; logged out
الرئيسية / حلف "الناتو" وتدبير 400 مليار دولار قبل عام 2024

العدد 145

حلف "الناتو" وتدبير 400 مليار دولار قبل عام 2024

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

بعد مرور 70 عامًا على نجاح حلف الناتو في الدفاع عن أوروبا ضد أخطار كثيرة أبرزها حلف وارسو والاتحاد السوفيتي السابق، بدأ الشقاق والخلاف يدب بين أعضائه تارة حول نسب الإنفاق الدفاعي، وتارة أخرى بسبب ترتيب الأولويات التي يجب التصدي لها، وطوال هذه السنوات حاولت دول الحلف في القارة العجوز الخروج من تحت العباءة الأمريكية عن طريق  اتفاقية "بيسكو" للدفاع المشترك2017م،  أو الجيش الأوروبي الموحد، لكن كل هذه المحاولات لم تحقق نتيجة حتى الآن، بل زادت التحديات أمام الناتو لظهور مخاطر جديدة مثل تصاعد الإنفاق العسكري الصيني لأكثر من 260 مليار دولار ، ودخول حرب الفضاء مرحلة جديدة، وانسحاب أمريكا وروسيا من اتفاقية منع انتشار الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى التي تحمل رؤوسًا نووية (INF) في أوروبا أغسطس الماضي، وتمرد بعض الدول مثل تركيا على أدبيات وقواعد الحلف، ناهيك عن الخلافات التجارية العميقة بين واشنطن والدول الأوروبية وإصرار الرئيس ترامب على فرض عقوبات على المنتجات الفرنسية وربما السيارات الألمانية، فإلى أين يسير الحلف بعد كل هذه السنوات من المسيرة الناجحة ؟ وهل فعلاً تستطيع روسيا احتلال دول بحر البلطيق الثلاث وشرق أوروبا خلال ساعات؟  وماذا عن خطة الحلف" 4×30 " لردع موسكو؟ ولماذا نشر الرئيس ترامب 150 قنبلة نووية من طراز " بي 61 " العملاقة في 5 دول أوروبية؟ وهل فشل واشنطن في شراء جرينلاند يضعف من قدرة الحلف على ردع الأعداء؟

خلافات متجددة

المؤكد أن الخلافات داخل حلف الناتو الذي تأسس عام 1949م، ليست جديدة، فالرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول انسحب من الحلف عام 1966م، اعترضًا على العلاقة التفضيلية من جانب أمريكا لبريطانيا، لكن ربما الجديد هو خروج الخلافات إلى العلن بين دول الحلف الذي يضم 29 دولة بالإضافة إلى الشراكة الأمنية الكاملة مع دول من خارج الناتو مثل أستراليا، وكوريا الجنوبية، واليابان. وسبق للرئيس ترامب وصف الحلف بأنه " عفى عليه الزمن " بينما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  " بالميت إكلينيكيًا "  فما هي أبرز الخلافات التي تعصف بالحلف الذى يضم مليون ونصف الميلون جندي ، ويقدم مظلة أمنية لنحو 1.5 مليار من سكان العالم ؟

أولاً: نسبة الإنفاق الدفاعي

أخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عاتقه منذ وصوله للبيت الأبيض في يناير2017م، الضغط على دول الحلف لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2 % من دخلها القومي بحلول 2022م، و زيادة هذه النسبة لـ4 % بحلول 2024م، لكن حتى الآن لم تف إلا 9 دول فقط بنسبة 2 % غالبيتها من دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن حلف وارسو الغريم السابق لحلف الأطلنطي، بينما الدول الغنية في الحلف مثل ألمانيا، فرنسا، هولندا، إيطاليا، والمملكة المتحدة لم تصل بعد لعتبة 2 % من الدخل القومي، ما دفع ترامب للتهديد بالخروج من الحلف، في الوقت ذاته تنفق واشنطن على الدفاع750 مليار دولار طبقًا لميزانية 2019م، بنسبة 3.65 % من دخلها القومي الذى يتجاوز 20.4 تريليون دولار ، ويضاعف من غضب الرئيس ترامب على دول الناتو  أن العجز التجاري الأمريكي مع الحلف يصل إلى 151 مليار دولار سنويًا، ولذلك في المرحلة الأولى يريد ترامب 119 مليار دولار إضافية من دول الحلف وتخفيض العجر في الميزان التجاري،  ومطالبة دول الحلف بشراء مزيد من الأسلحة الأمريكية، وهو الأمر الذي تعترض عليه فرنسا التي ترى أن أسلحتها ذات جودة عالية و يجب أن يكون لها نسبة كبيرة ضمن عتاد الجيوش الأوروبية.

ثانيًا: الشعبويون والتعامل مع روسيا

أكثر الخلافات التي تعصف بالحلف تتعلق بالتعامل مع روسيا، فهناك دول أوروبية تعترض على العقوبات الأمريكية على روسيا منذ سيطرة الأخيرة على شبه جزيرة القرم عام 2014م،  فالأحزاب الشعبوية  تقف ضد زيادة الإنفاق العسكري، وضد معاداة روسيا، وهناك من يرى أن روسيا دولة أوروبية بامتياز ، ولا يجب التعامل معها كعدو، وكثير من الزعماء الأوروبيون الشعبويون أمثال مارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي، وماثيو سالفيني رئيس حزب الرابطة الإيطالي  يعتبرون أن التعاون مع روسيا أفضل لأوروبا وحلف الناتو  من مجابهتها، وفي السنوات الماضية زادت قناعة الأوروبيين بالتقارب مع روسيا أكثر من أي وقت مضى ،حيث شهد عام 2019م، لأول مرة دخول أحزاب " ناطقة بالروسية" مثل حزبي الوفاق من لاتفيا، واتحاد لاتفيا الروسي" للبرلمان الأوربي، كما شكل وصول الأحزاب الشعبوية للحكم في بعض دول الحلف تهديدًا أمنيًا  بنقل المعلومات الأمنية من أوروبا لروسيا، ويخشى الجهاز الأمني لحلف الناتو تبادل المعلومات الحساسة مع حكومات يسيطر عليها اليمين المتطرف خوفًا من نقلها لموسكو، وعبر مسؤولين سابقين من المخابرات الألمانية عن خشيتهم من تقاسم معلومات أمنية هامة مع الحكومة النمساوية قبل أن يتركها حزب الحرية اليميني الذي أبرم اتفاقية تعاون مع حزب "روسيا المتحدة" بقيادة الرئيس بوتن عام 2016م، وتتهم دول الناتو التي تحكمها أحزاب الوسط ويمين الوسط نظيرتها التي تحكمها الأحزاب الشعبوية بأنها تغض الطرف عن الحرب التي تشنها موسكو من أجل خلق الخلافات الأوروبية ــ  الأوروبية، واجترار النزاعات التاريخية والعرقية في أوروبا، وهو ما يهدد وحدة الناتو، بل ووحدة الدولة الوطنية الأوروبية نفسها، وتأتي في هذا السياق اتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأوروبية وأنها كانت وراء حصول الأحزاب الشعبوية على أكثر من 25 % في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت 25 مايو الماضي.

 ثالثًا: نورد ستريم 2

 هو خط لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا أسفل بحر البلطيق لتعويض النقص في الغاز الروسي المتجه لأوروبا عبر الخط الأوكراني، وينقل الخط 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، وتشارك روسيا في المشروع بـ50%.بينما تساهم شركات أوروبية بـ50% الأخرى بتكلفة إجمالية 11 مليار يورو، وبطول 1200 كيلومتر ، وتعترض أمريكا على هذا الخط لأنه يوفر لروسيا مليارات الدولارات ويضعف من فاعلية العقوبات الأمريكية، كما أن هذا الأمر من وجهة النظر الأمريكية يتعارض مع خطط الناتو التي تسعى لإضعاف روسيا وشل قدرتها على تهديد الدول الأوروبية، لكن ألمانيا والمستشارة ميركل ترفض الطرح الأمريكي وتتمسك بخط الغاز الروسي نظرًا لتراجع تدفقات الغاز من الجزائر والنرويج لأوروبا، وترى ألمانيا و5 دول من الحلف يمر خط الغاز بأراضيها، أن الاعتراض الأمريكي قد يكون وراءه أسباب اقتصادية لا سياسية لأن واشنطن تراهن على بيع كميات كبيرة من الغاز والنفط الأمريكي لأوروبا خلال العقد القادم، وهو ما دفع الرئيس ترامب للغضب وقال لألمانيا "أنتم تساعدون روسيا وتريدون منا محاربتها"

رابعًا: خروج الولايات المتحدة من اتفاقية (INF)

وهي الاتفاقية التي تحظر نشر الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى وتحمل رؤوسًا نووية في أوربا وتم توقيعها الالتزام بها منذ عام 1987م، ورغم الموقف العلني لدول الحلف الداعم لواشنطن، إلا أن الدول الأوروبية كانت تفضل إجراء مفاوضات مع روسيا للتوصل لاتفاق جديد، وهو نفس الأمر فيما يتعلق باتفاقية " ستارت 3 " التي تنتهي 2021م، وترى الدول الأوروبية أن انتهاج واشنطن سياسة " حافة الهاوية " في مثل هذه الاتفاقيات الأمنية يعرض الدول الأوروبية للخطر ، وتدعو دول الناتو ،واشنطن للتفكير في العرض الذي طرحه الرئيس بوتن الذي يدعو لتجديد اتفاقية ستات 3 دون شروط جديدة.

خامسًا: التعامل مع العائدين من ساحات الإرهاب

انتقد الرئيس ترامب حلفاءه في الناتو لعدم استعادتهم لعناصرهم الإرهابية ومحاكمتهم أمام المحاكم الأوروبية، لكن دول مثل ألمانيا، وفرنسا، وهولندا ترفض طرح ترامب، وتفضل عدم عودة هؤلاء و تريد محاكمتهم في دول خارجية مثل العراق ، وتتهم واشنطن بأنها من يفاقم قضية العائدون من ساحات الإرهاب بسبب الانسحاب الأمريكي المفاجئ من سوريا دون التنسيق مع الحلفاء في الناتو خاصة الدول التي لها قواعد عسكرية شرق سوريا مثل فرنسا في ذات الوقت تتهم واشنطن حلفاءها في الناتو بعدم وجود رؤية موحدة للتعامل مع ظاهرة الإرهاب، وأن عدم تبادل المعلومات الدقيقة ساهم في وجود " مساحة رمادية " يتحرك فيها الإرهابيون.

سادسًا: العبء التركي، ومستقبل انجرليك 

تحولت تركيا التي دخلت حلف الناتو في18 فبراير  1952م، إلى عبء كبير في ظل المغامرات التي يقدم عليها رجب طيب أردوغان، حيث عارضت دول الحلف العملية التركية في شمال سوريا وشمال شرق الفرات، كما سجلت دول الحلف اعتراضها على عمليات التنقيب التركية في المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص، وأدانت اتفاقية السراج ــ أردوغان، لكن ربما الأكثر خطورة في تاريخ حلف الناتو هو شراء تركيا منظومة الدفاع الروسية أس 400، التي لا تتوافق مع المنظومات الدفاعية للحلف، وهو ما دفع دول الحلف لفرض عقوبات على تركيا، ووقف الكثير من مشروعات التصنيع العسكري المشترك بين دول الحلف وأنقرة، وهناك خطط في حلف الناتو بأن تركيا لو واصلت شراء الأسلحة الروسية وخاصة الطائرة سو 35 فإنها سوف تتعرض لعقوبات قاسية قد تصل لطرد تركيا من الحلف ، ونقل قاعدة انجرليك خارج الأراضي التركية، وقال الحلف إن تشغيل منظومة إس400 وربما أس 500 في المستقبل سوف يشكل خطر داهم على طيران الحلف .

 تحديات وجودية

رغم الحديث عن قوة وصلابة الحلف كما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلا أن هناك أخطار وجودية تهدد الحلف ولعل أبرزها:

1-الحرب الخاطفة:

عندما تقول مؤسسة راند Rand أن روسيا تستطيع "احتلال "دول شرق أوروبا، وأن تهزم كل جيوش حلف الناتو في شرق أوروبا خلال أيام قليلة، فإن هذا الأمر صدم الأوروبيين خاصة دول بحر البلطيق الثلاث ورومانيا وبولندا، وزاد من هذا الهلع تأكيد المؤسسة أن الجيش الروسي قادر على منع قوات الناتو من الاقتراب من البحر الأسود، وكل هذا بسبب تجاهل الرئيس أوباما وسلفه جورج بوش الابن لكل خطط تطوير الحلف منذ عام 2000م، إلى أن استيقظ الناتو على دخول القوات الروسية لشبه جزيرة القرم عام 2014م، ورغم وجود 212 ألف جندي أمريكي خارج الأراضي الأمريكية إلا أن الرئيس أوباما قام بسحب لواءين من أوروبا، ووفق هذه دراسة مؤسسة راند  فإن روسيا قادرة على إقامة "منطقة حظر" في أي "حرب خاطفة" وهو ما جعل الدول الصغيرة شرق أوروبا تشعر بالخوف من إمكانية ضربة روسية خاطفة ،وتكرار  " سيناريو القرم " وفي شهادته أمام الكونجرس أقر الجنرال كورتيس سكاباروتي، قائد قوات الناتو الأوروبية، بتفوق القوات الروسية على قوات حلف شمالا الأطلسي بأوروبا الشرقية "حاليا"، ولكنه كان واثقاً من أن الحلف سيكون أقوى على المدى الاستراتيجي، واكتفى بتحذير دول الحلف من عدم تعويض النقص في الأسلحة والمعدات قبل عام  2025م، وربما كان الأكثر خطورة قول الجنرال سكابروتي إن روسيا قادرة على منع وصول قوات الناتو للبحر الأسود، وأنها قادرة على إقامة منطقة حظر جو ، و أن روسيا لها الأفضلية في أوروبا الشرقية ليس فقط في مجال الأسلحة النووية التكتيكية، بل في مجال الأسلحة التقليدية نتيجة لقرب ساحة الحرب في أوروبا الشرقية من الخطوط الداخلية في روسيا.

2-الصين

لأول مرة تتضمن استراتيجية حلف الناتو مراقبة النشاط والإنفاق العسكري الصيني ، فالولايات المتحدة ومعها دول الحلف تستشعر الخطر من الصين ربما أكثر من روسيا، ولذلك وضعت الاستراتيجية الأمنية الأمريكية منذ 2017م، الصين وروسيا " كمنافسين " للولايات المتحدة والناتو على الساحة الدولية، وتعد الصين وراء الكثير من الخطوات الأمريكية الأخيرة، فالمعروف أن واشنطن خرجت من اتفاقية  INFبغرض أن تحولها من اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة لاتفاقية متعددة الأطراف تدخل فيها الصين، ويعود السبب في توجس الناتو من الصين أن بكين أضافت 80 سفينة وغواصة إلى قوتها البحرية في العام الماضي فقط أي ما يعادل البحرية الملكية البريطانية بأكملها، وخلال الأسابيع الماضية عرضت صاروخها النووي العابر للقارات، و القادر على الوصول إلى الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى صاروخ كروز جديد أسرع من الصوت، ومجموعة متنوعة من طائرات بدون طيار جديدة، وصواريخ مضادة للسفن، ويعزز من توجس حلف الناتو من الصين المعلومات التي قالت إن الجيش الصيني بات يمثل خطر على الولايات المتحدة  وعلى مصالحها وحلفائها لأنه يضم أكثر من 3.7 مليون جندي منهم 1.4 مليون قوة احتياط ، وأن عدد من يمكنهم الالتحاق بالقوات المسلحة يصل إلى 619 مليون مواطن، وعدد من يدخلون سن التجنيد سنويا حوالي 19.5 مليون شاب، خاصة أن القوة المتاحة للعمل تجاوزت 750 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان الذي وصل إلى مليار و373 مليون ، ولدى الجيش الصيني  2955 طائرة حربية بينها 1271 مقاتلة وطائرة اعتراضية،  و1385 طائرة هجومية، و352 طائرة تدريب ، ويصل عدد المروحيات  إلى 912 مروحية، بينها 206 مروحيات هجومية، ويوجد في الصين 507 مطارات عسكرية

وعلى مستوى القوات البرية لدى الصين قوة الدبابات من 6457 دبابة، إضافة إلى 4788 مدرعة و1710 مدافع ذاتية الحركة، إضافة إلى 6200 مدفع ميداني و1770 راجمة صواريخ متعددة، وبحريًا يتكون الأسطول الحربي الصيني من 714 سفينة حربية، منها حاملة طائرات واحدة، و68 غواصة و51 فرقاطة، و35 مدرعة و35 كورفيت، إضافة إلى 220 سفينة دورية، و31 كاسحة ألغام كما تمتلك الصين أسطول تجاري قوته 2030 سفينة تجارية و15 ميناء من الموانئ الكبرى، لكل ذلك هناك اتفاق على أن الخطورة القادمة على الناتو قد تأتي من الصين.

3-فشل شراء أو استئجار جزيرة جرينلاند

المؤكد أن الولايات المتحدة حاولت وستحاول شراء أو استئجار جزيرة جرينلاند أكبر جزيرة في العالم والتي تبلغ مساحتها 2 مليون كلم ،لأن واشنطن تدرك خطورة نشر الصاروخ الروسي الجديد الذي يتجاوز مدى 500 كلم، وبذلك يمكن أن يقصف العواصم الأوروبية بالرؤوس النووية، لذلك ترى الولايات المتحدة أن الجزيرة التي بها 57 ألف نسمة يمكن أن تكون المكان المثالي لنشر منظومة الدفاع الصاروخية " ثاد " لمقاومة الصواريخ الروسية المنتشرة غرب روسيا، وفي الغواصات الروسية القريبة للمحيط المتجمد الشمالي، وتأمل واشنطن في استئجار الجزيرة، التي ضمتها الدانمارك عام 1957م، لإمكانية نشر الصواريخ طويلة المدى في هذا المكان الحيوي للوقوف أمام ما تسميه واشنطن بالأطماع الروسية والصينية في القطب المتجمد الشمالي، ويعتقد الرئيس ترامب أنه يمكن أن يدافع عن القواعد العسكرية لحلف الناتو إذا ما نشرت الولايات المتحدة مزيد من منظومات الدفاع الصاروخي المتقدمة في تلك الجزيرة الاستراتيجية.

 الخروج من العباءة الأمريكية

وإزاء كل هذه التحديات والخلافات خرجت الكثير من الأفكار التي تدعو في مجملها إلى الخروج من "العباءة الأمريكية"  خاصة أن دول حلف الناتو شعرت بعدم تقدير واشنطن لدورها في الحرب على الإرهاب في أفغانستان منذ 2001م، وشكل اعتراض بعض دول الحلف على خطط واشنطن لاحتلال العراق 2003م، شرخ كبير في العلاقة بين دول الحلف والولايات المتحدة ،  وهو ما أدى للتفكير في " اتفاقية "بيسكو" عام 2017م، والتي وافقت عليها 23 دولة أعضاء في حلف الناتو بغرض تعزيز التعاون في مجال الدفاع، وهذه أكثر الخطوات الأوروبية المتقدمة من أجل تشكيل ذراع عسكري للتخلص من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعزيز السياسات الأوربية في مناطق حوض البحر المتوسط وشمال إفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.

ومن أجل الخروج من العباءة الأمريكية أيضًا اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون تأسيس " جيش أوروبي موحد " وربما سعى لإحياء الفكرة عندما  تحدث عن "الموت الإكلينيكي" لحلف الناتو، لكن هناك مشكلتان تواجه المقترح الفرنسي، الأولى عدم توفر الإرادة السياسية لدول الحلف في الابتعاد عن واشنطن، خاصة دول شرق أوروبا مثل بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا ودول بحر البلطيق، فهذه الدول تعزز من تعاونها مع الولايات المتحدة خوفًا من روسيا، ولا يمكن لهذه الدول أن تثق بالدول الأوروبية الأخرى لحمايتها، والمشكلة الثانية هي التمويل، فلو كانت ميزانيات دول الجناح الغربي من الحلف تسمح بمزيد من الإنفاق في الوقت الحالي ربما كانت أخذت هذه الخطوة في ظل حلف الناتو وليس لتشكيل جيش أوروبي جديد

روشتة لاستعادة البريق

لإعادة الزخم والقوة التي كان عليها الحلف طوال الـ70 عامًا الماضية ينبغي العمل على " خريطة طريق " طموحة تكفل للحلف مواجهة الأخطار الأنية والمستقبلية من خلال مجموعة من الخطوات وهي:

1-الالتزام بخطة زيادة الإنفاق من خلال تدبير 400 مليار دولار قبل عام 2024م، على أن يتم استثمار الجزء الأكبر من هذه الأموال في نشر واستخدام أحدث الأجيال من الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي

2-الإسراع في تطبيق خطة " 4×30" وهي خطة أمريكية تعهد حلف الناتو بتطبيقها بحلول 2030 م، وتعتمد على أن يكون الحلف قادر في غضون 30 يومًا نشر 30 كتيبة آلية و30 سرب طائرات و30 سفينة مقاتلة لتتمكن من مواجهة أي عمل هجومي، ومن أجل ذلك شرع الحلف في بناء خمس قواعد جديدة له في رومانيا وبولندا ودول بحر البلطيق الثلاث استونيا ولاتفيا وليتوانيا، ومن المنتظر أن تتواجد بشكل دائم داخل كل قاعدة من القواعد الخمس قوة يتراوح قوامها بين 300 و600 جندي من الدول الأعضاء.

3-استنساخ " النموذج الكوري الجنوبي أو الياباني في التعامل الأوربي مع واشنطن، ويقوم هذا النموذج على ضخ استثمارات " يابانية " في البنية التحتية الأمريكية بحوالي 250 مليار دولار، أو شراء منظومة صواريخ أمريكية " ثاد " لكوريا الجنوبية، بالإضافة لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة لا يكون فيها العجز التجاري ضد واشنطن، هذا النموذج من التعامل مع مطالب الرئيس ترامب بزيادة الإنفاق ساهم في بقاء 28.5 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، و46 ألف في اليابان.

4- نشرت الولايات المتحدة  150 قنبلة نووية من طراز "بي – 61" في 5 دول أوروبية ، ويتم استخدامها فقط بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق الوثيقة التي نشرها السيناتور الكندي جوزيف داي النائب الكندي على موقع اللجنة البرلمانية لحلف الناتو، والذي أكد وجود "150 سلاحًا نوويًا" في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، وكل قنبلة من تلك القنابل تعادل 26 مرة القوة التدميرية لقنبلة هيروشيما اليابانية سنة 1945م، لكن نشر هذه القنابل كشف مدى خطورة الانزلاق لصراع نووي على الأراضي الأوروبية الأمر الذي أدى لخروج مظاهرات كبيرة ضد نشر هذه القنابل في الدول الأوروبية

 

5-نشر منظومات الدفاع الصاروخية في بولندا ورومانيا، بالإضافة لنشر العديد من القطع العسكرية على حدود روسيا في دول بحر البلطيق الثلاث، كما قامت بولندا بشراء 40 صاروخR-27R من أوكرانيا، وسعيها لشراء طائرات إف 35 الأمريكية، الأمر الذي شجع الرئيس ترامب على نشر 1000 جندي أمريكي في بولندا فيما وصف بأنه" حصن ترامب" ضد روسيا.

6-إحياء دور قاعدة "رامشتاين" في ألمانيا باعتبارها أكبر قواعد واشنطن في أوروبا، والتي كانت خلال الحرب الباردة قاعدة متقدمة للمواجهة مع الاتحاد السوفيتي.

7- الاستمرار في خطة "تحديث الترسانة النووية" لدول الحلف، وهو ما تعهد به الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الأبيض عام 2017م،عندما طلب "سياسة نووية جديدة" فالولايات المتحدة تملك حاليًا 7 آلاف رأس نووية من القنابل الكبيرة ، لكن واشنطن تسعى لإنتاج قنابل نووية "استراتيجية" تستطيع تدمير أهداف بعينها عندما تكون أصغر حجمًا وأقل تدميرًا، وهذا ما يطلق عليه البعض " السلام النووي " القائم على الردع والتخويف، ولذلك عند صياغة الخطة الأمريكية الجديدة للأسلحة النووية قال البيت الأبيض أن الهدف من هذه الاستراتيجية منع ما أسماه " بالقناعات الخاطئة " وهي أن الولايات المتحدة يمكن أن تتردد في استخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت لخطر داهم

8-إنشاء قوة خاصة لحماية الفضاء حيث تملك دول الناتو 2000 قمر صناعي بنسبة 65 % من إجمالي الأقمار الصناعية في الفضاء، ويهدف الناتو  من خلال هذه القوة إلى تأمين المعلومات التي تنقلها الأقمار الصناعية بجانب الاتصالات والملاحة ،والإنذار المبكر والحماية من التشويش، ويمثل الفضاء ضرورة للحلف من أجل الردع وتأمين دفاعاته، بما في ذلك القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية ،والكشف عن إطلاق الصواريخ، وقد اتهمت دول الناتو روسيا أكثر من مرة باستخدام الأقمار الصناعية للتجسس الفضائي ،كما حذرت القيادة الفضائية الأمريكية من محاولات الصين لاستخدام الأقمار الصناعية في 2016م،   تبنى الناتو وجهة نظر مشتركة مفادها أن الهجوم السيبراني قد يسفر عن تفعيل مبدأ الدفاع الجماعي، وقام بعد ذلك بتطوير حماية المعلومات والبيانات ، وأسس مركز لتنسيق العمليات السبرانية في بلجيكا.

مجلة آراء حول الخليج