكبر للحلف وخاصة بعد التدخل الروسي في الأزمة السورية.

ومجمل القول أنه عند مناقشة تدخل الناتو في الأزمات التي تقع خارج أراضيه فإنه يتطلب صياغة رؤية استراتيجية تضع في الاعتبار الميثاق المنشئ للحلف والمفهوم الاستراتيجي، ومضامين شراكاته، وحالات التدخل السابقة ومدى تهديدها لمصالح الأعضاء، والأهم التطور الذي طرأ على الاستراتيجيات الدفاعية للحلف منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن، وجميعها قضايا من شأنها تفسير توجه الحلف نحو هذا الاتجاه أو ذاك.  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة" دراسات"

 

                  

مقالات لنفس الكاتب