array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 144

المعطيـات ترجـح انتصـار الجيـش الوطنـي الليبـي وتحريـر طرابلس

الإثنين، 02 كانون1/ديسمبر 2019

مع انتهاء عـام 2019م، يكُونُ عُمْرُ الأزمة السِّياسيَّة الليبيَّة ستُّ سنواتٍ، إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ بوادرها الأولى كانت مُنذُ 2014م، حيثُ كانت ولاية المُؤتمر الوطني العام ستنتهي بحُلُول السابع من فبراير من ذلك العام، وبدأت تخرُجُ أصواتٌ من داخله تقترحُ التمديد لهُ حتى نهاية العام، وذلك لمْ يكُن موضع قبُولٍ شعبيٍّ، بل خرجت تظاهُراتٌ رافضةٌ لهُ في العديد من المُدُن الليبيَّة. ورغم ذلك واصل المُؤتمرُ الوطنيُّ أداءهُ لمهامِّه، بناءً على مُقرَّرات خارطة الطريق التي تمَّ إقرارُها من المُؤتمر، والتي تنتهي بتسليم السُّلطة إلى جسمٍ مُنتخبٍ آخر بعـد عام.

وقد أجريت انتخاباتُ مجلس النواب في أغسطس 2014م، وفق قانُون الانتخاب قبل أنْ يتمَّ الطعـنُ في الفقرة (11) من المادة الثلاثين من التعديل الدستُوريِّ أمام المحكمة الليبيَّة العُليا التي حكمت في 6 نوفمبر 2014م، بعـدم دستُوريَّة هذه الفقرة، وكلُّ ما يترتبُ عليها من آثارٍ. وبعد جولاتٍ مُضنيةٍ من الحوار تمَّ التوقيعُ على "الاتفاق السِّياسيِّ الليبيِّ" في 17/ديسمبر/2015م، بالصخيرات المغربيَّة. وهُو اتفاقٌ يتكوَّنُ من سبعةٍ وستين مادَّة، بالإضافة إلى الأحكام الإضافيَّة (15) مادَّة، والملاحق السِّتَّة.

ورغم أنَّ مجلس النواب أقرَّ الاتفاق في يناير 2016م، إلاَّ أنَّهُ ألغى المادة (8) من باب الأحكام الإضافيَّة، التي نقلت صلاحيَّات المناصب الأمنيَّة لمجلس رئاسة الوُزراء، ليُثير بذلك عُقدة الشق الأمنيِّ في الاتفاق، خاصَّة أنَّ إلغاء هذه المادَّة جاء حفاظًا من مجلس النواب على تحالُفاته مع المُشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي التابع للبرلمان. كما برزت عراقيلُ أخرى في إنفاذ الاتفاق تجلَّتْ في عدم منح حُكُومة الوفاق الوطنيِّ الثقة من مجلس النواب، حيثُ بَدَا هذا الأخيرُ مُنقسمًا على نفسه تجاه تشكيلة الحُكُومة، ولم يمنع ذلك فايز السراج (رئيس المجلس الرئاسي لحُكُومة الوفاق) من دُخُول العاصمة طرابلس في نهاية مارس 2016م، مُعتمدًا في ذلك على تحالفاتٍ مناطقيَّةٍ في الغرب الليبيِّ مع مصراته، إضافة إلى بيان تأييدٍ لمئة من أعضاء مجلس النواب، بعد فشل اكتمال نصابه أو انعقاده من الأساس أكثر من مرَّة للتصويت على الحُكُومة، إضافة إلى الدَّعم الدَّوليِّ، وخاصَّة من القوى الأوروبية والولايات المُتحدة، كما أنَّ مجلس الأمن اعتبرها المُمثلة الشرعيَّة الوحيدة لهـذا البلد، وراهنت عليهـا تلك الأطرافُ لتحقيق الاستقرار. كما أنَّ فايز السراج تلقى دعمًا مُضافًا من الغـرب الليبيِّ، بعد تشكُّل المجلس الأعلى للدَّولة في أبريل 2016م، كجُزءٍ من إنفـاذ "اتفاق الصخيرات" على أرض الواقـع.

ضمــن هذا السيـاق، سوف نتناولُ في هذه المقـالة الجـوانب الرئيسية التالية:

أولاً: أسبابُ تعقيد الأزمـة الليبيَّة واستعصائها على الحـلِّ.

ثانيًا: حربُ الجيش الوطنيِّ الليبيِّ على الإرهاب بالعاصمة الليبية: الأسبابُ والنتائجُ.

ثالثًا: المُبادراتُ الرَّاهنة لحـلِّ الأزمة الليبيَّة، وأبرز سيناريُوهات المُستقبـل.

 

أوَّلاً: أسبابُ تعقيد الأزمة الليبيَّة واستعصائها على الحَـلِّ:

في ضوء الاستهلال السَّابق حول ملامح الأزمة الليبيَّة يُمْكِنُ القولُ أنَّ منْ أبرز أسباب تعقيدهـا ما يلي:

- "البُعـدُ الأيديُولوجيُّ" في الصِّراع الدَّائر بين مُختلف الفرقاء، ففي حين يُحاربُ الجيشُ الوطنيُّ الليبيُّ من مُنطلق عقيدةٍ عسكريَّةٍ ترتكزُ على الولاء للهِ، ثُمَّ للوطن، وحماية أمنه القوميِّ من "الجماعات الإرهابيَّة" على اختلاف أنواعها، نجدُ في المُقابل أنَّ تلك الجماعات تُحاربُ وفق أيديُولوجيَّاتٍ مُختلفةٍ، حيث كان المشهد في تلك الفترة (خُصُوصًا 2014-2018م) يعجُّ بالعـديد من الحركات والجماعات الإرهابيَّة كتنظيم (القاعدة)، و(داعش)، و جماعة أنصار الإسلام و المُسلمين" والميلشيات المُتحالفة مع جماعة الإخـوان، وغيرهـا..

- ضعفُ مُؤسَّسات الدَّولة، وتجاوُزُ مُعظم الاستحقاقات الدستُوريَّة، والضَّرب بالمصلحة الوطنيَّة عرض الحائط، وذلك بدا واضحًا في وُجُود حُكُومتين، إحداهُما: حُكُومة الوفاق الوطنيِّ المُنبثقة عن اتفاق الصخيرات، والحُكُومة المُؤقتة التي انبثقت عن البرلمان المُنتخب، ومقرُّهُ في طبرق، في مُقابل المجلس الأعلى للدَّولة، الذي نشأ بمُوجب "اتفاق الصخيرات"، باعتباره "هيأة استشارية" كما أنَّ ضعف هذه المُؤسَّسات قد بدا واضحاً أمام تغوُّل المليشيات في طرابلس، حيثُ تقُومُ بالسيطرة عليها، وابتزاز العاملين فيها، ونشر الفوضى والرُّعب، والتدخُّل في عملها، والضغط على حُكُومة الوفاق لتحقيق مصالحهـم.

- وجُودُ مجمُوعة من الثروات في الدَّولة، كالبترول والغاز، وسعي الميليشيات للسيطرة على هذه الثروات.

- تناقُضُ مصالح الدُّول المُتدخلة في الأزمة الليبيَّة، ودعمُ كُـلٍّ منها لطـرفٍ مُعيَّنٍ من أطراف الأزمة على حساب الطرف الآخر، مما ساهم بشكل واضح في مزيد من التعقيد والإرباك للمشهد الليبي. بالإضافة إلى وُجُود أطرافٍ (دوليَّة ومحليَّةٍ) مُستفيدة من الأزمة، والانقسام السِّياسيِّ، وتبذلُ جُهُودها لكي تستمرَّ أكثر.

- التَّغـيُّرُ المُستمرُّ في التحالفات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة؛ نظرًا للتقلبات السِّياسيَّة والأمنيَّة التي واكبت وفاقمت تعقيدات المشهد العامِّ، وأبرزت تقاطُع المصالح القبليَّة، والجهويَّة، والأيديُولوجيَّة، فضلاً عـن مـا رافقها مـن تدخُّلٍ إقليميٍّ ودوليٍّ. وخلال الأعوام الماضية لم تتوقف أطرافُ الصراع عن عقد التحالفات ونقضها، وهو ما يُفسِّرُ غياب القُدرة على ضبط المشهد المحلي، الذي يتسمُ بالانشطار المُستمـرِّ.

- بالإضافة إلى ما سبق فإنَّ المُعضلة الجوهـريَّةُ (في هذه الأزمة والوساطات التي تُجْرَى لحلِّها) تَكْمُنُ في كيفيَّة التَّوصُّل إلى اتفاق سلامٍ مقبُولٍ ومُتوازنٍ، وقابلٍ للتنفيذ، يُلبِّي الاحتياجات المُتنافسة للفواعل المُتصارعة، في ضوء قيُودٍ مطرُوحةٍ، كتعدُّديَّة أطراف الصراع وانقساماتهم الداخليَّة، وامتلاك كُلٍّ منهُم لظهيرٍ إقليميٍّ، وتردُّد القـوى الكُبرى في التدخُّـل العسكـريِّ لحسـم الصِّــراع الليبيِّ.

- الانقسامُ السِّياسيُّ بين النُّخب الليبيَّة، وعدمُ توافُق المُؤسَّسات القائمة، وفقًا لاتفاق الصخيرات (البرلمان والمجلس الأعلى للدَّولة وحُكُومة الوفاق الوطني)، وضعفُها، وعدمُ رغبة القائمين عليها في الالتزام بخُطـوات التحوُّل من المرحلة الانتقاليَّة إلى مرحلةٍ دائمةٍ يحكُمُها دستُورٌ دائمٌ يتمُّ الاستفتاءُ عليه، وانتخابات رئاسيَّة وبرلمانيَّة جديدة تُـؤدِّي إلى اختيار نُخبة جديدة تقُـودُ البـلاد بدعـمٍ شعبيٍّ.

ثانيًا: حربُ الجيش الوطنيِّ الليبيِّ على الإرهاب بالعاصمة الليبية: الأسبابُ والنتائجُ:

أطلق الجيشُ الوطنيُّ الليبيُّ في الرابع من أبريل 2019م، عمليَّة عسكريَّة لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابيَّة، وكان ذلك تطوُّرًا مُهمًّا في مسار الأزمة الليبيَّة، انعكس بشكلٍ واضحٍ على مُجمل مُعطيات المشهد الليبيِّ المُعقَّـد. وفي هذا الصَّدد، أكَّد القائدُ العامُّ للجيش الليبي المُشير أركان حرب/ خليفة حفتر (أكتوبر2019م) أنَّ: الجيش الليبيَّ هُو جيشٌ نظاميٌّ، واجبُهُ الوطنيُّ هُو حماية العاصمة، وما يقُومُ به الجيشُ هُو دفاعٌ عن العاصمة، وليس هُجُومًا عليها.. فطرابلسيقطُنُها قُرابة مليُوني نسمة، ونحنُ نخُوضُ حربًا في مُواجهة مجمُوعاتٍ إرهابيَّةٍ مُتطرِّفةٍ وأخرى مليشياويَّة إجراميَّة أتاحت لها الظرُوفُ أنْ تُكدِّس كمِّياتٍ هائلةٍ من السِّلاح على مدى سنواتٍ، وتتلقى أموالاً طائلة من خزينة الدولة، ومن دُولٍ داعمةٍ للإرهاب وتستعين بالمُرتزقة بالآلاف. ونحنُ بإمكاننا أن نُنهي هذه الحرب خلال يومٍ أو يومين عن طريق اجتياحٍ كاسحٍ بالأسلحة الثقيلة من جميع المحاور، لكنَّ ذلك سيُؤدِّي الى دمار المدينة وخسائر كبيرة في صُفُوف المدنيين من سُكَّانِهَا.. نحنُ نضعُ سلامة المُواطنين ومرافق المدينة فوق كُلِّ اعتبارٍ، لذا حرصنا على استدراج تلك المجمُوعاتإلى ضواحي المدينة، ونجحنا في ذلك، وألحقنا بها خسائر فادحة، وسندخُلُ طرابلس فاتحين بإذن الله، لنُعيد لها هيبتها ومكانتها ودورها كعاصمة لكُـلِّ الليبيين، وعاصمة للأمـن والسَّـلام".

ولذلك يرى البعضُ أنَّ: هُنالك هدفان رئيسيَّان لهذه العمليَّة العسكريَّة، الأول: تكريس وضعية الجيش الوطني كقوة مركزية وطنية تسيطر على الوظيفة الأمنية للدولة، ومن ثم السعي إلى حيازة العاصمة لرمزيتها السياسية في بنية السلطة، لا سيما بعد أن أحكم الجيش سيطرته على معظم أراضي الدولة. الهدف الثاني: توفير مناخات أمنية مستقرة لإنفاذ الاستحقاقات السياسية المتعثرة، منذ توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015م، دون تدخلات قوى ميليشياوية أو قوى خارجية لها أطماع في ليبيا.

ومن الناحية الميدانية نلاحظ أن التقارير تفيد بأن حرب العاصمة (التي دخلت شهرها السابع حاليًا) حامية الوطيس بين الطرفين، وقد نجح الجيشُ خلالها في استنزاف قُدرات الخصم، واتَّضح جليًّا مقدارُ الدَّعم الذي تقدِّمُهُ أطرافٌ خارجيَّةٌ لحُكُومة الوفاق والمليشيات الإرهابيَّة التي تدعمُها في مُواجهة الجيش الوطنيِّ، حيثُ أسقط هذا الأخيرُ عشرات الطائرات المُسيَّرة التركيَّة، وغنم كثيرًا من الأسلحة والذخائر والمُعدَّات الحربيَّة التي كانت تستخدمُها قوى التحالُف الميلشياويِّ".. وفي المُؤتمر الصحفيِّ الأسبُوعيِّ للناطق باسم القيادة العامَّة للقُوَّات المُسلحة اللواء أحمد المسماري أفاد في أواخر أكتوبر الماضي بأنَّ: "قوَّات الجيش تُحققُ تقدُّمًا واسعًا حسب الخُطة الموضُوعة في عـدَّة مواقع بالعاصمة، مُوضِّحًا أنَّ الجيش يعملُ على إنهاء الحرب في أقرب وقتٍ". وأشار المسماري في تصريحات لهُ أنَّ: "معركة طرابلس وصلت إلى مرحلةٍ حاسمةٍ جدًّا، لافتًا إلى أنَّ السَّاعات القادمة ستكُونُ حُبلى بالأخبار حول تقدُّمات القُوَّات المُسلحة، مُوضِّحًا أن خطة استدراج الإرهابيين خارج طرابلس، وحرب الاستنزاف تمَّت بنجاحٍ، وهي شبيهة بعملية تحرير بنغـازي، حيثُ تمَّ القضـاءُ على رُؤُوسٍ كبيرةٍ من الإرهـابيين".

وتفيد التقارير أن الميليشيات تستخدمُ الجُزء العسكري بقاعدة معيتيقة الجوية بطرابلس والكلية الجوية بمصراته في تجهيز وتخزين الطائرات المُسيَّرة (UAV) وصواريخهـا، ومُضـادات طـائرات.

وفي ظـلِّ مُعطياتٍ داخليَّةٍ وخارجيَّةٍ مُعقدة أفرزت معركة طرابلس عدَّة اتِّجاهاتٍ رئيسيَّةٍ أبرزُها مـا يلي:

1-   استمرار حدة المعارك على الأرض بين الطرفين، مع اكتساب الجيش الوطني الليبي نقاط قوة تفاوضية جديدة، حيث أن ثمة حالة من اللاحسم الميداني في المعركة، بسبب طبيعة ديناميتها كحرب للمدن، مما يسبب تكلفة إنسانية عالية للمعارك التي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة شخص ونزوح أكثر من ثمانين ألف آخرين بحسب بعض المصادر.

2-   اصطفاف ميليشيات من طرابلس ومصراته وأجزاء من الزنتان، وميليشيات (إسلامية) خلف حكومة الوفاق الوطني، ورغم ذلك نجح الجيش في حيازة نقاط قوة ميدانية في أماكن مختلفة من العاصمة ومحيطها (خصوصا: غريان، ترهـونة، صرمـان، صبراتة)، مما جعل حكومة الوفاق الوطني وميليشياتها قيد الحصـار والضغط (البري والبحري والجوي) من قبل الجيش الوطني.

3-   فرض الجيش الوطني مُعادلة سياسيَّة جديدة تتجاوزُ سياقات اتفاق الصخيرات، الذي تأسَّس عند توقيعه على موازين ميدانيَّة داخليَّة، وهُو ما يختلفُ كُلِّيًّا عن نظيرتها التي تميلُ للجيش الوطنيِّ حاليًّا (2019)، مع سيطرته على غالبيَّة الأراضي والنفط. وقد انعكس تأثيرُ تلك المُعـادلة حين أبلغ المُشير خليفة حفتر الرئيس الفرنسي ماكرون في مايو من هذا العـام أنه: "مُستعـدٌّ للنقاش حول الحلِّ السِّياسيِّ، لكنَّ الوقت لم يحـن بَعْـدُ لعـدم توافُـر شُـرُوط وقـف إطـلاق النـار"..  

ثالثًا: المُبادرات الرَّاهنة لحـلِّ الأزمة الليبيَّة، وسيناريوهات المُستقبـل:

شهدت الأزمة الليبية من خلال الجهد الدبلوماسي (العـربي والدولي) طرح مجموعة من المبادرات، التي تمخضت عن عدد من الاجتماعات والملتقيات حول هذه الأزمة. ومنها على سبيل المثـال:  

1-المُبادرات الفرنسية: قدَّمت فرنسا مُبادرتها للحل السِّياسيِّ في "اجتماع باريس" بين المُشير حفتر وفايز السراج في يوليو 2017م، وشملت نقاط الاتفاق وقفًا مشرُوطًا لإطلاق النار وتنظيم انتخابات رئاسيَّة ونيابيَّة عام 2018م، وتنفيذ المادة الـ 34 من الاتفاق السياسي بشأن الترتيبات الأمنية.وقال ماكرون إن "المُبادرة الفرنسية لإحلال الاستقرار في ليبيا جاءت على خلفية تزايُد العقبات التي منعت تطبيق اتفاق الصخيرات". ورأى البعض أن "موقف فرنسا من الجيش الليبي يُعتبرُ رسالة صريحة للأطراف الداخلية والخارجية على أنه الجهة الوحيدة التي ستُوكلُ إليها مُهمَّة الأمن والاستقرار في ليبيا". وفي 29/5/2018 احتضنت باريس اجتماعا مُهمّاً حول الأزمة الليبية، (حضرهُ: المشير حفتر قائد الجيش الليبي، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة)، قُدِّمت فيه "مُبادرة فرنسية" تضمَّنت عدَّة بُنُودٍ، منها: الدَّعـوة إلى "توحيد البنك المركزيِّ الليبيِّ فورًا، وحل جميع المُؤسَّسات المُوازية"، وإلى ضرُورة "الالتزام بدعم الحوار العسكريِّ الجاري في القاهرة وتوحيد الجيش الوطنيِّ الليبيِّ، وتشكيل الهيكل الوطنيِّ العسكريِّ الذي سيتمُّ تنفيذُهُ بعد الانتخابات تحت السُّلطة المدنيَّة". كما تضمَّنت "الإقرار بأهمية وضع أسس دستورية" للانتخابات القادمة. كما تم التأكيد على أن الجهة التشريعية الوحيدة التي ستعتمد "الأسس الدستورية" وقانون الانتخابات هي البرلمان بعد "استشارة" مجلس الدولة. كما أشارت إلى ما يشبه القرار الأممي بانتهاء كافة الأجسام الحالية وحكوماتها، وأنه في حال اعتماد ما أعلن عنه ستكون شرعية كل الأجسام المُوقعة عليه نابعة من وثيقة "اتفاق باريس"، والتي ستنتهي في ديسمبر 2018.لكن هذه المُبادرة لم تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع.

2-المُبادرات الإيطالية: دعت إيطاليا إلى لقاء آخر حول الأزمة الليبية في إيطاليا، وبالفعل عُقد في باليرمو في: 11 و12/نوفمبر/2018م، وانتهى إلى الاتفاق نظريًّا على عدَّة مبادئ منها: دعمُ خُطَّة المبعُوث الدولي غسان سلامة الخاصَّة بعقد مُؤتمرٍ وطنيٍّ جامعٍ في ربيع 2019م، يليها إجراء انتخابات رئاسيَّة وبرلمانيَّة. وتأييد الجُهُـود المصريَّة الخـاصَّة بتوحيـد المُؤسَّسة العسكريَّة الليبيَّة، ودمـج فرعي البنك المركزي وغيرها.

3-مبادرات بعثة الأمم المتحدة في ليبيا: قدم غسان سلامة عدة مبادرات، منها (ما أشير له سلفًا) حول عقد مؤتمر وطني جامع، وكذلك قدم خطة أخرى مكونة من جانبين، الأول: إجراء حوار وطني موسع، ينتهي إلى تحقيق توافق مجتمعي، الثاني: تحديد موعد أولي للانتخابات في ربيع 2019م، بناء على توافق وطني. ولكن البعثة بسبب صعوبة الظروف الأمنية أخفقت في تحقيق أي من بنود هذه المبادرة الأممية.

4-المُبادراتُ الليبيَّة: أ-مبادرة مجلس النواب لتسوية الأزمة الليبية: وضع أعضاء مجلس النواب خارطة طريق لتسوية الأزمة، واتفقوا خلال اجتماعهم الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة في أكتوبر الماضي (2019)، على تشكيل لجنة للتواصل مع البعثة الأممية، للإعداد لجلسةٍ لمجلس النواب بمدينة غات الليبية أو أي مدينة أخرى، للعمل على مناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكذلك ما يستجد من أعمال. واجتمع 90 نائبًا من أعضاء مجلس النواب مُمثلين عن الدوائر الليبية الثلاثة عشر، بدعوة من مجلس النواب المصري بالقاهرة، في إطار التشاور حول آخر المستجدات، وسُبل حل الأزمة الليبية، واستكمالاً للقاء القاهرة الأول.

ب-مُبادرات حكومة الوفاق الوطني: أطلق فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في يونيو الماضي مُبادرته للتفاوُض على ما أسماه "إنهاء الهُجُوم على طرابلس"، إلا أن أحدًا لم يعر مبادرته اهتمامًا، ما دفع خالد المشري القيادي الإخواني رئيس مجلس الدولة الاستشاري التابع للسراج لإعلان مبادرته الخاصة، والتي لم تختلف عنها إلا في تمسكه بأن يكُون لهُ دورٌ في المُستقبل. إن تعدد المبادرات هو مُؤشر واضح على تشتت أمر تحالف (الوفاق مع المليشيات). وعلى الشعور بقرب خسارتهم لمعركة السيطرة على العاصمة الليبية.

5-الجدلُ حول المُبادرة الألمانية ومُؤتمر برلين: تستعـدُّ ألمانيا لعقد مُؤتمرٍ حول ليبيا نهاية العام الحالي، ستجتمعُ فيه مُعظمُ الأطراف الدَّوليَّة المُؤثرة في الملف الليبيِّ لبحث حلٍّ سياسيٍّ يُنْهِي النزاعَ القائمَ، وتغيبُ فيه القوى المحليّة الفاعلة، وقد رافقته تساؤلات عن مدى واقعية الأهداف التي يسعى المُنظمُون إلى تحقيقها، وفُرص نجاح المُؤتمر بعد تغييب أطراف الصِّراع الرئيسيَّة منهُ، خاصَّةً في ظلِّ تواصُل التَّصعيد العسكريِّ داخل البلاد. وتُراهنُ ألمانيا التي طالما بقيت طرفًا مُحايدًا في الملف الليبيِّ على إنجاح هذا المُؤتمر الذي سيُعقد في برلين، وبدأت لهذا الغرض منذ أسابيع، تحرُّكاتٌ دبلوماسيَّة على أكثر من مُستوى، لضمان حُضُور الجهات الإقليميَّة والدَّوليَّة المُنخرطة في الأزمة الليبيَّة، خاصَّة فرنسا وإيطاليا وروسيا، منْ أجل الاتفاق حول البُنُود الرَّئيسيَّة والحُلُول السِّياسيَّة اللازمة لوقف الحرب في ليبيا، وعدم تكرار أخطاء مُؤتمري باريس و باليرمو. وبعـد عدَّة تجاذُبات، قرَّرت الحُكُومة الألمانيَّة، تحديد شهر ديسمبر (2019) موعدًا مبدئيًّا لعقد المُؤتمر. ومن خلال مُبادرتها تُريدُ المُستشارة الألمانية: أنجيلا ميركل وقف النزيف الليبيِّ، وتحويل ليبيا من بُؤرةٍ للمشاكل والصِّراعات إلى مُلتقى للتوافُق الإقليميِّ والدَّوليِّ يُحقِّقُ الاستقرار لإفريقيا وضفَّتي البَحْرِ الأبيض المُتوسِّط. ويُلاحَظُ أنَّ التكتُّم والحذر الشديد في العاصمة برلين يُحِيطُ بمُجريات التَّحضيرات لهذا المُؤتمر؛ في مُحاولةٍ لتوفير أقصى شُرُوط النَّجاح للمُبادرة الألمانيَّة التي تُوصفُ بـ"الفُـرْصَةِ الأَخِيرَةِ" لِلحَلِّ السِّلْمِيِّ، وإيقاف النَّزِيفِ الليبيِّ. وقد استبق الجيشُ الوطنيُّ الليبيُّ عقد مُؤتمر برلين، بالتأكيد على تمسُّك القيادة العـامَّة للجيش الليبي بكُـلِّ جُهدٍ دوليٍّ لتحقيق السَّلام والاستقـرار، والقضـاء على الإرهـاب، وتفكيك المليشيات، وجمـع السِّـلاح.

* سيناريوهـات مُستقبـل الأزمة الليبية:

من خلال تحليل مُعطيات الواقع في المشهـد الليبيِّ، وقراءة ملامح عددٍ من المُتغيِّرات (الدَّاخليَّة والخارجيَّة) ذات العلاقة بالأزمة الليبيَّة الرَّاهنة، والاطلاع على عددٍ من التقارير والدِّراسات ذات الصِّلة بموضُوع البحث، يُمكنُ القولُ أنَّ ثمَّة عدد من السيناريوهات التي قد تتجهُ نحْوَهَا تطوُّراتُ المشهد الليبيِّ في الفترة القادمة وأبرزُهـا: السيناريو الأول: انتصارُ الجيش الوطنيِّ الليبيِّ على الميلشيات وتحرير العاصمة الليبيَّة: حيثُ يتضمَّنُ هذا السيناريو سيطرة الجيش الوطنيِّ الليبيِّ على طرابلس، واسقاط حُكُومة الوفاق الوطنيِّ وحُلفائها من الميليشيات وجماعة الإخوان وعصابات الجريمة والإرهاب، وفي هذه الحالة ستنتقلُ مُؤسَّساتُ الدَّولة الشَّرعيَّة إلى العاصمة، وسيتمُّ تشكيلُ حُكُومةٍ وطنيَّةٍ لإدارة شُؤُون الدَّولة، حتى إجراء الانتخابات البرلمانيَّة والرِّئاسيَّة، والتصويت على الدستُور، والانتقال بالدَّولة إلى خُطوات مُتقدِّمة في المسار الدِّيمُقراطيِّ.

السيناريو الثاني: استمرارُ الوضع القائم: حيثُ يتضمَّنُ هذا السيناريو استمرارًا لمُعطيات الوضع القائم، حرب العاصمة بين الجيش الوطنيِّ والميليشيات المُتحالفة مع حُكُومة الوفاق، وعدم تقدُّم الجيش نحو اقتحام العاصمة حماية للمدنيين، وخوفًا على المرافق الحيويَّة الموجُودة في العاصمة، وذلك في ظلِّ استمرار الدَّعم التركي والقطري لحُكُومة الوفاق والميليشيات المُتحالفة معها، ممَّا يعني مزيدًا من التعثُّر في الانتقال إلى خُطـوات أخـرى على سُلَّم الانتقـال الديمُقـراطيِّ في ليبيا.

 

الخـاتمــة

وفي ظلِّ المُعطيات الحاليَّة في ليبيا يُمكنُ ترجيحُ السيناريو الأوَّل، وهُو: "انتصارُ الجيش الوطنيِّ الليبيِّ على الميلشيات وتحرير العاصمة الليبيَّة"، لعـدَّة أسبابٍ منها: أنَّ الجيش الليبيَّ نجح في حَـرْبِهِ على العاصمة طرابلس خلال الأشهـر السَّبعة الماضية في استنزاف قُـدرات الخَصْمِ، ومُمارسة الحصار عليه من جميع المَحَاوِرِ، بالإضافة إلى حُصُول الجيش على الدَّعم المحلِّيِّ (البرلمان والحُكُومة المُؤقتة والالتفاف الشَّعبيِّ حَوْلَهُ) والإقليميِّ (مصر والسعـودية والإمارات المُتحـدة وبعض دول الجوار الإفريقيِّ) والدَّوليِّ (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا)، ونجاحه الواضح أيضًا في تحقيق مُعظم الأهـداف التي يسعى إلى تحقيقها خلال هذه الحرب، وأبرزها: دحر الميليشيات الإرهابية، وقطع العديد من طرق إمدادها، وتحرير التراب الليبي من الإرهـاب، بعـد أن حرر الجيش الوطني شرق البلاد وجنوبها، وقام بتأمين منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية، وهذا يعني أن الجيش الليبي ماضٍ بعَـزْمٍ في أداء دوره الرئيسي المُتمثل في حماية الأمن الوطني للدولة، وسيادتها وثرواتها، وسلامة أراضيها. ويُمكنُ القـولُ ختامًا: أنَّ تسوية الأزمة الليبية رَهْـنٌ بتوافُق الفُرقاء الليبيينَ حَـوْلَ أُسُسِ وتوافُقاتِ تلك التسويـة المنشُودة، وتقارُب مصالـح الأطـراف الإقليميَّة والدَّوليَّة الفاعـلة في الأزمة الليبيَّة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مُحاضرٌ بكلية الاقتصـاد ـ جـامعـة بنغـازي، ليبيا

مجلة آراء حول الخليج