; logged out
الرئيسية / 4 مخاطر تحيط بدول الخليج وتغير هيكلي في الموقف الأمريكي قائم على قاعدتين

العدد 143

4 مخاطر تحيط بدول الخليج وتغير هيكلي في الموقف الأمريكي قائم على قاعدتين

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

مقدمة: مجلس التعاون في سنواته الأخيرة ليس على (صحة سياسية) كما ينبغي، قبل عقود قليلة حمل المجلس كل آمال أبناء هذه المنطقة، خاصة المستنيرين الذين استبشروا خيرًا بعد أن استطاع الآباء أن ينظروا إلى المستقبل بشكل واقعي، حيث تحيطهم قوى كبيرة طامحة مع وجود ثروة طبيعية ضخمة لديهم، مقابل عدد سكان صغير نسبيًا. ومع تطور الأحداث عرفنا نحن أبناء المنطقة أهمية هذا المجلس خاصة عند احتلال العراق للكويت، ومحاولات إيران التدخل في شؤون البحرين، ثم بعد بداية العشرية الثانية (هبوب تيار ما عرف بالربيع العربي) نجد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات تناصران موقف البحرين، بإرسال تعزيزات عسكرية، بجانب النجاح الاقتصادي وأيضًا التعاون على الساحة الدولية. كانت المكاسب كبيرة وكثيرة، وكنا نحن المراقبون نرغب أن تتطور تلك العلاقات لتشكل استراتيجية أوسع في كل المجالات. من المهم القول إن المجلس خلال السنوات التي مضت ( أربعة عقود تقريبًا) أنجز الكثير من الخطوات من خلال عدد من الأجهزة التي أقامها والنشاطات السياسية والثقافية التي حققها، فقد كانت تلك الخطوات مهمة ولو كانت صامتة، التنسيق في قطاعات حيوية مثل الكهرباء والمواصلات والاتصالات وقطاع التعليم والثقافة وقطاع التنسيق الصناعي والصحي والبيئة وحتى الشؤون العسكرية، وغيرها كانت مكاسب (صامتة) إن صح التعبير للمواطن الخليجي، ومع انفجار الخلاف بين كل من قطر من جهة وثلاث دول في المجلس هي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات، في 5 يونيو2017م، ثم الصراع الإعلامي والسياسي الذي نتج عن ذلك (الانفجار) ألقى ظلالاً غامضة على المجلس و على سكان الخليج وهم الأهل والأخوة، و قد قامت مؤسسات وأفراد و دول بالاستفادة من هذا الشقاق وأخذ البعض ينفخ في جربة الخلاف ووصل الأمر إلى مكان من استخدام اللغة غير المرغوبة وتداول أخبارًا ضارة .

 

المخاطر المحيطة بدول مجلس التعاون

 

من أجل وقف التدهور الذي أصاب المنظمة العربية (الجامعة العربية) والبناء على الممكن، قام مجلس التعاون، ودوله التي تشترك في المسار والمصير مع بقية الدول العربية وهي اليوم تشكل تقريبًا (قاطرة) الحركة المضادة لمحاولات التفتيت العربي والهيمنة الإقليمية، إلا أنها تحتاج إلى ظهير عربي، كانت تباشيره في اشتراك دولة المغرب العربي في قمة خليجية في النصف الثاني من شهر أبريل في الرياض عام 2016م، من أجل بناء ( تحالف القادرين) في الفضاء العربي للتقليل من المخاطر، وتعظيم المكاسب، إلا أن تلك البدايات لم يبنى عليها بإشراك دول عربية أخرى، حتى المغرب، بدا أن نتائج ذلك الاجتماع لم يقنع متخذ القرار المغربي بالاستمرار . وهناك مخاطر تحيط بدول مجلس التعاون تقلل من فاعلية الاستفادة أو تعظيم (قدرة تلك القاطرة الخليجية) على القيام بما يتجوب عليها القيام به في الإقليم وهنا محاولة للإطلالة على (المخاطر المحيطة بدول مجلس التعاون: بواعثها، ومصادرها وتأثيرها على تعطيل أو تعويق (ماكينة) تلك القاطرة على الفعل ، على المستوى العربي والإقليمي، وقد زادتها (الأزمة القطرية) تعقيدًا وخللا.

يمكن الحديث عن المخاطر الكبرى ومصادرها من أربعة جوانب رئيسية:

ــ المخاطر الخارجية (غير العربية) الولايات المتحدة – إيران.

ــ المخاطر الخارجية العربية (حروب أهلية محتدمة في الجوار).

                                                 

ــ المخاطر البينية (الأزمة القطرية)

ــ المخاطر الداخلية (العقد الاجتماعي الداخلي).

 

تلك المخاطر متداخلة وتأثير بعضها على بعض ظاهر بين، إلا أنه من أجل التحليل سوف أتناول كل من عناصرها على حدة، ليس فقط من أجل عرض (مخاطرها) ولكن أيضًا من أجل (فهم دوافعها)، على أمل الوصول إلى نتيجة معقولة لفهم المخاطر وأسبابها، وأيضًا رسم مؤشرات لفهمها ولمواجهتها.

أولاً (الخارجية)

1 – العلاقة بالولايات المتحدة: لقد لاحظ المتابعون تكثيف اللقاءات الأمريكية ـ الخليجية في السنوات القليلة الماضية، سواء بشكلها الجماعي (دول الخليج في مجلس التعاون) أو بشكلها الثناني( كل قائد خليجي على حدة) هذه الكثافة في اللقاءات تدل على أن العلاقات بين دول مجلس التعاون و بين الولايات المتحدة تمر بمرحة (تصدع) غير مسبوقة، ناتجة عن ( الفرق بين التوقعات الخليجية من أمريكا في الملفات الساخنة، وبين قدرة أمريكا على الفعل أو رغبتها فيه ) هذا التصدع سوف يستمر حتى يستقر ويرسو على بر، هو قناعة الخليجيين أن عليهم ( قلع شوكهم بأيديهم) فإدارة باراك أوباما السابقة، ونتيجة للتراكمات التي مرت بها الإدارات السابقة قبلها في منطقة الشرق الأوسط، وجلها سلبي، تبنت مقاربة مختلفة عن سابق الست عقود الماضية أو يزيد، أي تبنت سياسة ( رفع اليد المباشرة) في الشؤون السياسية لدول المنطقة، و محاولة إدارة ما يحدث عن بعد، وتجد هذه السياسية في مجملها من المتابعين في الولايات المتحدة ( الإعلاميين والسياسيين) الكثير من التأييد، في المحصلة فإن الإدارة الأوبامية، ترى أنها حققت الكثير من النتائج ( الإيجابية) من وجهة نظرها، دون (تورط أقدام على الأرض boots on ground ) أو ( خسارة دماء أمريكية blood sacrifices ) من هذه النتائج الوصول، عبر التفاوض، لوقف البرنامج النووي الإيراني في يوليو 2015م، وتأكيدًا (لسلامة إسرائيل الاستراتيجية إلى فترة طويلة) كما لم تؤكد في السابق، وصرف النظر على ملاحقتها مهما فعلت في الأرض المحتلة، سحب السلاح الكيماوي من سوريا، بيع الكثير من الأسلحة للمنطقة، الحصول من جهة على نفط رخيص، ومن جهة أخرى الاستغناء التدريجي عن النفط الخليجي، ذلك من بين عدد من النجاحات التي تراها النخبة الأمريكية ( الأوبامية) أنها قد حققت لصالحها نتيجة سياسة ( رفع اليد)، وهي من منظور المصالح الأمريكية نجاح بأقل الأثمان.! من جهة أخرى تبدُل نقطة ارتكاز الخلاف الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وبين الولايات المتحدة إبان حكم أوباما، من (خلاف حول وضع إسرائيل وسياساتها) إلى (خلاف حول التقدير الاستراتيجي مع إيران) وهو خلاف لايبدو أن الطرفين، الأمريكي أو العربي الخليجي على إقتراب من التحليل النظري أو الواقعي حوله، حتى انتهاء فترة أوباما في الحكم، فدول الخليج ترى أن التدخل الإيراني في الجوار العربي يربك المشهد السياسي، ويهدد الأمن القومي إلى درجة أن ذلك التدخل يساهم جزئيًا في ( دعشنة) المنطقة، لأن هناك أناس يشعرون بالتهديد الحقيقي من ذلك التدخل الإيراني النشط في دول وعواصم عربية، ويلجؤون إلى العنف المضاد في مقاومته ( إن صح التعبير)، وإن كان عنفًا غير منظم ومضر بالنفس Self-inflected . في هذا الملف، بسبب تباعد المواقف، لم تعد الولايات المتحدة من وجهة النظر الخليجية في عصر أوباما، بالرغم من التطمينات، مكانًا للثقة في ما يمكن أن تتخذ من خطوات، خاصة في المراحل التي من الممكن أن تتحول إلى حرجة، بعد وصول السيد دونالد ترمب 2017م، إلى الحكم في الولايات المتحدة، تنفس الخليج الصعداء، خاصة بعد إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ( مايو 2018م) ، و توعده بتصعيد الصراع مع إيران على قاعدة تهم دول الخليج، وهي عدم تدخل إيران، نفوذًا وعسكر، في شؤون الدول العربية (اليمن، العراق، سوريا، لبنان)، و شطب التسلح بالأسلحة البالستية، إلا أن ذلك التهديد لم يتبلور خارج التلاسن الكلامي الحاد بين الطرفين، إلى درجة أن بعض الأقلام الخليجية أبدت شكوكها في النوايا الأمريكية. لا زال هذا الملف (علاقة الولايات المتحدة بإيران) يؤرق دول الخليج، فقد اعتمدت على (حسن نوايا الولايات المتحدة في الموضوع الأمني الخارجي) لفترة طويلة، وربما منذ انسحاب بريطانيا من الخليج في بداية سبعينات القرن الماضي، حتى قدوم الإدارة الأمريكية الحالية. إلا أن المشكلة التي أراها أن هناك تغير هيكلي في الموقف الأمريكي حتى الآن لم يستوعب من بعض الأطراف الخليجية، وهو قائم على قاعدتين: الأولى أن الولايات المتحدة أعادت تعريف قوتها بسبب عاملين مواردها المالية، وحدود قدرتها على الفعل، فهي ليست الولايات المتحدة التي كانت في الربع الأخير من القرن العشرين، وإعادة النظر في مفهوم حدود القوة، ليس لها علاقة بإدارة واحدة (أوباما أو ترمب) بل تموضع استراتيجي، كانت بوادره تتجمع منذ فترة. ذلك من جهة أما ثانيًا، فتنظر دوائر نافذه في واشنطن أن التهديد على دول الخليج من إيران (مبالغ فيه) بل أن بعض التهديد (داخلي) لذلك فإنها تدفع بمحاولة (تغيير شروط العقد الاجتماعي الداخلي ) في دول الخليج، وتحاول أيضًا حث الجميع على تجاوز خلافاتهم، خاصة الأزمة القطرية، التي تقلل حتى من قدرة حلفاء لهم على المساعدة في المستقبل، وقد ظهر ذلك جليًا في عدد من تصريحات الإدارة السابقة والحالية، كان بعضها عناوين الصحف التي ظهرت بعد لقاء السيد باراك أوباما بقادة مجلس التعاون في الرياض في 21 ابريل 2016م، ربما أن هذا الشعور القوي (بأهمية الإصلاح الداخلي) سوف يبقى مع الإدارات الأمريكية المختلفة، لسببين على الأقل، الأول هو أخذ (الموقف الأخلاقي العالي) فيما تدفع به العولمة من اختيارات مجتمعية وسياسية، منها حقوق الإنسان، وتمكين المرأة وغيرها من الشعارات، والثاني حدود القوة الأمريكية المتضائلة، أي أن الأمر ربما عكس ما يراه البعض، أن الموقف الأمريكي الحالي، المعادي لإيران هو (مؤقت) تلتزم به الإدارة الحالية باستخدام القوة الناعمة ( تويتر وغيره) كما يفعل السيد ترمب، ذلك فإن تطمين النفس الخليجية لمقاصد إدارة ترمب واجب مراجعته، لان الاحتمال الآخر، أن تعقد الولايات المتحدة (صفقة) مع إيران، كمثل الصفقة التي تمت مع كوريا الشمالية، من جهة أخرى فإن الإدارة الأمريكية الحالية (ترمب) تبدل قواعد اللعبة العالمية، كان قديما العلاقات الدولية يتغير فيها اللاعبون، ولا تتغير قواعد اللعبة، اليوم تتغير قواعد اللعبة في العلاقات الدولية، ويقرب فك الاتباط في الاعتماد على (وجود) القوة الأمريكية! اليوم تقدم المصالح على القيم!

2-العلاقة بإيران: تشكل إيران تهديدًا حقيقيًا لدول الخليج، فهي مسيطرة على القرار السياسي في العراق ومتدخلة بنشاط يصل إلى العسكري في سوريا، وتهيمن على القرار من خلال حزب الله في لبنان، وتسيطر على تصرفات جزء مهم في الساحة اليمنية هم المجموعة الحوثية، وتأخذ المكان الإعلامي الأكثر علوًا في الموضوع الفلسطيني، من خلال (العداء اللفظي لإسرائيل) وتقدم نفسها كمكان (للديمقراطية)! عن طريق الحديث عن التغير الدوري الظاهري في نخبها الحاكمة، كل ذلك يجعل من قدرتها على الإقناع، حتى لدى بعض العرب كبيرة. هناك عدد من السناريوهات الحاكمة للعلاقة مع إيران، يرى البعض طرحها كخيارات لدول الخليج، أي يمكن التفكير بها، وهي سيناريوهات يتحدث بها بعض نخبة الخليج، بصرف النظر عن حجمهم أو تأثيرهم، أستطيع أن اشير باختصار إلى ثلاثة منها: الأول يرى أنه من الممكن استيعاب إيران، بسبب أولاً جيرتها، وثانيًا قدرتها العسكرية والصناعية وتقدمها العلمي! وأخيرًا بسبب تاثيرها المباشر على جزء من الشرائح الوطنية (العرب الشيعة) المواطنين في الخليج، وأن العمل بجدية كافية على ذلك المحور، حتى لو غض الطرف عن بعض تدخلاتها !! يمكن أن يقنع الدولة الإيرانية بـ (تشارك أعباء الأمن الإقليمي) وحسن الجوار !! هذا السيناريو يقدمه البعض مكتوبًا في بعض الصحف الخليجية والسيناريو الثاني أن إيران هي (فارسية\ زرادشتية\ مجوسية) أو أنها (الجار العار)! كما يوصفها البعض، وهي بطبيعتها معادية للعرب، بل تنظر إليهم باحتقار، ويستدعي هذا السيناريو من التاريخ المواقع الصراعية العربية\ الفارسية، وينتهي إلى أن الوفاق معها (مستحيل) وليس غير ممكن فقط، حيث لن تهدأ شهيتها إلا بالسيطرة على مقدرات العرب وإخضاعهم، وخاصة جوارها الخليجي!

أما السيناريو الثالث الذي أعتبره واقعي، فهو يرى أن إيران ليست بالقوة التي تصف نفسها أو يصفها مؤيدوها، بل هي من هذا العالم الثالث، الذي يعج بالكثير من نقاط الضعف، وهي تحتوى على خلل كبير في الداخل، وتكتنفها مصاعب سياسية واقتصادية عميقة، وأن سياساتها الحالية مرتبطة بعقدتين، يمكن تسميتهما بوباء الخوف المرضي، الأولى عقدة ( التدخل الغربي في خمسينات القرن الماضي ضد حكم إيراني وطني (مصدق) من قوى غربية ( بريطانية\ أمريكية)، أطاحت وقتها بالطموح القومي الإيراني للتحرر والانعتاق، أما العقدة الثانية فهي المعروفة، وغير المعلنة، تتمثل بمحدودية قدرة ( الحكم الديني) الذي تبنته إيران، على الوفاء باحتياجات العصر، وهو حكم هجين، يسيطر عليه رجال الدين، في خلطة غير (تاريخية) لأي من أشكال الحكم الممكن استمرارها ! فإيران اليوم تفتقد إلى حكومة بالمعنى الطبيعي للحكومة، لذلك فالنخبة الإيرانية قلقة على استمرار هذا النوع من الحكم الأمر الذي يوصلنا إلى الموقف الخليجي من إيران، فلن تتغير في الجوهر السياسة الإيرانية في الإصرار بدرجات مختلفة على فكرة ( تصدير الثورة) حتى يتلاشى هذا الجيل الإيراني الحاكم، الذي شهد مظالم الشاه و قام بالثورة عام 1979م، من أجل تخليص ( المستضعفين من الظلم) أي أن أمام الخليج جراء المخاطر الإيرانية ربع قرن على الأقل من (إدارة الصراع) وعلى الخليجيين أن يوطدوا أنفسهم لإدارة الصراع لا حله، ذلك من خلال العديد من الخطوات منها التماسك الخليجي الصلب، و إقامة جدار عربي يحيط بذلك التماسك، وإطار إسلامي، وهذا ما يبدو أن الممكلة العربية السعودية تقوم به اليوم. إلا أن الأمر لا ينتهي هنا، فهناك (تصور) إيراني لدى بعض النخب في طهران يتكون من ثلاث حلقات الأولى أن طهران مسؤولة (أخلاقيًا وسياسيًا) عن الشيعة في كل مكان، بما فيهم العرب الشيعة في الخليج، والثاني أن طهران ترى في أنظمة الخليج أنها (مستكبرة وغير عادلة مع شعوبها)! ومتحالفة مع القوى الغربية! والثالث أن معظم ما قامت به دول الخليج من إصلاحات منذ عام 1979م، هو نتيجة (كما تراه النخبة الإيرانية) مباشرة للأمثولة والضغط الإيراني!! قد يرى البعض أن تلك الحلقات الثلاث هي (أضغاث أحلام إيرانية) ولكن يجب الاعتراف أنها ضمن التصور الإيراني الذي يجب التعامل معه!! إلا إذا شهدنا تغيرات دراماتيكية، نتيجة ضغوط إدارة ترمب المعلنة، والتي قد تسارع في تغيير النظام، أو تغيير موقفه السياسي!

 

المخاطر البينية (الأزمة القطرية)

 

من أعرفهم من المتابعين للأزمة المحتدمة بين دولة قطر، وبين الأربع دول الأخرى، مصر، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات، ومملكة البحرين، ينقسمون إلى قسمين تقريبًا، الأول هو القسم (المهون) للأزمة، ويرى أنها لا أكثر من سحابة صيف، ما تلبث أن تنقشع دون أمطار وسيول، ربما أولئك المتفائلين الذين يرغبون من جهة باستمرار اللحمة الخليجية، أما القسم الثاني (المُهول) الذي يرى أن الأزمة وراؤها ما وراؤها، وأن المنطقة الخليجية، بل والعربية، لن تكون كما هي بعد انتهاء الأزمة، إن انتهت قريبًا بشكل ما، كما كانت قبل اندلاعها! بين هذا الموقف وذك، تتعدد الرؤى في تشخيص هذه الأزمة المستحكمة التي تقتات على رأس مال الاستقرار في الخليج. شخصيًا أرى أن الأمر يقع بين هذا وذاك من الاحتمالات، ولكن في الأزمة من المخاطر ما يلزم قرع جرس الإنذار عاليًا ومدويًا، ربما ليس بذلك التهويل الضخم، ولكن ليس بالتهوين أيضًا، فالأزمة جدية، يجب أن نتبصر في مكوناتها، ونتفاعل معها، على إنها نتجت من اعتبارات جدية، يرى الطرفان أنهما على حق فيما يتخذوه من سياسات. في البداية في الفضاء السياسي يجب أن نتوقع غير المتوقع، تبدأ أزمة ما صغيرة، يظن الداخلون فيها أنه يمكن (احتواء) نتائجها، ما تلبث أن تكبر ككرة الثلج المنحدرة من جبل عال، كلما تدحرجت كلما كبرت. مثال نابع كوني من الذين مروا بالتجربة المريرة، وهي الاحتلال العراقي للكويت، مقدماتها ونتائجها، لقد عرفنا مباشرة أن معظم النار من مستصغر الشرر، لقد كانت هناك وجهات نظر وقتها (في النصف الأول من عام 1990م) أن ما يقوم به النظام العراقي هو لا أكثر من تهويش، وأن احتمال أن يقدم على تحريك جيشه ليحتل بلدًا عربيًا آخرًا، هو في مقام المستحيل أو قريبًا منه، وأن الأزمة هي لا أكثر من (سحابة صيف) مرة أخرى! ولكننا نعلم اليوم كم دفع الكويتيون والعراقيون والعرب، من أثمان باهظه لتلك المغامرة، ولا زالت تسدد فواتيرها الضخمة، في المال والرجال والدماء والأوطان!

ليس في تفكيري أن المثالين متطابقان كل التطابق، (أعني الأزمة مع قطر، وفجيعة احتلال الكويت)، ولكن ما أردت أن اشير إليه، هو تلك الميكانزمات المكونة للأزمتين، أي أن الاحتمالات (التي لا نعرف الآن كيف يمكن أن تتطور) مفتوحة على كل التوجهات، أقربها أن تُمدد أزمنة الأزمة وتتطور، و يدخل فيها لاعبون جدد، لهم مصالح مختلفة، وربما متناقضة عن مصالح كل الأطراف الداخلة في الأزمة، الدرس الثاني الذي يجب ان نلفت النظر إليه، وهو أيضًا ناتج عن التجربة الكويتية، والقائل أن تشرذم الصف الداخلي يُغري المتربص باغتنام الفرص، لقد كان ربيع وصيف الكويت في عام 1990م، قد أفرز اختلافًا واسعًا بين القوى السياسية الداخلية في الكويت جادًا وعميقًا، وبدا للنظام العراقي أن (الصف الكويتي) منقسم على نفسه، بالتالي فإن ابتلاع الكويت أصبح أمرًا سهلاً ويسيرًا. هذا الدرس بالتأكيد لا يمكن أن يتكرر حرفيًا، ولكن انقسام ( البيت الخليجي) إن طال، لابد أنه سوف يُسيل لعاب القوى الإقليمية المختلفة، إلى محاولة الولوج بين الصفوف لدول الخليج، و تحقيق المكاسب التي يرجونها، الأمر واضح اليوم بالنسبة لتركيا وأيضا إيران، حيث تعرف الدولتان أن الصف الخليجي لا يمكن أن يسمح بتقسيم الصفوف، ولكن في مرحلة وفي غفلة، قد يقفز النظام التركي على الأزمة، وهو أصلاً يعاني من عوار داخلي ينزف النظام التركي، سواء في ملف الأكراد، والحرب في العراق وسوريا، أو حتى في تشرذم الصف الداخلي التركي، الذي يضع عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك في السجون، فهو نظام (مأزوم في داخله) يرغب بان يلعب دورًا في ساحة بعيدة عنه، لصرف الأنظار والتكسب السياسي والمادي لا غير ! ليس الأتراك وحدهم الذين يمكن أن يدخلوا على خط الأزمة، الإيرانيون تأهبوا لذلك، بالتظاهر بتقديم المساعدة لأهلنا في قطر، ويمنون أنفسهم أن تتعقد الأزمة، ويزداد الصف الخليجي شقًا، والأنفس نفورًا، لأنها فرصة تاريخية لتمدد النفوذ الإيراني، حيث إن وطئت القوة الإيرانية، أرض الجزيرة، فإنها تكون قد حققت ما تصبو إليه من هيمنة. إذًا المقارنة بين (الأزمة) القائمة، والنكبة التي أصابت الصف العربي باحتلال الكويت، هي مقارنة مستحقة، لا لأنها متماثلة في التفاصيل، بل لأنها متشابهة في الميكانزمات المؤدية لكليهما، معنى ذلك أن الدروس يمكن أن تستشف ولو بأشكال مخالفة. العالم يأخذ الأزمة القطرية مع الدول الأربع على محمل الجد، فزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة المكوكية في وقت ما، ووزير خارجية بريطانيا بعد ذلك، ووزير خارجية فرنسا، وزير خارجية ألمانيا، الجميع حضر وجميعهم شدوا الرحال إلى المنطقة، وتنقلوا بين عواصمها في النصف الثاني من عام 2017م، من أجل فهم أفضل لما يجري، ومن أجل حث الأطراف، كما قيل علنا، على احتواء الأزمة، والركون إلى الفهم والتفهم للهواجس المختلفة العالمية والإقليمية، لأن منطقة الخليج مكان حيوي للعالم، هي شريان العالم الذي يغذي قلبه الصناعي بالطاقة، وهو المنطقة الجغرافية في الشرق العربي التي لم تقع في الفوضى (حتى الآن) وهي الممر التجاري الحيوي، مع شرق آسيا، وتقع على مرمى حجر من بؤر عديدة للأزمات، وأمام كل ذلك لن يُفرط أحد في هذا العالم في ترك الأمور تتدهور إلى أن تصل إلى ما أسماه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ( ما لا يُحمد عقباه)، إلا أن كل الجهود قد وصلت إلى طريق مسدود.

                                                      

 

العقد الاجتماعي الداخلي

 

يتشكل الضغط على العقد الاجتماعي الداخلي في دول مجلس التعاون من ناحيتين الأولى هو أهمية تجسير الفجوة بين عولمة المواطن ومحلية الدولة، والثاني هو ( انتهاء عصر الدولة الراعية Welfare State ) فتزامن تراجع أسعار النفط والتي كانت متوقعة منذ زمن، مع تضخم الطلب على الميزانية العامة للدولة الخليجية النفطية للإيفاء بحاجات التنمية المتزايدة، بسبب ما اتخذته من سياسيات الرفاه في عقود النفط الذهبية الخمسة الماضية، مع تزايد الأزمات العسكرية و الحروب الأهلية المحيطة، التي تستنزف المال العام، و الموارد، وضعت الدولة الخليجية اليوم في وضع ( التفكير الجدي) في تغيير السياسات، فأسعار النفط بسبب تطور التقنية سوف تبقى في حدها الأدنى، كما أن إعادة ترتيب البيت الاقتصادي الخليجي لا بد أن يتزامن مع النظر بجدية في ترتيب العقد الاجتماعي، حيث من المعروف أن تغير الكتلة السكانية وزيادة عولمة المواطن الخليجي، يتطلب بالضرورة تغير المؤسسات القائمة، لتلائم التغيير المادي الحادث، الذي يضع عبئا على المواطن ويستلزم مشاركته، من خلال استكمال مؤسسات التشريع والرقابة الشعبية، و حسب قاعدة أصبحت معروفة أن الرضى السياسي، يتناسب طرديًا مع الوفرة المادية، والعكس صحيح، وهناك مؤشرات لا بد من الانتباه لها تظهر في تصاعد الطلب على تغيير قواعد العقد الاجتماعي التقليدي، لعل أكثر من تحدث عنها هو السيد باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق في حديثه الذي أصبح مشهورًا لمجلة اتلنتك The Atlantic و المعنون بعقيدة أوباما الذي يركز فيه رأيه الذي تردد في أكثر من وثيقة، وهو (وجوب حدوث الإصلاحات الداخلية) التي لها علاقة بالتعليم والمواطنة و الفساد الإداري والمالي والمشاركة، والموقف من المرأة وإدماجها في الحياة العامة. من وجهة نظر إدارته، تلك الإصلاحات تعزز الأمن الداخلي، وتساعد على الوقوف أمام التحديات الخارجية، ليس ذلك فقط بل هناك تنامي لدى النخب الخليجية في ضرورة الإصلاح، وتطوير المشاركة، والأخذ بما تفرضه الدولة المدنية الحديثة من قوانين. ويكتب يوميًا في الصحف الخليجية، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي انتشرت في مجتمعات الخليج، ولها تاثير واضح على الرأي العام، حول تلك المطالب، وتعد حتى من بعض المسؤولين أصحاب القرار، كما ظهر اخيرًا في حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ضرورة إعادة التفكير في الكثير من السياسات على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

 

كيف يمكن مواجه المخاطر الشاخصة والمحتملة؟

 

ليس هناك حلول ناجحة لمواجهة كل تلك المخاطر إذا لم يتحقق شرطان، الأول هو الاعتراف بتلك المشكلات وتأثيرها السلبي على الأمن الوطني والإقليمي الخليجي من قبل مجلس التعاون، وثانيًا وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهتها، رياح التقنية العاتية تخفض الأسوار وتتجاوز الممنوعات، كما أن التحديات للأمن الوطني الخليجي أصبحت ظاهرة. طبعًا على المراقب القول إن المملكة العربية السعودية، كما هو مشاهد، قد غادرت في السنوات الأخيرة مواقف ( المراقب الحذر) إلى (الفاعل النشط) واتخذت القيادة الحالية في المملكة العربية السعودية خطوات مشهودة لمواجه المخاطر، منها التصدي العسكري لبعضها كما حدث في اليمن، ومنها التعامل الاقتصادي كما في مصر وبناء تحالف واسع من اندونيسيا إلى المغرب إلى ما خلفهما من الدول، كل ذلك يشي بأن الصورة واضحة للمخاطر لدى القيادة السياسية، بقى أن تنتظم هذه الصورة لدى قيادات منطقة الخليج الأخرى بكل ضوئها وظلالها، وأن تتخذ اجراءات شجاعة في تعديل شروط العقد الاجتماعي الداخلي للحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق المقولة الذي طالبت بها نخب الخليج في السنوات الأخيرة وهي أن ( الكل أكبر من مجموع الأجزاء) أي التوجه إلى وحدة خليجية جادة من أجل تجميع الموارد، وتعظيم الفرص، ودرء الأخطار. العاجل هو وضع الأزمة القطرية على (ملف دراسة ساخن وعاجل) للنظر في الخروج الآمن من هذه الأزمة، وكذلك الأزمة اليمينة التي إن طالت، كلاهما تعطل مجلس التعاون فقط، بل تعرض منطقة إلخليج الى خطر داهم!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاجتماع السياسي – جامعة الكويت

 

مجلة آراء حول الخليج