; logged out
الرئيسية / تصويب العمق العماني نحو دول الخليج و تاريـخ إيـران غيـر إيجابي وتوعـد ولا تفي

العدد 146

تصويب العمق العماني نحو دول الخليج و تاريـخ إيـران غيـر إيجابي وتوعـد ولا تفي

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

سيظل السياق السياسي الذي اعتلى فيه جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد العرش موسومًا بعهده الجديد في سلطنة عمان، فقد كان نتيجة احتكام مجلس العائلة المالكة لرسالة المغفور له بمشيئة الله السلطان قابوس بن سعيد الذي وافته المنية بعد مرض طويل يوم الجمعة 10/ 1 / 2020م، فقد كان اسمه الراجح على أشقاء السلطان هيثم الآخرين.

وقد أبهر هذا السياق كل المراقبين والمتابعين للشأن العماني، لأنه أنتج انتقال تلقائي وهادئ للحكم وفي سويعات في بلد تكمن أهميته الجيواستراتيجية  في موقعه على البحار والمحيطات المفتوحة التي تربط الاقتصاد العالمي بالأسواق في آسيا وإفريقيا وأوروبا، خاصة القرن الإفريقي الذي يطلق عليه الآن بالشرق الأوسط الجديد،  ومعظمها بعيد عن مناطق التوترات والنزاعات في الخليج، وكذلك موقعها بين دول إقليمية كبيرة متنازعة، فلديها حدود برية طويلة مشتركة مع المملكة العربية السعودية والإمارات، إضافة إلى حدود متوسطة مع اليمن غربًا، وساحل يتضمَن أراضٍ تقع أمام إيران على الناحية الأخرى من مضيق هرمز.

وقد قدم مجلس العائلة المالكة في سلطنة عمان نموذجًا للممارسة السياسية الواعية ، والقبول بنتائجها في وقت يقتتل فيه عالمنا الثالث على الحكم، فقد قبلت هذه الأسرة الاحتكام إلى النظام الأساسي للدولة لاختيار السلطان الجديد، وهذا ما تم فعلا ، فالمادة " 6 " منه تدعو مجلس العائلة المالكة خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم بعد السلطان، وإذا لم يتفق المجلس على اختيار السلطان، يقوم مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة.

وهذا ما حدث فعلاً، فقد أشارت رسالة السلطان الراحل إلى السلطان هيثم بن طارق الذي أدى في اليوم نفسه، وفق المادة " 7 " اليمين الدستورية في جلسة مشتركة لمجلس عمان المكون من مجلسي " الدولة والشورى " ومجلس الدفاع، وبالتالي، فإن السلطان هيثم هو نتاج دستوري محصن ومدعوم بمؤسسات مدنية وقضائية وأمنية وعسكرية ضامنة لنجاح مثل هذه التحولات الكبرى في السلطنة في حالة عدم اتفاق مجلس العائلة المالكة.

وتلكم دلالات كبرى لماهيات وطبيعة الدولة العمانية المعاصرة التي أسسها السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله، وهي دولة المؤسسات التي تحكمها مرجعيات دستورية وتشريعية ومؤسسات قوية فوق الأفراد والجماعات والأيديولوجيات، وفق أطر مجتمع يتعايش مع تنوعه ومع ثقافته المتعددة في إطار دولة ضامنة لممارسة الحقوق والحريات في إطار التشريعات والقوانين.

وهنا تكمن طبيعة الإنجاز الذي حققه السلطان الراحل في سلطنة عمان، فالنهضة العمانية المعاصرة  لم تكن لتتحقق لو لا قيامه أولاً بإعادة صناعة المجتمع المكون من مجموعة قبائل متصارعة وأيديولوجية قوية، وحرب أهلية على بوابة السلطنة الجنوبية، تدعمها أيديولوجيات عالمية، كانت هذه القوى تشعر بأنها فوق الدولة، بل أنها الدولة، وقد كانت في صراعات دائمة مع الدولة المتمثلة في السلطات الحاكمة المتعاقبة، وقد تمكن السلطان الراحل بسرعة زمنية من تحقيق الوحدتين الترابية والوطنية، ومن ثم دمج هذه القوى ضمن نظامه السياسي عبر مجموعة آليات خاصة وعامة تأتي في مقدمتها التنمية الشاملة.

وقد جعل السلطان الراحل من التنوع والتعدد في إطار الدولة العمانية الحديثة من بين عوامل قوة الدولة وليس العكس ومحصنة بمواد قانونية مغلظة، وحتى في حالات خرق هذا التعدد والتنوع، يتم توظيف القانون لخدمة ضمانة الحقوق والحريات، لذلك، لم تسجل في تاريخ الدولة التي أسسها السلطان الراحل أية عداوات أو ثارات سياسية وقبلية يمكن أن تضرب العهد الجديد، بل السائد هو التسامح كمرجعية حاكمة في حالة الخلاف أو الاختلاف وحتى لو وصلت القضايا إلى البت فيها للقضاء وإنزال العقوبات.

من هنا يمكن القول أن جلالة السلطان هيثم ـ حفظه الله ورعاه ـ ورث إرثًا سياسيًا زاخرًا، أقر به في أول خطاب له، مستخدمًا مفردات بالغة الدقة والدلالات مثل وصف السلطان الراحل " بأعز الرجال وأنقاهم .."وعدد إنجازاته الداخلية والخارجية، وتعهد بالمضي قدمًا في نهجه ومساراته، وهنا نستشهد بهذه العبارات من خطاب العهد الجديد " سوف نرتسم خط السلطان الراحل .. " وكذلك قوله " سنبقى كما عهدنا العالم .. " .

وهنا تتجلى ماهية الإرث الذي أورثه السلطان الراحل قابوس، بلدًا تعيش حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي، وعلاقات بين الممتازة والجيدة مع دول الجوار حسب ما تشهده المنطقة من أحداث، ودورًا تصالحيًا في المنطقة بعد أن نأت مسقط بذاتها عن الصراعات الإقليمية والعالمية مما جعلها دولة تُشد إليها الرحال طلبًا للسلم والاستقرار.

هل ستمكن الظروف السلطان الجديد هيثم بن طارق من اتباع النهج السياسي لابن عمه السلطان الراحل قابوس بن سعيد؟ من حيث المبدأ، هناك تعهدات بذلك – كما أسلفنا– وقد شهدنا أول ممارسة سياسية لها، وكان ذلك في استضافة مسقط -رغم حالة الحداد -لقاء بين إيران وأوكرانيا بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية في طهران، من هنا نرى أن السلطان الجديد سيعمل على تكريس النهج السياسي لسلفه لكن بأسلوب جديد، معتدًا بمجموعة إكراهات ستواجه مسيرته الداخلية على وجه الخصوص، مما قد نشهد مرونة في التطبيق تحت ضغوطات مالية حادة.

ومن المتوقع أن يكون العهد الجديد منفتحًا على محيطه الخليجي محاولاً في الوقت نفسه الحفاظ على مبدأ الحياد الإيجابي، وهذه مسألة في غاية الدقة وكذلك التعقيد، وقد تكون دراساته الأكاديمية في جامعة أوكسفورد البريطانية وخبراته وتجاربه في العمل الدبلوماسي والثقافي ومجالات أخرى كثيرة، ستمكنه من تجسيد تلكم المعادلة الصعبة، لكن، إلى أي مدى؟

فسلطنة عمان تواجه الآن مجموعة تحديات داخلية، أبرزها البطالة والمسرحين من الشركات وتجميد تطور المعيشة منذ منتصف عام 2014م، بعد اندلاع الأزمة النفطية، ومحاولة الحكومة صناعة اقتصاد عماني مستدام دون نفط أو غاز، مما ترتب عليه تبني مجموعة سياسات مالية " ضرائب ورسوم " لها تداعيات اجتماعية متصاعدة.

ومثل هذه التحديات لن تؤثر على مبدأ الحياد الإيجابي باتجاه الميل عنه، فقدر مسقط أن تكون المعادلة الحيادية لكل الفرقاء، وقدرها جغرافيًا أن تظل كذلك لدواعي تأمين استقرار وسلامة الكل من داخل حدودها المترامية الأطراف، وإنما التأثير سيكون في اتجاهات تصويب العمق العماني نحو الخليج العربي خاصة وأن لها تاريخ غير إيجابي مع الجار الإيراني الذي يوعد ولا يوفي بوعوده على عكس عمقها العربي الخليجي رغم بعض الملاحظات الأخيرة.

وربما يجد دول المحيط الخليجي العربي في المرحلة الراهنة كل الظروف المواتية التي ينبغي أن تستغلها إيجابًا نحو تقوية منظومتها الإقليمية بعد أن تناغم العهد الجديد في مسقط مع هذا التوجه في خطاب العرش، فالوقوف مع مسقط لمواجهة تحدياتها – سالفة الذكر – سيكون ذلك مدخلاً للاستفادة من الهوامش المتاحة للسلطان هيثم، وهي قد تمتد طولاً وعرضًا حسب درجات القرب من مواجهة تحديات العهد الجديد.

ولن نقلل من مستقبل تأثير الهوامش على مبدأ الحياد الإيجابي العماني، هذه مسألة عقلانية تفترض مجموعة سيناريوهات داخلية وخارجية رغم تسليمنا بقدرية الحياد الإيجابي للدولة العمانية، ومهما يكن، فلا ينبغي التقليل منها لكننا نراهن عليها – الهوامش – في تمتن العلاقات الخليجية ــ الخليجية سواء الثنائية أو في إطار المنظومة الخليجية، وقد شهد عام 2019م، درجات متقدمة من التقرب بين كبرى دولتين داخل المنظومة الخليجية " مسقط والرياض " فهل ينبغي أن يبنى عليها؟ وهل سيستغل المحيط الخليجي العربي الظروف المواتية التي ينتجها العهد الجديد في مسقط؟ 

أما على الصعيد الداخلي، فإن الشغل الشاغل للعهد الجديد، سيكون ملتزمًا بالحفاظ على المسارات التي تنتج التعايش والاستقرار رغم التعدد والتنوع في إطار تكريس مدنية الدولة في شكلها الدستوري وإصلاح الفاعلين الأساسيين، وستدخل بعد حدادها الأربعين يومًا في ورش إصلاحية ستعيد العلاقة بين المؤسسة السلطانية والجهاز التنفيذي، وستشمل مجلس عمان المكون من مجلسي الشورى والدولة، ونتوقع كذلك أن تمنح صلاحيات أخرى أكثر فاعلية للمجالس البلدية لكي تخدم مجتمعاتها المحلية ، وتصوراتنا هذه تتناغم مع طبيعة الدور الجبائي الجديد للدولة العمانية انتقالاً من دوره الرعائي الذي أطر المجتمع من عام 1970م، وحتى عام 2014م، كما أنها تتناغم مع حتميات رؤية عمان 2040.

 

مجلة آراء حول الخليج