; logged out
الرئيسية / اسـتمرار حدودها وصعوبة المفاوضات بين طهران وواشنطن وبحث أوروبا عن مخرج سلمي

العدد 144

اسـتمرار حدودها وصعوبة المفاوضات بين طهران وواشنطن وبحث أوروبا عن مخرج سلمي

الإثنين، 02 كانون1/ديسمبر 2019

استمرت الأزمة الإيرانية في حدودها التي وصلت إليها منذ عدة شهور، إلا أن ممارسات أطرافها سعيًا إلى تحقيق مكاسب في مواجهة الأطراف الأخرى ساهمت في تبلور مواقف لأطراف معينة بالأزمة، خاصة القوى الأوروبية وروسيا على وجه التحديد. مع تواصل الاستراتيجية الأمريكية لإرغام إيران من خلال العقوبات ومحاصرة أذرعها في المنطقة لتطويع موقفها في الوقت الذي تقوم فيه إيران بتوسيع انتشارها العسكري من خلال المجموعات الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ليس فقط لتهديد الدول الخليجية، ولكن للإيحاء بالترتيب لعمليات تجاه إسرائيل عند الضرورة، التي تقدم نفسها كطرف فاعل في أية مواجهة مع إيران، وهو ما فرض مواجهات لا تزال محدودة بين الطرفين ولكنها تحمل الكثير من المخاطر على احتمال توسعها مستقبلاً، وتجعل من تلك المناطق ميدان المواجهة المرجح بين أطراف الأزمة الإيرانية خلال الفترة الحالية.

وباستعراض حصاد عام للأزمة الإيرانية يكشف عن الملامح التالية:

أولاً: على المستوى العسكري:

  1. لم تشهد الشهور الأخيرة تطورًا فيما يشهده الحشد العسكري في ميدان المواجهة الرئيسي في الخليج والذي كان من مظاهره: نشر حاملات طائرات سواء في الخليج أو الدوائر المحيطة به، فضلاً عن وصول قوات الولايات المتحدة للسعودية، وإمداد السعودية بمنظومة ثاد THAAD وخبراء لتشغيلها، فضلاً عن الصفقة الأخيرة بعد ضرب معمل تكرير أرامكو. كما أعلنت بعض الدول عن استعدادها لتأمين الملاحة في مضيق هرمز، والمشاركة في التحالف الذي تسعى الولايات المتحدة لصياغته لتأمين الملاحة في الخليج، وبدء عمل دوريات تأمين الملاحة، بعد أن فشلت محاولاتها لإنشاء تحالف دولي عسكري ضد إيران بالدرجة الأولى ليكون موقفًا دوليًا جامعًا.
  2. مواصلة إيران الحديث عن قدراتها العسكرية وإجراء مناورات عن أسلحة وأجهزة رادار جديدة، مثل صاروخ جديد مداه 1000كم ونشر مجموعات ضخمة من زوارق حربية سواء داخل الخليج أو قرب هرمز، وتكثيف العمل في عدد من القواعد العسكرية الإيرانية سواء داخل الخليج أو خارج المضيق، والإعلان عن منظومة دفاع جوي حديثة تم تصنيعها محليًا. ومن الواضح أن إيران تحقق نوعًا من المكاسب ضمن اختبارات الردع المتبادل، لكن من الثابت أنها لا تريد حربًا مفتوحة لن تكون نتيجتها لصالحها.
  3. تنشيط الحضور الإيراني سواء المباشر أو من خلال الحلفاء والأدوات التي يملكها الحرس الثوري في كل من العراق وسوريا واليمن. ومن الملفت للنظر على هذا المستوى أن إيران حرصت على نقل أنظمة صواريخ مختلفة إلى معسكرات تابعة مرتبطة بها داخل العراق، وكذلك نقلها لمخازن في مناطق مختلفة من خلال تنظيمات الحشد الشعبي المرتبطة بها. كما أنها استثمرت هدوء الوضع العسكري في المناطق الجنوبية والوسطى من سوريا لزيادة التعاون العسكري في مجال التصنيع أو تطوير الأسلحة مع الجيش السوري في مناطق مختلفة. وكذلك إعادة انتشار بعض فصائل الحشد الشعبي قرب الحدود العراقية –السورية قريبًا من قاعدة التنف الأمريكية، لتأمين معبر القائم الذي يرجح أن يكون الطريق الرئيسي لإيران إلى سوريا ولبنان.
  4. تعتبر اليمن ميدان مواجهة أكثر وضوحًا وتشير إلى قدرات إيرانية جديدة تجعل منها نقطة انطلاق لتهديد الأمن في البحر الأحمر أو شرق إفريقيا، وورقة مساومة ليس فقط مع دول الخليج ولكن مع دول المنطقة، بالإضافة لقدرة إيران على تهديد أمن الطاقة والأمن بصفة عامة في الخليج، خاصة في السعودية والإمارات، وتأكيد على توجيه رسالة بأن تكلفة أية ضربات تتعرض لها سوف تكون مدمرة لدول المنطقة، وذلك في تصعيد غير مسبوق يساهم في امتلاكها ورقة مساومة أكثر تأثيرًا.
  5. سوف تتواصل الأنشطة الاستخباراتية المتبادلة بين أطراف الأزمة النووية الإيرانية، ويتزايد دورها في ظل عدم رغبة الأطراف في الذهاب للحل العسكري، وهذا يزيد من الحرب على المستوى الاستخباراتي والسيبراني والتضليل الإعلامي المتزايد.
  6. وفي حصاد عام بالنسبة للموقف الأمريكي يلاحظ أنه في ظل التحديات التي تواجهها القوة العسكرية الأمريكية لشن حرب عسكرية خارجية، ورفض الرئيس ترامب شن حرب عسكرية في هذا التوقيت، اتضح التركيز على قوة الإرغام الأمريكية والتي تستند إلى المزايا غير العسكرية لواشنطن على أعدائها ومنافسيها، وعلى العقوبات الاقتصادية ولا سيما القطاعات المفصلية في اقتصاد الدولة وخاصة قطاع الطاقة والتكنولوجيا، فضلاً عن العمل عن عزل الدولة عن النظام الاقتصادي والمالي العالمي. وكذلك حظر استيراد الدولة الأسلحة من الخارج، وخاصة من حلفائها وشراء التكنولوجيا العسكرية من الخارج، يجعل حلفاء الولايات المتحدة في الخليج يشعرون بكثير من القلق إزاء هذا الموقف الأمريكي.

 

وفي التقدير أنه في ظل الحرص على عدم المواجهة العسكرية المباشرة والشاملة بين الطرفين سوف تبقى الأزمة في المنطقة الرمادية بين اللا سلم واللا حرب، وتستمر المواجهة في الميادين الأخرى في سوريا والعراق من خلال إسرائيل -من خلال ضربها للمواقع الإيرانية في سوريا. بالإضافة إلى مخازن الأسلحة الإيرانية التي انتشرت في مواقع الحشد الشعبي في العراق -وتتصاعد كبديل للمواجهة الشاملة في الخليج، ومواصلة الاستنزاف المتبادل بين الأطراف، خاصة وأن إيران نجحت في تحويل أذرعها في تلك الدول إلى ما يمكن تسميته بالوكلاء المستقلين، الذين يملكون القدرة على الحركة وإحداث الضرر دون تحمل المسؤولية المباشرة عن ذلك.

 

الوضع الاقتصادي لإيران يتراجع بشدة، ويتضح ذلك من:

انكماش الاقتصاد وزيادة التضخم وانهيار العملة وزيادة نسبة البطالة وعجز الميزانية المتواصل وانعكاس ذلك على مستويات المعيشة. واستمرار الضغوط الأمريكية القصوى لتصفير الصادرات البترولية التي تمثل 70% من إجمالي الصادرات الإيرانية و40% من الميزانية، فضلاً عن العقوبات على البنك المركزي، وإغلاق معظم مصادر العملة الأجنبية، وتوقف الكثير من المشروعات الاقتصادية.

ورغم كل الضغوط الاقتصادية القصوى التي يراهن عليها الرئيس الأمريكي، إلا أنها من الواضح لم تصل إلى الدرجة التي ترغم إيران على الرضوخ وقبول التفاوض، فالتقارير من مصادر متعددة تؤكد أن الاحتياطي الأجنبي لإيران في حدود 100 مليار دولار، وهو ما يكشف عن استعدادها المسبق للعقوبات الاقتصادية التي جاءت متدرجة، كما أنها لا تزال تغطي بعض احتياجاتها الاقتصادية من عمليات تهريب البترول والسيارات وسلع متعددة لدول الجوار. وترجح تلك المصادر أن تكون لدى إيران القدرة على تحمل العقوبات الاقتصادية لعدة شهور قادمة، وهو ما ينعكس على مدى تجاوبها مع ما يطرح لحل الأزمة.

والتقدير أن عملية تطويع الموقف الإيراني من خلال العقوبات سوف تظل رهنًا بنجاح العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في تصفير الصادرات البترولية بدرجة كبيرة واستمرارها وتزايد السخط الشعبي ومدى ضغطه على النظام.

يقوم الموقف الأوروبي على الفصل بين ملف الاتفاق النووي وملف المواجهة العسكرية والعقوبات في الخليج وهو أمر صعب. ويتحدد الموقف الأوروبي في ضرورة إنقاذ الاتفاق النووي، وضرورة تبريد الموقف في الخليج لتفادي سيناريو يختار فيه أحد الطرفين أو كلاهما المواجهة تمهيدا للوصول لحل دبلوماسي، في ضوء هذه المعطيات تشكل المساعي الدبلوماسية الخيار الوحيد المتاح من جانب أوروبا.

من الواضح أن الموقف الأوروبي قد شهد في نهاية العام تغيرًا واضحًا بسبب تراجع إيران عن التزامات في الاتفاق النووي والتهديد بالخروج من الاتفاق، وإن كانت لا تزال هناك محاولات أوروبية للوساطة تواجه بتشدد إيراني.

أدركت دول الخليج أن هناك عوامل حاكمة في موقف الولايات المتحدة في الأزمة من بينها استخدام أدوات جديدة في تطويع الموقف الإيراني من خلال إرغامها على تنفيذ مطالب أمريكية دون الوصول لمواجهة عسكرية شاملة، وتجنب هذه المواجهة وما يدفع إليها؛ الأمرالذي سبب لدول الخليج نوعًا من القلق أن تنتهي الأزمة بمفاوضات إيرانية – أمريكية تركز على البرنامج النووي، وتتجاهل المطالب الخليجية الأساسية وهو ما دفع عددًا من مسؤولي دول الخليج للتأكيد على ضرورة مشاركتهم في أية مفاوضات قادمة، وقد أدركت فرنسا ذلك فطالبت بأن تشارك دول الخليج في أية مفاوضات قادمة مع إيران.

إن الموقف الخليجي بدأ يشهد نوعًا من التباين النسبي في مواقف دوله، سواء نحو السبل المتاحة في التعاون مع الأزمة أو مساراتها المختلفة ويتميز هنا موقف عمان الحريصة على التواصل مع إيران، وقطر التي تؤكد علاقاتها الايجابية بطهران، والكويت التي ابتعدت عن التحالف السعودي-الإماراتي-البحريني على هذا المستوى. بحيث يمكن القول إنه لا يوجد موقف خليجي متماسك يتعامل مع كافة عناصر الأزمة على نفس المستوى، وهو ما يفتح الباب لاختلافات إيرانية ويضعف الموقف الخليجي في النهاية.

ومن ناحية أخرى، إن استمرار الأزمة بمعطياتها الحالية وفرت فرصة لزيادة الحضور الروسي حيث تبلور موقف روسي لافت مع إيران في الفترة الأخيرة يحتاج إلى متابعة، خاصة ما أثير حول إعطاء إيران تسهيلات عسكرية لروسيا في موانئ إيرانية على الخليج أو قرب مضيق هرمز، وتوافق هذا في نفس التوقيت مع موافقة روسيا على إعطاء إيران مرفأ سوريا في ميناء بنياس أي توسيع الحضور البحري الإيراني في ميناء بنياس ليصبح قاعدة بحرية إيرانية على البحر المتوسط برضًا من روسيا. فضلا عن المبادرة الروسية المطروحة مؤخرًا حول صيغة للأمن الجماعي في الخليج للتوفيق بين دول الخليج وإيران بما يخفف حالة العداء بين الطرفين، ويؤثر سلبيًا على الموقف الأمريكي من إيران. وخلاصة موقف روسيا هو محاولة استثمار المأزق الإيراني المتزايد لتحقيق مكاسب استراتيجية تتجاوز العلاقات الثنائية لها مع إيران إلى الحضور الإقليمي في الخليج والمنطقة وخلق علاقات استراتيجية مع دول الخليج بالتحديد وتداعيات هذه العلاقات.

كما ساعد استمرار الأزمة على حضور تركي أكثر وضوحًا (توسيع القاعدة التركية في قطر – اتفاقية دفاعية مع الكويت – التجاوب مع الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة في سوريا-وتكثيف العلاقات مع إيران)، بحيث يمكن القول أن الأزمة ساهمت في توسيع مجال نفوذ تركيا في المنطقة من المرجح أن تسعى لاستثماره.

وتجدر الإشارة إلى أن التركيز الأمريكي والإسرائيلي على الداخل الإيراني وما يحويه المجتمع الإيراني من مظاهر للقلق وتصاعد للمعارضة ضد النظام، لم يسفر عن ظهور خطر وجودي يهدد الدولة الإيرانية حتى الآن، أو ينذر بمزيد من التداعيات السلبية لذلك، وهو ما يستثمره المتشددون الإيرانيون، فضلاً عن استحكام القبضة الحديدية في مواجهة كافة مظاهر المعارضة. ولا شك أن عدم نجاح الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في تحقيق إنجاز في التعامل مع الأزمة، ربما يزيد من ضعف الجناح المعتدل، وينعكس سلبًا على حضوره في الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

مجمل القول، أن الأزمة الإيرانية سوف تستمر بمعطياتها الحالية، ولن يتغير الموقف الأمريكي رغم كل الحشد العسكري، فمن غير المحتمل أن يذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحرب تؤثر على فرصه الإنتخابية طالما أن أسعار البترول لم تتجاوز السقف الذي يؤدي إلى ركود اقتصادي دولي يؤثر على التجارة العالمية والاقتصاد الأمريكي، واستمرار تداعياته السلبية على الصين بدرجة كبيرة. وسوف تواصل إيران التصعيد والتهديد، وهو ما يعني في النهاية استمرار عملية الإنهاك المتبادل للقوى المختلفة في الخليج، بما يزيد من مصادر التهديد للاستقرار والأمن في المنطقة. كما أنه من الضروري الإشارة إلى أن إيران سوف تتجه إلى إبراز دورها بشكل كبير في الملفات الإقليمية المختلفة وقدرتها على التأثير في الحلول المطروحة في تلك الملفات، حيث ترى دوائر العلاقات الدولية أن ذلك يمثل ورقة ضغط للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة وتحسين موقعها التفاوضي قبل أن تقبل خيار التفاوض. وإن كانت التطورات التي تشهدها العراق ولبنان وتركيز المظاهرات على الرفض الواضح والقوي لدور إيران والقوى المرتبطة بها يعتبر متغيرًا له أهميته ودلالاته المستقبلية، ويطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الحضور والتأثير الإيراني في البلدين، ويحد في النهاية من قدرة إيران على استثمار ذلك في استراتيجيتها للتعامل مع عناصر الأزمة الإيرانية.

ومن الجدير بالملاحظة في حصاد العام للأزمة النووية الإيرانية أن مواصلة إيران التخلي عن التزاماتها، خاصة ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم وإعادة تشغيل بعض المواقع التي حظرها الاتفاق وهو ما يمثل نوعًا من الابتزاز على حد قول وزير الخارجية الأمريكي سوف يزيد من التوتر ويفتح الأزمة على أبعاد غير محسوبة.

وبصفة عامة فإن كافة معطيات الأزمة تؤكد على استمرارها في حدودها الحالية، وصعوبة إجراء مفاوضات ثنائية بين طهران وواشنطن، مع استمرار الجهود الأوروبية للبحث عن مخرج سلمي في ظل ضغوط اقتصادية متزايدة لإرغام ظهران على قبول ذلك، مع ترجيح تراجع أية تحركات إيرانية لإثارة التوتر في منطقة الخليج.

مجلة آراء حول الخليج