; logged out
الرئيسية / بريكست" ستشهد الودائع الخليجية في بريطانيا جمودًا و ترتفع بأحد ثلاثة شروط"

العدد 144

بريكست" ستشهد الودائع الخليجية في بريطانيا جمودًا و ترتفع بأحد ثلاثة شروط"

الإثنين، 02 كانون1/ديسمبر 2019

من 29 مارس، إلى 12 أبريل، ثم من 22 مايو، إلى 31 أكتوبر 2019م، ثم حتى 31 يناير 2020م، هذه المواعيد والتواريخ أحاطت المشهد الأوروبي عامة والبريطاني خاصة بأسئلة تتعلق بالمصير المجهول لأقوى تكتل اقتصادي وسياسي على مستوى العالم، فأوروبا تتداعى وتتغير الصورة الذهنية لمنظومة الاتحاد الأوروبي التي تحضر عالميًا بمظاهر قوة عملاقة على مستوى الصناعة والتجارة والسياحة والاستثمار والتأثير الدولي السياسي والعسكري، كما تتلاشى عن بريطانيا صورة جاذبية الاستقلال بالتحرك خارج قيود الاتحاد تحت وقع ثقافة تصاعد أزمة سياسية استقالت على أثرها رئيسة الوزراء وتسعة وزراء، وتحركت المحكمة البريطانية العليا لفصل الاشتباك بين رئاسة الوزراء والبرلمان.

ويجيب هذا المقال على سؤال من أسئلة "بريكست" المفتوحة على التداعيات المتبادلة أوروبيًا وبريطانيًا وتأثيرها على مستقبل العلاقات الأوروبية ـ الخليجية... غير أن الضرورة الموضوعية تقتضي الإشارة الخاطفة في البداية إلى الخلفية التاريخية لتشكل الاتحاد الأوروبي وعصره الذهبي ومظاهر قوته، ومسيرة بريطانيا في الانضمام ومبررات الانسحاب، ثم تأتي التفاصيل:

بدأت أولى محطات تشكل الاتحاد الأوروبي بإعلان "اتحاد البينلوكس" الموقع بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ في 1944م، تلاه ميلاد "المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي" ثم "المنظمة الأوروبية للفحم والصلب" في 1951م، ثم "تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية"25 مارس 1957م، كتحول هام باتجاه (السوق المشتركة) التي فتحت أوروبا على سوق موحدة مقرونة بحرية انتقال العُمَّال ورؤوس الأموال، ملغية القيود الجمركية. بعد ذلك أتت محطة انضمام الدانمارك وأيرلندا وبريطانيا، في عام 1973م، كخطوة أجد باتجاه التأسيس لكيان يتمتع بالقوة والحضور الدولي، لتنضم تبعًا لهذا التحول "اليونان"، إسبانيا والبرتغال، لتفضي هذه الانضمامات إلى "اتفاقية ماستريخت" في 1 نوفمبر 1993م، التي ظهر فيها مسمى الاتحاد لأول مرّة كبديل للمجموعة الاقتصادية الأوروبية، ثم انضمام "قُبْرصْ"، و"استونيا"، و"هنغاري"، و"ليتوانيا"، و"مالطا"، و"بولندا"، و"سلوفاكيا"، و"التشيك"، و"سلوفينيا"، ورومانيا وبلغاريا، وصولاً إلى اكتمال خارطة قوام الاتحاد الأوروبي 28 دولة، وذلك بانضمام "كرواتيا" في العام 2013م.

 

وتخللت هذه المحطات تحولات تفصيلية شهدت ظهور ما يعرف بـ "منطقة شنغن" التي وقعت اتفاقيتها في 1985م، من قبل 5 دول أوروبية، وفي العام 1995م، تم إلغاء الرقابة على الحدود، الفاصلة بين 26 دولة أوروبية. 22 دولة منها تمتلك العضوية الكاملة في الاتحاد، و4 دول :(إيسلندا- وليختشتاين-والنرويج- وسويسرا) أعضاء في رابطة التجارة الحرة الأوروبية (الافتا). وفي عام 1997م، أدرجت الاتفاقية في صلب قانون الاتحاد الأوروبي بموجب معاهدة أمستردا.

غير أن "اتفاقية ماستريخت" شكلت بداية العهد الذهبي المقرون بتآلف متسارع جمع أجزاء مشهد القوة الاقتصادية والمالية والسياسية للاتحاد الأوروبي، وحضوره المتسارع الصادر من ذاكرة واعية بضرورة استغلال عوامل النماء في الجغرافيا المفتوحة على تنوع الموارد، وشبكة الطرق والمواصلات والسكك الحديدية السريعة، ووفرة الإمكانيات الفنية والخبرات المتسلحة بروح المبادرة، وتشجيع الإنتاجية والمَيْكَنة المبكرة، والبحث العلمي والملكية الفكرية، والشراكة مع القطاع الخاص.

فيما تعد العملة الموحدة (اليورو)، والتقدم الصناعي والتجاري والشركات متعددة الجنسية، والإدارة المؤسسية الاتحادية العليا، والمأسسة الإدارية الوسطية، أهم مقومات حضور الاتحاد الأوروبي ومظاهر قوته المعززة بمنطقة الراين، حيث النهر العظيم - 1320 كيلو متر- النابع من شرق سويسرا، ليمر بـ"لختنشتاين والنمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا باتجاه بحر الشمال، مستقبلاً روافد نهرية غزيرة أحالته إلى مجرىً ملاحي حافل بتنقل المراكب والأساطيل الهولندية والألمانية المُحَمَّلة بالفحم ومشتقات النفط، وخامات المعادن والحبوب، وغيرها من البضائع التي تتوزع على مرافئ استراسبورج" الفرنسية، و"مانهايم"، و"كولون"، و"دوسبورج" الألمانية و"روتردام" الهولندية.

يضاف إلى ذلك "بحر الشمـال" بسواحله الزرقاء لبريطانيا والنرويج وهولندا وبلجيكا، وفرنسا. ليشكل أهم مصايد العالم، ومياهه الحافلة بحركة التجارة والسياحة والنقل، وأحد أهم الممرات المائية الدولية لارتباطه بموانئ لندن بإنجلترا، وهامبورج بألمانيا، وأمستردام وروتردام بهولندا، وأنتورب ببلجيكا، ودنكرك بفرنسا، ولالتقائه بالمحيط الأطلسي أكثر المحيطات ازدحامًا بحركة الملاحة العالمية.

بريطانيًا.. طموح الانضمام ومبررات الانسحاب

على طريق الانضمام إلى السوق الأوروبية، خاضت بريطانيا مفاوضات مضنية استمرت عشر سنوات، لكن انضمامها –المتأخر مقارنة بالدولة الأوروبية الكبرى- في 1973م، شكل تحولاً كبيرًا أثرى مظاهر قوة أوروبا، كونها ثالث اقتصاد في الاتحاد الأوروبي (2.8 تريليون دولار) بعد ألمانيا وفرنسا، والخامسة على مستوى العالم. والسابعة عالميًا من حيث السكان (65.1 مليون نسمة في 2015م). كما تصنف عملتها (الجنيه الاسترليني) في المرتبة الثالثة في النظام النقدي الدولي بعد الدولار الأميركي واليورو وفيها أكبر سوق مالية في العالم. كما تحقق بريطانيا قرابة 20 مليار يورو في صادراتها للاتحاد من قطاع الخدمات المالية فقط.. وتحتل المركز الأول أوروبيًا من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية، حتى خلال فترة الأزمة المالية العالمية 2008م، وكذلك أزمة الديون السيادية الأوروبية 2010م. وأحد أهم وجهات السياحة العالمية. لتحدث بريطانيا –بهذه المقومات وبانضمامها- توازنًا في مشهد تجاذبات التكتلات العالمية وأحلافها المالية والاقتصادية والسياسية.

وفي طريقها للانسحاب أحدثت بريطانيا تحولاً دراماتيكيًا مفاجئًا في مهابة الحضور العالمي للاتحاد الأوروبي، بل ومخيفًا في نظر المراقبين الذين كانوا يتحدثون في بادئ الأمر عن التأثيرات المستقبلية في حال تحقق -ما عرف عقب استفتاء يونيو 2016م بـBREXIT)) أي انسحاب بريطانيا (British Exit) من الاتحاد الأوروبي كفكرة ظهرت عقب فوز حزب الاستقلال البريطاني في الانتخابات التشريعية البريطانية التي أجريت في 7 مايو 2015م، والذي تبنى القانون الذي ينصّ على تنظيم استفتاء شعبي قبل نهاية 2017م، وهو ما تم في 23 يونيو 2016م ليصوت 51,9% من الناخبين لصالح الخروج من الاتحاد. منطلقين من مبررات داخلية كالانتماء الثقافي والاجتماعي، والتحديات الاقتصادية والرؤى الاستشرافية لمستقبل نظام العالم الاقتصادي.. إضافة إلى الإحساس بمحدودية استقلال القرار السياسي البريطاني. ومبررات خارجية تتمثل في قيام تجارب دول أوروبية ناجحة ليست في الاتحاد كسويسرا.

وانطلاقًا من تلك المبررات التي تم تسويقها بعناية، كانت مسألة بريكست مثيرة جدًا لأطياف واسعة من الأحزاب البريطانية ومعظم شرائح الشعب، حكومة ومعارضة، لكن الانسحاب كما يبدو أكثر تعقيدًا من الانضمام وهي حقيقة عكستها مسارات الجدل التي شهدها النصف الأخير من العام 2016م وما تلاه حتى منتصف نوفمبر 2018م الذي شهد توقيع الاتحاد الأوروبي على اتفاق "بريكست" الذي ينص على فترة انتقالية تنتهي في الـ 31 ديسمبر 2020م، قابلة للتمديد مرة واحدة، شريطة أن يقدم الطلب قبل مطلع يوليو 2020م، على أن تبقى بريطانيا ضمن السوق الداخلية للاتحاد والوحدة الجمركية لتفادي حصول انفصال حاد بالنسبة لاقتصادها. ويجب عليها الاستمرار في الاعتراف بالقوانين الأوروبية من دون امتلاك حق التصويت، ودفع مساهمات العضوية المالية، ووفاء الجانبين بالتزامات ترتبط بتمكين مواطني بريطانيا في دول الاتحاد والعكس من الاحتفاظ بحرية تنقلهم وحقوقهم الأخرى، حتى 31 ديسمبر 2020م، والتزام بريطانيا بدفع ما بين 35-39 مليار جنيه استرليني خلال عضويتها، ولها أن تشارك في المخططات المالية السنوية حتى نهاية الفترة الانتقالية الأولى، ولا يحق لها بعد ذلك حتى ولو تم تمدد الفترة الانتقاليَّة، إضافة إلى تقديم بريطانيا حلول إجرائية وملموسة لملف أيرلندا الشمالية وبما يكفل عدم إغلاق الحدود أو ترسيمها حتى لا تعود مراقبة الأشخاص والبضائع لأن ذلك يتنافى مع القوانين الاتحادية الأوروبية. وتوصل الطرفان- في قمة بروكسيل الاستثنائية 25 نوفمبر 2018م- إلى اتفاق الانفصال الذي سيُلحق به إعلان سياسي يضبط مسار العلاقات المستقبلية بينهما.

لكن هذا الاتفاق الذي يتطلب تصويت الأغلبية في البرلمان البريطاني شكل بداية المشكلة فقد اعتبر برلمانيون ومعارضون بريطانيون نقاطه تنطوي على إجراءات واشتراطات إجرائية ستضع بريطانيا أمام مشاكل اقتصادية غير مسبوقة، إذ أفادت وثائق حكومية مسربة، أن بريطانيا ستواجه نقصًا في الوقود والغذاء والدواء، وفقدان الوظائف وتعطل في موانئها لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. وإن الرسوم الجمركية لاستيراد البنزين ستؤدي إلى إغلاق مصفاتي نفط وخسارة ألفي وظيفة وإضرابات وتعطيلات، وهذا ما جعل البرلمان يرفض اتفاق تريزا مع الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات.

ما غاب عن المراقبين الذين أسهبوا في الحديث عن تداعيات ما بعد الانسحاب، هو التأثيرات التي تزامنت مع تكرار تأجيل موعد بريكست من 29 مارس 2019م، إلى 12 إبريل، ثم إلى 22 مايو ثم إلى 31 أكتوبر ثم إلى 31 يناير 2020م. وبين المسافات الزمنية لهذه المواعيد استقالت رئيسة الوزراء ماي تريزا في 24 مايو الماضي تحت قبة البرلمان بعد فشلها بالوفاء بوعدها بمصادقة أكثرية البرلمان على اتفاق الانسحاب، ليصعد خلفا لها بوريس جونسون الذي وعد –عقب فوزه- بالانسحاب في الموعد المحدد حتى دون اتفاق، لتتعهد المعارضة البريطانية بإسقاطه في حال استمر على إصراره، واستقال تسعة وزراء من حكومته، ما حدا بجونسون إلى إعلان تعليق جلسات البرلمان، الأمر دفع المحكمة البريطانية العليا بإصدار حكم أبطل هذا الاعلان كونه خطوة غير قانونية.. ورغم إصرار جونسون على الانسحاب في 31 أكتوبر دون اتفاق، إلا إنه قبل جبرًا بطلب مهلة ثالثة أعلن الاتحاد الأوروبي في 28 أكتوبر2019م، قبولها والتمديد حتى 31 يناير 2020م مؤكدًا أن الانسحاب قد يتم في حال تم التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد.

"البريكست".. تداعيات تطال الطرفين

بريطانياً.. يتوقع المراقبون إن اتفاقية "بريكسيت " ستكلف بريطانيا 100 مليار استرليني سنويًا بحلول 2030م، وسيتناقص الناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.9 سنويًا. وسينخفض الناتج القومي الإجمالي بنسبة 6,6% بحلول سنة 2030م وستفقد بريطانيا امتيازات العضوية الكاملة في حُرَيَّة دُخُول البضائع والسلع والخدمات بدون تعرفة جمركية لأكبر سوق موحدة في العالم، مع تلاشي مكانة لندن كأبرز سوق مالي أوروبي دولي لصالح لوكسمبرج، كما أن المؤسسات المالية المستقرة في لندن والناشطة في السوق الأوروبية الموحدة، ستخسر جواز عبورها الأوروبي، وستفقد لندن – تبعًا لذلك- نحو (100) ألف وظيفة كانت مرتبطة بتصدير خدمات مالية داخل الاتحاد الأوروبي وستنتقل هذه الوظائف إلى داخل الفضاء الأوروبي. إضافة إلى ذلك يتوقع انخفاض إجمالي التجارة بين بريطانيا والاتحاد بنحو 46%، وسينخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي 3% سنويًا، وسينخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 21%. كما سيتراجع عائد الضرائب لخزينة بريطانيا نحو 1.5-2%، ما يعادل 18-23 مليار استرليني خلال تلك الفترة، فيما سترتفع الضرائب المستحقة على البريطانيين وتخفض النفقات، لتعويض نقص مالي بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني.

أما أوروبيًا، فيرى المراقبون أن الاتحاد سيتحمل تراجع إجمالي الناتج القومي للاتحاد بنسبة 16.7٪ ما يعادل 2.761 تريليون دولار أمريكي. كما أن حصة الفرد ستتراجع إلى 30.2 ألف دولار. وانهيار جزئي للصورة الذهنية التي تؤطر المكانة الدولية للاتحاد الأوروبي كأهم كيان عالمي، وسيفتح الباب على نماذج أخرى من الدول الأعضاء تريد الانسحاب.. ليفضي هذا التداعي القسري إلى فقدان الفكرة الأوروبية لجاذبيتها. وخفوت الرضى الشعبي والسياسي القُطْرِي بما يجري في الطَبَقْة العُلُويَّة لمحركي الاتحاد.

إضافة إلى انكشاف هشاشة الاتحاد كمشروع سياسي في مواجهة الأزمات، فمليون لاجئ سوري تسببوا في انقسام الاتحاد، ونشوء حدود مغلقة لأول مرة في تاريخ الاتحاد منذ نشأته، في تكتلات جزئية تواجه اللاجئين، وصعود متسارع لليمين المتطرف وغياب آليات المواجهة وفق رؤى مشتركة. وفقدان مثلث التوازن القائم في الترويكا الأوروبية بين (لندن-باريس – برلين) كقوة نووية صاحبة مَقْعَدْ داَئم في مَجْلِس الأمن، وتحولها إلى (أوروبا جديدة متعددة الأقطاب) يحيط بأقطابها قوتان نوويتان عند الأطراف بريطانيا العضو السابق، وروسيا الخصم اللدود، إضافة لفقدانه امتداد استراتيجي بفقدان دور بريطانيا المحوري في الربط –عبر الأطلسي- بين "بروكسل" و"واشنطن".

"بريكست".. ودول مجلس التعاون الخليجي

إن الحديث عن مدى التأثيرات القائمة والمحتملة لانسحاب بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي سلبًا وإيجابًا، يقتضي الإشارة الخاطفة إلى مؤشرات المصالح المشتركة منذ توقيع الاتفاق الخليجي الأوروبي الموقع بين المجموعة الأوروبية ومجلس التعاون الخليجي في 1989م، الذي كان بداية رسمية للتعاون، ثم تسارعت بعد ذلك مؤشرات الشراكة الاقتصادية، إلى التعاون شبه المصيري سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا خصوصًا إذا ما أدركنا أن النفط ومشتقاته يمثل 70% من واردات الاتحاد الأوروبي من دول الخليج ليغطي 20% من احتياج الاتحاد من الطاقة، فتوقف النفط يعني توقف الحياة وشللها لعدم كفاية البدائل أو الواردات من الأسواق الدولية الأخرى.. وفي المقابل يمثل الاتحاد الأوروبي عمقًا استهلاكيًا بالغ الأهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تؤكد المؤشرات إن إجمالي قيمة الصادرات النفطية الخليجية إلى أوروبا بلغ 32.7 مليار دولار، وتأتي السعودية ضمن أهم الدول المصدرة للنفط إلى الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2016م، صدرت المملكة ما يقدر بنحو 7.1 مليون برميل يوميًا من النفط الخام ووفقًا لمؤشرات التجارة العالمية تلقت أوروبا 10% من هذا الإنتاج أي قرابة 700 ألف برميل من النفط في اليوم.

ورغم إن التجارة البينية بين الجانبين شهدت نموًا مطردًا في الفترة بين 2007 و2017م، إذ زاد إجمالي التجارة بنسبة 54% في عشر سنوات، إلا إنها شهدت تذبذبًا بين العامين الأخيرين، حيث تراجعت قيمة التبادل التجاري بين مجلس التعاون وبين دول الاتحاد الأوروبي من 155 مليار يورو في عام 2017م إلى 143 مليار يورو في عام 2018 م، وهو ما يؤكد اعتراض تداعيات بريكست وأزمته لمسار التطور المأمول.. ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن صادرات الاتحاد الأوروبي إلى دول مجلس التعاون، تنوعت في مجالات أخرى رغم ارتكازها على المنتجات الصناعية (91%) مثل محطات توليد الطاقة وقاطرات السكك الحديدية والطائرات، إضافة إلى الآلات الكهربائية والأجهزة الميكانيكية، فمثلاً بلغت صادرات الآلات ومعدات النقل 47.7 مليار يورو بنسبة 48.0%، والمواد الكيميائية وصلت 10.5 مليارات يورو بنسبة 11%، من الفئات الرئيسة للمنتجات المصدّرة عام 2016. أما واردات الاتحاد الأوروبي من دول مجلس التعاون الخليجي، فهي الوقود المعدني ومنتجات التعدين التي بلغت وارداتها 28.7 مليار يورو بنسبة 66%، وبلغت واردات أوروبا من اللؤلؤ والمعادن الثمينة 2.8 مليار يورو بنسبة 6.3% من وارادتها من الخليج.. أما حجم التبادل الاستثماري الخليجي الأوروبي فهو كبير جدًا ويمكن الإشارة إلى أن حجم استثمارات دول الخليج في الاتحاد الأوروبي بلغ -حسب مكتب الإحصاءات الأوروبي "يوروستات- 92 مليار يورو (105 مليارات دولار) بنهاية عام 2017، في حين يستثمر الاتحاد 98 مليار يورو (112 مليار دولار) في دول الخليج. فيما بلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر لمستثمرين مقيمين خليجيين في الاتحاد الأوروبي 7 تريليونات يورو في نهاية عام 2017م، بتراجع بنسبة 4.8% مقارنة بنهاية عام 2016م، كما قدر إجمالي الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بأكثر من 130 مليار دولار في 2016م، وترغب الحكومة البريطانية والقطاع الخاص فيها في الحصول على فرص استثمارية في الخليج خاصة تنفيذ المشروعات العملاقة ومشروعات البنية الأساسية التي تقدر قيمة الاستثمار فيها خلال العشر سنوات القادمة 200 مليار دولار.

وتبعًا لمؤشرات هذه التعاون الاقتصادي والسياسي فإن تداعيات بريكست ستطال الجانبين الخليجي والأوروبي وعلى مسارين متداخلين هما:

أولا: التداعيات السلبية المتبادلة

  • يتوقع أن تتأثر الاستثمارات الخليجية المشار لها سابقًا في دول الاتحاد الأوروبي بالذات في بريطانيا بعد انسحابها من السوق الأوروبية.
  • ستشهد الودائع المالية الخليجية في المصارف البريطانية جمودًا غير مسبوق، ولن تشهد أي ارتفاع في المستقبل، إلا بتوفر أحد ثلاثة شروط أو كلها:
  • إذا تزامنت مع مراحل الانسحاب موجة من الكساد الاقتصادي الأوروبي
  • إذا قام الأوروبيون بسحب رؤوس أموالهم من داخل بريطانيا.
  • إذا حدث تراجع حاد في قيمة الإسترليني. وتاليًا لذلك لن يكون أمام البنك المركزي البريطاني مهربًا من زيادة معدلات الفائدة، كوسيلة فعالة لجذب المزيد من الودائع. وهذا ما هو حاصل الآن خصوصًا مع تراجع قيمة الاسترليني أمام الدولار واليورو بسبب تأجيل مواعيد الانسحاب.
  • ستتأثر الاستثمارات الخليجية نظرًا لتراجع قيمة العقارات البريطانية إلى 18%. بعد أن وصلت نسبة زيادة أسعارها 40%، وهي مقيمة بأعلى من قيمتها في "لندن" مقارنة بـ 15 مدينة عالمية أخري.
  • يتوقع تراجع قدرة المستثمرين الخليجيين في تحمل الخسائر في حال استمر مؤشر انخفاض أسعار العقارات بين 1-4 %، أما إذا صعدت الخسائر فوق ذلك فسيدفعهم للمغادرة لقناعتهم بعدم القدرة على استعادة الخسائر في المستقبل.

 

ثانيًا: التداعيات الإيجابية المتبادلة

  • يتوقع أن تتدفق الاستثمارات الأوربية بصفة ثنائية خارج قيود الاتحاد، في العشر سنوات القادمة، وستتاح الفرصة لبريطانيا أكثر في توسيع استثماراتها في الخليج خصوصًا في المملكة العربية السعودية التي فتحت برؤيتها المستقبلية حتى عام 2030م، آفاقًا استثمارية رحبة في كل المجالات الحيوية.
  • يتوقع أن يقوم المضاربون الخليجيون باستغلال فرصة انهيار الأسعار العقارية في "لندن" وتكثيف استثماراتهم على أمل تحسن الأوضاع السعرية مستقبلا، والبيع عند ارتفاع الأسعار وتحقيق معدل ربح ملموس.
  • اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي ستكون في وضع نسبي أفضل، خصوصًا وخروج بريطانيا سيؤدي إلى تراجع قيمة الإسترليني واليورو بقوة أمام الدولار الأمريكي. وذلك لأن النفط يقيم في الأسواق الدولية بالدولار.
  • من المتوقع أن يكون باستطاعة دول الخليج القيام بعملية شراء أصول بريطانية أو الاستثمار في بريطانيا بشكل أفضل نظراً لقوة الدولار الأمريكي في مواجهة الاسترليني.
  • يتوقع أن يندفع الاتحاد الأوروبي، أو بريطانيا، أو بكليهما إلى بناء تحالفات اقتصادية تعزز استثماراتهما في منطقة الخليج الغنية بالثروات النفطية.
  • قيام بعض القطاعات الاقتصادية الأوروبية أو البريطانية كالقطاع المصرفي وقطاع الطاقة النفطية أو المتجددة -التي تعدُّ أبرز قطاعات الاقتصاد الأوروبي والبريطاني-بنقل نشاطاتها الاقتصادية إلى منطقة الخليج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب يمني

مجلة آراء حول الخليج