; logged out
الرئيسية / إيران من الداخل وتوجهاتها نحو المستقبل: انتفاضة الشارع وانقسام النظام

العدد 144

إيران من الداخل وتوجهاتها نحو المستقبل: انتفاضة الشارع وانقسام النظام

الإثنين، 02 كانون1/ديسمبر 2019

مثّل التوتر علامة بارزة في التفاعلات الداخلية والخارجية لإيران خلال المرحلة الحالية، وذلك لاعتبارين رئيسيين: يتعلق أولهما، باستمرار إصرار النظام الإيراني على استنزاف الموارد الوطنية في دعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة في الخارج، على غرار حزب الله في لبنان وحركة المتمردين الحوثيين في اليمن والميليشيات الطائفية في كل من سوريا والعراق. وقد أشارت دراسة صادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، في 7 نوفمبر 2019م، إلى أن إجمالي ما تقوم إيران بإنفاقه في دعم تلك الميليشيات يصل إلى 16 مليار دولار سنويًا، حيث يبلغ هذا الدعم في حالة حزب الله اللبناني، على سبيل المثال، 700 مليون دولار سنويًا، وهو ما ترجح تقديرات أخرى أن يكون أكبر من ذلك.

وقد أنتج ذلك تداعيات مباشرة على الأرض، تمثلت في استمرار الاحتجاجات الداخلية، التي يتوقع أن تتصاعد حدتها في ديسمبر الحالي، حيث تحل الذكرى الثانية للاحتجاجات القوية التي شهدتها إيران في عام 2017م، وامتدت إلى أكثر من مائة مدينة وقرية بسبب اتساع نطاق الاستياء الداخلي من فشل النظام في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه إيران.

وينصرف ثانيهما، إلى إصرار إيران على تبني سياسة راديكالية متشددة في التعامل مع التطورات الخارجية. فقد واصلت تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، وكان آخرها في 5 نوفمبر 2019م، عندما قامت بتوسيع نطاق عمليات تخصيب اليورانيوم من خلال إعادة إجرائها في منشأة فوردو التي كانت مخصصة، وفقًا للاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015م، لمواصلة الأبحاث الخاصة بالأنشطة النووية. وما زالت إيران أيضًا مُصِرَّة على تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية التي أمعنت في تهريب بعضها إلى الميليشيات الموالية لها، مثل ميليشيا المتمردين الحوثيين، والتهديد باستخدامها ضد المصالح الأمريكية الموجودة في المنطقة، وعلى بعد 2000 كيلو من حدود إيران، كما انعكس في تصريحات المسؤولين العسكريين في الفترة الأخيرة.

فضلاً عن ذلك، واجهت إيران اتهامات عديدة بالمسؤولية عن الهجمات التي تعرضت لها سفن وناقلات شحن ومنشآت نفطية، في منطقة الخليج العربي، في سياق تصعيدها المتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية التي رفعت من سقف العقوبات التي تفرضها على إيران.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن استمرار تفاقم حدة التوتر على الساحتين الداخلية والخارجية الإيرانية يبدو أنه سيكون مرجحًا خلال عام 2020م، باعتبار أن المتغيرات الرئيسية التي تسببت في هذا التوتر ما زالت قائمة دون تغيير.

أولاً: مؤشرات عديدة:

       يمكن تناول أهم مؤشرات التوتر الذي تتسم به التفاعلات التي تجري على الساحتين الداخلية والخارجية لإيران على النحو التالي:

1-وصول تداعيات العقوبات الأمريكية إلى مرحلة غير مسبوقة: رغم أن إيران اعتادت على التعرض لعقوبات أمريكية ودولية خلال العقود الأربعة الماضية، في ظل السياسة الراديكالية التي تتبناها باستمرار، إلا أن تداعيات هذه العقوبات لم تصل إلى مستوى التأثير الذي حققته العقوبات الحالية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية منذ انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018م، حيث بدأت في تفعيل تلك العقوبات على مرحلتين في 7 أغسطس و5 نوفمبر من العام نفسه، ثم قررت وقف العمل بالإعفاءات التي منحتها لثماني دول مستوردة للنفط الإيراني في 22 أبريل 2019م.  

هذه العقوبات أنتجت تأثيرات قوية على الأرض، حيث فاقمت من حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران ولم تفلح الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومة في احتوائها أو تقليص تداعياتها. فقد أدى تراجع الدول الرئيسية المستوردة للنفط الإيراني عن مواصلة استيراده، تجنبًا للتعرض لعقوبات أمريكية سبق أن هددت الولايات المتحدة الأمريكية بفرضها على أى من يتعامل مع إيران في هذا الصدد، إلى انخفاض صادرات إيران النفطية من نحو 2.5 مليون برميل يوميًا في مايو 2018م، موعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إلى 160 ألف برميل في أغسطس 2019م.

كما انسحبت الشركات الأجنبية التي سارعت إلى إبرام صفقات مع شركات إيرانية بعد الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية من السوق الإيرانية مجددًا عقب فرض العقوبات الأمريكية، وعلى رأسها شركة "توتال" الفرنسية التي انسحبت من مشروع تطوير المرحلة الحادية عشر من تطوير حقل بارس الجنوبي. ورغم أن إيران حاولت الاستعاضة عن ذلك من خلال إبرام صفقات بديلة مع شركات صينية، إلا أن ذلك لم ينتج تداعيات إيجابية عليها في النهاية، حيث أدت مشكلات البيروقراطية وانتشار الفساد داخل المؤسسات الإيرانية المختلفة إلى عرقلة التعاون المشترك بين الشركات الصينية والإيرانية، على نحو بدا جليًا في إعلان شركة النفط الوطنية الصينية "سي إن بي سي"، في 6 أكتوبر 2019م، عن الانسحاب من الصفقة الخاصة بتطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي، وهى الصفقة التي استحوذت فيها على نحو 81%، بعد أن حلت محل شركة "توتال" الفرنسية.

ولذا، لم يلق حرص الرئيس الإيراني حسن روحاني على رفع سقف التوقعات الخاصة بارتفاع إنتاج إيران النفطي من جديد، بعد ما زعم، في 10 نوفمبر 2019م، اكتشاف حقل نفطي يقع في إقليم الأحواز، الذي تقطنه القومية العربية، وتقدر احتياطاته بـ53 مليار برميل من النفط الخام، اهتمامًا كبيرًا، باعتبار أن الإمكانيات التي تمتلكها إيران لن تساعدها في تحقيق ذلك، حيث أن انسحاب الشركات الأجنبية وحلول الشركات الإيرانية محلها من الممكن أن يؤدي إلى انهيار البنية التحتية الإيرانية بعد أن كانت بدأت تشهد تحسنا عقب الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية.

ورغم أن إيران سعت إلى احتواء الأزمة الاقتصادية، التي انعكست مؤشراتها في ارتفاع مستوى التضخم لأكثر من 40%، ووصول معدل البطالة إلى ما يقرب من 15%، وانهيار العملة الوطنية التي وصلت في بعض الأحيان إلى 150 ألف ريال لكل دولار أمريكي، عبر إجراءات مثل حذف أربعة أصفار من العملة الوطنية، إلا أن تلك الإجراءات لم تدفع في اتجاه تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي فرضت أعباءً إضافية على المواطن الإيراني.

2-استمرار الاحتجاجات الداخلية: أدت تلك التطورات إلى تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية التي يتوقع أن تكتسب زخمًا خاصًا في ديسمبر 2019م، مع حلول الذكرى الثانية للاحتجاجات القوية التي بدأت في مدينة مشهد وامتدت لأكثر من مائة مدينة وقرية إيرانية حتى وصلت إلى العاصمة طهران. وقد بدأت إرهاصات تلك الاحتجاجات مع قيام الحكومة، في 14 نوفمبر 2019م، برفع سعر لتر البنزين من 10 آلاف ريال إلى 15 ألف مع السماح للسيارة الخاصة بالحصول على 60 لتر شهريًا بهذا السعر، على أن يتم بيع أى كمية إضافية بضعف الثمن.

ورغم أن الحكومة سعت إلى الترويج إلى أن الوفرة المالية التي ستنتج عن رفع سعر البنزين سيتم استخدامها في تقديم الدعم لنحو 18 مليون أسرة فقيرة، إلا أن ذلك لم يقلص من حدة الاستياء الداخلي، التي عبر عنها المواطنون بتنظيم احتجاجات في بعض المدن والقرى الإيرانية، تضمنت تجديد رفع شعارات "الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، و"لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء إيران"، وهو الشعار الذي يوضح إدراك الشارع الإيراني للسبب الحقيقي في تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والذي يتمثل في إمعان النظام الإيراني في استنزاف الموارد المالية الإيرانية في الإنفاق على "مغامراته" في الخارج، ولاسيما ما يتعلق بتقديم الدعم المالي والعسكري لبعض التنظيمات المسلحة والإرهابية الموجودة في دول الأزمات بالمنطقة.

3-تصاعد الانقسامات داخل النظام: كان لافتًا أن عام 2019م، شهد اتساعًا في نطاق الخلافات داخل مؤسسات النظام الإيراني. فقد حرص المرشد، ومن خلفه بعض المؤسسات النافذة وفي مقدمتها الحرس الثوري، على تحميل المسؤولية عن تردي الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمة الاقتصادية على عاتق حكومة الرئيس حسن روحاني، بسبب فشل رهانها على الاتفاق النووي الذي روجت إلى أنه سيفتح الباب أمام إعادة ضم إيران للمنظومة الاقتصادية العالمية وسيعيد الشركات الأجنبية الكبرى للاستثمار داخل إيران.

ففي 23 مايو 2019م، قال المرشد خامنئي أن "الطريقة التي عمل بها روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف لم تكن مقنعة بالنسبة له خلال مراحل التفاوض النووي مع الدول الغربية"، مشيرًا إلى أنه وجه لهم مرارًا تذكيرًا في هذا الصدد. وقد بدا أن هذه الانتقادات منحت الضوء الأخضر لبعض مؤسسات النظام لشن حملة ضد الرئيس ووزير الخارجية، حيث وجه 83 نائبًا من تيار المحافظين الأصوليين في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) اتهامات لروحاني بمخالفة تعليمات المرشد بسبب مساعيه للتفاوض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما توازى مع قيام كبير مستشاري الحرس الثوري غلام حسين غيب بور بشن حملة ضد وزير الخارجية جواد ظريف بسبب الزيارة التي قام بها بشكل مفاجئ إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش اجتماع قمة مجموعة السبع الكبرى في بياريتز، في 25 أغسطس 2019م، معتبرًا أنه "من المؤسف أن بعض التحركات تفوح منها رائحة الخيانة، وعلى الحكومات واجب التعامل مع الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة للناس".

وبالتوازي مع ذلك، تصاعدت الاتهامات المتبادلة بالفساد بين مسؤولي النظام الإيراني، حيث وجه الرئيس حسن روحاني، في 10 نوفمبر 2019م، انتقادات قوية لرئيس السلطة القضائية وخصمه السابق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إبراهيم رئيسي، حيث اعتبر أن الحملة التي يقودها الأخير لمكافحة الفساد تمثل محاولة لتصفية حسابات سياسية، واتهم السلطة القضائية بتضليل الشعب الإيراني، من خلال اعتقال بعض الشخصيات وإحضارهم إلى المحكمة وإحداث ضجة كبيرة دون معالجة قضايا الفساد الرئيسية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.

ولا ينفصل ذلك دون شك، عن الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم في أول أكتوبر 2019م، ضد حسين فريدون شقيق الرئيس روحاني ومستشاره الشخصي، بالسجن لمدة خمسة أعوام مع النفاذ ودفع غرامة قدرها 9.3 مليون دولار، لاتهامه في قضايا فساد واختلاس.

4-اتساع نطاق التوتر مع القوى الدولية: تتفاقم أزمات إيران على الساحة الدولية باستمرار في ظل السياسة المتشددة التي تبنتها في التعامل مع التطورات الطارئة على تلك الساحة. إذ بدا أن النتائج التي حققها وصول إيران إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015م، والتي تمثل أبرزها في تحسن علاقاتها مع الدول الغربية وعودة الشركات الأجنبية للاستثمار في السوق الإيرانية وتزايد احتمالات انخراطها في المنظومة الاقتصادية العالمية، تبددت بسبب الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها إيران على أكثر من صعيد.

فقد اتجهت إيران إلى الرد على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأمريكية عليها، من خلال استغلال بعض المواد التي يتضمنها الاتفاق النووي، ولاسيما المادتين 26 و36، لتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق، حيث بدأت برفع مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم من 3.67% إلى 4.5%، ثم زيادة كمية اليورانيوم المخصب بالنسبة الجديدة إلى أكثر من 300 كيلوجرام، وهى النسبة المنصوص عليها في الاتفاق، يليها رفع القيود التي كان يفرضها الاتفاق على عمليات البحث والتطوير، وآخرها إعادة تخصيب اليورانيوم إلى منشأة فوردو التي قامت إيران ببنائها تحت الأرض وفرضت حماية أمنية مشددة عليها.

وقد ردت الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك برفع مستوى العقوبات التي تفرضها على إيران بالتوازي مع استمرار مساعيها لتكوين حشد دولي مناهض لطموحات إيران النووية وتدخلاتها الإقليمية، فيما بدأت الدول الأوروبية في الاقتراب تدريجيًا من السياسة الأمريكية إزاء إيران، على نحو بدا جليًا في مؤشرين رئيسيين: يتمثل أولهما، في إصدار كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في 23 سبتمبر 2019م، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بيانًا ثلاثيًا، يتهم إيران بالمسؤولية عن الهجمات التي تعرضت لها منشأتا بقيق وخريص التابعتان لشركة أرامكو السعودية، في 14 من الشهر نفسه، بما يتناقض مع الرواية الإيرانية التي تقوم على أن حركة المتمردين الحوثيين هى المسؤولة عن تلك الهجمات، حيث طالبت الدول الثلاث إيران بالموافقة على إجراء مفاوضات جديدة لا تشمل الاتفاق النووي فقط، وإنما تمتد أيضًا إلى الأمن الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية، وهو ما ترفضه إيران بشدة، حيث تعتبر أن التفاوض حول البرنامج الأخير يمثل خطًا أحمر بالنسبة لها، حسب تصريحات قائد الحرس الثوري حسين سلامي، في 16 نوفمبر 2019م.

وينصرف ثانيهما، إلى التهديدات التي وجهتها الدول الثلاث إلى إيران عقب إعلان الأخيرة عن إعادة عمليات تخصيب اليورانيوم إلى منشأة فوردو، في 5 نوفمبر 2019م، حيث توعدتها بإعادة العمل بآلية العقوبات الدولية التي توقفت بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صدر في 21 يوليو 2015م، عقب الوصول إلى الاتفاق النووي قبل ذلك بأسبوع واحد.

وبدا أن العلاقات بين إيران وفرنسا تحديدًا هى الأكثر عرضة لمزيد من التوتر، خاصة بعد الانتقادات التي وجهها المرشد علي خامنئي إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 3 نوفمبر 2019م، والتي قال فيها أن الأخير "إما ساذج أو متواطئ"، في إشارة إلى أنه يرى أن فرنسا تحاول رفع مستوى التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالتعامل مع إيران.

وقد بدا أن تلك الانتقادات الإيرانية تتنافى مع الجهود التي تبذلها فرنسا تحديدًا لإنقاذ الاتفاق النووي وتعزيز فرص استمرار العمل به خلال المرحلة القادمة، حيث بعث الرئيس ماكرون بكبير مستشاريه إيمانويل بون إلى طهران أكثر من مرة كان آخرها في 9 يوليو 2019م، لإقناعها بضرورة تقليص حدة إجراءاتها وخطواتها الاستفزازية من أجل تهيئة المجال أمام الانخراط في مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. كما حاولت باريس استثمار انعقاد قمة مجموعة السبع الكبرى في بياريتز في 25 أغسطس 2019م، للتوسط بين طهران وواشنطن، على نحو بدا جليًا في استقبال ماكرون لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في بياريتز على هامش اجتماعات القمة، لمناقشة أفكار متبادلة للتهدئة بين الطرفين. ووصلت الجهود الفرنسية إلى ذروتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في سبتمبر 2019م، حيث حاول ماكرون تنظيم لقاء أو إجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك بسبب إصرار كل طرف على طرح شروط مسبقة قبل الاستجابة للمساعي الفرنسية.

ثانيًا: انعكاسات مباشرة:

إن مجمل ما سبق يشير إلى أن التفاعلات التي تجري على الساحتين الداخلية والخارجية الإيرانية تتجه نحو مسارين محتملين خلال عام 2020م. المسار الأول، يتمثل في استمرار تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية داخل إيران، دون أن يتمكن النظام من التعامل معها بشكل يقلص من حدتها. فقد كشفت الاحتجاجات التي شهدتها إيران بداية من 14 نوفمبر 2019م، أن الإجراءات التي اتخذها النظام، على المستويين السياسي والاقتصادي، خلال المرحلة الماضية، لم تنجح في تهدئة حدة الاستياء التي انتابت الشارع الإيراني، الذي يشير إمعانه في حرق صور المرشد علي خامنئي إلى أن المكانة التي كان يحظى بها منصب المرشد في النظام لم تعد كما كانت من قبل وأن القيود الأمنية الشديدة التي تفرضها السلطات لم تعد تحول دون تعبير المحتجين عن هذا الاستياء الذي لا يبدو أنه سوف يتقلص خلال المرحلة القادمة، في ظل تصاعد تأثير العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية.

واللافت في هذا السياق، هو أن حالة الاستياء التي تبدو جلية على الساحة الداخلية ستتوازى مع ارتفاع وتيرة الصراع بين القوى السياسية التي سوف تسعى إلى تعزيز نفوذها داخل مؤسسات النظام، خاصة مع اقتراب موعد بعض الاستحقاقات السياسية العامة، على غرار الانتخابات البرلمانية التي سوف تجرى في فبراير 2020م، والانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في منتصف عام 2021م، ولن يترشح فيها الرئيس حسن روحاني، الذي لا يحق له تولي منصبه لثلاث فترات متتالية، على نحو يفتح الباب أمام مرشحين آخرين مثل محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران السابق وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى وإبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، وإن كان ذلك لا ينفي أن الأخير ربما يتطلع إلى المنصب الأهم في النظام، وهو منصب المرشد، حيث أنه أحد المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الحالي في منصبه.

والمسار الثاني، ينصرف إلى استمرار التصعيد مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات المنطقة، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، يتعلق أبرزها بأن هذا التصعيد ربما يكون سياسة متعمدة من جانب النظام الإيراني لتقليص حدة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها بسبب إخفاقه في التعامل مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الإيرانيون، بما يعني أنه سوف يحاول استغلال هذا التصعيد لتكوين حشد داخلي مؤيد لسياساته وتعزيز قاعدته الشعبية التي تهددت بشكل كبير بفعل الاحتجاجات الحالية التي مست مكانة المرشد في الصميم.

فضلاً عن أنه لا توجد مؤشرات في الأفق تزيد من احتمالات إجراء مفاوضات جديدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لتسوية الخلافات العالقة على نحو يمكن أن يؤدي إلى رفع أو تجميد أو تقليص العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وتعزيز قدرة النظام مجددًا على مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها إيران حاليًا.

فقد فشلت جهود الوساطة التي بذلتها قوى إقليمية ودولية عديدة، على غرار فرنسا واليابان والعراق، بشكل سوف يراكم من المشكلات والخلافات العالقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبدو مُصِرَّة على ضرورة تنفيذ إيران لشروطها الخاصة بالتوقف عن خطواتها التصعيدية وعدم إجراء أى تغيير يمكن أن يؤدي إلى تقليص تداعيات العقوبات قبل أن تمتثل إيران لهذه الشروط، خاصة وأنها مقبلة على الاستحقاق الرئاسي، حيث يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة تجديد ولايته الرئاسية، وهو ما يعني في النهاية أن إيران مقبلة على أزمات متعددة على المستويين الداخلي والخارجي، لا يبدو أنها سوف تنجح في التعامل معها بالآليات نفسها التي تتبعها في المرحلة الحالية.

مجلة آراء حول الخليج