array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 147

الإعلام الجديد بين التحديات والفرص: الاستثمار في الفكر الحصانة الأكبر في معارك الأفكار

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

فرضت الثورة الهائلة في مجال الوسائط الرقمية تأثيرات متعددة منها ذات الطبيعة الإيجابية والأخرى ذات الطبيعة السلبية، وأصبح لذلك تداعيات على الفرد والمجتمع والدولة، وهو ما جعل قضايا الإعلام الجديد تضع نفسها بقوة على أجندة الاهتمام الوطني والإقليمي والعالمي، وبخاصة في ظل ضعف سيطرة الحكومات على ذاك النشاط الرقمي المتدفق والخصائص المتفردة له كوسيلة وكوسيط وكفاعل إعلامي، وأصبح يفوق الإعلام الجديد قوة الإعلام التقليدي وبخاصة في مجال تأثيره على البناء الاجتماعي فيما يتعلق بالقيم والشباب المحركان للمتغيرات التي تشكل الرأي العام من جهة وتؤثر على التنمية والاستقرار من جهة أخرى.

 

ماهية الإعلام الجديد وتداخل المفاهيم

 

هناك العديد من المسميات التي تطلق على ذلك النمط الجديد من الإعلام عبر تطبيقات شبكة الانترنت، فيتم وصف عملية نقل الرسالة الإعلامية عبر تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بأنها "إعلامًا بديلا"، وتارة أخرى يتم استخدام مصطلح "الإعلام الجديد" وبالرغم من أنه يشمل عالم الفضائيات والأقمار الصناعية. ويأتي مسمى "الإعلام الإلكتروني" في مقابل "الإعلام التقليدي"، بالاعتماد على تغير الوسيط أو الوسيلة.

وبذلك دخلت روافد الوسيط الإعلامي سواء أكان مكتوب أو مسموع أو مرئي إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التكنولوجي استنادًا على تطبيقات العصر الرقمي.

وتغيرت طبيعة الوسيلة في حين لم تتغير المهمة الإعلامية أو الصحفية، وظهرت مواقع إخبارية وبوابات إعلامية عبر المنصات الجديدة وبخاصة في جيلها الحديث كقنوات "اليوتيوب أو الشبكات الاجتماعية أو تطبيقات الهواتف الذكية. والتغير الآخر يتعلق بأن ما هو قديم وتقليدي أصبح مجبرًا بحكم ذلك التطور التكنولوجي وبحكم تغير مذاق المستهلك مدفوعًا نحو التحول الرقمي.

وارتكزت عملية الفصل بين ما يعد إعلامًا "تقليديًا" وآخر "الكترونيًا" على التمييز بين" الرسالة الإعلامية" و"حامل تلك الرسالة".

وأثر ذلك في صياغة "الرسالة الإعلامية" وحجم انتشارها والتفاعل بين المرسل والمستقبل على النحو الذي أثرى المحتوى الإعلامي.

وبروز إعلام تحرر من تلك التوجهات المسبقة وعن تبعية رأس المال أو حتى تجاوز الانتماءات الفكرية الضيقة، وهو ما شكل ساحة بديلة للمهمشين وللمعارضين وللأصوات غير المسموعة وعن قضايا لا تجد لها طريقًا للصحف التقليدية.

وكسر حاجز من هو" الصحفي " ومن هو "الإعلامي"، وأصبح الفاعلين لهما من خارج الأطر التقليدية والمهنية، وذلك مع سهولة تدشين منصات إعلامية يتم خلالها عمليات الإنتاج والنقل والنشر والتخزين والأرشفة للمعلومات والأخبار، وفرض بذلك الإعلام الالكتروني عدة متغيرات ترتبط بضرورة أن يتمتع الصحفي بتعدد المهارات للتفاعل مع بيئة متعددة الوسائط والخدمات، وظهرت الصحافة والإعلام الالكتروني في المجتمع الأكاديمي والتدريبي، وحالة التعدد في نفس الوقت أعباء الصحفي في مجال الإعلام الالكتروني.

وظهرت إلى جانب ذلك ثلاثة تطورات رئيسية يتعلق الأول بالصحفي حيث أصبح هو من يقوم بتحرير الأخبار عبر الانترنت ولا يعمل في صحفية ورقية، وتطور ثاني يتعلق بالقارئ حيث أصبح لدية القدرة على المشاركة والتفاعل والتعليق، وتطور ثالث، يتعلق بالخبر حيث أن سرعة الخبر وبثه أصبحت من أهم ما يميز هذا التطور في مجال الإعلام الالكتروني

والذي يؤثر في الرأي العام ليس من بين مستخدمي تطبيقات الإعلام الالكتروني بل تحولت كذلك كمصدر للإخبار للصحف التقليدية والقنوات الفضائية أو بتحول نشطاء الإعلام الالكتروني إلى ضيوف ومتحدثين لوسائل الإعلام التقليدية، أو قيام الصحف والفضائيات بتخصيص أقسام لتغطية ما يجري عبر تطبيقات الإعلام الالكتروني.

وأحدثت الشبكات الاجتماعية نقلة نوعية في تطبيقات الإعلام الالكتروني وذلك لدورها في نقل الخبر ومعالجته ومتابعته وإثارة ردود الأفعال حوله مع القدرة الهائلة على الانتشار والتأثير ومدعومة بنقل الصور ومقاطع الفيديو إلى جانب استخدام التعليقات وعلامات الإعجاب وحملات الهاشتاج.

وتحولت التطبيقات تلك لأدوات للتعبير عن مجموع ردود الأفعال والاستجابات على السياسات العامة للدولة في إطار تزايد دور الإعلام في المجال العام . وانعكس ذلك في وجود تحديات أمام الصحف الورقية

 

التواصل الاجتماعي والشباب والقيم المحلية

 

أثرت الثورة التكنولوجية وتطبيقاتها المختلفة على منظومة القيم بكافة أنماطها، مثل منظومة القيم الاجتماعية والدينية والذاتية للفرد؛ أي ما يتعلق برؤية الفرد لذاته ومجتمعه ونظرته إلى الله والدين. وأثر ذلك في البناء الاجتماعي والذي يتضمن الشباب والقيم وهما الوقود الحيوي لنمو المجتمع، أو أنها تعبر عن حالة الامتزاج بين القوة الصلبة" و"القوة الناعمة ".

وتساهم القيم في تشكيل الشخصية والمحافظة على تماسك المجتمع والتعبير عن الهوية والمصلحة الوطنية.وفي ظل عملية انتقال وانتشار للقيم والأفكار عابر للحدود وللثقافات، وحالة التفاعل التحتي بين الشعوب، وتأثير ذلك في أنماط الاستجابة لتيار العولمة، ففي حين ينشأ تيار يجاري ما تجود به من قيم وأفكار وثقافات مختلفة نشأ تيار آخر مضاد لها لحماية القيم الأصيلة، وتؤدي حالة الاستقطاب تلك إلى حالة من الاحتقان والتطرف، وذلك دون التفكير في رؤية موضوعية لما يصلح وما لا يصلح لتنمية المجتمع والفرد.

ومثل الإعلام الجديد منصة لتحدّ ثقافي غير مسبوق، يقوم على الاجتياح الثقافي، حيث تفقد الدول الصغيرة ثقافتها تحت ضغط اجتياح التيار الثقافي العالمي، وتبدأ في التخلي تدريجيًا عن خصائصها الثقافية لصالح الثقافة العالمية.

وبرزت إلى السطح قيم جديدة على المجتمع من أهم مفرداتها الكراهية والعنف المجتمعي واللفظي، وأصبح الصراع الاجتماعي في حقيقته صراعًا قيميًا بين ما يفرضه الواقع والمؤسسات التقليدية من قيم، وما يفد من القيم من الخارج، وسواء أكانت من خارج النسق العقيدي للفرد أو من خارج الحدود الجغرافية للدولة، وما نشهده من تجاذبات عبر الشبكات الاجتماعية، هو في الحقيقة كذلك انعكاس لحالة التردي الراهن في منظومة القيم ونتيجة لتراكمات عهود سابقة من سياسات تعليمية وثقافية ماضية، خاصة مع افتقاد الشبكات الاجتماعية لعنصر المركزية في التوجيه، وطغيان الفردية والعشوائية في نقل المعلومات والأفكار والقيم والرموز الثقافية.

وأصبحت المضامين الثقافية تستخدم في شحن الكراهية والعنف على النحو الذي يضر في النهاية بكل مكونات المجتمع، كما أن إقدام أي طرف على استخدام الشبكات الاجتماعية على نحو سلبي، يؤثر في نشر القيم السلبية من جهة، ويؤثر على خلخلة السلام الاجتماعي من جهة أخرى، ويزيد من الاحتقان الاجتماعي والثقافي، ويزيد من الهوة بين الفرقاء من جهة ثالثة.

وأثرت الشبكات الاجتماعية في القيم داخل المجتمع، عبر بث حالة من الاغتراب الاجتماعي والتأثير السلبي على القيم الدينية أو قيم اجتماعية كقيم الأسرة والزواج والعائلة والجيرة، وساهمت في بروز خطابات العنف والكراهية ضد الآخر ليس فقط ذي الطبيعة العرقية والمذهبية، بل كذلك لاختلافات سياسية، وحتى في وجهات النظر حول بعض القضايا على النحو الذي أثر في تحول تلك الشبكات الاجتماعية إلى أدوات للإقصاء والاحتقان، وليس للانفتاح والتسامح وبناء الحوار، واستخدمت منصات الشبكات الاجتماعية في بث الكراهية والعنف ضد التنوع العرقي والمذهبي والديني داخل المجتمع، على الرغم من وجود تلك المكونات قبل ظهور الانترنت والشبكات الاجتماعية.

وظهرت أنماط جديدة من الجريمة داخل المجتمع تعكس حالة التغير في القيم، كجرائم العنف المنظم، والعنف المجتمعي، والتحرش الجنسي، واستغلال الأطفال والأعمال المنافية للآداب العامة، كما برزت توجهات قيمية جديدة لدى فئة محدودة، كالدعوة للإلحاد أو اعتناق مذاهب دينية مختلفة أو جديدة أو التحلل التام من قيود المجتمع، وذلك في مقابل استقطاب آخر تقوده قوى التطرف والإرهاب ونشر الكراهية والإقصائية.

وعلى الرغم من أن تلك الحالات قد تكون فردية، إلا أن طبيعة التواصل الاجتماعي تجعل منها قضية كبرى بسبب التغطية الواسعة لها داخل الشبكات الاجتماعية، ووجود آليات الإعجاب والمشاركة، ما يعمل على زيادة تأثيرها، وتحولها إلى مادة خبرية للصحف والفضائيات، بما يعمل على اتساع نطاق التأثير من الانترنت إلى الشارع.

ولعل فهم منظومة التغيير في القيم ثم السلوك، وتعلم تكتيكات التجنيد كانت من ضمن التطبيقات الأبرز من قبل الجماعات الإرهابية لجذب الشباب عبر الشبكات الاجتماعية، حيث ارتكزت على ثلاث مراحل؛ تعلقت الأولى منها، بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والنعرة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية، أو البحث عن عالم مثالي لا يمت للواقع بصلة، كفكرة "الخلافة" أو "المدينة الفاضلة"، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر كافة الوسائط الإعلامية.

وارتبطت المرحلة الثانية، بالتأثير المعرفي عن طريق دور الشبكات الاجتماعية في نقل المعلومات والبيانات التي تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية. وفي تلك المرحلة، تحولت الصفحات والحسابات على شبكات التواصل إلى بوق للتطرف ونقل وجهات النظر الأحادية تجاه الآخر.

ثم جاءت المرحلة الثالثة، وهي أخطر المراحل، لأنها عملت على تحويل الفكر إلى سلوك، عن طريق التغيير السلوكي لدى المنتمي، حيث تحول من مجرد متعاطف، إلى فاعل ومشارك فعلي في التغيير بالقوة والعنف، وهو ما يظهر في التغيير السلوكي، وهي مرحلة تتم عبر المشاركة في أرض القتال الفعلي، أو القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ، تحت دعوى رفعة الجماعة والانتقال إلى العالم الأفضل.

وساهم في ذلك عدد من العوامل لعل أهمها إن الشباب هم القاعدة العريضة من المجتمع السكاني، وهم الأكثر استخدامًا للإعلام البديل والشبكات الاجتماعية، وضعف دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمؤسسات السياسية في القيام بدورها كمؤسسات وسيطة، وتضخم معدلات الانتشار والدخول الكثيف لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، خاصة بين الشباب، وإن الشباب الأكثر معاناة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والفجوة وعدم المساواة، وتراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية ودور العبادة والمدارس والجامعات والأسرة ووسائل الإعلام، وضعف سيادة القانون وسوء حالة التشريعات القانونية القادرة على مواكبة تطورات العصر، والمعاناة من البطالة والفقر وضعف فرص العمل.

 

من الفوضى إلى التنظيم للمجال الالكتروني

 

كانت الحكومات تحتكر نقل المعلومات وتبرير سياساتها عبر احتكارها للإعلام الجماهيري بينما شكل الإعلام الالكتروني كسرًا لهيمنة الحكومات من جهة على وسائل الإعلام ومن جهة أخرى كسر سيطرة نمط رأس المال على توجهات الوسائل الإعلامية والحد من احتكار وكالات الأخبار العالمية لصناعة الأخبار والمعلومات.

وجاءت تلك التغيرات لتصيب في النهاية أسس العلاقة بين الدولة والمجتمع، ودفعت للبحث ضرورة تكيف الدولة مع الإعلام الالكتروني، وتعزيز التحول من الفوضى في الاستخدام إلى أطر تنظيمية تستطيع أن تحدد الحقوق والواجبات على مستوى المحتوى والمنصات والفاعلين.

ونتج عن ذلك تداخلات في كيفية التعامل مع الإعلام الإلكتروني وتنظيمه بما طرح العديد من الإشكاليات لعل أهمها أن عملية التنظيم ليست كاشفة بالضرورة عن موقف النظام السياسي من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل أصبحت هناك دول غربية ديمقراطية تمارس سياسات رقابية وتجسسية على مواطنيها بدعوى الأمن وحماية الحريات،

وبخاصة إن إشكالية تنظيم الإعلام الالكتروني أصبحت قضية دولية، وذلك يرجع إلى حداثة الظاهرة وإلى التطور السريع والمتلاحق والذي يتحرك بوتيرة أسرع من الأطر الناظمة له سواء أكانت قانونية أو أمنية.

وإلى جانب ذلك ضخامة عدد الفاعلين بما يصعب من القدرة على السيطرة والتحكم وإلى تميز الإعلام الالكتروني ببعده العابر للحدود على النحو الذي يشكل تحديًا للنظم القانونية المحلية، ودفعت ذلك إلى إمكانية أن يكون للدولة دور في ضبط التفاعلات استنادًا على ما لديها من قدرات تكنولوجية خاصة إلا أن تلك القدرات تتفاوت الدول فيها وفق درجة تقدمها التكنولوجي، ومن جهة أخرى دفعت حالة الانفتاح العام عبر الإعلام الالكتروني إلى فتح قنوات التأثير والتأثر ما بين الداخل والخارج.

وأدت عملية تغول الشركات التكنولوجية وخاصة العاملة في مجال الشبكات الاجتماعية وعدم رضوخها للمطالب الوطنية إلى ردة فعل مضادة من قبل الدول في محاولة للحافظ على وجودها أو البحث عن توفيق أوضاعها بما يتلاءم مع ما تراه من المصلحة الوطنية لديها.

والتي وجدت في ذلك التطور تهديدًا لنظامها السياسي واستقرارها وهو ما أنتج رده فعل حمائية من قبل الدولة بمحاولتها تبني طرق مختلفة للتقنين أو السيطرة إما عبر امتلاك تطبيقات تكنولوجية للرقابة والتجسس لمواجهة الأخطار الأمنية أو عبر استيرادها من الخارج.

وبرز اتجاه أول، يرى أن الإعلام الالكتروني قابل للتقنين كغيره من الابتكارات السابقة كالراديو أو التلفزيون أو البث الفضائي ومن ثم يمكن تطبيق قوانين المطبوعات مثلاً على الإعلام الالكتروني، واتجاه ثاني آخر يرى أن ظاهرة الإعلام الالكتروني وتطبيقاتها غير مسبوقة في فرصها وتحدياتها بما يجعل عملية إخضاعها للتقنين عملية معقدة عن سابقيها.

واتجاه ثالث يرى أن طبيعة الإعلام الالكتروني تفرض ضرورة التنظيم الشامل والمتجاوز لدور الدولة التقليدي إلى دور فاعلين آخرين داخل المجتمع أو حتى خارج الدولة، وإن اتجاه الدول للتنظيم ما هو إلا خطوه في سبيل التنظيم

وعلى مستوى التطبيق ساد توجهين في تنظيم الصحافة الالكترونية، الأول وهو الأكثر انتشارًا القاضي بإدراجها من حيث التقنية والضبط وفق طريقة التعامل مع الصحافة التقليدية، والثاني وهو تجاه الأقلية عبر اتجاه الدول بإفراد لتلك الصحافة الالكترونية قانونًا خاصًا بها يتواكب مع تميزها واختلافها وتحدياتها الجديدة.

وتبقى حقيقة أن عملية التشريع في حقل الإعلام الإلكتروني من جانب الدولة يجب أن يركز على فكرة التنظيم وليس السيطرة، وبخاصة أن الدولة لم تعد الفاعل الرئيسي، وهو ما يتطلب ألا يتم الإسراف في العقوبات لأن قوة العقوبة تتطلب قوة التنفيذ، وبخاصة أن القانون المحلي لا يتجاوز حدود الدولة، وهو لا ينطبق مع آلية عمل المواقع والتطبيقات الالكترونية. ولكن تبقى هناك فرص لقيام الدولة بتنظيم الإعلام الالكتروني عبر، أولا، العمل على تحديث أجهزة الدولة بشكل يجعلها تتعاطى مع المجال السيبراني عبر الوجود المباشر للوزارات والهيآت الحكومية عبر الانترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.

ثانيًا: سعى الدول إلى تحديث البنى التعليمية والثقافية للعمل على تحقيق منع مواطنيه لمواجهة التحديات التي يفرضها الفضاء الالكتروني.

ثالثًا: أن تسعى الدولة إلى أن تعمل على تحديث الأطر التشريعية الخاصة سواء المنظمة لمجال الإعلام والصحافة أو المتعلقة بمكافحة الجريمة وتنظيم الحريات العامة.

رابعًا: هناك مدخل محلي يتعلق بأن العمل على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يمر بها الشباب هي الكفيلة بمواجهة مخاطر التعرض للإعلام الالكتروني.

خامسًا: إن التقدم في عملية تنظيم الإعلام التقليدي وترسيخ ميثاق الشرف والمهنية هي السبيل أمام الحد من التأثيرات السلبية للإعلام الالكتروني

 

نحو الفوز في معركة العقول والقلوب

 

لاشك أن عملية الدخول في معركة كسب العقول والقلوب لدى الشباب تتطلب أن يكون لدى وسائل الإعلام والقائمين على الاتصال والفاعلين الثقافيين وغيرهم، القدرة على فهم دوافع هؤلاء الشباب للنزوع إلى العنف، وفهم السياق الاجتماعي والسياسي، وتعزيز القدرة على طرح البدائل والحلول للمشكلات الاقتصادية، ومن ثم فإن تفعيل الخطاب الإعلامي في مواجهة التطرف يحتاج إلى رؤية واستراتيجية شاملة تعمل بشكل متوازي داخل الدولة، وتشارك فيها كافة المؤسسات المعنية بالشباب والثقافة وبالإعلام والمؤسسات الدينية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية وغيرها، والعمل على تحديث المنصات الإعلامية لمؤسسات الدولة للعمل على مخاطبة الشباب بشكل أسرع، ومواجهة خطابات التحريض والكراهية بالمعلومات الصحيحة، والارتباط المباشر بين المسؤولين والشباب ومعرفة احتياجاتهم ومشكلاتهم. إن ترك الساحة خالية أمام تسويق الخطاب المتطرف يقع على مسؤولية مؤسسات الدولة، ومن ثم فإن الدور المنوط بها يجب أن يرتكز على ملئ الفراغ، سواء عند الشباب أو في وسائل الإعلام التقليدي أو الإلكتروني.

إن تنمية ثقافة الحوار والتسامح وحل الخلافات، أمر مهم وضروري، لأنها أساس معالجة ما يعتري مجتمعنا من مشكلات، وبإمكانها وقف تدهور الطاقة البشرية وقيمة الوقت للعمل على استخدام الإعلام في إحداث تغيير قيمي ثم سلوكي على النحو الذي يؤدي إلى تعزز القيم المحفزة على التنمية، مثل قيمة العمل والإنجاز والتطوع.

إن من شأن طبيعة شبكات التواصل الاجتماعي، إذا ما جرى استخدامها في مجتمع صحي، أن تسهم في الحوار البناء، والتعاضد الاجتماعي، وتعزيز ثقافة التسامح، إلى جانب تنمية رأس المال الاجتماعي، والذي من شأنه أن يحول تلك العلاقات المتكونة عبر الشبكات الاجتماعية إلى حالة إيجابية يتم توظيفها في المجال الاقتصادي، وتنمية الإبداع والابتكار، والتسامح وغيرها، وهو ما يستوجب الدفع بالترادف بتيار مدني قوي، عبر تنشيط دور المنظمات الأهلية والمؤسسات الثقافية، ودعم الاهتمام بتنوير الشباب والمواطنين، ورفع الوعي والمعرفة، وتحديث الدور والأدوات والآليات التي تتبعها الحكومات من أجل مواكبة التغيير، ورفع التحديات، وتعزيز فرص الاستفادة من الثورة المعلوماتية والاتصالية.

ولا شك أن العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله، خاصة أن الضغط المادي يؤثر نفسيا على المواطن وعلى الجماعة بشكل عام، ومن ثم فإن العمل على تحسين الدخل والمستوى المعيشي جزء مهم في عملية الحد من تدهور القيم الاجتماعية. ولا ينفصل ذلك عن أهمية مكافحة الفقر والبطالة بين الشباب، لأنهم هم الكتلة الحرجة داخل المجتمع، وهم الأكثر استخدامًا لها، والأكثر ناشطية ومعاناة في الوقت نفسه من ظروف الواقع المعيش.

إن عملية إنقاذ الفرد والمجتمع والدولة من تدمير القيم الأصيلة عبر تلك الوسائط الإعلامية الجديدة، تتطلب أن يكون الشاب هو منصة الانطلاق في تلك المواجهة، عبر تعزيز ثقافته العامة، ورفع مستويات الخطاب الثقافي للمؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، ليكون لها الدور الحاضن للشباب. ومن الضروري أن تلتزم وسائل الإعلام بالشفافية والمصداقية في طرح المعلومات، وتقوم بتشجيع روح التسامح والحوار والابتكار والإبداع، وذلك لأن ثقافة المستخدم هي السبيل الوحيد للوقاية الذاتية من مخاطر التعرض للخطاب المتطرف.

ولهذا، يجب العمل على تحديث الإطار التشريعي المنظم لوسائل الإعلام التقليدية، وتلك الخاصة بالإعلام الإلكتروني، وتبني تشريعات لمواجهة الجريمة الإلكترونية ونشر الكراهية والعنف عبر وسائل الإعلام، خاصة في ظل مجتمعات تمر بحالة انتقالية مثل المجتمعات العربية، وهو ما يستتبع أهمية دور الدولة بالتعاون مع غيرها بالتنسيق في الرؤى والخطط في المكافحة، فهو أمر مهم وحيوي سيمكن من سلك طريق النجاح لمكافحة التطرف والعنف، حيث إنه لا يمكن أن تقود الجزر المنعزلة حربًا منفردة ضد الإرهاب والتطرف، بل يجب أن يتم ذلك في إطار التعاون الشامل والأمين والمهني في المكافحة.

كما أنه من الأهمية بمكان، رصد ظواهر الإرهاب وكشف الفاعلين والمتورطين، وطبيعة الممارسات الأمنية ضدهم أمام الرأي العام، وكشف زيف أفكارهم وخطابهم المتطرف، والعمل على تحسين القدرة على مواجهة العمليات النفسية عبر وسائل الإعلام، وعبر تعزيز الأمن الفكري، والعمل على تشجيع روح الاعتدال والوسطية، والحوار الهادئ، والتسامح وقبول الآخر، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو الثقافية أو الدينية، والعمل على تغيير المناهج التعليمية بشكل يجعلها قائمة على الفهم والنقد البناء، وليس الحفظ والتلقين، وذلك من أجل المساهمة في خلق جيل جديد قادر على بناء الحوار والفهم، الذي هو ركيزة لتنمية الإبداع والابتكار عند الشباب، الذين هم عماد الأمة وأساس نهضتها الحديثة. كما يجب العمل على تعزيز التكاتف الشعبي مع المؤسسات الأمنية في مكافحة الإرهاب وإطلاع الرأي العام على حجم المخاطر الناتجة عن ظاهرة الإرهاب، ورفع الوعي، باتخاذ كافة التدابير اللازمة في مواجهة التطرف والعنف، والعمل على تعزيز قيم المواطنة، وتدبير الوقت لدى الشباب، لأنها قيم لازمة للنهضة الاجتماعية والاقتصادية. وتعزيز قدرة وسائل الإعلام على اكتساب الأفراد - خاصة الشباب - جملة من الخصائص السلوكية، والاجتماعية، وذلك من خلال العديد من المؤثرات والحوافز والدوافع، لأن الإعلام يعد منصة مهمة وضرورية للعمل على تنوير الرأي العام، وتحديد أولويات المجتمع في مجال التنمية، وغربلة القيم المحلية التقليدية بشكل يجعلها قادرة على تعزيز التنمية والتقدم، ومن جهة أخرى أهمية العمل على تفسير السياسات والتطبيقات التي يقوم بها صانع القرار أمام الرأي العام، بما يجعله شريكًا، سواء بالمراقبة أو بالمساهمة الفعلية في عملية التنمية، والتي تحتاج إلى وعي جماهيري- شعبي.

وتبقى حقيقة أن الاستثمار في تنمية الفكر والثقافة هي الحصانة الأكبر في معارك الأفكار وليست ممارسة القوة بالضرورة.

مجلة آراء حول الخليج