array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 145

3قضايا تشكل مشهد المنطقة خلال العقد الجديد: فلسطين وإيران وجماعات الإسلام السياسي

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

تحميل    ملف الدراسة

مقدمة : تمر منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي بما يمكن أن يسمى بـ ( منخفضات شديدة) سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وقد بدأت تلك المنخفضات منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين واستمرت طوال عقد تؤثر في الأحداث واستغرقت معظم أو كل سنوات العقد الثاني، ونحن الآن على مشارف العقد الثالث الذي لا يمكن على وجه الدقة بيان على أي وجه سوف يكون ( سياسيًا ، و اجتماعيًا، واقتصاديًا) الأمر الذي نحاول سبر غوره في هذه المطالعة، وقد يخضع لعدد من السيناريوهات ، بعضها معتم و بعضها واضح نسبيًا، إلا أن هناك مؤثرات ومؤشرات قديمة وجديدة تفعل فعلها في صيرورة الأحداث، كما أن هناك خطوات تحديثية أيضًا تسابق الزمن لتقتلع أسباب التذكر ، هناك من جانب آخر خطط ( تخريب) ممهورة بشعارات ( ثورية ) قائمة في المنطقة تقاوم المصالح المرسلة لأبناء الشعوب و هناك خطط ( تجبير) ما هو قائم وإصلاحه، بين الخطط البانية و الخطط المخربة المختلفة سباق سوف يربحه من يستطيع أن يقرأ الأحدث بشكل منطقي ويضع الإجابات الصحيحة للأسئلة الكبرى القائمة ويفهم مسيرة التاريخ و يدرس عن قرب تحولات النسيج الاجتماعي\ الثقافي في هذه المنطقة ويحدد المخاطر و يستفيد من الفرص.

 

الأحداث الكبرى في العقدين الماضيين:

هناك عدد من الأحداث الكبرى التي أثرت في أحداث المنخفضات السياسية المشاهدة اليوم بعضها قديم ولا زال مؤثرًا، وبعضها جديد (نسبيًا والآخر مستجد) والجميع له مساهمة بدرجة أو أخرى في تشكيل المشهد القادم في المنطقة. من القديم المؤثر والجديد الفاعل:

الأول :ما تعارفنا على تسميته بـــ ( القضية) واقصد القضية الفلسطينية، فقد أرست العديد من المظاهر السياسية ولا زالت تفعل على رأسها وصول العسكر العرب إلى الحكم [1]،تحت شعار ( تحرير فلسطين) وقد ترك ذلك التطور (حكم العسكر ) ندوب على وجه التطور الطبيعي المرجو في المنطقة ككل، فكانت أم الثورات في مصر من خلال حركة الضباط الأحرار، ومن ثم كرت السبحة في معظم بلاد العرب المشرقية وحتى المغربية، وجاء إلى السلطة (عسكر) ومعظمهم ليس لهم مشروع واضح المعالم قائم على نموذج حديث، ومن هنا دخلت المنطقة في صراع بين معسكرين مستقطبين، زاد ذلك الاستقطاب من الخلاف الدولي بين المعسكر الاشتراكي و المعسكر الرأسمالي ! ونتيجة مجموعة من المزايدات، لا شيء من فلسطين تحرر (بل على العكس تمددت دولة إسرائيل) وتعثر مشروع حريات الشعوب العربية، ومع الزمن لم تعد الشعوب تهتم كثيرًا بــ (القضية) حسب استطلاعات الرأي[2]، وأصبحت شعارًا فقط، وفي أحداث ما عرف بالربيع العربي لم تذكر تلك القضية إلا لمامًا، بل استطلاعات الرأي الأخيرة تجمع على أن (القضية) لم تعد تحظى باهتمام الجمهور العربي وقد تراجعت في الأولويات[3].

الثاني: الدخل في التأثير في المشهد السياسي العربي وهي ( الثورة الإيرانية) منذ بداية ثمانينات القرن الماضي والتي تمددت فعلاً من الجانب الملموس في العديد من الدول العربية تحت ذرائع مختلفة، كما تمددت بمقولاتها في مجتمعات أخرى ، وهي لا زالت تفعل، تداعيات النسخة الإيرانية من الحكم وهي نسخة لا تروم إقامة دولة حديثة، بل إقامة سلطة متوحشة باسم الدين تقفز بالمجتمعات إلى الخلف، فقد أثرت في الوضع اللبناني حتى افشلت الدولة، و كما ساندت حكمًا قمعيًا في سوريا ، و تحاول التمدد في اليمن عن طريق ذراعها (الحوثي) الذي يحمل أفكارًا نكوصية غير قابلة للتطبيق في بداية القرن الحادي والعشرين الذي يتوق أهله إلى الحرية و الدولة المدنية العادلة . التمدد الإيراني مغموس بالرغبات القومية الإيرانية وملبس بأفكار مذهبية، يخلط خلطًا غير منطقي بين (حكم إسلامي) كما يراه وقمع مجدول بالإنابة عن (المعصوم) وأصبح نائب المعصوم معصومًا، ليس له علاقة بالتفاعلات السياسية والاجتماعية على الأرض هو كما يدعي (مفوض من السماء) مما أدخل المنطقة في إشكالية قد يطول حسمها.

الثالث : أما المكون الثالث فهو ( الإسلام السياسي السني) وهو قديم جديد ، نشأت حركة الإخوان بعد الحرب العالمية الأولى في مصر التي ساء بعض المحافظين وقتها سقوط الخلافة العثمانية في الأستانة فقرر منظرو الإخوان الأوائل السعي لإقامة ( خلافة)، كرد فعل كما يقال على سقوط الخلافة العثمانية ،ولكن مشروعهم بسبب فقدان النموذج المعرفي الحديث أصبحت قواهم كقوس قزح، ليس فقط ملونًا ولكن أيضًا متلونًا في بيئات مختلفة إلا أنه في الغالب يفتقد كمثل الإسلام الشيعي (أجندة حديثة لإدارة المجتمعات ) هذه الكتلة المتنوعة متكئة على الإسلام ومستفيدة من خلو الساحة من منافسين سياسيين حداثين ،هي كتلة لا يجب الاستهانة بها، فشلت في مصر سريعًا ( إبان حكم محمد مرسي) وفشلت في السودان بعد فترة طويلة نسبيًا من الحكم [4]، قسم فيه السودان الى قسمين وأشعلت شماله وجنوبه عدد من الحروب الأهلية ،إلا أن جزأ من ذلك المكون يشارك في الحكم في تونس و أيضًا في المغرب، وله أيضًا امتدادات تنظيمية في كل من ليبيا و الكويت و البحرين ،و مجموعات نائمة في دول أخرى . هذه الكتلة (على تنوعها) في قوس قزح كبير سوف تظل فاعلة في العقد القادم في المشهد السياسي العربي بسبب فقر في نوعية التعليم من جهة وأيضًا فقر في المناعة المعرفية من جهة أخرى مما جعل من قطاعات واسعة في النسيج العربي تتبعها إما جهلا أو بعضها تكسبًا سياسيًا ولكن الجميع يتغذى على طول ضعف في التعليم لم تكن بعض الإدارات السياسية بعيدة عنه، لذلك سوف تظل تلك المجاميع فاعلة دون فاعلية تعمل على تعويق التحديث ولا تقدم بديلا عنه بسبب قصور في المفاهيم والنماذج المعرفية لدى الجماعة.

هذه الثلاثية (فلسطين، النموذج الإيراني، النموذج الإخواني) على ما بينها وفيها من تضارب في المفاهيم واختلاف في الأهداف سوف تظل فاعلة في المشهد السياسي العربي في العقد القادم، من خلال جماعات وتجمعات ودول ترى في استمرار تلك الشعارات تحقيق أهداف لها.

الموقف الأمريكي

سوف تبقى الولايات المتحدة مؤثرة في تشكيل الأحداث بشكل كلي أو جزئي في الشرق الأوسط، هي الأكثر تواجدًا على الأرض وهي الأكثر مصلحة في الدفاع عن الأمن والسلم، كما أنها مفتاح السلام أو الحرب في المنطقة، إلا أنها تعاني من (أمراض سياسية) خطيرة قد تؤثر في فعاليتها، من هنا أهمية تشريح الموقف السياسي الأمريكي وتأثيره في العقد القادم على الخليج.

 

ترامب جعجعة بلا طحين!

الإدارة و الرئيس : انفجرت في الولايات المتحدة، مجموعة من القضايا السياسية منها قضية السفير البريطاني في واشنطن منذ أشهر وهي غير مسبوقة في الدبلوماسية العالمية، ثم قضية النائبات الأربع من الحزب الديمقراطي ذوي الأصول المشرقية في مجلس النواب الأمريكي اللاتي اتهمهن ترمب تقريبًا بـ ( الخيانة)، والأخيرة تقديم الرئيس دونالد ترمب إلى محاكمة سياسية حول أحداث أكرانيا [5] والطرف المقابل في كل تلك القضايا هو السيد دونالد ترمب ، وهي جزء من سلسلة الأزمات المتجددة للرئيس الأمريكي ، الأزمة الأولى دولية ومع أقرب حليف للولايات المتحدة تاريخيًا، و الثانية داخلية تجاه صلب التكوين الشعبي الأمريكي المكون من مهاجرين، مما دفع مجلس النواب لإدانة الرئيس بالعنصرية، والأخيرة هي ما جعل من مجلس النواب يفتح تحقيق قد يؤدي إلى عزل الرئيس أو التأثير في إعادة انتخابه عام 2020 [6]، ذلك غيض من فيض من الأحداث التي ارتكبها الرئيس الأمريكي لما يمكن أن يلاحظ في حده الأدنى بعدم انتظام سياسي معيق و للبعض مقلق. السيد ترمب له معارك أخرى خارجية مع الحلفاء والأعداء، ربما يسير على عكس القول الشعبي الأمريكي الذائع قبل أن تدخل معركة عليك حساب التكاليف! يبدو أن التكاليف السياسية بعيدة المدى هي آخر ما يفكر فيه ساكن البيت الأبيض! وقد أثرت تصريحاته تجاه المنطقة سلبيا فقد (فلت لسان الرئيس بعبارات غير لائقة) وسببت حرجًا شديدًا في الحالة النفسية للعلاقات بين الإقليم وبين الإدارة الحالية.

ليس من السهل لأي متابع لتغريدات وقرارات السيد ترامب أن يدعي أنه يعرف (السمة) الترامبية التي يسير عليها الرئيس، فهي سمة سياسية وشخصية غير قابلة للتفسير أو المعرفة أو حتى التوقع قبل سبر عدد من الوقائع الحالية والتاريخية. تسرع بعضهم وقال أنها (سمة) رجل الأعمال، ولكن حتى ذلك الرجل لا يمكن أن تفسر تصرفاته بعقلانية ويمكن التنبؤ بالكثير منها. الأكثر قربًا إلى التفسير المعقول عاملان الأول أن القوة الأمريكية تفقد (زخمها) في العالم، وتتخلى تدريجيًا وبشكل غامض عن كل من القيم الديمقراطية العميقة التي نشأت عليها واستطاعت تسويقها على مدى قرن وأكثر، و (الثاني) تتخلى عن الدفاع عن منظومة الاستقرار العالمي. يمكن معرفة السمة الترامبية من معادلة (عدم كفاءة في استخدام القوة الخشنة في العقود الأخيرة، ونقص فاضح في استخدام القوة الناعمة)، ترمب هو التجسيد الأكثر وضوحًا لها ولكنه لم يصنعها لوحدة، فقد تكونت لأكثر من عقد نتيجة التحديات العالمية التي تواجه الولايات المتحدة وهي اليوم تتفوق على ما سبقها من تحديات. أمام الولايات المتحدة أربعة على الأقل من التحديات الكبرى، الأولى اضطراد نمو الصين كقوة عظمى اقتصادية وسرعان ما سوف تتحول إلى سياسية وتزاحم المصالح الأمريكية وهي الآن قريبة إلى التفوق حتى التقني، والثانية حركات العنف ذات المتكأ الإسلامي من بوكوحرام إلى داعش مرورًا بإيران وأفغانستان ومتشابهاتها، وهي حركات شجت الولايات المتحدة بعضها عندما كانت في صراع مع الاتحاد السوفيتي ودون كثير من الحساب للعواقب، وهي اليوم تسمى (إرهابا) دوليًا بالغ الخطورة.

ثالثًا: السباق في الفضاء الخارجي المتنامي والمكلف، و الرابعة معارك الفضاء اللألكتروني المتزايد الخطورة والذي سوف يصبح شاغل الدول في العقد القادم لأنه يمكن أن يكون بديلاً لكل آلات الحرب المعروفة منذ بدأ التاريخ!. لا يبدو أن إدارة ترمب لديها وضوح في كيفية مواجهة التحديات الكبرى فهي في صراع مع الصديق والعدو على حد سواء. الأساس في عدم القدرة أن الولايات المتحدة منذ فترة ليست قصيرة غير قادرة أو ربما راغبة في استخدام ( القوة الخشنة) تلك الحقيقة ليست خاصة بالإدارة الحالية ولكن من قبلها بسبب ( متلازمة حرب أفغانستان والعراق) التي أثرت سلبًا في الرأي العام الأمريكي وأيضًا التراث السياسي الأمريكي القائم في الغالب عن النأي بالنفس ، المشكلة ليست هنا ولكن المشكلة الأكبر أنها لم تعد تحسن استخدام أو إدارة ( القوة الناعمة) التي كانت تسمى في وقت ما ( القيم الأمريكية العميقة) فحادث السفير من جهة والنائبات من جهة أخرى والقضية النابعة من ( ملابسات أوكرانيا)  تنبئ عن عدم تسامح و عدم قبول الآخر في الثقافة السياسية للإدارة الحالية، وهما عنصران مهمان في القوة الناعمة الأمريكية. منذ أن تحدث ثيودرور روزفلت وكان نائب الرئيس وقتها في سبتمبر 1901م، ( مطلع القرن العشرين) لحشد من مؤيديه قائلاً ( تحدث بلين و احمل عصًا غليظة) بعد ذلك الخطاب بأيام قتل الرئيس وليم ماكلي وأصبح روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة وبدأ في تحقيق ذلك الشعار على الأرض وفي تكوين القوة العسكرية الأمريكية، وحمل روزفلت شعار (أمريكا أمة عظيمة) فالشعار الذي يتبناه ترمب ليس جديدًا، الفرق بين ترمب وروزفلت أن شعار الأخير تحول إلى منهاج عمل سياسي في الداخل والخارج أدى باختصار أن يكون القرن العشرين ( قرن أمريكي) وفي بدايته تدخلت أمريكا عسكريًا في أمريكا الجنوبية ثم خاضت حروبًا كبرى، ولكنه كان قرنًا مكلفًا في الأرواح و المال، قرن الهيمنة كلف أمريكا سبع مائة ألف قتيل ومليون جريح تقريبًا في حروب عديدة منها حربين عالميتين و اثنتان منهكتان فيتنام و أفغانستان. تمخض عن كل ذلك فكرة سياسية تبلورت في عهد السيد رونالد ريجان (عظم من القوة العسكرية والتقنية بشكل طاغ حتى تصل إلى درجة تنعدم عندها الحاجة إلى استخدام القوة) العصى الغليظة أو حرب النجوم! كما عرفت شعبيًا في تلك الحقبة أتت أكلها بانهيار الاتحاد السوفيتي، ولكنها لم تنهي الحروب، خاصة في فضاء عالمي تنمو فيه قوى اقتصادية هائلة (الصين والهند) وأخرى غير منضبطة. على الأقل في العقد الأخير ( أوباما وترمب) واجهت أمريكا نفس المعضلة التي واجهتها عند البدء، فقد هاجر أسلاف الأمريكيين من أوروبا المشتعلة بالظلم والحروب هربًا من الاستبداد والمذابح ولكنهم تعلموا بسرعة أن النيء بالنفس لا يعني عالمًا مستقرًا ، فاشتركوا من جديد في حروب أوروبا أو حروبًا لحسابهم ولكن بعضها خاصة فيتنام و أفغانستان و أخيرًا العراق احرقت أصابع الداعين إلى الحرب فتكون ما سمته بعض الدارسات الامريكية (سندرروم الحرب) أي الابتعاد ما أمكن عن خوض الحروب ، عدم استخدام القوة الخشنة يعني تراجع هيبة الولايات المتحدة، فقد أسقطت إيران طيارة مسيرة درون ثمينة [7] دون رد فعل أمريكي [8]، كما أن تراجعها عن ( القيم العظيمة) أفقدها القوة الناعمة، ما بقي هو شيء مما يمكن أن يسمى ( الاستبداد الديمقراطي)،صحيح أنه تناقض في المفهوم، ولكنه معبر من خلال تلك الشعبوية التي تريد أن تعيد أمريكا عظيمة من جديد إلا أن ثمن العظمة هذه المرة هي الشعبوية لا الانتصار في حرب ولا الدفاع عن قيم إنسانية نبيلة . المعضلة التي تواجه بقية العالم وعالمنا جزء منه أن الصيرورة لا تتوقف هنا أي الا حرب والا سلم، فإما أن يكون هناك نظام عالمي قادر على بسط السلام وتعظيم احترام قواعد اللعبة الأممية المتمثلة في القانون الدولي أو الفوضى. ذلك ما يقلق في (جعجعة) السيد ترامب، فالقيادة تأخذ أشكال مختلفة ولها خصوصيتها والقيادة الأمريكية ليست استثناءً ولكن دائما القيادة تحتاج الى (القوة العسكرية) وهي مكونًا رئيسًا منها. تردد ترامب و إدارته وتوهانها المشاهد هو دليل من أدلة أخرى على غياب (السمة) ـ إعلان الانسحاب من شمال سوريا ثم العودة عنه جزيئًا وتناقض الموقف مع كوريا الشمالية والذي كلف الإدارة ربما أفضل وزير دفاع في التاريخ المعاصر[9] يفصح ذلك أن هناك خلط ضبابي لدى الإدارة يفرق بين (الحفاظ على المصالح الأمريكية) كما تفهمها الإدارة و (الحفاظ على السلم العالمي) كما يرجو العالم. وحتى يتبين للإدارة أن المصالح الأمريكية جزء لا يتجزأ منها الحفاظ على السلم العالمي! وهما متشابكان، هنا فقط تتحول الجعجعة إلى طحن! ولكن ذلك لا يبدو قريبًا. من هنا فإن الاعتماد على الولايات المتحدة لبسط السلم في الخليج أصبح اعتمادًا مشكوك فيه، ولذلك يتوجب أولا رأب الصدع الخليجي في العقد القادم ومن ثم التحول إلى بناء مشروع متكامل للحفاظ على السلم والأمن في الخليج نابع أولاً من شعوبه مع الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع أكبر ما يمكن من القوى في العالم.

الرؤية الاستشرافية للعقد القادم

على الرغم من الحرائق المشتعلة حول الخليج وبعضها يمس دوله أو أغلبها مسًا مجاورًا ومكلفًا ، فإن دول الخليج حتى الآن حافظت على السلم والتنمية في فضائها المباشر ، إلا أن ذلك لا يمنع من التفكير بأن ( عدم الإخلال بالسلم) في الخليج ليس مضمونًا لأن هناك فواعل أخرى قد تحدد ذلك ، منها الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة و بين إيران ،وقد ينفجر ذلك الصراع إلى حرب ساخنة في العقد القادم [10] وذلك يعني الإضرار الكبير لتصدير النفط الذي تعتمد عليه ميزانيات دول الخليج ، كما أن هناك احتمال (ولو ضئيل) بنشوء مطالبات من تأثير الضغط الاجتماعي، أو من تأثير عدم التحرك بالسرعة الكافية في الإصلاحات المطلوبة. إذا هناك عدد من المستحقات التي يجب أن ينظر إليها ( من الدول الخليجية كل على حدة ومن الإقليم الخليجي ككل) فهناك إصلاحات واجب التفكير فيها في الدولة الخليجية، وقد تم بعضها بنجاح مثل إصلاحات المملكة العربية السعودية في القطاعين الاجتماعي، وخاصة تحرير إمكانيات المرأة السعودية و في القطاع الاقتصادي الذي يُدار بكفاءة، إلا أن هناك استحقاق سياسي في بقية دول مجلس التعاون الخليجي واجب زيارته في القريب العاجل أو المتوسط من أجل إكمال مسيرة الإصلاح، وفي بقية دول الخليج تشتكي مجتمعاتها من (تفشي) ظاهرة ( الفساد) وهي ظاهرة تستهلك من رأس المال السياسي للنخب ،والحديث عن استئصال الفساد دون خطط تنفذ على الأرض يزيدها سوءًا و يزيد الشارع توترًا ، فهي أحد المنقصات للتنمية المستحقة. الإدارة الرشيدة أيضا عامل مهم في الإصلاح العام والمصاحب لها قوانين حديثة عادلة في التساوي وتتوجه الى المأسسة، بذلك تسحب الذرائع من القوى التي ترغب بأن تحدث شرخًا اجتماعيًا في الدولة الخليجية المعاصرة مستفيدة من بعض المثالب. من جانب آخر معالجة شجاعة للخلافات الخليجية (المعلنة والصامتة) بحيث تقلع أسباب التوتر من الفضاء السياسي الخليجي والذهاب سريعًا إلى (سوق خليجية موحدة) من أجل أن يشعر المواطن أن انتماءه إلى الإقليم فيه فائدة مباشرة له، لقد عمل مجلس التعاون على الكثير من المؤسسات الجماعية وهي الآن تحتاج إلى أن تتحول من كم إلى كيف من خلال ترقية عمل الأمانة العامة من سكرتارية إلى مفوضية تطبخ فيها (بالتعاون مع أهل الخبرة في الخلج) الخطط المكملة للحمة المنشودة. من نافلة القول إن التهديدات على أمن الخليج سوف تبقى وربما تتعاظم في العقد القادم، وهي تهديدات جادة قادمة من نتاج الحرائق في الإقليم المحيط، لذلك فإن (شد العصب) الخليجي في العقد القادم هو أحوج ما يكون لاستقرار ونمو وتقدم دول الخليج.

في الداخل الخليجي هناك شعور لدى كثيرين أن إعادة النظر الجادة في التعليم ( كمًا وكيفًا) هي أحد العناصر التي لا تنتظر، فنظام التعليم القائم بشكل عام قد فقد قدرته على إخراج جيل يمكن أن يتعامل مع المستقبل، وتقول لنا الدراسات العالمية أن 65% على الأقل من الداخلين إلى التعليم في العقد القادم سوف يعملون في وظائف ليست موجودة اليوم، وتلك حقيقة موضوعية من الواجب وضعها في قمة الأولويات، علينا إعادة زيارة إلى مؤسسة المدرسة، فقد كانت في الجيل السابق هي مكان الإشعاع ،اليوم هي مكان لاستقبال الضغوط وخاصة الفكرية. المطلوب هو الحث على التفكير النقدي والابتكار والتكنولوجيا الذي أصبح يفوق كثيرًا التعليم والتدريب المتاحين في منطقة الخليج اليوم، يُتوقع من العمال ذوي المهارات المنخفضة استخدام التكنولوجيا لتحقيق قدر أكبر من الإنتاجية، بينما سيُستخدم العمال ذوو المهارات العالية في مجالات لاختراع منتجات وخدمات جديدة تكون قيمة مضافة إلى الاقتصاد.

 

الخلاصات

 

يتجه الإقليم إلى مرحلة غموض كبير نتيجة الصراع (الإيراني/ الأمريكي) والتدخل الروسي / التركي، وصراع الأضداد في العراق، وضعف أو ارتباك في القرار الأمريكي وغياب القرار الأوروبي وفرجة الموقف الصيني، وتفكك الموقف الخليجي بطيء الإصلاحات مما يشكل الكثير من التحديات في العقد القادم لدول الخليج.

وقد تجد الدبلوماسية الإيرانية نفسها (مرتاحة) جزئيًا أو مضطرة، فتقوم بعدد من المناورات الدبلوماسية منها   الإعلان المكرر عن رغبته بــ (التفاوض مع دول الخليج بشرط الاتفاق على إخراج القوات الدولية منه) [11]وفي نفس الوقت تقوم بتهديد بعض دول الخليج (الإمارات مدن من الزجاج)[12] أو بمحاولات تحييد بعض دول الخليج الأخرى للاستفراد بالمملكة العربية السعودية

تحاول بعض الدول التوسط بين الولايات المتحدة وبين إيران (فشلت محاولة ماكرون الرئيس الفرنسي الأخيرة) في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لجمع ترامب مع روحاني[13]، مع قبول الأول وترحيبه، كما أن المبادرة العمانية غير واضحة وحتى الآن غير ناجحة.

وسوف تقوم بعض القوى الإقليمية بعمليات (شبه إرهابية) وادعاء أن طرف ثاني قد قام بهذه العملية أو تلك (عملية بقيق شرق السعودية) و (عملية الباخرة الإيرانية في البحر الأحمر ولا يستبعد أن تقوم (حرب الصدفة) بين طرف أو أطراف لا يخطط لها ولكن تقودها الأحداث الصغيرة إلى تلك الحرب.

العراق واليمن وسوريا سوف تبقى جروح نازفة على المدى المنظور، والتطورات الأمريكية الداخلية قد تأتي بنتائج غير متوقعة في أشهر تقود إلى انتخابات عامة قد لا يكون الرئيس الحالي طرفا فيها. ذلك احتمال لا بد من التفكير فيه

أما التسلح النووي والصاروخي الإيراني فهو سيظل يثير المخاوف على الأقل بشكل مباشر من زاوية الموضوع البيئي فله تداعيات خطيرة (قد تتكرر حادثة شرنوبل في أوكرانيا أو كارثة فوكوشما في اليابان (مارس 2011) أو حتى كارثة روسيا (ابريل 2019) في هذه المنطقة الضيقة جغرافيًا، فمن المؤكد أن عمليات السلامة في المنشآت الإيرانية أقل بكثير من اليابانية وحتى الروسية! مما يشكل مخاطر حقيقة على البيئة والسكان في الخليج، أما إذا تطور الأمر إلى حرب ساخنة ولو محدودة فإن ذلك سيناريو الكارثة.

أمام كل تلك التحديات يحتاج الخليج إلى ديناميكية مختلفة عن الماضي، تنظر إلى التحديات وتقيم الفرص وتضع الخطط من أجل مواجهة متغيرات في العقد القادم غير محسوبة اليوم.

 

[1]منذ ثورة العراق 1936 والى ثورة السودان و ليبيا و تونس ، مرورا بثورة مصر 1952 على اختلاف تعدد ( الانقلات العسكرية)

[2]انظر دارسة الزغبي المعنونة ( looking to the next decade Arab, Turkish & Iranian Opinion) بين 25 اغسطس و 26 سبتمبر 2019 قام فريق الزغبي للبحوث باجراء هذا الاستطلاع والذي نشر في نوفمبر 2019

[3]المصدر السابق

[4]بل ارثت مجموعة من الحروب بينها فصل السودان الجنوبي وبينها عدد من الحروب في الشمال ايضا

[5]متهم فيها الرئيس باستخدام سلطة لمصلحة انتخابية

[6]الرئيس الامريكي في تصرفاته محير للحلفاء و الاعداء على السواء ،وهو في بعض من تلك التصرفات يبدو ( متنمرا) خاصة على الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة وعلى الاخص دول الخليج العربي .

[7]في 20 يونيو 2019

[8]قال وقتها السبد ترامب أنه كان يعد الى ضربة انتقامية ولكنه علم أن ذلك سوف يسقط ضحايا فراجع !!

[9]جيمس ماتيس وزير دفاع امريكا رقم 24

[10]هذا الاحتمال سيكون قائمًا اكثر في حال عودة السيد دونالد ترامب الى البيت الابيض في نوفمر القادم 2020

[11]كمثل مبادرة هرمز الاخيرة من إيران

[12]كما يردد زعيم حزب الله اللبناني وهو الذراع الاهم ( العربي) في تنظيم الهجمة الايرانية على الجوار

[13]سبتمبر 2019

 

مقالات لنفس الكاتب