array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 148

"الاستدارة شرقًا " لإطالة زعامة أمريكا للعالم دون الانزلاق لخريف الإمبراطوريات

الأربعاء، 29 نيسان/أبريل 2020

شكل لقاء الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا ، الذي شهد تقسيم نفوذ الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، البداية الحقيقية للعلاقات العربية الأمريكية خلال العقود السبع الماضية، لأن هذا اللقاء الذي جاء في 14 فبراير 1945م، على متن السفينة الأمريكية يو أس أس كوينسي Quincy لم يتناول العلاقات الثنائية الأمريكية السعودية فقط بل تناول مختلف القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية، ورفض الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - توطين اليهود الفارين من أوروبا في فلسطين أو ليبيا، وتفاوتت العلاقات العربية ـــ الأمريكية خلال الحرب الباردة التي شهدت تقارب بين بعض الدول العربية والاتحاد السوفيتي الذي انهار عام 1990م، وهو ما أدى لانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم، لكن بعد ما يقرب من 40 عامًا على انهيار جدار برلين عاد الحديث عن عالم " متعدد الأقطاب" خاصة بعد أزمة كورونا، وتسعى الدول العربية للحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة لكن في الوقت ذاته المحافظة على علاقات متوازنة مع القوى الدولية الأخرى خاصة روسيا والصين، فكيف سيكون مستقبل العلاقات العربية الأمريكية في السنوات القادمة؟ وما تأثير الاستراتيجية الأمريكية التي تسمى " الاستدارة شرقًا" على مستقبل العلاقات بين واشنطن والدول العربية؟ وماذا عن تأثير التباعد أو التقارب الأمريكي المرتقب على تدخلات القوى الإقليمية الطامعة في الأراضي العربية خاصة تركيا وإيران؟

أول دولة اعترفت بأمريكا كانت عربية

الأراضي العربية وخاصة السواحل المغربية كانت الملاذ الآمن للسفن الأمريكية أثناء حرب الاستقلال ضد بريطانيا، وكانت المغرب أول دولة في العالم تعترف بالولايات المتحدة بعد استقلال واشنطن، واعترف السلطان محمد بن عبدالله الثالث سلطان المغرب رسميًا بالولايات المتحدة عام 1777م، أي بعد عام واحد من إعلان استقلالها، وبذلك أصبحت المغرب هي أول دولة في العالم تعترف بالولايات المتحدة الأمريكية، وفى العام التالي، وقعت معها معاهدة صداقة مازالت سارية المفعول، وتعد أقدم معاهدة دولية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يؤكد أن العلاقات العربية ـ الأمريكية بدأت منذ ما يقرب من 250 عامًا، وفي الخليج العربي كانت سلطنة عمان ثاني دولة عربية تعترف بالولايات المتحدة عام 1833م، بعد أن قام السلطان سيد بن سعيد بإيفاد أول مبعوث دبلوماسي عربي إلى واشنطن، و يدعى أحمد بن نعمان، الذى وصل إلى نيويورك في أبريل عام 1840م، على متن الباخرة الشراعية " السلطانة" كما كانت هناك علاقات بين مصر والولايات المتحدة منذ عام 1805م، لكن على مستوى أقل من سفير

ضبط مساحات الاتفاق والاختلاف

رغم هذه البداية الإيجابية بين العرب والولايات المتحدة إلا أن تأييد الرئيس الأمريكي هاري ترومان لقرار تقسيم فلسطين أدى لبدء الخلافات بين الجانبين العربي والأمريكي، وتعددت المواقف العربية والأمريكية خلال السنوات الخمس والسبعون عامًا الماضية وصولاً إلى خطة الرئيس ترامب للسلام والازدهار" صفقة القرن " التي رفضتها كل الدول العربية مثلما رفضت من قبل شرعنة الاستيطان ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكن في الوقت ذاته استطاعت الدول العربية أن تحافظ على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وداعش حيث شاركت كل الدول العربية في التحالف الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة لمحاربة داعش في سوريا والعراق في 30 سبتمبر 2015 م، كما أن التبادل المعلوماتي والاستخباري بين الدول العربية والولايات المتحدة حول العناصر الإرهابية العابرة للحدود يعد مثاليًا وأشاد به المسؤولون الأمريكيون في أكثر من مناسبة، لذلك أثبتت كل هذه السنوات قدرة الولايات المتحدة والدول العربية على تخطي الخلافات بين البلدين، كما تظل العلاقات الاقتصادية والتجارة البينية وإمداد الولايات المتحدة للدول العربية بالسلاح نموذجًا للتعاون الاستراتيجي بين الدول العربية والولايات المتحدة حيث يحافظ الطرفان على مستوى عال من الاستثمارات المتبادلة والتجارة البينية حيث بلغ حجم تجارة الدول العربية مع الجانب الأمريكي بنهاية عام 2018م، أكثر من 135 مليار دولار، وذلك بإجمالي صادرات أمريكية للأسواق العربية بقيمة 94.2 مليار دولار ، وواردات من الدول العربية بقيمة تقدر بنحو 41.3مليار دولار، ولهذا نجحت الدول العربية في الحفاظ على علاقات نوعية مع الولايات المتحدة رغم بعض الخلافات في الملف الفلسطيني، وهو ما يؤكد قدرة العالم العربي على رسم مسار يقوم على " ضبط مساحات الاتفاق والاختلاف " مع الولايات المتحدة، ويؤسس لعلاقة مستمرة بين الجانبين تقوم على تعزيز المصالح المشتركة، ومزيد من الحوار والنقاش لتذليل أي خلاف يطرأ على العلاقة بين الطرفين .

90 ألف جندي أمريكي في المنطقة

مع استقلال الدول العربية بدأ التواجد الأمريكي يتزايد في المنطقة، وقامت الكثير من الدول العربية بعقد سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة خاصة دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن، وحدث فتور في العلاقات الأمريكية العربية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما على خلفية أكثر من قرار خاطئ من جانب الإدارة الأمريكية وقتها منها تشجيع أوباما على ما يسمى " بالربيع العربي " الذي هدد وجود الدولة الوطنية العربية، كما أن توقيع أوباما لاتفاق (5+1 ) مع إيران في الأسبوع الأول من يوليو 2015م، حول الملف النووي ، وتجاهل الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوك طهران المزعزع للاستقرار في المنطقة ساهم في الجفاء العربي مع واشنطن، ومع وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض في 20 يناير 2017م، أعلن سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق، لكن التداعيات في المنطقة والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية وتهديدات الملاحة في الخليج العربي وبحر عمان وباب المندب دفعت الرئيس ترامب لتعزيز القوات الأمريكية في العراق وبقاء عدد محدود من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، ووفق شهادة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي جونيور أمام لجنتي المخابرات والقوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي فإن لدى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 90 ألف جندي في المنطقة العربية، وعدد كبير من القطع البحرية وعدد غير مسبوق من الطائرات والطائرات المسيرة، وهو ما يؤكد التزام الولايات المتحدة بأمن واستقرار المنطقة العربية والخليج العربي، وهدف كل هذه القوات هو دعم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية وتحقيق ما يسمى في لغة البنتاجون بـــ "الهيكل الأمني" وهو نظام يمنع أي أنشطة عدائية في مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان

الاستدارة شرقًا

نتيجة لانفاق الولايات المتحدة أكثر من تريليون دولار على حروبها في أفغانستان والعراق، وصعود الثلاثي الآسيوي " الصين والهند واليابان " معاً لأول مرة في التاريخ أعلنت الولايات المتحدة في نهاية عام 2012م، عن سياسة تسمى " الاستدارة شرقًا " والهدف من هذه السياسة تقليل الأعباء الأمريكية في المنطقة العربية، ونقل جزء كبير من الموارد الأمريكية نحو الصين وجنوب شرق آسيا، وأعاد الرئيس ترامب التأكيد على هذه السياسة عندما أعلن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في ديسمبر 2017 م، وقال أن " الصين وروسيا " هما "المنافستان " للولايات المتحدة على الساحة الدولية بعد أن كان خطر الإرهاب والجماعات الراديكالية المتشددة هي الخطر على الأمن القومي الأمريكي منذ هجمات 11 سبتمبر 2011 وحتى نهاية 2017م ، لكن سياسة " الاستدارة شرقًا " لم تضعف علاقة واشنطن بالدول العربية لكن أشكال التعاون والدعم السياسي والأمني المتبادل حدث فيه بعض التعديلات وقد تشهد تلك الأشكال مزيدًا من التعديلات سواء تم إعادة انتخاب الرئيس ترامب في 3 نوفمبر القادم أو حتى جاء رئيس ديمقراطي

والتحول الأمريكي من المنطقة العربية نحو الصين وروسيا وجنوب شرق آسيا وفق رؤية " الاستدارة شرقًا " سيستغرق وقتًا طويلاً يصل لما بعد 2030م، وهناك اتفاق في الولايات المتحدة على أن ما يحدث في المنطقة العربية الآن من سحب قوات أو إعادة جزء منها "لمحاربة داعش " أو " التصدي لإيران " هو جزء من " ترتيبات الاستدارة شرقًا " والتحول نحو شرق وجنوب شرق آسيا، وهناك عدد من  الأسباب ساهمت في هذا التحول شرقًا وتغيير شكل الالتزامات الأمريكية في المنطقة العربية منها:

1- إنفاق الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار على حروب أفغانستان والعراق، وفي النهاية لم يتحقق الاستقرار في العراق، ولم تعود الديمقراطية لأفغانستان، لذلك قرر الرئيس أوباما وقتها سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 م، وبدأت منذ ذلك التاريخ عملية التحول التدريجي في شكل الانخراط الأمريكي في المنطقة العربية خاصة أن عدد قتلى الجنود الأمريكيين في أفغانستان والعراق شكل كابوسًا لم يخرج منه الأمريكيون حتى الآن، ومع عودة قوات الجيش الأمريكي للعراق بعد ظهور داعش كانت العودة مختلفة في أمرين من حيث العدد "حوالي 5 الالاف" فقط، وطبيعة دورهم في التدريب وليس القيام بعمليات قتالية والابتعاد عن خط المواجهة الأول، باستثناء الطلعات الجوية التي لا تشكل خطرًا على الطيارين والجنود الأمريكيين

2-زيادة اعتماد إسرائيل على نفسها منذ ما يسمى" بالربيع العربي "، ووصلت العمليات الإسرائيلية الى مسافات وحدود بعيدة منها 280 غارة جوية على أهداف إيرانية في 2019 م، داخل الأراضي السورية، ولا توجد أي مخاطر على إسرائيل حيث أن داعش نفسها لم تقوم بأي عملية ضد إسرائيل.

3- تحول الولايات المتحدة من دولة مستوردة للنفط إلى " مصدر صافي" للنفط والغاز بداية من 2018م، وقبلها كان الرئيس أوباما قد قال أن الولايات المتحدة أصبحت تصدر النفط بكميات كبيرة منذ عام 2016م، وأصبح الخام الأمريكي الذي ينتج من الصخر ويستخرج من جليد ولاية الاسكا ينافس أسعار البترول في الأسواق العالمية رغم أن الولايات المتحدة ما تزال تستورد أصناف بترولية تحتاجها من الخليج حتى الآن، ووصل الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد منافسة الغاز الروسي القادم لأوروبا وهو ما دفعها لفرض عقوبات على خط الغاز الروسي القادم إلى ألمانيا " نورد ستريم 2 " .

4- شكل صعود الصين الاقتصادي والعسكري تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة، فالصين تنفق هذا العام ما يقرب من 270 مليار دولار على شراء السلاح وفق معهد السلام الدولي في ستوكهولم، وهي بذلك ثاني دولة بعد الولايات المتحدة التي تنفق 750 مليار دولار في ميزانية الدفاع، كما زاد الناتج القومي الصيني في 2019-2020م، الى 13.5 تريليون دولار وأقترب من الناتج القومي الأمريكي 20.4 تريليون دولار ، ولهذه المخاطر تم إدراج الخطر الصيني على قائمة الأخطار التي يواجهها الناتو لأول مرة خلال اجتماع الحلف الأخير ، كما أن انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2019م، من اتفاقية " INF" المتعلقة بالصواريخ القصيرة والمتوسطة كان بهدف إدخال الصين ضمن الاتفاقية التي وقعت 1987م، بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة.

5- تحول ثقل العالم تدريجيًا اقتصاديًا وعسكريًا نحو آسيا في ظل صعود الصين واليابان والهند وباقي الدول الآسيوية، مع ضغوط متزايدة من الصين على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تقرر منذ 2010م، أن لا يمر شهر دون أن يزور وزير الخارجية الأمريكي إحدى الدول القريبة من الصين بهدف كسب أصدقاء جدد للولايات المتحدة، والحديث عن المشاكل الداخلية التي تعانيها بكين مثل مشاكل " التبت – الإيجور – تايوان – هونج كونج" وتنشيط الخلافات الصينية مع دول الجوار " بحر الصين الجنوبي – بحر الصين الشرقي – الفلبين – فيتنام ).

6-ظهور طبقة وسطى آسيوية تزيد عن 800 مليون مستهلك، وهؤلاء لديهم نزعة لشراء البضائع الأمريكية والاستهلاكية الغربية الأعلى سعرًا والأفضل جودة من البضائع الصينية والآسيوية، وعدد هؤلاء يزيد مرتين عن سكان العالم العربي (400 مليون نسمة)

مظاهر التحول شرقًا

1-            لم تنشئ الولايات المتحدة أي قواعد عسكرية جديدة في الخليج منذ 2010م، وأقتصر دعم القوات الأمريكية في المنطقة "كرد فعل مؤقت " على استفزازات إيران، أو تأسيس التحالف الدولي لمحاربة داعش، وتجلى هذا بوضوح بعد الهجمات الإيرانية على معملي أرامكو شرق المملكة العربية السعودية، وقاعدتي عين الأسد والتاجي في العراق ، وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة ستبقى " اللاعب الرئيسي" في منطقة الخليج حفاظًا على مصالحها ومصالح حلفائها دون الدخول في "حروب كبيرة " في المنطقة، وتمثل ذلك في تهدئة الأوضاع في المنطقة بعد مقتل قاسم سليماني، ومنذ سنوات هناك أصوات تطالب الولايات المتحدة بتقليص أدوارها في المنطقة العربية فمثلاً هناك دراسة أعدها باريبوسن، مدير برنامج دراسات الأمن في معهد ماساشوستس للتكنولوجياMIT، وقد نشرها في دورية "فورين أفيرز "بعنوان "انسحبوا – الدفاع عن قضية سياسة خارجية أمريكية أقل نشاطاً" (Pull back: The case for a less activist foreign policy)،جاء فيها "على المؤسسة العسكرية الأمريكية إعادة تقييم التزاماتها في المنطقة العربية والخليج، إذ يجب على الولايات المتحدة أن تساعد الدول في هذه المنطقة على الدفاع عن نفسها ضد هجمات خارجية، وأن واشنطن لا تزال في حاجة إلى إعادة تطمين دول الخليج حيال الدفاع عنها ضد قوة إقليمية مثل إيران، لكن لم يعد ضروريا أن يقيم الجنود الأمريكيون قبالة شواطئ هذه الدول، حيث أن وجودهم يثير النزعة المعادية.

2-            في المقابل هناك اتفاق بين الولايات المتحدة ودول الناتو على أن توسيع دورها الأمني في المنطقة لذلك توسعت القواعد الفرنسية في الخليج، وتم إنشاء قاعدة جديدة لفرنسا بالخليج، كما أن تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة أعلنت أثناء حضورها للقمة الخليجية في ديسمبر 2016م، عن استثمارات بقيمة 10 مليار جنيه استرليني في الأمن بالخليج

3-دعوة الرئيس ترامب " للدول الأطلنطية " لمزيد من الانخراط العسكري والتدريبي في العراق، وأن يحل جنود الناتو محل الجنود والمستشارين الأمريكيين.

4-سحب القوات الأمريكية من سوريا وبقاء عدد محدود ضمن " ترتيبات الخروج " من المنطقة، ويلاحظ أن دول مثل بريطانيا وفرنسا أصبح لها وجود عسكري في سوريا " قواعد أطلنطية " مقابل الانسحاب الأمريكي من هناك

5-حتى بقاء المستشارين الأمريكيين" 5 آلاف " في العراق هناك من يقترح في واشنطن بقاءهم لفترة محدودة ضمن " قوات التحالف الدولي " لمحاربة الإرهاب الذي تأسس في 30 أكتوبر 2015م، وليس ضمن اتفاقية " الإطار الاستراتيجي الثنائي " الموقع بين بغداد وواشنطن في 2008م، وذلك بعد قرار البرلمان العراقي الأخير بإنهاء مهمة القوات الأمريكية في العراق

6-يجري حديث في الولايات المتحدة عن نقل قاعدة انجرليك بعيدًا عن تركيا إلى بولندا أو رومانيا بعد أن فقدت دورها لحد بعيد بالنسبة للولايات المتحدة

7-المتفق عليه أن استراتيجية " التحول نحو الشرق " ليس تقوقعًا وانحسارًا (Retrenchment) بل هي محاولة لإطالة بقاء الولايات المتحدة كزعيمة للعالم وعدم الانزلاق " لخريف الإمبراطوريات " من خلال الإنفاق الزائد، لذلك حديث الرئيس ترامب دائمًا عن التكاليف والأموال، وهذا مع الجميع " الخليج – كوريا الجنوبية - اليابان – حلف الناتو "

8- اعتماد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي على ما يسمى " بخيار نيكسون " وهي الاستراتيجية التي لجأ إليها الرئيس ريتشارد نيكسون حين عمد إلى تقليص الالتزامات الأمنية - العسكرية الأمريكية المباشرة في العديد من بقاع العالم، وأعطى هذا الدور لقوى إقليمية حليفة للولايات المتحدة، وهو ما تقوم به الآن إدارة ترامب بدعم شركائها العرب الإقليميين وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، كما أن تشكيل التحالف العربي فجر 26 مارس 2015م، لوقف المشروع الإيراني ـــ الحوثي في اليمن شكل أخر من أشكال هذا النموذج للشراكة بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.

9-رفض الرئيس ترامب كل الضغوط التي مارستها عليها كل المؤسسات الأمريكية مثل البنتاجون ووزارة الخارجية لتزويد بعض أطراف المعارضة السورية بالأسلحة المتطورة، خوفًا من أن يقودها ذلك إلى التورط بالتدريج في الأزمة السورية، بل أخذ قرار استراتيجي بترك سوريا لتركيا وروسيا رغم كل التحذيرات من الحلفاء في المنطقة.

10-اعتماد الولايات المتحدة مبدأ " القيادة من الخلف " بمعنى تعطي أدوارًا للأخرين وتتحرك هي من خلف الستار بما يقلل العبء، وكان هذا واضحًا في ترك الناتو يسقط القذافي 2011 م، وترك فرنسا تتحمل عبء منطقة الساحل والصحراء ومحاربة الإرهاب هناك، ورفض الرئيس ترامب في شهر يناير الماضي نداء صريح من الرئيس ماكرون للعب الولايات المتحدة أي دور في منطقة الساحل والصحراء وهي منطقة تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي العربي

11-تصريحات الرئيس ترامب حول مناطق مثل ليبيا وسوريا تعود إلى دعوات في واشنطن تقول آن الأوان للتخلي عن الاستراتيجية الأمريكية الحالية واستبدالها باستراتيجية ضبط النفس، وهذا يعني التخلي عن السعي وراء الإصلاح العالمي والاكتفاء بالعمل على حماية المصالح القومية الأمريكية، وهذه الاستراتيجية البديلة المنضبطة لا تعني بالضرورة عودة الولايات المتحدة إلى عزلتها التاريخية، لكنها تستند إلى ثلاثة عوامل:

أ‌-منع بروز منافس قوي يقلب موازين القوى العالمية الراهنة، فالاستراتيجيون الأمريكيون يعملون على ألا تسيطر دولة واحدة على الكتلة البرية لقارة أوراسيا، فقد خاضت الولايات المتحدة حربا ساخنة مع ألمانيا واليابان وأخرى باردة مع الاتحاد السوفيتي، لمنعها من أن تكون هي هذا الخطر.

ب‌-مواصلة القتال ضد الإرهابيين، وترى واشنطن أن هؤلاء ضعفاء للغاية ولا يشكلون أي تهديد لسيادة أمريكا ووحدة أراضيها، وبالتالي تستطيع أمريكا أن تقاتلهم بقوة متكافئة لقوتهم، وليس بشن الحروب أو بالعمل على بناء الأمم كما حدث في أفغانستان منذ 2001م، والعراق منذ 2003م، ويتم هذا من خلال تكثيف العمل الاستخباراتي ومطاردة الإرهابيين في الخارج ومواصلة التعاون مع الحكومات الأخرى ودعمها بالتدريب والتسليح، إضافة إلى شن العمليات الخاصة وغارات الطائرات بدون طيار

ت‌-الاستراتيجية المنضبطة تهتم بمنع انتشار الأسلحة النووية، لكن مع الاعتماد بشكل أقل على التهديد باستخدام القوة العسكرية لمنع هذا الانتشار، وبشكل أكبر على الردع، إلا إذا ما تطلب الأمر هجومًا عسكريًا وقائيًا، وهذا واضح جدًا مع إيران، و يضاعف من هذا التحول الأمريكي هناك فريق الواقعيين الأمريكيين الذين يقولون في تقرير "الاتجاهات العالمية 2030" ، الذي وضعته 16 وكالة مخابرات أمريكية أنه "مع الصعود السريع لبلدان أخرى، فإن "لحظة القطبية الوحيدة" الأمريكية انتهت، كما أن الباكس أمريكانا، وهي الحِقبة التي شهدت الصعود الأمريكي إلى القيادة العالمية غداة الحرب العالمية الثانية تتلاشى بسرعة " وأن السلطة العالمية باتت تتوزع الآن بين قوى صاعدة جديدة، وهو ما يدعو وفق هؤلاء لإعادة " هيكلة العلاقات العربية الأمريكية " قبل 2030م.

إيران وأمن الخليج

المؤكد أن الرئيس ترامب أعاد التوازن لمنطقة الخليج بعد أن تعرض أمن المنطقة لضربة كبيرة مع الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس أوباما ، لذلك شكلت لحظة خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018م، وفرض السلسلة الأشد من العقوبات الأمريكية على طهران في 4 نوفمبر 2018م، بداية لحملة الضغط الأمريكية القصوى على إيران التي قادت إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني " كمنظمة إرهابية " في أبريل 2019م، كل هذه الخطوات تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة ليس فقط بدعم شركائها الخليجيين والعرب ضد التدخلات الإيرانية في المنطقة بل هي مستعدة لمواصلة الضغط على طهران حتى تقبل بشروط التفاوض على اتفاق جديد، ولعل إصرار الولايات المتحدة على البقاء في العراق، واستهداف ميلشيا الحشد سواء في العراق أو سوريا سيضعف من قدرة إيران على الدخول في مغامرات جديدة ضد جيرانها ودول المنطقة العربية، كما أن الخطة الأمريكية لتجفيف مصادر التمويل لإيران وميلشياتها في المنطقة مثل حزب الله خاصة " تصفير " صادرات النفط الإيرانية، و ملاحقة العناصر الموالية لإيران في أوروبا وأمريكا اللاتينية سيعزز من قدرة دول الخليج العربية على مواجهة الخطر الإيراني.

تركيا ونهاية الدور الوظيفي

ما يعزز من أمن دول الخليج أن الولايات المتحدة أضعفت تركيا استراتيجيًا بإنهاء " الدور الوظيفي " الذي ظلت تركيا تمارسه منذ دخولها حلف الناتو عام 1952م، ويوصف عدم دعم حلف الناتو لتركيا في إدلب وغيرها على أنه تعبير عن الجفاء بين تركيا وحلفائها الآخرين، وترفض الولايات المتحدة أي تمدد لتركيا إلا "التمدد في المستنقعات" مثل إدلب وغرب ليبيا ، كما خلقت الولايات المتحدة من خلال تسليحها للأكراد " قوة حاجزة ومانعة " أوهام تركيا التوسعية على حساب الأراضي العربية ، وهو ما يضعف المشروع الإخواني الذي تساهم فيه قطر والتنظيم .

مجلة آراء حول الخليج