; logged out
الرئيسية / دور الإعلام في صناعة الرأي العام: مواجهة الفكر بالأساليب العلمية

العدد 147

دور الإعلام في صناعة الرأي العام: مواجهة الفكر بالأساليب العلمية

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

لا شك أن دور وأهمية وسائل الإعلام قد نال اهتمام العديد من الباحثين والأكاديميين والمفكرين، لما له من دور بارز ومؤثر في جذب انتباه الجمهور لقضية أو قضايا معينة من القضايا المطروحة على الساحة. ولكن قبل الدخول في تعاريف ومضمون الرأي العام والإعلام يجب أن ننوه في البداية إلى أن هذه التعاريف والمصطلحات اختلفت مكوناتها وممارساتها في وقتنا الحالي عن العقود الماضية، وأصبحت الآلة الإعلامية الحالية لها صور كثيرة ومتعددة ومتجددة ومتشابكة، ومن منا لم يتابع في الماضي القريب ما أطلق عليه في حينها ثورات الربيع العربي ومدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام آنذاك، وما لعبته الآلة الإعلامية بكل مكوناتها في تحريك عواطف ومشاعر الجماهير نحو اتجاه معين حتى لو كان مخالفا للواقع والحقيقة.

كما استغلت التكتلات والقوى السياسية جميع الوسائل الإعلامية الممكنة سواء من خلال الإعلام المرئي أو المسموع أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض الأحيان الإعلام المباشر من خلال التواصل المباشر مع الجماهير، وذلك للوصول لبعض الأغراض السياسية والتي أحيانًا قد لا تكون في مصلحة الوطن.

كما زادت الثورة التكنولوجية الحديثة من قوة وتأثير الإعلام بكل محتوياته وخاصة برامج وتطبيقات التواصل الاجتماعي على الرأي العام، وخاصة بعد ازدياد عدد المتعاملين مع هذا النوع من التطبيقات وانتشار وزيادة عدد المتعاملين مع الانترنت، وخاصة من خلال الهواتف المحمولة التي يسرت الدخول إلى الانترنت والتعامل مع هذه التطبيقات بسهولة ويسر.

وقد أدى هذا التأثير الكبير للإعلام في صورة برامج التواصل الاجتماعي بالعديد من الأجهزة الأمنية والسيادية في العديد من الدول إلى تبني بعض السياسات والبرامج التي تهدف إلى تقليل مخاطر هذه الوسائل الإعلامية، وخاصة أن أغلب المواد الإعلامية المنشورة من خلال هذه الوسائل قد تكون مغلوطة وتؤثر سلبًا في الرأي العام دون أسانيد أو حقائق، وهذا ما يطلق عليه الشائعات المدمرة لمقدرات ومستهدفات الأوطان، وقد يتحول الموضوع في العديد من الأحيان إلى استغلال التواجد الكثيف للمتعاملين مع برامج التواصل الاجتماعي وخاصة الشباب في تنفيذ بعض الأجندات العدائية أو ما يسمى تحديدًا بحروب الجيل الرابع والتي تعتمد في الأساس على الشائعات ونقل المعلومات المغلوطة واستغلال عدم المعرفة واليقين عند المتعاملين مع هذا النوع من الوسائل الإعلامية الغير مؤمنة.

لذلك تسعى المقالة إلى تسليط الضوء على دور الإعلام في صناعة الرأي العام وتبني قضايا الوطن فى ظل التحديات والمخاطر التي تواجهه، وكيفية العمل على تبني الحلول لهذه القضايا وفقًا لترتيب الأولويات وشحذ الهمم لمواجهتها عبر إعلام مدروس وأدوات مبنية على الأدلة الإقناعية والمنطقية لحماية النشء والحفاظ على مكتسبات الوطن في ظل الإعلام المتربص والأجندات المغرضة.

ومن العرض السابق يمكن تعريف الرأي العام بأنه محصلة الرأي والذي يتكون من مجموع الآراء المتشابهة في جماعة ما أو ما يطلق عليها جماعة الرأي، ومن ثم فجماعة الرأي العام تتشكل نتيجة القوة النسبية وتحت تأثير الصراع بين هذه القوى، وإلى حد كبير يتوقف نوع الرأي العام على كفاية المناقشة العامة وهي بدورها تتوقف على توفر ومرونة أدوات الاتصال الجماعي مثل الصحافة والإذاعة والاجتماعات العامة. ومن ثم فإن الرأي العام قوة لا يستهان بها ومن خلالها تستطيع أن تضغط الشعوب على حكامها وتغيير الحكومات إذا تكون لديها رأى خاص وتعلن الحروب ويتم الصلح كما تتم الانقلابات السياسية والإصلاحات الاجتماعية وفقًا للرأي العام كما حدث مع الرئيس الأمريكي ايزينهاور فى انتخاباته لرئاسة الجمهورية، لذلك تسعى الحكومات بطرق مختلفة إلى التعرف على الرأي العام تجاه المشاكل المختلفة التي تواجهها وهذا يفيد بوجود طرق للاتصال بين الحكومة والشعب مثل الانتخابات العامة التي يصوت فيها الأطراف بحرية لاختيار من يمثلهم وطرق الإعلام المختلفة كالصحافة والإذاعة.

وعند طرح تعريف واضح للإعلام يجب التأكيد أن المجتمع الإنساني في الأساس يقوم على الاتصال بين أفراده وجماعاته وكل اتصال بين البشر يحمل نوعًا أو أنواعًا مختلفة من الإعلام، وهذا يعتبر أمرًا فطريًا وغير مستحدث لأن الإنسان جبل على الاجتماع والتعارف وهو ما اكتسب التجمعات البشرية منذ القدم صفة المجتمعات وخصائصها، ويتميز الإعلام بأن له خصائص أساسية والتي من أهمها: غرس الشعور بالانتماء للوطن، وإبداء الرغبة في التغيير، وزيادة طرح المجتمع في مجتمع متحضر واقتصاد متطور، كما يقوم الإعلام بتعليم الشعوب مهارات جديدة وتشجيع الناس على المشاركة الفعالة ونقل أصواتهم وآرائهم للقيادة السياسية.         

ولضمان فاعلية ونجاح أي خطة إعلامية لابد من توافر مجموعة من المقتضيات والتي من أبرزها أهمية إجراء الدراسات والبحوث الإعلامية والتي تستهدف الكشف عن طبيعة وجوهر المشكلات الاجتماعية التي يجب أن تتصدى لها أجهزة الإعلام كما يتعين تحديد الأهداف الإعلامية بوضوح وتقسيم هذه الأهداف وفقا للمدة الزمنية سواء طويلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل، ومن حيث المستوى إلى أهداف عامة، وجزئية ومحلية، وفي جميع الأحوال لابد من توفير وإعداد الكفاءات البشرية المتخصصة في مجالات الإعلام المختلفة والتي يمكن أن تتولى هذه المسؤولية الوطنية الضخمة.

وحيث أن الشباب يعتبر من أكثر الفئات تأثرًا وتأثيرًا في الرأي العام فيجب الاعتراف أن الشباب العربي تأثر وبشدة بحملات الغزو الثقافي وتطور وسائل الإعلام الجماهيرية فهو المصدر الرئيسي للمعلومات والتعلم وهو أحد مصادر تشكيل الوعي الاجتماعي في عصر العولمة الإعلامية وإنه لا يوجد خطر أكبر على المجتمعات من تدمير طاقتها الشبابية سلوكيًا وفكريًا ومحاولة التأثير في ولاء الفرد لوطنه وقيادته ورموزه، وقد يتم ذلك بطرق مباشرة من خلال نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة لتشويه الدول وقادتها وتشويه الإنجازات وخلق حالة عداء بين الشعب والسلطة كما يمكن أن يتم بأساليب غير مباشرة أيضًا من خلال تشويه مفهوم الوطنية وادعاء أنها نوع من التعصب، ويطلب من الإعلام أن يتصدى لهذا الخطر عن طريق وضع الخطط والبرامج المرئية والمسموعة و المقروءة القوية والمؤثرة مثل القنوات والمواقع الإعلامية فضلاً عن آلاف الحسابات التي تغذيها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وهذه الجزئية بالذات يجب أن تتضافر جميع أجهزة الدولة بكل إمكانياتها للتصدي للشائعات الهدامة التي تؤثر بشكل مباشر على مقدرات الأوطان واستقرار الدول، فيجب وضع الخطط والاستراتيجيات الموحدة والهادفة التي توضح الصورة الصحيحة للمتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب على أجهزة الدول الإفصاح بشكل شفاف على كافة المعلومات الاقتصادية والسياسية والقانونية مما يطلق عليه سياسة الشفافية، مما يقطع الطريق على وسائل الإعلام المغرضة والموجهة في النيل من مقدرات الشعوب والأوطان.

وكما سبق الإشارة فيندرج هذا النوع من الإعلام الموجه والمغلوط إلى ما يسمى بحروب الجيل الرابع والخامس، أو ما يسمى باحتلال العقول بدلاً من احتلال الأوطان، حيث أثبتت جميع الخبرات التاريخية أن هذا النوع من الاحتلال هو الأخطر والأقوى تأثيرًا لأنه يعتمد على تخريب العقول وهز الثقة بين الشباب وأوطانهم وجعلهم يخربون مقدراتهم بدون وعي ولا مسؤولية مجتمعية ويهز العلاقة بين الشاب ووطنه، والتي قد تتحول إلى العنف المسلح في بعض الأحيان، حيث يتم استخدام هؤلاء الشباب لفرض حالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني، كما يتم تجنيدهم بطرق مختلفة ومن خلال التطبيقات المتنوعة لبرامج التواصل الاجتماعي.

وعلى صعيد آخر يجب أن تحذوا الدول منحىً جديدًا لتعظيم استفادتها من وسائل الإعلام، وذلك لتشجيع التنمية بكل أنواعها وليتم دعم الاستقرار والسلام الاجتماعي والسياسي، وكما هو معروف فإن الإعلام يعتبر مرآة للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لذلك فإنه إذا كان اقتصاد الدولة قوي ومزدهر فسينعكس ذلك إعلاميًا، ومثالاً لذلك فإن منطقة الخليج العربي تخصص دولها مساحات إعلامية كبيرة لمواكبة الأحداث الاقتصادية، كما أهتمت بعض الدول بإنشاء قنوات تليفزيونية اقتصادية متخصصة لتغطية مختلف الأنشطة الاقتصادية والمالية بشكل مباشر مما يؤكد على أهمية دور الإعلام في التنمية الاقتصادية.

 

كما تولي وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري اهتمامًا خاصًا بقضايا التنمية التي تخدم المجتمعات وخاصة في الدول النامية التي تواجه ظروف قاسية في محاربة التخلف وتصارع من أجل تحقيق النهوض الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والسياسية، وفي هذا الصدد تشير العديد من الدراسات أن اتجاه الأفراد بشكل عام للتقدم والتحول نحو الحداثة يتوقف على العديد من العوامل والمتغيرات مثل التعليم واستخدام وسائل الاتصال الحديثة والتطلع إلى الإنجاز والانفتاح على العالم الخارجي فضلا ًعن الإدراك السياسي، ومن هذا المنطلق يفترض أن تؤدي وسائل الإعلام في الدول النامية العديد من الوظائف منها غرس الشعور بالانتماء، وتعليم الشعوب مهارات جديدة ومتنوعة، وغرس الرغبة في التغيير وزيادة الطموح في اقتصاد متقدم ومتطور، والتشجيع على المشاركة السياسية .

وبالرجوع إلى آخر الاحصائيات الخاصة بالمملكة العربية السعودية نجد أن المملكة تحتل المرتبة الثلاثين عالميًا في عدد السكان في الوصول إلى الانترنت، حيث تبلغ نسبة السكان السعوديين القادرين على الوصول إلى الانترنت إلى 73% من إجمالي عدد السكان وهي تعد من أكبر النسب عربيًا وإقليميًا، كما أن المملكة تعد من أكبر الاقتصاديات العربية مما يجعلها عرضة للتأثر بحروب الشائعات واستغلال الإعلام الموجه بشكل مخطط ومدروس، وليس خفيًا على أحد قيام العديد من الأنظمة بصرف مبالغ طائلة من أجل تدشين وحشد منصات إعلامية معادية لدول وأنظمة أخرى، وقد تكون مغلفة بما يلقي عليه الحيادية، والتي تكون في الغالب حيادية خادعة ويكون معظم المحتوى الإعلامي لهذه القنوات والمنصات موجه لتحقيق أغراض سياسية وعسكرية وتخريبية معينة.

كما يلعب الإعلام أدوارًا متعددة وبارزة فى المملكة والتي من أهمها تعريف الشباب بالإنجازات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مثل إنشاء المدن الاقتصادية، وتبسيط الإجراءات كالخدمات الإلكترونية، واعتماد المشاريع التنموية الضخمة، وغيرها. ، فضلاً عن تعريفهم بأهم التحديات والقضايا التي تواجه المملكة على المستويين الإقليمي والدولي مثل ارتفاع وانخفاض أسعار النفط، والبطالة، بالإضافة إلى الفرص الاستثمارية وجذب رؤوس الأموال للاستثمار بالاقتصاد السعودي، فيما يبرز دول الإعلام أكثر في كشف وتقديم معلومات للمجتمع بأوجه الفساد في القطاع الاقتصادي، كأخبار اكتشاف فساد إداري مالي بأحد الجهات الحكومية. كما يلعب الإعلام الدور المحور في تبسيط الكثير من الأمور الاقتصادية مثل ما يطلق عليه الإغراق أو التضخم، ويكون له دور توعوي من مخاطر هذه الممارسات الاقتصادية التي تضر بالاقتصاد وينوه عن التغييرات الاقتصادية سواء الداخلية أو الخارجية.

إلا أنه وللمصداقية والشفافية في عرض هذا الموضوع الهام يجب أن نوضح أن الإعلام بكل أشكاله وأنواعه ما زال في حاجة إلى العديد من جهود التطوير والتحديث ليواكب التغييرات المتسارعة في التكنولوجيا العالمية وليتماشى مع التحديات المستجدة سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، كما أن مجتمعاتنا العربية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص يجب عليها التركيز على الإعلام الهادف البناء الذي يستطيع أن يستوعب جميع وسائل الإعلام الموجه ضده ويرد عليها بالأساليب والأسانيد العلمية متبعًا في ذلك كافة الوسائل الحديثة والمبتكرة.

مقالات لنفس الكاتب