array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التطورات السياسية العربية الأخيرة.. محاولة أخرى لفهم ما يجري

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

إن ما كتبناه في هذا الموضوع – حتى الآن - ما هو إلا محاولة (متواضعة) لتحليل وفهم التطورات السياسية العربية الهائلة، التي بدأت تتفجر في أغلب الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، ابتداء من مطلع العام 2011م (1432ه) والتي أذهلت العالم أجمع، وفاجأت معظم المراقبين السياسيين – عرباً وعجماً – بأبعادها العميقة، وبدويها وقعقعتها وطحنها.

تجسدت هذه الأحداث في قيام بعض الشعوب العربية بالتظاهر (سلماً) ضد الأنظمة الجمهورية الحاكمة لها، وإرغام تلك الأنظمة على التجاوب والانهيار، أمام طوفان البشر الثائرين بعد أن استحال وقف تدفقهم وزحفهم، بسبب الوسائل الماهرة التي اتبعوها في سعيهم لتحقيق هدفهم الرئيسي في التخلص من دكتاتوريات قمعية، أرادت استعباد الشعوب – التي قدر لها أن تهيمن عليها – للأبد.

ووصفت هذه التحركات بالثورات الكبرى ودخلت التاريخ السياسي العالمي كواحد من أهم وأعظم أحداثه المعاصرة، التي تتعدى آثارها المديين القصير والمتوسط، لتصل إلى المدى الطويل، وتتجاوز الجغرافيا العربية لتشمل جزءاً كبيراً من الكرة الأرضية.

لقد بدأ الشعب التونسي هذا الحراك الفريد، وسرعان ما تبعه الشعب المصري ثم شعوب عربية أخرى. ويبدو أن الحبل ما زال على الجرار. يقول البعض إنها رياح الحرية تهب على هذه المنطقة بعد قطيعة استمرت عقوداً. ويقول آخرون إنها (الفتنة) بعينها، فأين تكمن الحقيقة يا ترى؟

لا بد من موقف عربي رشيد وموضوعي يستهدف عمل أقصى حماية ممكنة للمصالح العربية العليا

ومع ذلك، يبدو أن من يدعون أن ما يجرى هو عبارة عن (فتنة) (أو مؤامرة أو دسيسة) إنما يجانبون الصواب وربما يحسبون من المؤيدين للفساد الهائل والظلم الماثل الذي كانت – وما زالت – تمارسه الأنظمة التي تواجه الآن الرفض الشعبي الحاسم.

سبق أن لخصنا الماهية الظاهرة لهذه الأحداث الخطيرة – بصفة عامة – والمسبب الرئيسي لها، ثم أبرز نتائجها وتداعياتها. لكن، كل ما كتب، وقيل، عن هذا الموضوع لم يشرح بعد، وبدقة، هذه التطورات السياسية المذهلة، التي اجتاحت معظم العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، لتغير في أيام معدودات أوضاعاً مضت عليها عقود، وظن المراقبون أنها تكرست وترسخت إن لم يكن للأبد فعلى المدى الطويل. وإذا بتلك الأوضاع تتغير أو تتداعى ويحاول المعنيون (الثوار) إحلال معكوسها، بدلاً منها. ويكاد ذلك المعكوس (الحلم) يفلت من أيديهم الآن بفعل تدخلات التفافية فورية سلبية – داخلية وخارجية – خفية ومعلنة، تريد لتلك البلاد أن تبقى كما كانت.

وسيظل المراقبون والمتخصصون في علوم السياسة والتاريخ والاجتماع، وكل العلوم الاجتماعية الأخرى، وإلى وقت طويل، يراقبون ويدرسون ما حدث وتبعاته، في أغلب العالم العربي الذي كان راكداً وفجأة انتفض وزأر، وكسر كثيراً من القيود.

ولابد من فهم ماهية ما حصل ويحصل، والأسباب الرئيسية له، و(الأطراف) المحركة له، وأهم أبعاده ونتائجه. ومن ثم مدى إيجابية أو سلبية ما حدث، بالنسبة للمصلحة العربية العليا الحقيقية ومن دون اعتبار للنظرات التي تمثل – في الواقع –مصالح خاصة ضيقة معينة. ويجب أن نعرف موقف اللاعبين الأساسيين، على الساحات العربية والإقليمية والدولية، تجاه ما يحصل ولا شك في أن كل طرف من هؤلاء يبذل قصارى جهده كي تسير هذه الأحداث في الاتجاه الذي يخدم مصالحه، أو على الأقل في الاتجاه الذي لا يلحق به ضرراً جسيماً. وأن أهم هذه الأطراف المعنية هنا، هي: أغلب الأنظمة العربية، ثم إسرائيل، والدول الإقليمية المؤثرة (وخاصة تركيا وإيران) بالإضافة إلى الغرب ممثلاً في الولايات المتحدة، والقوى الغربية الكبرى الأخرى. وقد تكون لنا وقفات قادمة حول هذه الأطراف.

أما لماذا يجب على العرب الفهم الصحيح لهذه الأحداث، فمن أجل بلورة موقف عربي رشيد وموضوعي يستهدف عمل أقصى حماية ممكنة للمصالح العربية العليا، وتوفير مستقبل أفضل وأكرم للأجيال العربية القادمة.

وصفت التحركات الشعبية العربية بالثورات الكبرى ودخلت التاريخ السياسي العالمي كواحد من أهم وأعظم أحداثه المعاصرة

ونكرر القول أن ما حصل في تونس، ثم في مصر، ثم في بلاد عربية أخرى، يرد أولاً إلى تحكم الاستبداد، وما ينجم عنه من ظلم وفساد. والاستبداد مرض سياسي خطير له أسبابه وأعراضه وآلامه، وعلاجه أيضاً. وهذا المرض مأساوي التأثير، ومكافحته غالباً ما تعني القتل والتدمير والفوضى وانعدام نعمة الأمن، ولو مرحلياً. وتشابه الداء يعني تشابه الأعراض والآلام، والدواء أيضاً. ولذلك، تتحتم المسارعة في عمل الإجراءات العلاجية في البلاد المصابة، والإجراءات الوقائية في البلاد التي يمكن أن تسقط فريسة لهذا المرض. فهو مرض كارثي إذا أصاب بلداً، وكارثي إن أراد أهل ذلك البلد إزاحته والشفاء منه.

ورغم صحة (التعميم) هنا، إلا أن لكل قطر عربي خصوصية تختلف عن غيره من البلاد العربية الأخرى، وينبغي أخذها في الاعتبار، في أي تحليل موضوعي. وهذا التعميم المذكور هنا ينطبق أصلاً على الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية. أما الدول العربية ذات الأنظمة الملكية فتختلف قليلاً. إذ يشهد معظمها حراكاً تطويرياً متواصلاً وهو ما قد يجعلها مستقرة – بإذن الله - وفي منأى عن فوضى التغيير الجذري، في المدى القصير على الأقل.

ونعود إلى الجمهوريات، وبعد النظر إلى (العمومية) المشتركة فيما بينها، لا بد أن نتطرق إلى ما يوجد من (خصوصية) في كل بلد عربي جمهوري، هبت فيه رياح عدم الاستقرار السياسي السافر. وسنبدأ في مقال قادم بليبيا، التي نكبت بكابوس دكتاتور يحترف التسلط والتهريج. 

مقالات لنفس الكاتب