array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 147

ثلاثة دوافع لتطوير الأداء الإعلامي وأربع إشكاليات بالمقررات الدراسية الإعلامية العربية

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

تواجه المنطقة العربية حربًا تستهدف تقويض أمنها واستقرارها، توظف فيها الدول المعادية وسائل إعلامها، باعتبارها أسلحة يمكن من خلالها إشاعة الفوضى، ونشر الأفكار الهادمة، وإثارة البلبلة، وتضليل الرأي العام، على نحو يضع على عاتق وسائل الإعلام العربية دورًا كبيرًا في مواجهة هذه الحرب. إلا أن أغلب الدراسات والبحوث العلمية التي استهدفت تقييم الأداء الإعلامي في عدد من البلدان العربية، تشير إلى ثمة تراجع في الأداء الإعلامي، بشكل تتجلى ملامحه في انصراف الإعلام عن معالجة القضايا الجوهرية، وغياب الطابع التحليلي في المعالجات الإعلامية للقضايا المختلفة.. وغيرها.

3 دوافع لتطوير الأداء الإعلامي العربي

وتأسيسًا على ماسبق، فإن هناك ثلاثة دوافع رئيسية لتطوير الأداء الإعلامي في المنطقة العربية، الأول: يرتبط بتخلي أغلب وسائل الإعلام العربية عن دورها التنموي برفع وعي المواطنين، وتوعيتهم بالمخاطر والتحديات، لا سيما في  ظل محاولات الاختراق التي يتعرض لها العالم العربي، والأكاذيب والشائعات التي تبثها وسائل إعلام تحريضية تستهدف تقويض أمن واستقرار الدول في المنطقة، ما يتطلب تأهيل وتدريب الإعلاميين بشكل يزيد من وعيهم بالمخاطر والتحديات التي تواجه مجتمعاتهم العربية، ويمنحهم الآليات المناسبة للرد عليها، وتحصين شعوبهم. الثاني: تنامي ظاهرة العداء لوسائل الإعلام "The Hostile Media Phenomenon " التي تعني في أبسط تعريفاتها تراجع مصداقية وسائل الإعلام لدى الجمهور، نتيجة تدهور أدائها المهني، وتدني المحتوى المقدم، وعدم تلبيته لاحتياجات واهتمامات الجمهور، بشكل يؤدي لانصراف الجمهور عن متابعتها. أما الدافع الثالث الذي يجعل من تطوير الأداء الإعلامي مطلبًا ملحًا، يتعلق بالتطورات التكنولوجية المتلاحقة في سوق صناعة الإعلام، ما يتطلب تدريب الإعلاميين على كيفية التعامل مع التطبيقات التكنولوجية والاستفادة منها في مجال عملهم بشكل احترافي.

أن التأسيس المنهجي لوضع رؤية علمية متكاملة لتطوير الأداء الإعلامي في المنطقة العربية، يستلزم مايلي: التحديد الدقيق للمفاهيم، تحليل واقع التكوين الأكاديمي لطلاب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام بالمنطقة العربية، تحليل واقع التأهيل المهني للإعلاميين في مؤسساتهم التي يعملون بها، وطرح مسارات تطوير الأداء، ثم تحديد الجهات المنوطة بتطبيق هذه الرؤية.. وهو ما نعرضه في السطور التالية، من واقع مراجعة وتحليل عدد من الدراسات العلمية التي اهتمت بتقييم الأداء الإعلامي، ورصد الإشكاليات المرتبطة به، وسبل تطويره.

أولاً: التحديد الدقيق للمفاهيم

-         التكوين أو التأهيل الأكاديمي: يقصد به التعليم الإعلامي، أي تأهيل وإعداد طلاب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام على نحو يلائم متطلبات سوق العمل، ومن ثم فإن هذا المصطلح يتضمن جانبين، أحدهما يرتبط بالمعارف النظرية التي يكتسبها الطلاب في مرحلة التعليم الجامعي من دراسة المقررات المختلفة، والآخر يتعلق بالمهارات العملية المكتسبة من التدريب الذي يتلقاه أثناء دراسته الجامعية.  

-        التأهيل الإعلامي: يقصد به الاستمرار في تأهيل الإعلاميين وتدريبهم في مرحلة ما بعد التخرج، على نحو يطور من معارفهم ومهاراتهم، ويلائم الثورة الرقمية في مجال الإعلام، ويمكنهم من تأدية أدوارهم ومزاولة مهنتهم بشكل احترافي دون ارتكاب تجاوزات مهنية.

-        الأداء المهني: أن يلتزم الإعلاميون بالمعايير المهنية والضوابط الأخلاقية الحاكمة للعمل الإعلامي، ويتضمن مستويين، الأول يتعلق بالمعايير المهنية مثل الدقة والموضوعية، الثاني يرتبط بأخلاقيات المهنة، والتي يمكن تصنيفها في ضوء أخلاقيات جمع ونشر وبث المحتوى، وأخلاقيات نشر الصور، أخلاقيات مرتبطة بتعامل الإعلامي مع مصادره، وأخلاقيات مرتبطة بنزاهة الإعلامي. 

 

 

 

 

 

شكل رقم (1)

مكونات الأداء الإعلامي المهني

 

ثانيًا: تحليل واقع التكوين الأكاديمي في كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية

اهتمت كثير من الدراسات بتحليل واقع التكوين الأكاديمي لطلاب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية، استنادًا لعدة معايير، منها: المقررات التي يتم تدريسها داخلها، أساليب التدريس المتبعة، إضافة إلى معايير تقييم الطلاب خلال دراستهم، ومدى الاهتمام بالتدريب العملي، ووجود خطط تدريبية، والإمكانيات التدريبية المتاحة، وبرامج تدريبية حديثة تسهم في تأهيلهم لسوق العمل.. ومن واقع القراءة النقدية لنتائج الدراسات العلمية حول التكوين الأكاديمي وأساليبه وإشكالياته في كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية، يمكننا الخروج بالمؤشرات التالية: 

-       تحرك كليات وأقسام الإعلام في بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات وسلطنة عمان، في إتخاذ خطوات جادة بشأن تطوير لوائحها بما يتواكب مع المتغيرات التكنولوجية المتلاحقة في سوق صناعة الإعلام، وحصول عدد منها على الاعتماد الأكاديمي الدولي، إلا أن أغلب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام في بلدان آخرى مثل مصر والسودان والأردن لا تزال بصدد تطوير لوائحها الدراسية، في الوقت الذي يشهد سوق العمل الإعلامي تغييرات متسارعة. 

-       أشارت أغلب الدراسات إلى أربع إشكاليات رئيسية مرتبطة بالمقررات الدراسية داخل معظم كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية، الأولى: ترتبط بغلبة الجوانب النظرية في معظم المناهج الدراسية، الثانية: وجود فجوة بين المناهج التدريسية من ناحية، ومتطلبات سوق العمل من ناحية خرى، الثالثة: جمود اللوائح الدراسية، وعدم استحداث مقررات نوعية تلائم التطورات التكنولوجية المتلاحقة في سوق صناعة الإعلام، الرابعة: أن الساعات المخصصة لتدريس بعض هذه المقررات لا يتم توزيعها بشكل يحقق التوازن بين الجوانب المعرفية، والجوانب العملية.

-       أيضًا من بين إشكاليات التأهيل الأكاديمي- بحسب نتائج الدراسات العلمية- تلك التي ترتبط بأساليب التدريس المتبعة في بعض كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية، فأغلبها لا يزال يسيطر عليها الطابع التقليدي، ولا تنمي المهارات الإبداعية لدى الطلاب، وأساليب التعلم الذاتي، وزيادة قدرة الطلاب على البحث والاستقصاء، وهي مقومات أساسية لإنجاح عملية التكوين الأكاديمي الإعلامي.

-       رغم اهتمام أغلب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام العربية بعملية التدريب العملي، باعتبارها الجانب المكمل للتكوين المعرفي، إلا أن هناك خمس إشكاليات رئيسية ترتبط بواقع التدريب، الأولى: عدم وجود خطط تدريبية معلنة، يحدد ضمنها الأهداف العامة لكل برنامج تدريبي، والمهارات المكتسبة منه. الثانية: عدم ربط البرامج التدريبية بالمستجدات في سوق صناعة الإعلام. الثالثة: ترتبط بتفاوت الإمكانيات التدريبية المتاحة بين كليات وأقسام ومعاهد الإعلام في المنطقة العربية. الرابعة: نقص الموارد المالية المخصصة للتدريب العملي، الخامسة: ترتبط بمدى توافر أعداد أعضاء هيأة التدريس أصحاب الخبرات المهنية القائمين على التدريب، ومدى إشراك المهنيين من أصحاب الخبرة والكفاءة في عملية التدريب العملي داخل الكليات، بحيث يتم سد الفجوة بين الجانب النظري والجانب العملي.

ثالثًا: تحليل واقع التأهيل المهني في المؤسسات الإعلامية

إن القراءة الدقيقة لواقع التأهيل المهني في المؤسسات الإعلامية بالمنطقة العربية، أمر من شأنه أن يضع أيدينا على أبرز الإشكاليات المرتبطة بفلسفة التدريب داخل هذه المؤسسات، وبمراجعة وتحليل الدراسات التي استهدفت تقييم التأهيل الإعلامي العربي في ضوء عدة معايير، تتمثل في: مدى حرص المؤسسات الإعلامية على تدريب منسوبيها، ومدى وجود خطط تدريبية محددة بإطار زمني، وبرامج تدريبية تعكس التطورات التي يشهدها سوق العمل، ورصد ميزانيات لتدريب الإعلاميين والصحفيين، إضافة إلى أساليب تقييم الأداء المتبعة، فقد خلصت إلى جملة من المؤشرات التالية:

-       لا يوجد اهتمام كاف من قبل أغلب المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية بتدريب العاملين داخلها، رغم كثرة التحديات المهنية التي تواجههم مع التطورات التكنولوجية المتلاحقة، لعدة أسباب منها عدم إيمان القيادات الإعلامية والإدارية في بعض المؤسسات بأهمية التدريب والتأهيل الإعلامي، إلى جانب عدم رصد ميزانيات مالية مخصصة لهذا البند.

-       توجد داخل بعض المؤسسات الإعلامية بالمنطقة العربية مراكز للتدريب والتأهيل، إلا أن الخطط التدريبية لبعضها– بحسب نتائج الدراسات-  لا تزال بصدد تطوير وتحديث بشكل يواكب المتغيرات والتحولات المتسارعة في سوق صناعة الإعلام بفعل التكنولوجيا الحديثة.

-       من بين الإشكاليات الرئيسية التي ترتبط بالتدريب في المؤسسات الإعلامية العربية، إن بعضها لا تتوافر لديها مؤشرات ومعايير يمكن في ضوئها تقييم الأداء الإعلامي، لقياس مردود التدريب والتأهيل على جودة الأداء من عدمه، وبعض الدراسات أشارت إلى أن عملية التقييم -إن وجدت-  فهي "موسمية"، تهتم بها المؤسسات  على فترات زمنية متباعدة، كما أنها جهود ذاتية من قبل بعض القيادات، وليست ذات طابع مؤسسي.

-       بعض الدراسات التي اهتمت بتحليل دوافع الإعلاميين واتجاهاتهم نحو التدريب المستمر، أشارت إلى أن هذه المساءلة مرهونة بعدة اعتبارات، منها انخفاض الأجور والمرتبات، والمنح والعلاوات، ومدى وجود معاييرواضحة للترقي الوظيفي.

رابعًا: إنعكاس التأهيل الإعلامي على جودة الأداء المهني

في ضوء ماسبق، فإن جودة الأداء المهني هي انعكاس لنمطي التأهيل الأكاديمي والمهني معًا، حيث تؤكد أغلب الدراسات العلمية صحة الفرضية القائلة بأن مستوى التكوين الأكاديمي، والتدريب والتأهيل الإعلامي، يؤثران في الأداء المهني سلبًا وإيجابًا، فكلما كان هناك اهتمامًا بالتكوين الأكاديمي الجيد والتدريب المستمر للإعلاميين، كلما كانت الممارسات الإعلامية أكثر إيجابية والعكس صحيح. ودللت الكثير من الدراسات على مؤشرات ضعف الأداء المهني كنتيجة لتدني مستوى التكوين الأكاديمي والتأهيل المهني، ومنها دراسة Nick Richardson (2017) التي خلصت إلى نتيجة مفاداتها أن ضعف التأهيل المهني تسبب في تورط الصحفيين في نشر الأخبار المزيفة " Fake News" وعدم الالتزام بالدقة والموضوعية في نقل كثير من الوقائع، وتقديم معالجات سطحية ومتحيزة.

خامسًا: مسارات تطوير الأداء الإعلامي في المنطقة العربية

بعد تقديم القراءة التحليلية من واقع الدراسات العلمية، لواقع التكوين الأكاديمي في كليات وأقسام ومعاهد الإعلام، والتأهيل المهني، ورصد تأثيرهما على جودة الأداء، يمكن طرح سبعة مسارات رئيسية لتطوير الأداء الإعلامي في المنطقة العربية، على النحو التالي:

 

شكل (2)

7 مسارات لتطوير معارف ومهارات الإعلاميين

المسار الأول: إعداد الإعلامي المتخصص

  إن إعداد الإعلامي المتخصص الملم بكافة أبعاد تخصصه، الواعي بدوره في المجتمع، القادر على تقديم تغطيات إعلامية تتسم بالعمق والشمولية في مجال بعينه، أصبح أمر ضروري لاستعادة ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، خاصة في ظل المنافسة الشديدة بين الوسائل التقليدية والحديثة بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي.

وبوجه عام، هناك خمسة عوامل حاكمة لنجاح الإعلامي المتخصص، أن لا يقتصر اهتمام المؤسسات بتكوينه معرفيًا فقط، من خلال اكتسابه للمعارف المرتبطة بهذا التخصص، بل تكوينه مهنيًا أيضًا من خلال تزويده بمهارات إنتاج المحتوى، وأساليب إعداد المواد المتخصصة في قالب تشويقي بسيط يسهل على الجمهور فهمه، إضافة إلى تسليحه بالمهارات التكنولوجية التي تمكنه من توظيف التطبيقات الذكية في نطاق تخصصه، وتقديم محتوى تفاعلي جذاب يلبي احتياجات الجمهور واهتماماته.

المسار الثاني: التكوين الأكاديمي لغير خريجي الإعلام

أشارت أغلب الدراسات إلى أن من بين أسباب تراجع الأداء الإعلامي في المنطقة العربية، التحاق غير خريجي الإعلام بالمجال، وهذه الإشكالية محل جدل بين فريقين، الأول: يرى أن ممارسة الإعلام "موهبة" وبالتالي ليس هناك ما يمنع هؤلاء بالالتحاق بهذا المجال رغم عدم دراستهم لعلوم الإعلام، الثاني: قصر الالتحاق بالعمل الإعلامي على خريجي الإعلام فقط، وهي وجهة النظر الأرجح، ذلك لأن التكوين الأكاديمي من أهم العوامل المؤثرة في جودة الأداء المهني. وأمام تزايد أعداد غير خريجي الإعلام في الالتحاق بالمجال، ينبغي على المؤسسات الإعلامية الالتفات إلى أهمية التكوين الأكاديمي لهؤلاء، من خلال التحاقهم بدبلومات مهنية متخصصة، وليتم ذلك بإبرام شراكات بين المؤسسات الإعلامية، والمؤسسات الأكاديمية.

المسار الثالث: برامج أكاديمية تلبي احتياجات سوق العمل

في إطار التطورات المتلاحقة التي يشهدها سوق صناعة الإعلام في العالم العربي، باتت كليات وأقسام ومعاهد الإعلام، أمام حتمية تطوير مناهجها الدراسية، وأساليب التدريس المتبعة،  على نحو يؤهل الخريج لسوق العمل، ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون تحديث اللوائح الدراسية، وتضمينها مقررات مستحدثة مثل صحافة الفيديو، الصحافة الاستقصائية، إعلام الذكاء الاصطناعي، صحافة الموبايل، صحافة البيانات.. وغيرها، وطرح برامج تدريبية للطلاب في كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العمل الإعلامي،  ومقررات في التربية الإعلامية، وأخلاقيات الممارسة في الإعلام الجديد، والتحقق من المحتوى الرقمي.

أيضًا لابد من التفكير في تغيير أساليب التدريس التقليدية، ليتم تطبيق طرق حديثة من شأنها إكساب الطلاب المعارف والمهارات المرتبطة بالمقرر التعليمي، ومن بين هذه الأساليب، تطبيق نماذج المحاكاة لغرف الأخبار- على سبيل المثال، وتنظيم الزيارات الميدانية إلى المؤسسات الإعلامية، وورش العمل التطبيقية، وجميعها تثري واقع التأهيل الأكاديمي.

وإذا كانت أغلب كليات وأقسام ومعاهد الإعلام بصدد تطوير لوائحها، فلا مانع من إشراك المهنيين من أصحاب الخبرة والكفاءة مع الأكاديمين في مسألة التطوير، وكذلك في العملية التدريسية، بحيث يتم سد الفجوة بين الجانب النظري، والجانب التطبيقي.

المسار الرابع: برامج تدريبية متطورة

شهد سوق صناعة الإعلام في المنطقة العربية تغيرات سريعة بفضل التطورات التكنولوجية، سواء في أنماط إنتاج المحتوى، التي باتت تعتمد على برامج وتطبيقات متطورة، وغرف أخبار مدمجة قد تكون جميعها في هاتف ذكي أو جهاز جديد يقوم برصد ونقل الأخبار خلال دقائق معدودة، وتوظيف لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي، ومن ثم ينبغي على المؤسسات الإعلامية تدريب وتأهيل منسوبيها على نحو يمكنهم من التعامل مع التطبيقات التكنولوجية والاستفادة منها بشكل احترافي، وهذا لن يتحقق إلا بوضع خطط محددة بمدى زمني، تتضمن برامج تدريبية متطورة، تواكب الثورة الرقمية في مجال الإعلام، وتركز بالأساس على إكساب الإعلاميين المهارات الفنية للتعامل مع هذه المتغيرات. ولا يمكن أن يتم تنفيذ هذه البرامج، دون عدة مقومات، أهمها: إيمان القيادات الإعلامية بأهمية التدريب الإعلامي، وتخصيص ميزانيات مالية له، وتعميق قنوات الاتصال بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الأكاديمية، باعتبار الآخيرة بيت الخبرة في علوم الإعلام والاتصال.

 

المسار الخامس: منصات تدريب مجانية

اتجهت بعض الهيآت لتدشين منصات تدريبية مجانية بهدف المساعدة في تأهيل الإعلاميين وتدريبهم على أحدث المستجدات في مجال العمل الإعلامي، ونشرت شبكة الصحفيين الدوليين دليل يضم كافة هذه المنصات والبرامج التدريبية المتاحة، وأبرزها منصات: CFI، LAIMOON، ICFJ Anywhere"، مرجع، مسار، إدراك، دروب، مركز نايت للصحافة بجامعة تكساس الأمريكية، تمكين، معارف، فرصة، مهارات جوجل الذي أطلقته شركة جوجل تحت شعار "العالم الرقمي في متناول يديك".. وغيرها من المنصات التي تستهدف تطوير المعارف والمهارات للعاملين في مجال الإعلام.

المسار السادس: مدونات مهنية وسلوكية

مع تزايد استخدام الصحفيين لمواقع التواصل الاجتماعي بدأت تزداد الحاجة لوجود أدلة مهنية وسلوكية تحدد كيفية التعامل مع تلك المواقع، والاستفادة منها في مجال العمل الإعلامي، على نحو مهني أخلاقي، وبدأت تتجه بعض المؤسسات مثل  الـ" بي بي سي"، ووكالة «اسوشيتد برس» الأمريكية، إلى صياغة مثل هذه المدونات، وأصدرت المؤسسة الفنلندية للتعليم المستمر الدليل الإعلامي للممارسات المهنية والأخلاقية عام 2016م، كما أصدر مركز الصحافة الأوروبي European Journalism Centre في هولندا دليل للتحقق من المحتوى الرقمي عبر مجموعة من الأدوات التقنية التي تكشف عن الأخبار والصور المزيفة.

وهناك جهود عربية، ومنها  دليل الصحفي المهني الذي أصدرته منظمة البحث عن أرضية مشتركة بالمغرب خلال عام 2016م، بالإضافة إلى دليل الإرشادات التحريرية للصحفيين المصريين الصادر عن النادي الإعلامي بالمعهد الدنماركي المصري للحوار عام 2015م، الذي عرض لأهم المعايير الدولية للجودة في العمل الصحفي الإخباري، وإن كانت صياغة مثل هذه الأدلة مهمة لتطوير الأداء المهني، فإن الأهم وضع آليات تضمن التزام المؤسسات الإعلامية بهذه المعايير في التغطيات والمعالجات المختلفة.

المسار السابع: أدلة مؤشرات لتقييم الأداء

إن منظومة التأهيل والتدريب المهني لا تكتمل دون وجود أدلة مؤشرات لتقييم الأداء الإعلامي، بمعنى آخر وجود معايير ومؤشرات علمية يمكن في ضوئها قياس مردود التدريب على جودة الأداء، وفي هذا الصدد قمتُ بإجراء دراسة علمية، استهدفت بناء دليل مؤشرات متكامل، يساعد الباحثين والأكاديمين والقيادات الإعلامية والجهات المنوطة بتنظيم شؤون الإعلام، في تقييم أداء المؤسسات، وفق مؤشرات علمية، واضحة، محددة، قابلة للقياس، وأشار الدليل إلى أن هناك أربعة مؤشرات رئيسية يمكن الاحتكام إليها للحكم على مهنية التغطية الإعلامية، هي: مؤشرات قياس دقة المحتوى الصحفي، مؤشرات موضوعية المحتوى، موشرات عمق التغطية الصحفية، وأخيرًا مؤشرات السلامة الأسلوبية.

سادسًا: الجهات المنوطة بتطبيق الرؤية

  • كليات وأقسام الإعلام: لها ثلاثة أدوار رئيسية، الأول: التكوين الأكاديمي وإعداد خريجين مؤهلين لسوق العمل، ولا يتحقق ذلك دون تحديث المقررات والمناهج الدراسية، وتعميق التعاون مع المؤسسات الإعلامية بما يسهم في إثراء الجانب العملي، وتحديث أساليب التدريس، بما يواكب الثورة الرقمية في سوق صناعة الإعلام، الثاني: تأهيل الإعلاميين وتدريبهم باعتبارها بيت الخبرة، الثالث: إجراء الدراسات والبحوث التي ترصد وتحلل إشكاليات المهنة، وتضع الحلول المناسبة لها.
  • المؤسسات الإعلامية: لها ست مهام، هي: الحرص على تدريب وتأهيل الإعلاميين، رصد الميزانيات المالية للتدريب الإعلامي، وضع خطط وبرامج تستهدف تطوير معارف ومهارات الإعلاميين، إلى جانب التكوين الأكاديمي لغير خريجي الإعلام-كما سبق وأشارنا، بالإضافة إلى وضع معايير يمكن من خلالها قياس أثر التأهيل على جودة الأداء، وتأسيس إدارات نوعية داخلها تكون منوطة بالأساس بعمليتي التدريب وتقييم الأداء.
  • الكيانات المنوطة بتنظيم الإعلام: سواء كانت مجالس، نقابات، هيآت، جمعيات، اتحادات، فهي المنوطة بوضع المعايير المهنية والأخلاقية المنظمة للعمل الإعلامي بالتشاور مع الإعلاميين والمتخصصين، مع وضع ضمانات لإلزام المؤسسات الإعلامية بمواثيق الشرف، بل وتطبيق الجزاءات المنصوص عليها قانونًا، على أي وسيلة إعلامية ترتكب تجاوزات مهنية أو أخلاقية.

مقالات لنفس الكاتب