; logged out
الرئيسية / مجلس التعاون الخليجي: مؤشرات انفراج (الأزمة) ومواجهة التحديات بجهد الجماعي

العدد 144

مجلس التعاون الخليجي: مؤشرات انفراج (الأزمة) ومواجهة التحديات بجهد الجماعي

الثلاثاء، 03 كانون1/ديسمبر 2019

من المفارقات التي تستلزم التوقف عندها الآن، أنه ورغم اندلاع أزمة يونيو 2017م، بين الأشقاء داخل مجلس التعاون الخليجي، لم نجد أي مسؤول خليجي يطالب بتفكيك المنظومة الخليجية التي تأسست عام 1981م، بل العكس، الكل يؤكد تمسكه ببقائها، ويراهن عليها في استقرار وأمن الدول الست في إطار المنظومة الخليجية، وقد برزت هذه الإيجابيات في عام 2019م، بصورة صريحة ولافتة.

وذلك من خلال مشاركة الدول الست في اجتماعات ولقاءات رفيعة المستوى، ومتعددة الأغراض، وإن طغى عليها الهاجس الأمني نتيجة مخاطر إقليمية ضاغطة متنامية على الدول الست مع التباين، وهذا يعني أن عام 2019م، يؤسس حالة نضوج سياسية عالية المستوى ليس لحل أزمته الداخلية التي تفجرت في يونيو 2017م، وإنما لنقلة نوعية وكمية لإصلاح المنظومة الخليجية.

فالأحادية الخارجية الدافعة لقيام المنظومة الخليجية عام 1981م، وهي المخاطر الأمنية الإقليمية، بدأ هذا الواقع الأمني عام 2019م، وكأنه لم يغادر ظروف نشأة المنظومة – أي بداية الثمانينيات -وهذه احدى الرهانات الكبرى الدافعة لتطوير هذه المنظومة، كما ظهرت دوافع داخلية للإصلاح، تحتم عدم تجاهلها من الدول الست، وهنا تجد الدول الست نفسها أمام دوافع خارجية وداخلية، وكلها في سلة واحدة من حيث الخطورة، عليها المواجهة بصورة جماعية ومشتركة.

عام 2019 .. وتعاظم الآمال الخليجية.

جاء عام 2019م، ليطلق التفاؤل بقرب حل الخلافات الخليجية ــ الخليجية خاصة الأزمة التي تفجرت عام 2017م، وربما علينا الذهاب بعيدًا في التفاؤل، بحيث نرى في الآفاق القريبة، الأمل في إقامة نظام إقليمي جديد بعد أحداث جسام، وصلت بدول المنطقة إلى نقطة الصفر، وكادت الحرب الرابعة تندلع، لذلك يؤسس لنا هذا العام مرحلتين في آن واحدة، خليجية ــ خليجية، وخليجية ـ إقليمية ربما تكونان غير مسبوقتين.

وفي هذا العام كذلك، ظهرت قناعات سياسية جديدة، وهي من بين أهم المعطيات التي نبني عليها التفاؤل الخليجي ـ الخليجي، والخليجي الإقليمي، أبرزها، أن المخاطر الإقليمية والداخلية مشتركة ومتشابهة، ولن تقدر أية دولة خليجية منفردة أو حتى ثنائية على مواجهتها لوحدها، وأنها سواء على المستوى الفردي والجماعي سيظل قدر دول المنظومة الخليجية أن تحاط بحزام ناري وبمخاطر متوقعة وغير متوقعة.

وفي الوقت ذاته، جاء العام 2019م، ليعزز من خيار الحروب غير النظامية وتسارع المخاطر العابرة كالإرهاب ومستقبل الجريمة المنظمة سواء في حالة حل الأزمة اليمينة أو بقائها، وهي تهديدات لن تكون مؤقتة بعد استقرار القاعدة وداعش وتعاظم شأن الحوثيين في اليمن، وبعد الحلف الإيراني ـ الأمريكي في العراق، وتورط طهران ببيع القاعدة في العراق أسلحة متطورة، يمكن أن توجه لدول المنظومة الخليجية.

لذلك، كان عام 2019م، على دول المنظومة الخليجية، عامًا أمنيًا وعسكريًا بامتياز، فأهم ما يميزه استمرار التنسيق الأمني والعسكري بين الدول الست دون استثناء، والاستمرارية نفسها قد شهدتها الكثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية المختلفة .. في كل معظم العواصم الخليجية دون أن تثير استمرار الأزمة الخليجية ــ الخليجية لعامها الثالث أية موانع للتواصل والاتصال أو أية حساسية سياسية، وهذه خطوة متقدمة تمهد السبل لآفاق رحبة وطموحة لعام 2020م.

سنبدأ بآخر التطورات التي وقعت قبيل الانتهاء من كتابة هذا المقال، وهى زيارة الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي ومسؤول الملف اليمني لسلطنة عمان يوم الاثنين 11/ 11/ 2019م، ولقائه مع عاهلها ومحادثاته مع كبار المسؤولين فيها، شملت الأمن في المنطقة وحل الأزمة اليمينة، وفتحت الآمال العريضة بمرحلة خليجية ـــ خليجية جديدة وخليجية ــ إيرانية من رحم أحداث مجموعة أزمات إقليمية غير مسبوقة، أبرزها استهداف طهران أربع سفن تجارية بالمياه الإقليمية للإمارات، بينهما سفينتان سعوديتان، واستهداف مماثل لمحطتي ضخ نفط تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية ،وما أعقبها من تصاعدات من الجانب الخليجي، يقابلها تصعيد مماثل من طهران.

وفي ظل تلكم الأحداث، دعت السعودية لعقد ثلاثة قمم عربية وخليجية إسلامية في 30 مايو 2019م، لبحث التهديدات الراهنة، وقد نجحت القمم الثلاث في حشد أكبر قدر من المواقف العربية والإسلامية في "مواجهة التهديدات الإيرانية، لكنها لم تذهب بعيدًا على الأرض عبر إقامة حلف "ناتو عربي" واسع، وإنما من مجموعة دول.

كما عقد اجتماع استثنائي لرؤساء أركان جيوش دول الخليج العربية التي عقدت في الرياض بطلب من السعودية، وقد بحثوا فيه المواضيع التي تسهم في تعزيز مستقبل السياسة الدفاعية وتقوية التنسيق في مجالات التعاون العسكري بين الدول الست، وفق استراتيجية موحدة تخدم الأمن الخليجي المشترك.

وكذلك اجتماعي أمني للجنة الاستخبارات والأمن بدول مجلس التعاون الخليجي، ضم الدول الست في الرياض، تم من خلاله بحث ومتابعة عدد من مواضيع العمل العسكري الخليجي المشترك لتطوير جانب من التكامل الاجتماعي بين القوات المسلحة بدول المجلس.

وكذلك اجتماع وكلاء الداخلية بدول المجلس الخليجي في مسقط، وقد خرج بمجموعة توصيات أبرزها، تعزيز التعاون الأمني الخليجي لمكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، وكذلك التمرين المشترك للأجهزة الأمنية الخليجية (أمن الخليج العربي)، ومشروع الشبكة الأمنية الخليجية، وقد تم إقرار توصية لإنشاء الأكاديمية الخليجية للدراسات الأمنية والاستراتيجية، والتوصيات الخاصة باجتماعات حرس الحدود وخفر السواحل الخليجية، وأمن المطارات وتوصيات رؤساء الاتحادات الشرطية الخليجية.

وهكذا يبدو أن الهاجس الأمني والعسكري كان طاغيًا على عام 2019م، لدواعي المرحلة الإقليمية التي تمر بها دول المنطقة، لكن ورغم ذلك، لم يكن لنتائج تلكم التطورات من انعكاسات مباشرة وملموسة على تعزيز التعاون الأمني بين دول المجلس أو ترسيخ الثقة بقوات دفاع درع الجزيرة واستكمالها لتصبح في مقدمة القوى التي تدافع عن أمن دول الخليج وتلزم الدول الأعضاء بالدفاع عن أي دولة منها تتعرض لتهديد أو خطر خارجي، لكن، الرهان ينصب الآن على محادثات نائب وزير الدفاع السعودي في مسقط، وربما تكون نتائج تلكم اللقاءات والاجتماعات الأمنية والعسكرية قد مهدت للقاء مسقط .

ورغم طغيان الهاجس الأمني والعسكري، إلا أنه لم يكن حصريًا، فقد شهدت كذلك الساحة الخليجية لقاءات اقتصادية ومؤتمرات متخصصة، كعقد اجتماعات للجنتي الملاية والاقتصادية في مسقط وكالمؤتمر الدولي للاعتماد لبحث تحديات العمل التجاري الخليجي المشترك، وكذلك اجتماعات بين كبار المسؤولين في قطاعات الصحة والسياحة .. الخ، ولم يكن لها أية انعكاسات ملحوظة على التعاون بين الدول الست، بل العكس، ففي تقرير لشركة كامكو، فإن العجز المتوقع لموازنات دول الخليج " 50 " مليار دولار عام 2019 م، وبذلك تكون دول مجلس التعاون في عام 2019م، كالعامين الأخيرين بعيدة عن تحقيق تكاملها الاقتصادي بدءًا من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي وقعت عام 1981م، ومرورًا بالاتفاقية الاقتصادية لعام 2001م، والاتحاد النقدي والعملة الموحدة والتعاون التجاري والاتحاد الجمركي وجهود إنشاء السوق الخليجية المشتركة وتعزيز المواطنة الاقتصادية.

لكنها – أي اللقاءات والاجتماعات المالية والاقتصادية والثقافية .. تظل مهمة من منظورين الأول، كسر الحاجز النفسي ومحظورات الجغرافيا السياسية، والثاني، استعداد المؤسسات لمرحلة آتية لا محالة، سيشهد التعاون الشامل بين الدول انطلاقة كبيرة في ضوء قناعات سياسية جديدة، تخرج من رحم الأزمة الخليجية ــ الخليجية، وما يصاحبها حتى الآن من متغيرات وتحولات في الكثير من المفاهيم الخليجية، خاصة فشل الرهانات السياسية على الأجنبي في تأمين الأمن والاستقرار للخليج، مما سيعيد ذلك البوصلة الخليجية نحو الاعتماد الخليجي على ذاته أولاً.

.* المخاطر الجديدة / القديمة لدول مجلس التعاون الخليجي.

لا يمكننا النظر لهذه المخاطر من رؤية إقليمية خارجية فقط، وإنما من الرؤيتين معًا الداخلية والخارجية بصرف النظر عن الآفاق السياسية الجديدة بين دول المنظومة الخليجية وإيران ، فهناك تحديات داخلية تفتح الأبواب لاختراقات إقليمية، وهى جديرة بالبحث فيها لدواعي تحصين الذات الخليجية الفردية والجماعية، ونجدها الآن تشكل دافعًا داخليًا قويًا لتطوير المنظومة الخليجية لمواجهة مجمل التحديات، وهى لا تقل أهمية عن المخاطر الإقليمية، بل وتعزز من فرص نجاحها اذا لم تعمل المنظومة الخليجية على حلها سريعًا وبصورة جماعية .

أولاً: تحديات داخلية تواجه المجتمعات الخليجية.

هناك مجموعة تساؤلات تطرح في هذا المحور كمقدمة لفهم طبيعة هذه التحديات، أبرزها، ما هو مستقبل الخليج العربي على ضوء استمرارية الأزمة الخليجية ـ الخليجية، وعلى ضوء مؤشرات بوجود أخطار من جراء تحولات في دور الدولة في الخليج من الرفاه إلى الضرائب، والعمل برؤية الصندوق والبنك والدوليين مع تغير مصالح وحقوق اجتماعية؟ فكيف تلقي بتداعياتها في ضوء مستقبل التحولات في المنطقة؟

هذا النوع من التحديات له تداعيات داخلية، قد يستغلها البعد الإقليمي لتوجيه مصاعب للمجتمعات الخليجية من الداخل، وبالتالي ينبغي تحصينها لسد كل الذرائع أمامها، وتأثيراتها من منظورين الأول، تأثيرها السلبي على تأخر المنظومة الخليجية، وكان بعضها بمثابة صخرة صماء تتحطم فوقها مسارات الاصلاحيات السابقة وستكون اللاحقة، والثاني، تحديات داخلية تفتح أبواب الدول الست مع التباين للإكراهات الإقليمية، وسنشير اليها في عجالة.

أولى هذه القضايا، المذهبية، فسنجد أنها تشكل بؤرة صراع في اتجاهين متوازيين، وهما خليجي ــ خليجي، وخليجي إيراني، يمثله الأيديولوجية الشيعية والمذهب السني.

ويلاحظ، عمق المذهبية المتعصبة، وتحاول الرياض في عهدها الجديد التخفيف من حديتها، وجعلها ضمن مدنية الدولة، لكن الحل ينبغي أن يأتي من خلال عمل جماعي.

من هنا، يستوجب أولاً إيجاد حل لهذه المعضلة المذهبية بين بعض الدول الخليجية الأساسية، والحل يكمن في إقامة الدولة المدنية القائمة على التعدد والتنوع، والاعتراف به للفرد والجماعات، ومكافحة التشدد بقوانين رادعة وبتطبيق قضائي صارم كتوجه سياسي خليجي مشترك.

والقضية الثانية، العامل الديموغرافي، فهناك عامل السن، فالمجتمعات الخليجية شابة في ظل وجود تحد آخر وخطير جدًا، وهو أن نصف خريجي الجامعات في بعض الدول الخليجية عاطلون، مما تشكل قضية البطالة في صفوف حملة الشهادات العليا قنبلة قد تفجرها الظروف المصاحبة لها، وهي ظروف آتية لا محالة في ظل إعادة الدول الخليجية هيكلة اقتصادها القائم على النفط، وتبني نظام ضريبي متكامل، يؤشر على انتقال الدولة الخليجية من دور الرفاه إلى دور الجبايات الذي يحمل المجتمعات أعباءً مالية متعددة من خلال نظام ضريبي متكامل.

الأهم في هذه التحولات، أن شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع داخل كل دولة من الدول الست ستتغير، وهذا طبيعي بحكم التحول في دور الدولة من دور الرفاه إلى دولة الخدمات المدفوعة الثمن، وهنا التحول الاستراتيجي الكبير الذي يطرأ داخل الدول الست مجتمعة، حيث سيفتح مجتمعاتها على الخارج دون ضوابط أو ضمانات.

وبالتالي، فإن علاقة تبعية المجتمع للسلطة التي كانت قائمة إبان مرحلة الرعاية في طريقها للتحول نحو الاستقلالية، ومعها ينبغي إدخال الإصلاحات، وإشراك المجتمع في صناعة القرار، وتحديد ماهية هذه الشراكة تترك لكل دولة على أن يظل سقف المتفق عليه قائمًا نحو بقاء قوة الدولة فوق قوة الفرد والجماعة أو الجماعات، وذلك عن طريق مأسسة الدولة واستقلاليتها، بما فيها القضاء.

وإذا كانت الحقوق لم تثار في مرحلة دور الدولة الأول بحكم تأمين الحقوق الاقتصادية، فإن الدور الثاني للدولة، سيطغى عليها الحقوق السياسية، فمن الصعب بقاء الأوضاع كما عليها في الدور الأول، لذا يستوجب المسارعة إلى إعادة ترتيب أوضاع الدول الست الداخلية-مع التفاوت -للتناغم مع هذه المرحلة السياسية الجديدة، لأن جيوب المواطنين قد أصبحت مصدر دخل للموازنات الخليجية.

وتلكم التحولات الداخلية ومدى تقاطع المخاطر الإقليمية معها، لا ينبغي التقليل منها أبدًا، خاصة وأنه يجب أن يقابلها محاولات خليجية للحد من تداعياتها، ففي جيل واحد وهو الجيل الحالي، يحدث انتقال آلي عجيب وغير مدرك بالتداعيات، وهو نقل المجتمعات الخليجية من دولة الرعاية إلى دولة الخدمات المدفوعة الثمن في ظل الارتباط بالعولمة التي تأصل الفقر وتوسعه في البنيات الاجتماعية، من هنا نرى، أن الإصلاحات الداخلية أولاً حتمية لا مفر منها وعاجلة، لكن ما هي طبيعتها وأشكالها السياسية، فهذا شأن كل دولة، ولماذا حتمية، لأن المخاطر الإقليمية قد تخترق الشأن الخليجي الداخلي من خلالها.

*ثانيًا: المخاطر الإقليمية ونظيراتها المتقاطعة معها دوليًا.

ستظل إيران وقواها المنتشرة داخل وحول الحزام الأمني لدول المنظومة الخليجية من كبرى المخاطر الإقليمية قاطبة في ظل تحالفها مع أمريكا على العراق، فهل هناك ما يحول دون تحالف الجانبين على دول المجلس الخليجي في صفقة تاريخية كبرى؟ نطرح هذا التساؤل كفرضية للتفكير فيها خاصة في ضوء ما أوضحناه سابقًا من وجود بيئات داخلية يمكن منها النفاذ إلى الشأن الداخلي، والمساس بأوضاعه الداخلية، طبعًا في ضوء الأزمات التي تعيشها دول المنطقة ومنها سوريا واليمن بالإضافة إلى ما تواجهه من تحديات بفعل المقاربة مع ما يجري من تحولات ديمقراطية في المنطقة وانعكاساتها على الدول الست جميعها في ظل أوضاعها السياسية الراهنة.

مما يعني أن المخاطر المتوقعة من طهران وواشنطن أكبر مما يتوقع وما يتصور، فالبيئات الخليجية الداخلية مفتوحة لاختراقها واستقطاب مواطنيها لغايات سياسية ومذهبية .. وفق ما أشرنا إليه سابقًا.

ولن نستغرب عندها إذا ما اكتشفنا تحول بوصلة الولاءات نحو طهران ومن داخل المكونات الديموغرافية الخليجية، ومن فئة الشباب، مما قد يتحالفون حتى مع الشيطان، وانتشار ظاهرة المخدرات في منطقة الخليج العربية نموذجًا على هذا النوع من التحالف.

ومن المؤكد أن الأجندات الأمريكية والإيرانية، تلتقي مع بعضها البعض، ولو مرحليًا، مثالنا هنا فكرة التقسيم والتجزئة للمنطقة العربية بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، وهي فكرة أمريكية من أجل إدخال العرب في فوضى دموية، وقد نجحت في بعض عواصمه الرئيسية، وتفكر منذ فترة في خليجنا الآمن، بحيث تستطيع هي وإسرائيل من خلالها تحقيق ما تصبو إليه من مخططات وهيمنة على العالم العربي حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم دول المنطقة.

وهناك أيضًا مخاطر كثيرة، منها الخطر النووي الإيراني، وعودة طهران لتخصيب اليورانيوم / وتفاهماتها مع تركيا وروسيا وعلاقاتها الاقتصادية الضخمة مع أوروبا، كلها استشرافات تجعل من طهران ومعها واشنطن من أكبر المخاطر الخارجية لدول المنظومة الخليجية خاصة في ضوء ما تغري به طهران الغرب من اكتشافات عملاقة للنفط والغاز داخل أراضيها.

  • المنظومة الخليجية وكيفية مواجهتها للمخاطر الإقليمية؟

لا يزال الدافع الأمني الإقليمي الذي كان وراء إقامة المنظومة الإقليمية الخليجية في الثمانينيات قائمًا وبقوة متعاظمة، وهذا يمثل قمة التعثر لهذه المنظومة، مما يشرعن مبرر إصلاح المنظومة من منظور هذا الدافع نفسه، غير أن طبيعة الدوافع الداخلية – أشرنا إليها سابقًا – تشرعن حجية الإصلاح من منظور الداخل كذلك، وهنا تلتقي الدوافع الإقليمية والوطنية والخليجية للدول الست على الإصلاح العاجل، ومن رؤى مختلفة منها جديدة وأخرى قديمة.

وإذا كانت المخاوف المتعلقة بالسيادة قد بددت حلم الوحدة، فإن تلكم المخاطر – سالفة الذكر – ستطال الوجود ذاته، وهناك فرق كبير بين التنازل الطوعي عن جزء من سيادة صغيرة لصالح السيادة الكبيرة والجماعية، وخطر الوجود، وهذا الوعي الذي تفرزه الآن المخاطر الداخلية ومدى تلاقيها مع نظيراتها الإقليمية يمكن أن يكون الرهان عليه سياسيًا واجتماعيًا في كل الدول الست، فكيف يمكن بلورته؟

سنحتكم هنا للواقعية السياسية وليس قفزًا فوقها، لعلمنا بصلابة بعض المواقف الخليجية رغم الوعي الجديد بالخطر الوجودي، من هنا يمكن القول أولاً، أن فكرة التعاون الخليجي التي أطرت المنظومة الخليجية في الثمانينات قد أصبحت متجاوزة بحكم الظروف سالفة الذكر ، ومن ثم لابد من إصلاح المنظومة من العمق شريطة أن لا يقحم الفكر الإصلاحي الجديد مشروعي " الفيدرالية والكونفدرالية " من قضايا إصلاح المنظومة الخليجية، لأن ذلك كفيل بوأد فكرة الإصلاح من أساسها، وإنما نقترح الانطلاق من مسألة جوهرية وهى الإصلاح الشامل لهياكل وأنظمة المنظومة الخليجية وأطرها وتحديثها بحيث تمنحها آلية ناجعة لتنفيذ القرارات ومنح الأمانة العامة صلاحيات في الحركة والتحرك بصورة أكثر فاعلية، ورقابة مهنية على تنفيذ القرارات .

وتأتي التنمية السياسية لكل دولة خليجية، من ضمن الأولويات، لكن وفقًا لخيارات كل دولة، وذلك لمواجهة تحديات الديموقراطية التي تتنقل بين العواصم العربية بضغوطات الشارع، كما أن هذا النوع من التنمية حتمية كذلك من منظور التنمية الاقتصادية والاجتماعية خاصة بعد التحولات في مفهوم الدولة، من الرعاية إلى الضرائب، لذلك يستوجب إقامة صيغة للشراكة بين المجتمعات والحكومات.

واضفاء الطابع الشعبي على المنظومة الخليجية، سواء عبر منصة حوار ثنائية أو ضمن آليات اتخاذ القرارات .. سيصوب قرارات المنظومة نحو تحقيق آمال المواطن في المواطنة الخليجية الحقيقية التي يمكن أن تحل مجموعة مشاكل داخلية كالبطالة والصحة والتعليم والاختلالات في البنية السكانية والهوية الخليجية .. الخ.

وعلى الصعيد العسكري، فإن القناعة الجديدة التي تمخضت عن أحداث عام 2019م، تبدد نجاعة التحالفات الثنائية سواء بين أطراف خليجية أو طرف خليجي مع أجنبي .. كبديل عن التحالف العسكري الخليجي ــ الخليجي، لذلك، فإن التركيز ينبغي أن ينصب على البناء على ما تحقق من مكتسبات العمل العسكري الخليجي، كاتفاقية الدفاع المشترك والاستراتيجية الدفاعية والتكامل الدفاعي ومركز العمليات البحرية الموحد والأكاديمية الخليجية للدراسات الأمنية ... الخ، ففي هذا الملف يمكن أن يكون قاطرة العمل الخليجي الجديد، خاصة بعد نجاح لقاء نائب وزير الدفاع السعودي في مسقط .. فهل سنسمع قريبًا، تطوير قوات درع الجزيرة " عدديًا وماهيات " بحيث يمكن أن تشكل قوة ردعية لمواجهة المخاطر الإقليمية في حالة بقاء التوترات والصراعات القائمة، أو قوة ضامنة لديمومة النظام الإقليمي في حالة تأسيسه كما يشير إليه صراحة لقاء مسقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وإعلامي ـ سلطنة عمان

مجلة آراء حول الخليج