; logged out
الرئيسية / "الحزام والطريق" تنويع مصادر الطاقة للصبن والتعاون من روسيا وآسيا الوسطى

العدد 147

"الحزام والطريق" تنويع مصادر الطاقة للصبن والتعاون من روسيا وآسيا الوسطى

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

عقب إعلان الرئيس الصيني شي جينبينج عن مبادرة الحزام والطريق بمكونيها البري والبحري في سبتمبر وأكتوبر 2013م، سرعان ما بدأت الحكومة والمؤسسات الصينية في الإعلان عن تفاصيل المبادرة، وموقع الأقاليم المختلفة منها. المكون البري، أو "الحزام الاقتصادي"، يشمل ستة ممرات اقتصادية أساسية. الأول، هو "الممر الاقتصادي للجسر البري الأوراسي الجديد" New Eurasia Land Bridge Economic Corridor، ويضم شبكة من السكك الحديدية تبدأ من مقاطعة جيانجسو Jiangsu شرق الصين، وصولاً إلى أوروبا، ومرورًا بروسيا وبيلاروس وبولندا، والتشيك، وعدد من الدول الأخرى. الثاني، هو "الممر الاقتصادي الصين-منغوليا-روسيا". الثالث، هو الممر الاقتصادي "الصين-وسط آسيا-غرب آسيا"، ويهدف إلى ربط الصين بمنطقة الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط مرورًا بآسيا الوسطى وغرب آسيا. الرابع، ينطلق من الصين في اتجاه جنوب وجنوب شرق آسيا وصولاً إلى المحيط الهندي، ويعرف بالممر الاقتصادي "الصين-شبه الجزيرة الهندو-صينية". الخامس، هو الممر الاقتصادي "الصين-باكستان". وأخيرًا الممر الاقتصادي "بنجلادش-الصين-الهند-ميانمار". وتتنوع مكونات هذه الممرات بين طرق برية، وشبكات للسكك الحديدية، وأنابيب لنقل النفط والغاز، ومناطق اقتصادية خاصة. كما يتضمن بعضها تطوير موانئ بحرية، مثل "الممر الاقتصادي الصين-باكستان" الذي يتضمن تطوير ميناء جودار الباكستاني.

أما طريق الحرير البحري، فيشمل مسارين رئيسيين. يبدأ الأول من الموانئ والسواحل الصينية مرورًا ببحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، وصولاً إلى القارة الأوروبية عبر البحرين الأحمر والمتوسط. ويبدأ الثاني من السواحل والموانئ الصينية مرورًا ببحر الصين الجنوبي وصولاً إلى جنوب المحيط الهادئ.[1] ويتضمن الممران بناء وتطوير سلسلة من الموانئ البحرية، ومناطق صناعية وخدمية بالقرب من هذه الموانئ، بالإضافة إلى بناء وتطوير مجموعة من السكك الحديدية والمطارات بهدف النفاذ إلى الأقاليم والدول البعيدة عن السواحل البحرية (مثل شبكة السكك الحديدية والمطارات التي تربط الدول الساحلية الإفريقية على المحيط الهندي بعمق القارة).

وهكذا، فإن موقع منطقة الخليج العربي على المبادرة يأتي بالأساس ضمن مكونها البري، لكن هذا لا يعني أن هذا المكون لا يتضمن أبعادًا ذات صلة بالمسطحات المائية، حيث تمثل تنمية الموانئ البحرية جزءًا مهما ضمن هذا المكون شأنه شأن المكون البحري.

موقع منطقة الخليج العربي على مسار الحزام والطريق

ويرجع حرص الصين على دمج منطقة الخليج العربي ضمن المبادرة إلى عوامل عديدة. يتعلق أولها بموقع المنطقة داخل سوق النفط العالمية، إذ لازالت السوق الخليجية (مجتمعة) تحتل الترتيب الأول بين مصادر الواردات النفطية الصينية. وقد اكتسبت هذه القضية أهمية خاصة بالنسبة للصين بالنظر إلى عوامل عدة، أهمها تحول الصين إلى مستورد صافي للنفط بدءًا من سنة 1996م، واعتمادها بشكل متسارع على الأسواق الخارجية لسد حجم العجز المتزايد في الطلب الداخلي على النفط.[2] ولازال الشرق الأوسط يمثل المصدر الأول بالنسبة للواردات النفطية الصينية، فقد ارتفعت الواردات الصينية النفطية من الشرق الأوسط من 39% من إجمالي هذه الواردات في سنة 1990 إلى 48% في سنة 1997م. ورغم انخفاضها نسبيًا في سنة 2005 إلى 46%، إلا أنها ظلت مستقرة عند هذا المستوى حتى سنة 2010م، قبل أن ترتفع هذه النسبة مرة أخرى في سنة 2014م، إلى 48%. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن مبادرة الحزام والطريق لا تتعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي فقط، لكنها تستهدف منطقة الخليج العربي بشكل عام، بما يتضمنه ذلك إيران والعراق أيضًا، وهي مسألة مهمة يجب أخذها في الاعتبار عند تقييم حجم الأوزان النسبية لكل بلد على مسار المبادرة، وحجم المكاسب والخسائر المتوقعة.

العامل الثاني، يتعلق بتركز عدد مهم من الموانئ الدولية في المنطقة، تلعب دورًا مهمًا في حركة التجارة الدولية وخدمات التجارة. وجود هذا العدد من الموانئ في المنطقة أعطاها أهمية كبيرة على مسار المبادرة، بسبب الأهمية الكبيرة التي تعطيها المبادرة لقطاع التجارة الدولية، بشكل عام، ولخدمات التجارة بشكل خاص، حيث تستهدف المبادرة في إطار مكونيها البري والبحري تطوير عدد من الموانئ البحرية، على نحو سيشار إليه لاحقًا.

وفي هذا الإطار، تعطي الحكومة الصينية أهمية كبيرة للموانئ الخليجية بالنظر إلى عاملين رئيسيين. الأول، يتعلق بكونها جزءًا من حركة التجارة الدولية، سواء بين الصين وإقليم الشرق الأوسط، أو بين الأخير وباقي الأقاليم الواقعة على مسار المبادرة. ومن المتوقع أن تزداد هذه الأهمية بعد تطوير ميناء جودار الباكستاني؛ إذ من المتوقع أن يترتب على ذلك تحويل نسبة كبيرة من التجارة trade diversion الصينية مع الشرق الأوسط (بالإضافة إلى التجارة الصينية مع الأقاليم الأوروبية والإفريقية أيضًا) من المسار التقليدي عبر مضيقي ملقا وتايوان إلى ميناء جودار ثم إلى إقليم شينجيانج البري مرورًا بشبكة السكك الحديدية والبرية داخل باكستان، وذلك بسبب الانخفاض المتوقع في مدد وتكاليف الشحن عبر المسار الجديد، الأمر الذي سيترتب عليه خلق المزيد من التجارة trade creation بين الصين والشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي. العامل الثاني، يتعلق بوجود اتجاه متزايد لربط الموانئ بمناطق للتصنيع، الأمر الذي يفسح المجال لتوطين العديد من الصناعات الجديدة وخدمات التجارة، والتي تحظى باهتمام كبير داخل الحزام والطريق.

لكن مع ذلك يلاحظ أن موقع منطقة الخليج على المبادرة يأتي في إطار "الممر الاقتصادي الصين-غرب آسيا" الذي يعطي وزنًا أكبر لإيران وتركيا، بالمقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي (انظر خريطة رقم 1).


خريطة رقم 1



تأثير المبادرة على الأهمية النسبية لمنطقة الخليج كمصدر للنفط

هناك دوافع عديدة وقفت وراء طرح الصين مبادرة الحزام والطريق، من هذه الدوافع معالجة إشكاليتين رئيسيتين: الأولى، هي تزايد الاعتمادية على الأسواق الخارجية لتوفير العجز في حجم الطلب على الطاقة على نحو ما أُشير إليه سابقًا. الثانية، هي الهشاشة الأمنية لطريق التجارة التقليدية. هاتان الإشكاليتان دفعتا الصين -في إطار الحزام والطريق-إلى إعطاء وزن نسبي لمشروعات الطاقة في إقليم آسيا الوسطى. تزايد الأهمية النسبية المتوقعة لإقليم آسيا الوسطى كمصدر للطاقة يرجع إلى عوامل عدة. أولها، يتعلق بالبيئة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، إذ يشير تطور أزمات الإمدادات النفطية الناتجة عن أوضاع سياسية وأمنية إلى تركز هذا النوع من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط بالأساس. فمن بين 15 أزمة إمداد نفطي حدثت خلال الفترة من مارس سنة 1951 إلى سنة 2005م، كان نصيب الشرق الأوسط منها 14 أزمة.[3] وقد تأكدت هذه السمة في ضوء الأزمة الإيرانية-الأمريكية الراهنة والتي ارتبطت بفرض حظر أمريكي على الصادرات النفطية الإيرانية، واستهداف الوصول بها إلى "صفر صادرات نفطية"، فضلاً عن تعرض بعض الشاحنات لهجمات في مضيق هرمز. ثانيها، يرتبط بقدرة الولايات المتحدة-المنافس الاستراتيجي الرئيسي للصين-على التحكم في الإمدادات النفطية إلى الصين-سواء في مستوى هذه الإمدادات أو قطعها بشكل كامل-في حالة نشوب أي صراع بين الجانبين، سواء من خلال العلاقات المباشرة مع الدول المصدرة للنفط أو من خلال تحكمها في طرق الملاحة والممرات الدولية المرتبطة بالمحيطين الهادئ والهندي، والتي تمر بها النسبة الأكبر من الواردات النفطية الصينية من الشرق الأوسط.[4]  

وإزاء هذه الإشكالات، وغيرها، تزايدت الأهمية النسبية لمسألة "أمن الطاقة" لدى صانع القرار الصيني، من خلال العمل على تخفيف مصادر التهديد التي تثيرها حالة الاعتمادية المكثفة على العالم الخارجي بشكل عام، وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، إذ لم تعد القضية أو المشكلة تتعلق بجانب العرض -خاصة بعد أن تحول سوق النفط إلى سوق مستهلكين بالأساس-بقدر ما أصبحت المشكلة الرئيسية تتعلق بثلاثة عناصر أساسية، هي: تنويع مصادر واردات النفط ومصادر الطاقة، وأمن مسارات النقل، وأخيرًا تغيير هيكل الاستهلاك الداخلي للطاقة.

وفي هذا السياق، تعمل الصين عبر ثلاثة محاور أساسية لمواجهة هاتين الإشكاليتين. الأول، العمل على تنويع مصادر الطاقة نفسها في اتجاه مزيد من الاعتماد على المصادر المحلية البديلة للنفط، خاصة الطاقة الهيدروليكية والنووية والرياح. صحيح أن نسبة هذه المصادر إلى إجمالي استهلاك الطاقة لازالت محدودة حتى الآن (14.3% للطاقة الهيدروليكية والنووية والرياح، في سنة 2018م)-لكن إذا أخذنا في الاعتبار القدرات التكنولوجية الصينية المتنامية في هذه المجالات، فقد تحقق هذه المصادر نموًا كبيرًا على حساب المصدرين الآخرين اللذين يتم تغطية النسبة الأكبر منهما عن طريق الاستيراد (النفط والفحم). ٍقد يتم الدفع هنا بأنه حتى مع التوسع المتوقع في مصادر الطاقة المتجددة، سيزداد الاعتماد الصيني على النفط بالنظر إلى النمو المضطرد في حجم الطبقة الوسطى وقطاع الصناعة، لكن تقييما حقيقيا لابد أن يأخذ في الاعتبار مجمل المتغيرات، واتجاهات التحول والتأقلم من جانب الصين باعتبارها مستهلكا مهما للنفط ومصادر الطاقة.

محور العمل الثاني، هو تنويع المصادر الخارجية للنفط بعيدًا عن الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تحتل روسيا وآسيا الوسطى أهمية متزايدة في هذا المجال، بالنظر إلى الاحتياطيات الضخمة لديهما من الغاز. في هذا الإطار، عملت الصين على بناء عدد من خطوط نقل الغاز والنفط بهذه المنطقة، بالإضافة إلى بعض الخطوط الأخرى مع جنوب شرق آسيا (بورما). ورغم أن بعض هذه الخوط يعود إلى ما قبل إعلان مبادرة الحزام والطريق في عام 2013م، إلا أنها خضعت لتطوير ضخم عقب إعلان المبادرة. كذلك من المتوقع أن تشهد هذه الخطوط تطويرًا متزايدًا خلال السنوات القادمة، فضلاً عن احتمال طرح خطوط جديدة. ويوضح الجدول رقم (1) أهم هذه الخطوط، وتوضح الخرائط 2، 3، 4 مساراتها.  

جدول رقم (1)

خطوط نقل الغاز من روسيا وآسيا الوسطى إلى الصين[5]

الخط

الوصف العام وطاقة نقل الغاز من المصدر إلى الصين

"خط غاز الصين-آسيا الوسطى" The Central Asia–China gas pipeline والمعروف أيضا باسم "خط غاز الصين-تركمنستان".

في أبريل 2006، تم توقيع "معاهدة إطارية" بين الصين وتركمنستان لإنشاء القسم الأوزبكي والإمداد طويل المدى للطاقة. تلى ذلك توقيع الصين اتفاقات مع كل من أوزبكستان (أبريل 2007) وكازخستان (نوفمبر 2007). في أغسطس 2007 بدأ تنفيذ أعمال الجزء التركماني من الخط بطول 188كم. وفي يونيو 2008 بدأ تنفيذ أعمال الجزء الأوزبكي من الخط. وفي يوليو 2008 بدأت أعمال بناء القسم الكازاخستاني. تم افتتاح الخط بشكل كامل في 14 ديسمبر 2009 أثناء زيارة الرئيس "هو جينتاو" لتركمنستان، وبحضور رؤساء الدول الثلاث تركمنستان وأوزبكستان وكازخستان. كما أضيفت مراحل أخرى لهذا الخط.

يبلغ الطول الإجمالي للخط 1833 كم (منها 188كم داخل تركمنستان، 530 كم داخل أوزبكستان). يبلغ قطر الأنبوب 42 بوصة. ويتكون من ثلاثة خطوط متوازية بسعة نقل إجمالية قدرها 60 مليار متر مكعب سنويًا. بلغ حجم الغاز المنقول فعلاً عبر هذا الخط 47.9 مليار متر مكعب في عام 2019، ما يعني أنه وصل إلى طاقته القصوى تقريبًا.

هو أول خط أنابيب غاز عابر للحدود مع الصين. بلغ إجمالي الواردات الصينية من الغاز عبر هذا الخط منذ افتتاحه في ديسمبر 2009 وحتى نهاية 2019 حوالي 294.6 مليار متر مكعب، بمتوسط سنوي 29.46 مليار متر مكعب سنويًا. لكن من المتوقع ارتفاع هذا المتوسط مع ارتفاع حجم الواردات عبر الخط خلال عام 2019 إلى ما يقرب من 48 مليار متر مكعب.

"خط غاز قوة سيبيريا" Power of Siberia Pipeline

معروف أيضًا باسم "خط غاز الصين-روسيا-المسار الشرقي"  “China–Russia East-Route Natural Gas pipeline”

تمييزًا له عن المسار الغربي المعروف باسم "قوة سيبريا-2" أو  "خط غاز ألتاي".

تم توقيع اتفاق إنشاء الخط في عام 2014، وتم افتتاح المرحلة الأولى منه في الثاني من ديسمبر 2019، وتشمل نقل الغاز من حقل تشياندا Chayanda في منطقة ياكوتيا Yakutia (شمال روسيا) بطول حوالي 2200 كيلو متر في اتجاه جنوب شرق، وصولاً إلى بلاغوفيشتشينسك Blagoveshchensk على الحدود الروسية- الصينية، حيث يعبر الخط بعدها أسفل نهر "آمور" Amur River من خلال أنبوبين فرعيين بطول مزدوج قدره 1139 مترا، وصولاً إلى مقاطعة هيلونغجيانغ Heilongjiang (شمال شرق الصين). 

هناك مرحلة ثانية من المشروع من المخطط اكتمالها بحلول عام 2022، وتشمل ربط حقل "كوفيكتا" Kovykta العملاق في شرق سيبيريا بحقل Chayanda بطول 803.5 كيلو متر. وتتضمن المنظومة بناء خط داخل الصين بطول 3300 كيلومتر يتجه من مقاطعة هيلونغجيانغ جنوبًا وصولاً إلى مدينة شانغهاي. ومن المقرر الانتهاء منه بحلول عام 2024.

من المخطط أن تصل طاقة النقل الإجمالية للمشروع مع اكتماله مرحلته الثانية 61 مليار متر مكعب سنويًا، ستحصل الصين منها على 38 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2025، أي ما يقرب من عُشر إجمالي الطلب الصيني المتوقع من الغاز في ذلك العام.

تعرض الجدوى الاقتصادية للمشروع لبعض الانتقادات داخل روسيا، حيث ذهب البعض إلى أن حجم الإيرادات المعلن عنه (400 مليار دولار) ليس حقيقيًا، وتم إعلانه لأغراض دعائية، بينما لم يتم الإعلان عن سعر البيع الحقيقي للغاز إلى الصين، حيث يخضع هذا السعر لرقابة شديدة من جانب البلدين. ووفقًا لبعض المراقبين، فإن سعر بيع الغاز الروسي إلى أوروبا يعد أكثر ربحية لأنه يعتمد على منشآت الإنتاج القديمة في غرب سيبيريا، بينما البنية التحتية لخط الأنابيب إلى الصين كان لابد من بناؤها من نقطة الصفر في منطقة نائية. ومن ثم، فإن التكاليف الثابتة الأولية للمشروع، والتي تقدر بحوالي 35-40 مليار دولار ستستغرق سنوات عديدة حتى يتم تعويضها.

هناك حديث أيضًا عن بناء خط أنابيب ثانٍ عبر السهول المنغولية، حيث يتم توصيل الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى المناطق الصناعية الأساسية في وسط وشرق الصين.

"خط غاز ألتاي" The Altai Gas Pipeline، ويعرف أيضًا باسم "خط قوة سيبيريا-2" Power of Siberia-2.

استهدف الخط نقل الغاز الطبيعي من حقول ناديم Nadym وأورنغوي Urengoy في غرب سيبيريا إلى الصين. ويبلغ طول الخط 2800 كم (منها 2666 كيلو متر داخل روسيا)، حيث ينتهي داخل الحدود الروسية عند جبل "كاناس" على الحدود الروسية الصينية، لينتقل بعدها إلى الصين عبر إقليم شينجيانج (شمال غرب الصين)، ليتم ضخه بعد ذلك في شبكات نقل الغاز الداخلية الصينية "غرب- شرق".

تم توقيع مذكرة التفاهم بين شركة "غاز بروم" الروسية وشركة CNPC الصينية في مارس 2006، أثناء زيارة الرئيس بوتين للصين. لكن تم تجميد المشروع بسبب الخلاف حول أسعار التوريد. في 2014 تم الاتفاق على استئناف العمل بالمشروع، لكن سرعان ما تم تجميده مرة أخرى في عام 2015.

ووفق المخطط الأولي للمشروع كان من المقرر أن يبلغ قطر الخط 56 بوصة، بطاقة نقل قدرها 30 مليار متر مكعب سنويًا. وقدرت التكلفة الإجمالية للمشروع آنذاك بحوالي 14 بليون دولار.

بالإضافة إلى الخلافات التي نشأت بين الجانبين حول أسعار التوريد، لازالت هناك بعض المشكلات الأخرى، مثل الاعتراضات من جانب بعض منظمات البيئة في روسيا بسبب مرور الخط عبر هضبة يوكوك Ukok التي تعد موطنًا أساسيًا لعدد من الحيوانات المهددة بالانقراض، وتحفظ سكان منطقة "ألتاي" Altai بسبب التأثير المحتمل للخط على مواقع الدفن والمواقع الثقافية في المنطقة.

في ضوء هذه المشكلات تحول الطرفان إلى مشروع "قوة سيبيريا" (المسار الشرقي).

"خط شرق سيبيريا – المحيط الهادئ لنقل النفط" لنقل النفط بين روسيا والصين.  

The Eastern Siberia–Pacific Ocean oil pipeline (ESPO pipeline)

في عام 1996 وقعت روسيا والصين اتفاقًا تضمن التعاون في مجال الطاقة بما في ذلك إنشاء خط لنقل النفط من روسيا إلى الصين. في عام 2001 طرحت شركة "يوكس" Yukos الروسية تصورًا محددًا للخط يمتد من أنجارسك Angarsk إلى "داقينج" Daqing شمال الصين. بينما طرحت شركتا "ترانسنفط" Transneft و"روسنفط" Rosneft مسارًا آخر يقوم على بنا خط يمتد من "تايشيت" Taishet إلى ميناء "كوزمينو" Kozmino الروسي على المحيط الهادئ.. في مايو 2003 قررت الحكومة الروسية الدمج بين المقترحين. تبع ذلك توقيع روسيا والصين في مايو 2003 اتفاق بربط الصين بهذا الخط.

بدأ بناء الخط في أبريل 2006. وتم افتتاحه على مرحلتين أساسيتين.  المرحلة الأولى امتدت من "تايشيت" إلى سكوفورودينو" Skovorodino، بطول 2757 كيلو متر، وانتهت في ديسمبر 2009. وامتدت المرحلة الثانية من سكوفورودينو إلى ميناء "كوزمينو" Kozmino الروسي على المحيط الهادئ، بطول 2100 كيلو متر، وتم افتتاحها في ديسمبر 2012، بطول إجمالي للخط قدره 4857 كيلو متر.

في يونيو 2009 وقع الطرفان اتفاقًا، تقوم بموجبه الصين بشراء 15 مليون طن سنويًا من النفط الروسي (300 ألف برميل يوميًا) لمدة عشرين عامًا، مقابل قرض صيني قيمته 25 بليون دولار لتمويل بناء خط لنقل النفط يبدأ من سكوفورودينو إلى نهر آمور على الحدود الروسية الصينية (بطول 64 كيلو متر) ثم إلى "موهي" Mohe وصولاً إلى داقينج" Daqing في شمال شرق الصين بمقاطعة هيلونغجيانج Heilongjiang (بطول 992 كيلو متر). وقد اكتمل بناء الخط في سبتمبر 2010 وبدء ضخ النفط لصين في يناير 2011. وتبلغ قدرة الجزء الصيني 30 مليون طن سنويًا.

وفي أغسطس 2016 بدأ بناء خط ثاني موازي للخط الصيني داخل الأراضي الصينية من "موهي" حتى "داقينج"، بنفس السعة. وقد بدأ العمل بالخط الفرعي الجديد في يناير 2018، ما أدى إلى مضاعفة حجم الواردات الصينية من النفط الروسي عبر هذا الخط (بفرعيه) إلى 30 مليون طن سنويًا، ما أدى إلى تحول روسيا إلى المصدر الأول للواردات الصينية من النفط، للتفوق بذلك على المملكة العربية السعودية. وقد جاءت هذه التوسعة في إطار مشروعات الحزام والطريق.

وبشكل عام، يعد خط " تايشيت-سكوفورودينو-كوزمينو" من أطول خطوط النفط الروسية، ويشهد تطويرًا مستمرًا. ورغم أنه يستهدف ضخ النفط الروسي إلى دول شرق آسيا بشكل عام (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية)، إلا أن الصين تمثل المستهلك الأكبر على هذا الخط.

"خط أنابيب الصين ميانمار للنفط والغاز"

خطان متوازيان لنقل النفط والغاز من السواحل الغربية لميانمار على خليج البنغال إلى داخل الأراضي الصينية. بدأ عمل خط الغاز في يوليو 2013. أما خط النفط فقد تم الانتهاء منه في عام 2014، لكن تعطل افتتاحه حتى أبريل 2017 بسبب خلاف مع حكومة ميانمار حول رسوم المرور.

يمتد خط النفط من جزيرة "مادي" Made غرب ميانمار، وصولاً إلى "رويلي" Ruili بمقاطعة "يونان" Yunnan جنوب غرب الصين، مرورًا بولاية راخين Rakhine، ومناطق "ماجوي" Magwe، وماندلاي Mandalay، وولاية شان" Shan.، بطول إجمالي 1420 كيلو متر (منها 771 كيلو متر داخل ميانمار)، وبقدرة نقل قدرها 22 مليون طن سنويًا من النفط الخام. هذا الخط بإمكانه نقل الواردات النفطية الصينية من إفريقيا والشرق الأوسط إلى الصين دون المرور بمضيق ملقا، فضلاً عن تقليل مدة الشحن.

ويبدأ خط الغاز عند كياوكبيو Kyaukpyu على السواحل الغربية لميانمار، حيث يسير بالتوازي تقريبًا مع خط النفط، حيث يدخل الصين عن "رويلي" داخل الصين، وصولاً بعد ذلك إلى "قويقانغ" Guigang بمنطقة "قوانغشى تشوانغ" Guangxi Zhuang ذات الحكم الذاتي، بطول إجمالي قدره 2520 كيلو متر (793 كيلو متر داخل ميانمار)، وسعة نقل قدرها 12 مليار متر مكعب سنويًا.

بالإضافة إلى الأبعاد الأمنية وراء هذا المشروع، هناك أبعاد تنموية مهمة للمشروع تتعلق بمعالجة أزمة التنمية غير المتوازنة في أقاليم الوسط والغرب، حيث تعول الصين على المشروع توفير الغاز لمقاطعات "قوانغشى تشوانغ"، "يونان" Yunnan، و"قويتشو" Guizhou في جنوب غرب الصين، وتخفيض الاعتماد على المصادر التقليدية، خاصة الفحم، الأمر الذي سينعكس على ظروف التنمية المحلية في هذه المناطق التي لازالت تأتي في ترتيب تالي بالنسبة للمناطق الساحلية الشرقية.

وتحصل ميانمار على نسبة من النفط والغاز المنقول عبر الخطين لكن النسبة الأكبر تصل إلى الصين.

 

 

خريطة رقم (2): مسار خط غاز "قوة سيبريا" لنقل الغاز من روسيا إلى الصين

 

 

خريطة رقم (3): خط غاز ونفط "ميانمار- الصين"

 




خريطة رقم (4)


"خط نفط شرق سيبيريا – المحيط الهادئ" والمتضمن خط "سكوفورودينو- داقينج" لنقل النفط من روسيا إلى الصين

 


المحور الثالث، هو محاولة تأمين طرق الملاحة الدولية على نحو يقلل من مستوى التهديد الأمني للإمدادات النفطية للصين. وقد بدأت الصين في هذا الإطار في وضع خطط محددة للتعامل مع أي محاولة لفرض حظر نفطي عليها في المستقبل، يأتي ضمن هذه الإجراءات سعي الصين للحصول على امتيازات عبر الخطوط البحرية لنقل مصادر الطاقة إلى الصين، وذلك من خلال الدور المهم الذي تقوم به في مجال بناء وتطوير عدد من الموانئ، والقنوات. من بين أهم هذه المشروعات تطوير ميناء "جودار" الباكستاني على بحر العرب، وميناء "شيتاجونج" Chittagong (بنجلادش) على نهر كارنافولي الذي يتصل بخليج البنغال، ومشروع تطوير ميناء "كياوكبيو" Kyaukpyu (ميانمار)، والذي يتم تنفيذه بالتعاون بين وزارة الطاقة في ميانمار وشركة النفط الوطنية الصينية CNPC، ومشروع شق قناة "كرا" Kra Canal (أو القناة التايلاندية) والتي تستهدف الربط بين المحيطين الهندي والهادئ عبر برزخ كرا بجزيرة مالايا عند أضيق نقطة في الجزيرة (عند عرض 44 كيلو مترًا) بين بحر آندامان Andaman  وخليج تايلاند، بعرض 400 متر للقناة. ويهدف مشروع القناة بالأساس إلى الهروب من الطريق التقليدي عبر مضيق ملقا.[6]

 


خريطة رقم (5): مشروع قناة "كرا" بين المحيطين الهادئ والهندي

 

 

وهكذا، يمكن القول إن مبادرة "الحزام والطريق" تمثل إطارًا مهمًا لتفعيل هذه المحاور الثلاث، بشكل عام، ولتعميق الارتباط والاعتماد المتبادل بين الصين وكل من روسيا وآسيا الوسطى، عبر ربط البنية الأساسية فيما بينها، سواء شبكات السكك الحديدية أو خطوط نقل النفط والغاز، حيث جاء تنفيذ المشروعات السابقة في إطار المبادرة. ومن المتوقع أن تستحوذ مشروعات نقل النفط والغاز على مساحة كبيرة من الاهتمام بين هذه الأطراف في ظل وجود مصالح مشتركة قوية بينها. الصين ستحقق من ناحيتها تنويع مصادر واردات الطاقة بعيدًا عن المناطق الأكثر "تسييسا" والأقل استقرارًا، فضلاً عما يمثله التوسع في الاعتماد على الغاز من تقليل فرص الانبعاثات الكربونية. دول آسيا الوسطى ستحقق هدفين مهمين؛ أولهما، النفاذ إلى سوق الطاقة الصينية الضخمة والمتوقع اتساعه مستقبلاً. ثانيهما، تقليل حجم الاعتماد على خطوط النقل الروسية. الأمر ذاته بالنسبة لروسيا، حيث توجد مصلحة قوية في النفاذ إلى الأسواق الآسيوية، وعلى رأسها السوق الصينية، التي تمثل مدخلا مهما للهروب من القيود التي تعاني منها داخل أوروبا على خلفية السعي الأمريكي لتنويع بدائل توريد ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا.

ورغم أن موضوع الطاقة لم يكن ضمن الأولويات الخمس للمبادرة كما حددتها وثيقة "رؤية وخطط البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، إلا أن مراجعة المشروعات المعلن عنها ضمن الممرات الاقتصادية، خاصة "الممر الاقتصادي الصين-باكستان"، تشير إلى الأولوية العملية التي توليها المبادرة لمسألة الطاقة. وقد تأكد هذا الاهتمام مع إصدار وثيقة خاصة بهذا الشأن بعنوان "رؤية وخطط عمل لتعاون الطاقة للبناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، في 12 مايو 2017م، والصادرة عن "اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح" و"الإدارة الوطنية للطاقة"[7].

هذا الاتجاه الصيني قد يمثل مصدرًا للتأثير السلبي المحتمل على موقع اقتصادات الخليج في سوق النفط الصينية. لكن في المقابل، تظل هناك بعض التأثيرات الإيجابية الأخرى، منها الدور الذي تلعبه قناة أكرا -حال تنفيذها-في تأمين تدفقات النفط الخليجي إلى الصين بعيدًا عن المسار التقليدي عبر مضيق ملقا، فضلاً عن المسافة الأقصر، ما يعني تكاليف ومدد شحن أقل، الأمر الذي يعني في النهاية فرص أكبر للاعتماد الصيني على نفط الخليج.

 

[1]جاء ذلك في الوثيقة المعنونة "رؤية وخطط البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، الصادرة عن لجنة التنمية والإصلاح القومية، والتي تمثل واحدة من أهم الوثائق الصادرة عن الحكومة الصينية بهذا الشأن، والتي تشرح بشكل أكثر تفصيلا رؤية الحكومة لمبادرة الحزام والطريق. 

National Development and Reform commission, Ministry of Foreign Affairs, and Ministry of Commerce of the People’s Republic of China, “vision and Actions on Jointly Building Silk Road Economic Belt and 21st Century Maritime Silk Road”, China, 28 March 2015. Available at:

http://en.ndrc.gov.cn/newsrelease/201503/t201الخارج _669367.html (accessed on 22 Nov. 2016).

[2]Zhou Peng, China's Energy Import Dependency: Status and Strategies", Available at: http://www.esi.nus.edu.sg/docs/event/zhou-peng.pdf (Accessed on Nov. 22, 2013).

[3] تمثلت الأزمات الأربعة عشر في: أزمة حرب السويس (نوفمبر 1956- مارس 1957)، أزمة حرب يونيو 1967، أزمة الخلاف حول أسعار النفط في ليبيا وتعطل خطوط أنابيب نقل النفط (مايو 1969- يناير 1971)، أزمة كفاح الجزائر ضد فرنسا (أبريل 1971- أغسطس 1971)، اضطرابات لبنان وتدمير البنية التحتية للنفط (مارس 1973- مايو 1973)، حرب أكتوبر 1973 (أكتوبر 1973- مارس 1974)، الحرب الأهلية في لبنان وتوقف تصدير النفط العراقي (أبريل 1976- مايو 1976)، تعطل حقول النفط السعودية (مايو 1977)، الحرب العراقية الإيرانية (أكتوبر 1980- ديسمبر 1980)، الغزو العراقي للكويت (أغسطس 1990- ديسمبر 1990)، خفض الإنتاج ورفع الأسعار من قبل الأوبك (أبريل 1999- مارس 2000)، الحرب الأمريكية على العراق (مارس 2003- الآن). وقد تفاوتت حدة هذه الأزمات فيما يتعلق بمتوسط التراجع في حجم الإمدادات النفطية الدورية الناتجة عنها. نقلا عن: يانغ غوانغ، "هل يقرب النفط العلاقات العربية الصينية أم يباعدها؟"، قضايا عالمية، السنة الثانية، العدد (3)، سبتمبر- أكتوبر 2005، ص 20. أضف إلى ذلك العقوبات الحالية المفروضة على الصادرات الإيرانية من النفط والتي استهدفت الوصول بها إلى صفر صادرات. 

[4] لي ويجيان، "نفط الشرق الأوسط وتأثيره على نهضة الصين السلمية"، قضايا عالمية، السنة الثانية، العدد (3)، سبتمبر- أكتوبر 2005، ص 38.

[5] تم بناء هذا الجدول بمعرفة الباحث، اعتمادًا على عدد من المصادر المختلفة.

[6] لازال المشروع موضوع خلاف بين ميانمار وفيتنام والصين وتايلاند من ناحية، والولايات المتحدة وماليزيا وسنغافورة من ناحية أخرى. وفي حالة تنفيذ هذا المشروع، ستمثل القناة فرصة للهروب من المشكلات الأمنية والفنية بمضيق ملقا، فضلا عن تقليل مدد الشحن. وقد تم دمج مشروع القناة ضمن مشروعات الحزام والطريق. لمزيد من التفاصيل انظر:

-Shelly Mahajan, “Thailand’s Kra Canal project: Prospects and Challenges”, South Asia Program, Hudson Institute, May 14, 2018. Available at: http://www.southasiaathudson.org/blog/2018/5/14/thailands-kra-canal-project-prospects-and-challenges (accessed on October 14, 2018).

[7]The National Development and Reform Commission (NDRC) and the National Energy Administration, “Visions and Actions on Energy Cooperation in Jointly Building Silk Road Economic Belt of 21st Century Maritime Silk Road”, May 12, 2017. Available at: https://eng.yidaiyilu.gov.cn/zchj/qwfb/13754.htm (accessed on Jan. 30, 2018).

مقالات لنفس الكاتب