array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 147

اختراق وسائل الإعلام وشبكات التواصل باستراتيجيات براقة للتلاعب لتضليل الرأي العام

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

تؤدي وسائل الإعلام أدوارًا مُهمة في عملية التغيير الاجتماعي السياسي في المجال العام، وتعبئة الإرادة العامة نحو الإصلاح والتغيير، فالحصول على تغطية إعلامية مُحابية ومؤيدة أمر حاسم لجميع القوى  السياسية على مختلف الأصعدة الوطنية والأقليمية والدولية، والواقع يؤكد أن واحدًا من أبرز أسباب نجاح عمليات التغيير الثقافي والسياسي، التي تقودها الدول والأحزاب وجماعات المصالح والحركات الاجتماعية المُعاصرة، هو كسب تأييد الرأي العام ودعمه لقضاياها، وهو ما يتحقق من خلال التوظيف الجيد من قبل هذه القوى للسلطة الرابعة في المجتمع، وهي وسائل الإعلام المُختلفة.

      ويناقش هذا المقال تصاعد أهمية الإعلام والرأي العام وتنامي الاتصالات السياسية المُتلاعبة التي تستهدف الرأي العام العربي، وطبيعة التحولات التي شهدها هذا الرأي وغيرت من ديناميكية تكوينه وخصائصه وأولويات اهتمامه وقضاياه، وتسعى جاهدة لتقديم مجموعة من التوصيات حول كيفية المواجهة وصناعة رأي عام أكثر وعيًا وقوةً.

عصر هيمنة وسائل الإعلام The Hegemony of Media .

انتشرت في الآونة الأخيرة رؤية علمية تميل إلى تعظيم دور كل من وسائل الإعلام وخاصة الإلكترونية منها والرأي العام في إدارة المجال العام المُعاصر إلى حد إعلاءه على تأثير القوى السياسية ذاتها في بعض الأحيان؛ حيث يرفض منظرو هذه الرؤية النظر إلى الإعلام كمجرد وسيط اتصالي أو كرد فعل على أداء القوى السياسية في هذا المجال، مؤكدين أنه فاعل رئيس في المشهد العام، وأن لديه مصالح وأجندات خاصة قد يسعى إلى تحقيقها، كما يرفضون رؤية الإعلاميين ككسالى، يعتمدون على الأخبار والمعلومات المُتاحة، والتي تحددها القوى السياسية المُسيطرة، لتقديم خدماتهم للمواطنين، بل يبرزون نموذج السلطة الرابعة، وفكرة النمو الذاتي لوسائل الإعلام، وخروجها عن الحدود المرسومة لها بالتوازي مع تصاعد قوة السلطة الخامسة ألا وهي: قوة الرأي العام، وقد تم تصدير هذا الطرح بقوة إلى المنطقة العربية لحث هاتين السلطتين الناشئتين على إحداث تغييرات جذرية ثورية عنيفة في المنطقة.

الاتصالات السياسية المُتلاعبة واختراق الرأي العام العربي

      إنالتضليل السياسي ظاهرة قديمة شهدتها البشرية عبر فترات تاريخية مُتعددة، ومع تعاظم الاضطرابات السياسية الدولية أصبح من أهم الرهانات السياسية المُعاصرة فرض مباديء موحدة لرؤية العالم، وهو ما تسعى لتحقيقه الكثير من القوى السياسية، فيما صار يعرف بسياسات ما بعد الحقيقة post-truth politics وهنا يتم اختلاق الوقائع وطرح الحقائق البديلة للواقع القائم ونشرها بصورة مُمنهجة في المجال العام حتى تتحول مع مرور الوقت إلى واقع حقيقي ملموس، وهو ما نعته المُفكر الفرنسي جان بودريار بموت الواقع في الثقافة المُعاصرة، طارحًا فكرة الواقعية الفائقةHyper Reality ، وموضحًا أنه لم يعد الواقع ينتج صورًا تمثله، بل أصبحت الصور الآن هي التي تصنع الواقع، وأن واقع الإعلام-المُصطنع- أقوى تأثيرًا من الواقع الحقيقي، ونعت هذه الواقعية بالفُحش، فهي كالإباحية، تمنحك معاني واضحة تمامًا؛ لكن بلا عمق ومجزأة، بلا ترابط، كل المحتوى المعلوماتي واضح وسطحي، والإشارات تحيلك بشكل لا نهائي إلى إشارات أخرى، ومع الكم اللانهائي من المعلومات تفقد الرسائل الإعلامية كل معنى منطقي، لتشهد المُجتمعات المُعاصرة حالة من الانهيار التام للمعنى، وما الرأي العام العربي الآن إلا صدى لهذه الحالة الإعلامية الهشة.

الما بعديات ...  ما بعد الحداثة وما بعد الحقيقة والعروبة

       ويمكن رؤية هذه الحالة كأحد تجليات مرحلة انتشار قيم "ما بعد الحداثة" وما يعرف بعصر "ما بعد الحقيقة"حيث حدثت حالة من الانهيار التام للمعنى ومُختلف الأنساق الفكرية والعقائدية والإيديولوجية، ولم يكن الرأي العام العربي ببعيد عن هذا الاتجاه المابعد حداثي، حيث اجتاحته موجات الرفض والفوضى واللامعقول والشك والجنوح نحو التجزئة والاستقطاب والشعبوية والتناقض، فهو ينفر من العقل والواجبات والمُسلمات لصالح العواطف والتحيزات واللاعقلانية([1]).

     والمُتابع للإعلام العربي الرقمي الراهن يلاحظ تصاعد غير مسبوق في الأنشطة الدعائية الخبيثة الرامية إلى استهداف الهوية العربية الأم، وقد استغل الفاعلون أجواء ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي لإحداث فوضى عارمة في هذه البلاد يعقبها انقضاض على هوياتها الثقافية ولحمتها الوطنية الداخلية، وللأسف تعاضدت بعض المُمارسات الإعلامية العربية غير المسئولة في بعض الدول في تأكيد هذه الفكرة من خلال التركيز على رصد وتسجيل وتضخيم السلبيات وتجاهل الإيجابيات ونقاط التميز والارتقاء في هذه الأمة، مع إبراز الفروق والانقسامات وتزكية الصراعات الداخلية لنشر حالة من الفوضى والقلق واليأس، فيما علت بعض الأصوات الإعلامية العميلة أو المُختطفة ذهنيا لتدهشنا يوميًا بمقترحاتها عن استلهام التجارب الغربية أو التركية والماليزية والإيرانية تحت راية الإسلام السياسي!

      وفي هذا السياق، ركزت هذه الدعاية أنشطتها على تقويض وهدم جميع أوجه الفخر الوطني والقومي لدى مواطني الدول العربية، بدءًا من التاريخ والذاكرة الجمعية والمكانةالثقافية والدينية للدول ورموزها ومؤسساتها العريقة، ونقاط تميزها العسكري وطموحاتها الاقتصادية، وليس انتهاءًا بتدمير حالة التماسك والوحدة وإزكاء نار الفتنة والصراع على كافة الأصعدة الوطنية والقومية، وتغيير صور الأعداء والحلفاء وفقًا لمصالحها الخاصة، وكأن العروبة نظام سياسي أو زعيم عربي، مُتناسين أنها جزء من هوية شعوب المنطقة ولغتها وتاريخها وأحلامها وهمومها وقضاياها المصيرية المُشتركة.

      كما ساهمت البيئة السياسية العربية المُنقسمة الآن في تعزيز الاحتقان، ناهيك عن ما يعج به الواقع الاجتماعي العربي من اختلالات بنائية واضحة بين الأغنياء والفقراء وكبار السن والشباب وقضايا الحريات والأقليات، كل ذلك ساهم بدوره في توفير مادة خصبة لأنشطة الدعاية السوداء وأخبارها الزائفة التي تتشاطرها بعض القوى الإقليمية بقيادة نظام أروغان التركي والحمدين القطري بما يخدم مصالح بعض القوى الدولية الكبرى من أجل إعادة تقسيم المنطقة وفقا لمخطط الشرق الأوسط الجديد.

    ولا شك أن مُخططي هذه الدعاية يمتلكون قدرًا كافيًا من المعلومات النوعية عن خصائص المُتلقين العرب واحتياجاتهم ومشاكلهم وأمنياتهم ومواضع شكهم وانخفاض ثقتهم في المؤسسات الإعلامية الوطنية، وفي ضوء هذه المعلومات يضعون استراتيجياتهم الاتصالية ويصيغون خطاباتهم الاتصالية البديلة، وهو ما تجلى بقوة عبر الفضائيات الموجهة للعرب، وتوارى وتلاعب من خلال شبكة الإنترنت، خاصة أن الإنترنت كوسيط إعلامي مُهيئ بدرجة كبيرة لتنفيذ استراتيجيات التضليل الإعلامي المُعاصرة.

الإعلام الجديد وتغير ديناميكية تكوين الرأي العام العربي المُعاصر

      لقد غير الإعلام الجديد سواء صحافة إلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي من طرق تفكير الجمهور وتقبله للعديدٍ من الأخبار والموضوعات والأحداث وأصبحت مُمارسات وسائل الإعلام التقليدية غير كافية؛ حيث يمتاز الإعلام الجديد بخاصية التفاعلية مُتمثلة في ردود فعل المُستخدمين وآرائهم وتقييماتهم Ratingوميزة أعجبني  likeوالردود النصيةعلى التعليقات Reply وأفضل التعليقات "top comments" واستخدام أيقونات العاطفة عبر ميزات التغذية المرتدة بالمواقع الإلكترونية.

   فالناس لم تعد تقرأ الأخبار ذاتها بل تعليقات الآخرين عليها أولا، ثم تحدد هل تتعرض لها أم لا ؟ وهل تصدقها وتتأثر بها أم لا؟ وهنا تبرز خطورة أنشطة الذباب الإلكتروني، وإذا كان الفرد مشغولا لمدة، ولم يستطع متابعة وسائل الإعلام بنفسه، يمكنه من خلال مراسلات أصدقاءه المقربين على شبكة الفيسبوك، والمُتفقين مع اتجاهاته، من تعويض ما فاته من المعلومات، مُضافا إليها بالطبع آرائهم فيها، ليس هذا فقط، بل إننا أصبحنا نضع الآخرين في اعتباراتنا للتعرض للمعلومات في هذه الوسائط، حيث يميل بعض الأفراد في الجماعات الافتراضية إلى البحث عن المعلومات والأخبار الجديدة، في موضوعات، قد لا تعنيهم بالضرورة، ولكن تهم أصدقائهم الافتراضيين، وإرسالها لهم، ومن ثم، فهم لا يرسلون في الغالب ما يهمهم شخصيًا، بل ما يعتقدون أنه يهم أصدقائهم، كما أننا بطبيعتنا البشرية نشاهد الآخرين يرسلون قصصًا إخبارية مُعينة، ومن منصات اجتماعية مُعينة، ونميل إلى مُحاكاتهم، ولا شك أن هذه التحولات في سلوك استهلاك الأخبار عظيمة التأثير على اتجاهات الرأي العام العربي المُعاصر.

    وقد ميزت الدراسات العلمية بين عدد من العابثين في الجانب المظلم من الويبDark Side of Web ، الذين يمارسوناستراتيجيات التلاعب لتضليل الرأي العام وتزييفه، ومن أهمهم:

1-ميليشيات الإنترنت Internet Water Army، وهم مجموعة موجهة من المُستخدمين المنظمين تنظيمًا جيدًا في حروب الجيل الرابع لإغراق الويب بسيل من التعليقات والآراء والشائعات والمقالات مدفوعة الثمن، التي تروج لآراء وأفكار وقضايا وأشخاص بعينهم، للتأثير على اتجاهات الرأي العام، وخاصة فئة المترددين، الذين لم يحسموا مواقفهم بعد نحو القضايا المختلفة.

2-المُخترقون Hackers، الذين يخترقون مواقع الحكومات والسياسيين ويضعون تعليقات وآراء مسيئة أو يعمدون فيه إلى نشر أجنداتهم وأفكارهم وقضاياهم من خلال القرصنة الإلكترونية Hacktivism

3-فئة الخاطفين hijackers الذين يخطفون المُناقشات الأونلاين من أجل تعزيز أجنداتهم الخاصة، وفئات المُتصيدون trolls، والمُتطفلون spambots، والكارهون Hater، وناشرو الشائعات والتسريبات الإنترنتية، وجميعهم يعمدون من خلال استخدام حسابات مُتعددة إلى تحقيق تأثيرات سلبية كتهييج النقاش وبث خطابات الكراهية والعنصرية بين طوائف مجتمع ما، أو نشر معلومات خاطئة وتسريبات لشئون سرية أو شخصية لاحراج خصومهم السياسيين أو الإضرار بالأمن القومي للدول.

     كما أسفر طوفان المعلومات المُعاصر والسرعة غير المسبوقة في استهلاك الأخبار والمعلومات، عن وثب لا إرادي للاهتمام والانتباه العام، بل والرأي العام من موضوع لآخر، وقضية لأخرى بسرعة فائقة، دون أن تكون أبعاد القضية الراهنة قد اكتملت أو تبلورت في أذهان الناس بعد، وتشكلت اتجاهاتهم نحوها، فالتجديد المُستمر والمُتلاحق للأخبار يخلق قضايا عدة مع كل ثانية، والخبر الجديد يحل محل الخبر القديم، مهما كانت درجة أهميته، وكثيرًا ما تم إرجاء ملفات عدة على أرفف النسيان بصورة يكتنفها الغموض والتساؤلات.

      والمتأمل لأغلب مشاركاتنا في البيئة الرقمية يجدها مُجرد عواطف مُشتركة لا مجال فيها للعقل أو المنطق وكأنها صدى عاطفي انفعالي نحو مُستجدات الواقع السياسي والاجتماعي الراهن([2])، وهو ما يفسر ظواهر اتصالية خطيرة، كانتشار الخطاب العدائيhate speech  والاشتعال  flamingوتنامي روح التهكم السياسيpolitical cynicism ، فضلًا عن أنشطة الحشد والاحتجاجات والمُصادمات .. إلى آخره، وهي الأنماط الأكثر بروزًا في المجال العام العربي المُعاصر، لا أنماط النقاش والجدل العقلاني.

      وقد فطن القائمون بأنشطة الدعاية السوداء ضد الدول العربية لهذه التغييرات العنيفة في مزاجية وكيفية تكوين الآراء، ومن ثم صاغوا رسائلهم بما يتسق معها، فالرأي العام الآن يتاثر بسهولة بالعواطف والمعتقدات الشخصية والتحيزات التاكيدية أكثر من تأثره بالحقائق الموضوعية أو النصوص المُتوازنة، وينفر من كل ما هو رسمي إلى كل ما هو فئوي وشعبوي أو خارجي دولي، طالما صيغ بصورة هزلية ساخرة أو عاطفية انفعالية تمس اهتماماته بشكل أو بآخر، وهنا يصبح أعداء الوطن مصادر ذات ثقة وأجنداتهم في الصالح العام، وتتحول الأحداث والأخطاء الفردية البسيطة إلى أحداث عامة وتضخم في السياقات الافتراضية لتصبح ظاهرة أو تهديد حقيقي للمجتمع، أو ذريعة لتآكل شرعية القوى الداخلية وتشويه أجنداتها الوطنية، وبديهي أن تسلب هذه الأحداث من يعرفون بمواطني الانترنت  netizens  من أجندتهم الواقعية وقضاياهم المصيرية المُلحة.

الدور الخفي لشبكات التواصل الاجتماعي

      رغم التسليم النسبي بالإيجابيات قصيرة المدى لثورتي الاتصالات والمعلومات، والمُتفائلة بشأن تحديث المُجتمعات المُعاصرة- ومنها الدول العربية- التي طالما صنفت بأنها دول غير ديمقراطية، إلا أنه لا يجوز أن نظل كأكاديميين عرب أسرى الصورة الغربية المثالية للتكنولوجيا، بوصفها من حرر الشعوب العربية من الاستبداد، وفتح لها نوافذ الحداثة والتقدم، مُتجاهلين حقيقة أن التأمل الجاد للمشهد السياسي العربي الراهن، يقودنا إلى خلل عميق في استخدام أدوات الديمقراطية الغربية في مُجتمعاتنا، ومنها وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث اصطبغت خصوصية تطبيقها في مُجتمعاتنا بخصوصية ثقافتنا، لتتحول إلى أداوات ديمقراطية في مُجتمعات غير ديمقراطية، مجرد استخدامات شكلية لترسيخ نفس السلبيات الثقافية، كالرؤية الكلية الشمولية، والإيمان المُطلق بالحقائق، والتعصب والعنف ورفض الآخر والتهكم والاستهزاء منه ... إلى اخره من المظاهر السلبية، التي تزخر بها كثير من المُجتمعات العربية الآن.

      والتأمل الأكثر تعمقًا، يكشف لنا عن خلل أخطر، يختبئ في طبيعة هذه التكنولوجيا الوافدة ذاتها، فبالتطبيق على شبكات التواصل الاجتماعي، يتضح أنها قد لا تكون أدوات متوافقة كلية مع فكرة الديمقراطية ذاتها، بل كثيرًا ما تجنح نحو التحرر من كافة الضوابط الأخلاقية والمهنية في نشر الأخبار والمعلومات، على نحو يؤدي إلى نشر وترويج الأكاذيب والشائعات والأخبار الزائفة، وتأجيج الصراعات، والعمل على تنامي الشكوك ومظاهر فقدان الثقة بين المواطنين، وتفاقم الانقسامات الاجتماعية وتزايد أشكال الاستقطاب السياسي، والتحيز ورفض الآخر، وكلها مظاهر غير ديمقراطية على الإطلاق؛ حيث يسعى مستخدمو هذه الشبكات عادةً إلى البحث عن مؤيدين لهم، أو شركاء في المناقشة، يتفقون معهم في الآراء([3])، فقد أثبت Sunstein أن الطبيعة الانتقائية لسلوك التماس المعلومات من هذه الشبكات تعزز الاستقطاب، وما أسماه بظاهرة صدى الغرفة Echo Chamber، من خلال ميل مُستخدمي الإنترنت إلى تكوين مجموعات اتصالية مُنغلقة معرفيًا، تتداول معلومات مُتفق عليها بين مواطنين مُتجانسين سياسيًا، مما يزيد من حالات الرنين، وترديد نفس الآراء وتأكيدها والتعصب لها، على نحو يزيد من اتساع الانقسامات السياسية حول مُختلف القضايا العامة، كما يعمل على تشجيع تدفق شلالات افتراضية- لا أساس لها- من الآراء المُتعصبة أحيانًا، والمعلومات الكاذبة والمغلوطة أحيانًا أخرى([4]).

توصيات للخروج بالرأي العام العربي من مأزق الضعف والاختراق

  • الرأي العام العربي مجرد صدى للواقع العربي فإذا ما اتحدت الأنظمة السياسية العربية ذاتها وترسانتها الإعلامية حول القضايا العربية المصيرية، نابذة كل خطابات الفرقة والانقسام، لاستطاعت فعليًا تشكيل رأي عام قوي وقت الأزمات.
  • إن النظر الى الرأي العام العربي كأنه مجرد حشد يسهل تطويعه وترويضه لم يعد أمرًا مقبولًا الآن فهو شريك إيجابي وفاعل في العملية الديمقراطية، وعلى الأنظمة العربية تنمية ثقافة المُشاركة الشعبية والتأكيد على الإصلاح والتغيير التدريجي عبر القنوات الشرعية.
  • نشر ثقافة قياس واستطلاع الرأي العام من خلال إنشاء ودعم المراكز البحثية المُتخصصة، والتي تجري استطلاعاتها على أسس علمية بعيدًا عن الاستطلاعات الزائفة التي تُصدر إلى العالم العربي من الخارج أو مثيلتها المُتحيزة الصادرة عن بعض الصحف أو المواقع الإلكترونية.
  • ترسيخ ثقافة مشاركة الجماهير في بناء المعاني والتصورات الوطنية الخالصة حول المخاطر الحقيقية الآنية، وصك المفاهيم المُعبرة عن حقيقة الأحداث دون الانصياع لمصطلحات الآخر أو توصيفات وكالات الأنباء الكبرى المٌحملة برؤيتهم الخاصة للأمور بما يتفق ومصالحهم الخاصة في المنطقة، كما يتحتم فتح وإدارة نقاش عام من أجل تحديد أولويات القضايا والمخاطر التي تواجه الوطن العربي الآن والبحث عن كيفية مواجهتها.
  • بناء الرسائل الاتصالية على نحو يميز بين مُعارضة النظم السياسية العربية الحاكمة، وكيفية إدارتها لشئون الحكم- بوصفها أمور نسبية جدلية تخضع للنقاش والاختلاف- وبين الخيانة والعمالة بمعنى أن لا يمس هذا الخلاف الهوية الوطنية والانتماء لها أو ينطوي على الاستقواء بالخارج والعبث بمصالحها العليا.
  • العمل على رفع مصداقية وجاذبية الإعلام الوطني التقليدي لدى المواطنين العرب مع السعي بجدية لبناء محتوى عربي قومي جاد على شبكات التواصل الاجتماعي، يبرز قضايانا الحقيقية، ويحظى بمصداقية وتقدير القارئ العربي.
  • كما تتصاعد أهمية توعية المواطنين بتدريبات المعرفة الإعلامية Media Literacy لتمييز الاتصالات المُتلاعبة كالشائعات والأخبار الزائفة وأهدافها وأدوارها، فضلًا عن تشجيع المواطنين على تنمية ملكة التحليل والتفكير النقدي فيما يقدم لهم من خطابات إعلامية لتصبح قادرة على مواكبة التحديات الاتصالية المُعاصرة.
  • لا يتأثر الرأي العام بالأخبار الراهنة فقط، بل إنه شديد التأثر بالمكونات الثقافية الراسخة كالمُعتقدات الدينية وتفسيرات الوقائع التاريخية، وهنا يجب أن ننتبه إلى خطورة استيراد الدراما التركية والإيرانية التى تمثل أحد أدواتها الدعائية.
  •  ضرورة العمل على إعادة إنتاج تفسيرات إيجابية للأحداث التاريخية والمُعاصرة من أجل تعزيز روح الانتماء والولاء لدى العرب في إطار سردية كبرى تعرف بــ "الفخر والكبرياء القومي"، خاصة أن الإعلام يؤدي دورًا محوريًا في تزكية روح فخر المواطن بوطنه وعروبته أو العكس تدمير هذا الإحساس وتعزيز الشعور بالدونية والسلبية.
  • وأخيرًا .. نؤيد الدعاوى المُطالبة بوضع وتفعيل مواثيق الشرف والمعايير الأكاديمية الضابطة لواقع المُمارسة المهنية الإعلامية، خاصة في تحرير النصوص الإخبارية واتخاذ إجراءات رادعة ضد من يمارس الخداع والتضليل باحتراف.

 

 

المراجع:

[1]- إيمان محمد حسني، الرأي العام والإعلام الجديد: تحولات الرأي العام في البيئة الرقمية المعاصرة، دار الثقافة العربية، 2016، ص ص10-12

[2]- Guo, Bei, and Shurong Han. "The Composition of Empathy and Public Opinion about Risk Society: Reflections on Some Public Opinion Events in Recent Years." 2019 International Conference on Management, Education Technology and Economics (ICMETE 2019). Atlantis Press, 2019.‏

[3] - إيمان محمد حسني، التماس المعلومات السياسيــة من شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاتجاهات التعصبية للشباب المصري، المؤتمر الدولي التاسع عشر بكلية الاعلام، "الإعلام وثقافة الديموقراطية"، 23-25 ابريل 2013م، جامعة القاهرة،  ص ص 115-164.

[4]- Sunstein, Republic.com 2.0, 1st, New Jersey, Princeton University Press, 2007, p.p:1-18

مجلة آراء حول الخليج