array(1) { [0]=> object(stdClass)#12966 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 146

مستقبل تحلية المياه في دول الخليج: التحلية بالطاقة الشمسية أفضل الخيارات

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

إن قضايا ومشكلات المياه معقدة وتشمل العديد من القضايا الفرعية مثل نقص المياه، تلوث المياه، نوعية المياه، تخصيص المياه بين الاستخدامات وبين القطاعات المختلفة، تعرفة المياه…الخ. كما لها العديد من الأبعاد الإنسانية، الدينية، القانونية، الفنية، الاجتماعية، الصحية والاقتصادية.

الا أنه في دول الخليج العربي شكل نقص المياه العذبة منذ عقود تحديًا كبيرًا لحكومات وشعوب المنطقة. يمكن أن يعزى انخفاض توافر المياه العذبة في منطقة الخليج العربي في المقام الأول إلى القيود المناخية التي تتميز بندرة هطول الأمطار، وارتفاع معدل التبخر، والذي يرتبط بدوره بالسمات الطبوغرافية والجيولوجية في المنطقة. إضافة إلى ارتفاع الطلب المتزايد على المياه من القطاعات الصناعية والسياحة...الخ. يتراوح نصيب الفرد السنوي من موارد المياه العذبة المتاحة ما بين 60 إلى 370 متر مكعب، مما يجعل هذه البلدان الأقل حظًا في موارد المياه عالميًا. المملكة العربية السعودية فقط من دول الخليج العربي الست هي التي تمتلك كميات كبيرة من المياه الجوفية غير المتجددة (حوالي 430 مليار متر مكعب) في طبقات المياه الجوفية العميقة، والتي تستنفد بسرعة طبقًا للبنك الدولي 2005م.

كما أن توفير مياه الشرب المأمونة والنقية أحد المحددات الاجتماعية للصحة وفق تفسير المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما جاء في إعلان الألفية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2000م، ضمن مبادئ حماية البيئة المشتركة التأكيد على “وقف الاستغلال غير المحتمل لموارد المياه، بوضع استراتيجيات لإدارة المياه على كل من الصعيد الإقليمي والوطني والمحلي، بما يعزز إمكانية الحصول عليها بصورة عادلة مع توافرها بكميات كافية”.

وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أغسطس 2010م، بقرارها رقم 64/292 حق الإنسان في الحصول على المياه والصرف الصحي. حيث نص القرار على أهمية أن يحصل الجميع على نحو متكافئ على مياه شرب مأمونة ونقية وأن يتوفر لهم الصرف الصحي، بوصف ذلك جزءًا لا يتجزأ من إعمال جميع حقوق الإنسان. وأكد القرار على مسؤولية الدولة على حماية الحق في المياه على نحو يحقق الإنصاف والتكافؤ والمساواة. واعتبرت أن الحق في مياه الشرب المأمونة والنقية هو جزء من الحق في الحياة.

لذلك اهتمت دول الخليج العربي بالتوعية المستمرة بأهمية ترشيد استهلاك المياه وكذلك باستخدام الأدوات الاقتصادية المختلفة كالتعرفة المتصاعدة على استهلاك المياه لتحفيز الأفراد والصناعات على ترشيد الاستهلاك بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيات الحديثة المختلفة لسد العجز في الطلب على المياه كتكنولوجيات إعادة التدوير والاستمطار الصناعي للسحب وتحلية مياه البحر وغيرها.

يحتضن الخليج العربي حوالي 60% من مشاريع تحلية مياه البحر في العالم تتصدرها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على التحلية بنسبة تصل في المتوسط إلى 80% كمصدر أساسي لمياه الشرب والنسبة المتبقية من المياه الجوفية. ويوجد على شواطئ الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر أكثر من 290 محطة تحلية لمياه البحر؛ منها عشرات المحطات العملاقة، التي يتجاوز إنتاجها 100 مليون جالون في اليوم الواحد.

وتعتمد معظم عمليات تحلية مياه البحر في الخليج العربي حتى الآن، بالدرجة الأولى، على الطريقة التقليدية القائمة على حرق الغاز الطبيعي أو النفط، لتسخين مياه البحر، ثم تكثيف قطرات المياه العذبة المقطرة، وهي عملية تعرف باسم تحلية المياه الحرارية. وتتصف بأنها مكلفة، إذ تتراوح تكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من المياه المحلاة من 70 سنتًا إلى دولار واحد، وتنتج محطة تحلية واحدة حوالي 7 ملايين جالون (حوالي 26 ألفا و500 متر مكعب) يوميًا وهي إمدادات تكفي نحو 200 ألف شخص، لكنها تستهلك الطاقة بقدر مصفاة نفط أو مصنع صلب صغير.

لذلك تسعى دول الخليج العربي حاليًا، لاستخدام تقنيات نظيفة ومتطورة في قطاع تحلية مياه البحر، وبدأت المنطقة بالاعتماد على تقنيات أنظف، وتسخير أشعة الشمس الغزيرة لتوفير المياه الصالحة للشرب من مياه البحر.

وفي ضوء تزايد استخدام المياه واستنزاف إمدادات المياه الطبيعية، تواجه المنطقة نقصًا حادًا في إمدادات المياه. لذلك يستعرض هذا المقال مستقبل تحلية المياه في الخليج العربي بعرض عددٍ من تقنيات تحلية المياه الحالية المتاحة من أجل توفير تحليل مقارن لمختلف طرق تحلية المياه الشمسية وغيرها من أساليب تحلية المياه التقليدية.

تحلية (تقطير) المياه الوميضي متعددة المراحل Multi Stage Flash Distillation

فيأسلوب تقطيرالمياه الوميضي متعدد المراحل، يتم ضخ مياه البحر في سخان محلول ملحي حيث يتم تسخين المياه. ثم يتم تمرير الماء الساخن إلى وعاء آخر يكون أقل بكثير في الضغط؛ يؤدي هذا التغيير في الضغط إلى غليان مياه البحر على الفور وتحويلها إلى البخار. يتم تحويل نسبة صغيرة فقط من الماء بسبب تغير الضغط وبالتالي يمر الماء في كثير من الأحيان "بمراحل" من الضغط من أجل استخراج كمية المياه المطلوبة.

ومن أهم مزايا هذا الأسلوب أن تكاليف الاستثمار منخفضة نسبيًا ، لكن للأسف يتطلب تدريب مكثف للعاملين كما أن تكلفة الصيانة مرتفعة.

محطات توليد الكهرباء ثنائية الغرض DualPurpose Power Plants

محطات توليد الكهرباء ثنائية الغرض تنتج كلاً من الماء والكهرباء. توفر التوربينات في محطة توليد الكهرباء بخارًا زائدًا يستخدم لتشغيل محطة تحلية المياه، مما يجعلها أحد الاستخدامات الفعالة للغاية للطاقة والموارد.

ومن أهم مزايا هذا الأسلوب إنتاج الكهرباء والمياه النظيفة، كما أنه يمثل استخدام فعال جدًا للطاقة. لكنه يتميز بارتفاع النفقات المصروفات الإدارية العامة وسعر المياه يحدده سعر الوقود المستخدم.

تحلية المياه بالطاقة الشمسية Solar Desalination

مع تحلية المياه بالطاقة الشمسية التقليدية، يتم ملء حوض بمياه البحريتم تغطية هذا الحوض بسطح منحني أو مائل وشفاف يسمح بدخول الإشعاع الشمسيبالتالي الماء يتكثف على الغلاف ويتم جمعه. تختلف تكلفة التقطير الشمسي اختلافًا كبيرًا عن أسلوب التناضح العكسي وأسلوب تحلية المياه متعددة المراحل. التكلفة الرئيسية هي في الاستثمار الأولي. ومع ذلك، بمجرد أن يتم تشغيل النظام، فإنه يعد رخيصًا للغاية وتكلفة الطاقة قليلة أو حتى بدون تكلفة.

يمكن لهذا النظام تزويد الطاقة "بدون تكلفة" لأن طاقة الشمس مجانية تمامًا وإذا كان الوضع يسمح بذلك، يمكن أن يعمل المصنع تمامًا من الإشعاع الشمسي في بيئة مثالية. بسبب مقدار المساحة المطلوبة لمحطة تحلية المياه بالطاقة الشمسية، يتم تحديد معظم التكلفة الأولية حسب قيم الأراضيوسعر الألواح الشمسية هو أيضًا المحدد الرئيسي لتكلفة المصنع.

ومن أهم مزايا هذا الأسلوب أنه لا توجد تكاليف طاقة بسبب إستخدام الألواح الشمسية والأخيرة تتناقص تكلفتها يومًا بعد يوم. لكنه يتطلب الكثير من المساحة الفضاء، كما أن تكلفة الاستثمار الأولية مرتفعة بسبب سعر الأرض.

 

شكل رقم 1: رسم مبسط توضيحي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية

 

التناضح العكسي Reverse Osmosis

التناضح العكسي هو أحد أبسط أشكال تحلية المياه، وهو يتضمن فقط دفع محلول عبر مرشح. يتم تطبيق الضغط على جانب واحد من النظام ويدفع مياه البحر عبر الغشاء ويتم ترشيح الملح بشكل أساسي. ومع ذلك، فإن هذه العملية بسيطة لكي تنجح، يجب القيام بعمليات رياضية معقدة وإلا فلن يعمل النظام بشكل صحيح. هذا يتطلب عمالة ماهرة لتشغيل عملية التناضح العكسي. الأغشية هي أيضًا بوليمرات معقدة تتطلب تصنيعًا دقيقًا.

ومن أهم مزايا هذا الأسلوب أنه واحد من أبسط أشكال تحلية المياه من الناحية النظرية حيث يتطلب ببساطة دفع الماء من خلال مرشح. لكنه أسلوب يحتاج لعمالة ماهرة ومدربة جيدًا كما أن الأغشية هي أيضًا بوليمرات معقدة تتطلب تصنيعًا دقيقًا.

التحليل الكهربائي Electrodialysis

ينطوي التحليل الكهربائي على تشغيل كمية كبيرة من التيار الكهربائي عبر حاوية مليئة بمياه البحر. هذا يخلق طبقة شبه خالية من الملح على جانب وطبقة غنية بالملح على الجانب الآخر. هذه الطريقة فعالة للغاية لأنها لا تتطلب تغيير حالة المياه ولكنها تتطلب كميات هائلة من الكهرباء التي يمكن أن تكون باهظة الثمن.

ومن أهم مزايا هذا الأسلوب أنه لا يتطلب أي محلول لتغيير حالة المياه فهو ببساطة يفصل المذاب عن المذيب ففي هذه الحالة الملح والماء على التوالي. لكنه يتطلب كميات هائلة من الكهرباء لإنتاج التأثير المطلوب فقد لا يكون مجديًا من الناحية المالية للعديد من البلدان التي تعاني من نقص المياه.

الآثار البيئية لمحطات تحلية المياه

بصفة عامة تستهلك محطات تحلية المياه كمية كبيرة من الطاقة، كما أن تكلفة رأس المال ومتطلبات توفير حيز لها مرتفعة نسبيًا أيضًا. كما أن هناك العديد من الآثار البيئية السلبية المحتملة من محطات التحلية، مثل التأثير السلبي على استخدام الأراضي، حيث أن معظم المصانع تقع بالقرب من الشاطئ، والتي تستخدم كمواقع للمنشآت الصناعية ومحطات الضخ بدلاً من الترفيه والسياحة. ومن الاعتبارات الأخرى تأثير ضوضاء محطات تحلية المياه خاصة إذا ما كانت تقع بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان أو المناطق السياحية. وإذا ما تم بناء محطة تحلية داخلية، فإن أي تسرب من الأنابيب قد يؤدي إلى تغلغل المياه المالحة إلى طبقة المياه الجوفية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك آثار سلبية على البيئة البحرية بسبب المحلول الملحي، وهو نتيجة ثانوية لعملية تحلية المياه المالحة وهو يحتوي على المياه المالحة وبعض المواد الكيميائية.

ويمكن لتصريف أي مواد كيميائية تُضاف إلى عملية التحلية للحد من الترسيب (ترسب الجزيئات على الغشاء مما يتسبب في سده) والتأكسد إلى هذه المسطحات المائية أن يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي البحري. وبالمثل، يمكن لمحطات تحلية المياه قليلة الملوحة الداخلية أن تواجه أيضًا تحديات كبيرة في التخلص من تصريف المحلول الملحي بطريقة آمنة وتحمل تكاليف معالجة ضخمة.

على سبيل المثال تعمل المملكة العربية السعودية بالتعاون مع شركة مياه محلية وشركة إسبانية للطاقة والبيئة، على تطوير أكبر محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في المملكة، وسيكون المرفق الذي يتكلف 130 مليون دولار في مدينة الخفجي على ساحل الخليج العربي، أول محطة تحلية واسعة النطاق تعمل بالطاقة الشمسية، وهي مصممة لاستخدام أسلوب التناضح العكسي.

وأعلنت مدينة مصدر المستدامة في الإمارات، مطلع العام الماضي، النتائج النهائية للمرحلة التشغيلية لمشروع تحلية المياه التجريبي الذي تنفذه في منطقة غنتوت في أبوظبي، بالاعتماد على الطاقة المتجددة، بعد إنجاز الاختيارات التجريبية كافة خلال 18 شهرًا، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع 1500 متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، تكفي لتلبية متطلبات نحو 500 منزل. ويصب البرنامج التجريبي، في إطار مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لتسخير التقنيات النظيفة، في تطوير صناعة تحلية مياه البحر، ووضعها قيد الاختبار في الظروف البيئية لمناخ البلاد، للتأكد من كفاءتها وجدارتها، بهدف تطبيقها على نطاق تجاري واسع النطاق.

ويطمح البرنامج إلى خفض الطاقة اللازمة للتحلية بنسبة 25%، وخفض التأثير البيئي السلبي لتحلية المياه على البيئة، ودمج تقنيات تحلية المياه الحديثة مع مصادر الطاقة النظيفة، وتطوير حلول مستدامة لمواجهة تحديات شح مصادر مياه الشرب، بتكلفة اقتصادية مجدية.

الخلاصة

إن المياه حق أساسي للشعوب وتوافرها للجميع بالكمية والجودة المناسبة مظهر من مظاهر العدالة الاجتماعية والديمقراطية، ويجب على الدول العمل على تحقيق هذا المطلب على أرض الواقع كى تضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة وخطط الدول لعام 2030، لأن تحقيق هدف المياه هو شرط أساسي ومبدئي لتحقيق باقي أهداف التنمية المستدامة.

إنه على الرغم من أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية خيارًا قابلاً للتطبيق في الوقت الحالي، إلا أن إجراء مزيد من الأبحاث والتطوير التكنولوجي حول كفاءة وطول عمر الألواح الشمسية (مثلاً) سيجعل تحلية المياه بالطاقة الشمسية هي أكثر الطرق فائدة من الناحية الاقتصادية. إضافة إلى أنه مع تحسن التكنولوجيا باستمرار، وفي ضوء التقلبات المستمرة في أسعار مصادر الوقود التقليدية الحالية، قد يكون من الأمن القول بأن تحلية المياه بالطاقة الشمسية ستكون واحدة من أكثر الخيارات كفاءة وبأسعار معقولة في المستقبل القريب.

كما أنه قد يكون توافر المياه المحلاة بتكلفة منخفضة نسبيًا أيضًا وسيلة جذب لتلبية الطلب على المياه في القطاعين الصناعي والسياحي اللذين ينموان بشكل سريع في المنطقة، خاصة أن هذه القطاعات الصناعية قد تكون مستعدة لدفع ثمن للمياه المحلاة بمعدلات أعلى من معدلات الاحتياجات المنزلية والزراعية.

مقالات لنفس الكاتب