array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 148

إنتاج الثورة الصناعية الرابعة واندماج الاقتصاد السعودي في سلاسل القيمة المضافة

الأربعاء، 29 نيسان/أبريل 2020

في هذه المقالة سوف نتناول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على ضوء المستجدات الدولية والتطورات المتلاحقة على الصعيدين المحلي والعالمي، حيث تأخذ المملكة منحى حديثًا في الشأن الاقتصادي وإدارة  عملية التنمية، بعد انتهاء الحقبة البترولية، بإطلاقها مبادرة رؤية المملكة 2030، في حين بدأت الولايات المتحدة تغير نظرتها للعلاقات الاقتصادية الدولية لتضع المصلحة الأمريكية أولاً حتى لو أصطدم ذلك بقواعد النظام الدولي، كما ظهر في الحرب التجارية بينها وبين شركائها التجاريين خاصة الصين والاتحاد الأوروبي ودول النافتا.

كما تطرح المقالة استراتيجية سلاسل القيمة العالمية كمدخل لإقامة علاقة اقتصادية متكافئة مع الولايات المتحدة، ولتعظيم الفائدة على الاقتصاد السعودي

 

منطلقات العلاقة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة

تتحدد العلاقة الاقتصادية بين الدول في ضوء عدد من المحددات أهمها طبيعة النظام الاقتصادي العالمي، ومرحلة التقدم الاقتصادي التي تمر بها الدول. ففيما يتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي العالمي السائد، فقد ارتكز على مبدأ حرية التجارة العالمية، والمعاملة بالمثل، والدولة الأولى بالرعاية، والتي شكلت مبادئ قامت عليها اتفاقية جات 1947م، حكمت عمل منظمة التجارة العالمية منذ إنشائها عام 1995م، وحتى اليوم.

من ناحية أخرى يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة كأهم مدخلات العمليات الإنتاجية، ومن أهم مميزاته إمكانية الولوج إلى تلك المرحلة دونما الحاجة لسلوك المراحل التي مرت بها الاقتصادات المتقدمة، حين انتقلت بشكل تدريجي، من الاقتصاد الإقطاعي، ثم مرحلة التجاريين حيث يرتكز الاقتصاد على الزراعة والتجارة، فالاقتصاد الصناعي بعد الثورة الصناعية الأولى أواخر القرن الثامن عشر، وتبعتها الثورة الصناعية الثانية مع استخدام المياه والطاقة البخارية في الإنتاج، لتحل الماكينات محل القوة العضلية للإنسان، ثم جاءت الثورة الثانية في أوائل القرن العشرين وذلك عندما قام هنري فورد بإدخال خط التجميع المتحرك لتصنيع سيارته، وفتح بذلك الطريق لعصر الإنتاج الشامل، ثم كانت الثورة الثالثة  في منتصف القرن العشرين، باستخدام الالكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، مما جعل العمليات الإنتاجية تتم بشكل تلقائي وآلي، Automated  حيث يتم أتمتة العمليات الإنتاجية، ومع مطلع الألفية الثالثة، يتطلع العالم إلى جني ثمار الثورة  الصناعية الرابعة، فإن الثورة الصناعية الرابعة سوف تبنى على ما تم إنجازه خلال الثورة الثالثة، خاصة ما يتعلق بالثورة الرقمية.

أما فيما يتعلق بمرحلة التقدم الاقتصادي التي يمر به الاقتصاد السعودي، فيضعها وفق تصنيف البنك الدولي، ضمن مجموعة الدول الغنية، لكن طبيعة الاقتصاد الوطني فيضعها ضمن الدول النامية، حيث يرتكز الاقتصاد الوطني على النفط كمادة أولية، ويشكل المصدر الرئيس للدخل الوطني وللإيرادات الحكومية، مع وجود قطاع صناعي ناشئ وصناعات أساسها النفط ، مع بعض الصناعات الاستهلاكية المصنعة، ويعتمد على الإنفاق الحكومي كمحرك للنمو الاقتصادي.

الحاجة إلى نموذج جديد للتنمية

بانتهاء الحقبة البترولية، انطلقت عدة مبادرات في دول مجلس التعاون للتفاعل مع التطورات الاقتصادية العالمية، وفي المملكة كانت مبادرة التحول الوطني 2020، ثم رؤية المملكة 2030، مستهدفة التحول من الحقبة البترولية، إلى تنويع مصادر الدخل، وقيام القطاع الخاص بالدور الرئيسي في عملية التنمية، ومن ثم تنويع مصادر الإيرادات العامة، والاندماج في الاقتصاد العالمي باقتصاد حديث يقوم على المعرفة والرقمنة.

وهكذا أصبحت هناك حاجة لواقع اقتصادي جديد، مع عجز الواقع الاقتصادي الحالي عن تحقيق التغيير المنشود في طبيعة الاقتصادات الوطنية وتنويع مصادر الدخل، وتوظيف أكثر أفراد القوى العاملة تعليمًا وإنتاجية، ولم يعد مقبولاً ولا صالحًا بعد ما حدث من تطورات على الصعيدين الداخلي والعالمي.

ولتغيير هذه الأوضاع، والتكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد، يجب على المنطقة بما فيها السعودية أن تخلق على وجه السرعة واقعًا اقتصاديًا جديدًا يمكن أن يحقق لها اللحاق بركب التقدم، وتحقيق تقدم اقتصادي يغير من واقع بنيتها الاقتصادية، ويتيح الفرصة للاندماج في الاقتصاد العالمي.

ولا يمكن لنموذج النمو القائم على الصناعات الخفيفة كثيفة العمالة، مثل الذي تتبعه بلدان شرق آسيا، أن يحل مشكلة خريجي الجامعات العاطلين. علاوة على ذلك، قد لا يصلح مسار النمو هذا لأن التكنولوجيا الجديدة تغير سريعًا من طبيعة التصنيع.

وأكثر نهج واعد يناسب بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو اعتماد نموذج اقتصادي يقوم على التكنولوجيا ويشجع الابتكار والإبداع والإقبال على المخاطرة، والاندماج في سلاسل القيمة العالمية Global value chain (GVC)التي أصبحت تقود العلاقات الاقتصادية الدولية في الوقت الراهن.

سلاسل القيمة العالمية نموذج تقوم عليه العلاقات الاقتصادية الدولية

تعرف سلاسل القيمة العالمية على ظانها سلسلة من المراحل التي تمر بها عملية إنتاج السلعة أو توفير الخدمة حتى يتم طرحها في السوق للمستهلك النهائي، وحيث تضيف كل مرحلة قيمة مضافة للمنتج، ويشترط أن توافر مرحلتين لإنتاج السلعة أو توفير الخدمة في مختلف الدول، حتى تعد العملية ضمن سلاسل القيمة العالمية.

وتعتبر سلاسل القيمة العالمية نمط إنتاج متوزع على عدد من البلدان، تقوم على التخصص الفائق، وعلاقات قوية بين الشركات، حيث تتخصص كل شركة في إنتاج جزء معين من منتج سلعي، أو مهمة معينة من خدمة معينة، ولا تنتج السلعة كلها مرة واحدة في مكان معين، بل يتم تجميعها في بلد واحد.

 تبدأ السلسلة بالمواد الخام ومستلزمات الخدمات، والتي يمكن تصديرها للخارج، لتتولى شركة أخرى في بلد آخر إعدادها في شكل أجزاء أو مكونات لبضائع نصف مصنعة، ثم تقوم بتصديرها للخارج، لتتولى شركة أخرى في بلد آخر تصنيعها في شكل سلع جاهزة يمكن تصديرها للاستهلاك النهائي.

ويمكن لسلاسل القيمة العالمية كاستراتيجية للعلاقات الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة، أن تعزز النمو في المملكة، وغيرها من دول المنطقة، وتخلق فرص عمل أفضل، وأن تحصل على نصيب عادل من التجارة الدولية، شريطة أن تقوم بتعميق إصلاحاتها من ناحية، وأن تتخلى الولايات المتحدة عن سياساتها الحمائية، وأن تتبع سياسات منفتحة يمكن التنبؤ بها.

وكما ورد في تقرير التنمية في العالم 2020م، فقد حققت هذه الآلية نجاحات مشهودة وساعدت الكثير من الدول النامية على تحقيق معدلات نمو عالية، حيث توسعت التجارة الدولية بوتيرة سريعة بعد عام 1990م، مدفوعة بالتقدم التقني في مجال النقل والمعلومات والاتصالات، وانخفاض الحواجز التجارية، بما دفع الشركات المصنعة لتوسيع عمليات الإنتاج خارج الحدود الوطنية، مما شجع على ظهور سلاسل القيمة العالمية، وأتاح ذلك التوسع تقاربًا غير مسبوق؛ مكن بعض الدول النامية من اللحاق بالبلدان المتقدمة.

وارتبطت هذه المكاسب بتجزئة إنتاج السلعة بين عدد من البلدان ونمو الروابط فيما بين الشركات، حيث تعبر الأجزاء والمكونات العالم في خطوط متقاطعة، كما تبحث الشركات عن الكفاءات أينما وجدت، وارتفعت الإنتاجية والدخل في البلدان التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية مثل بنغلاديش والصين وفيتنام، وغيرها.

وقد تعرضت تلك الآلية (تجارة سلاسل القيمة العالمية) والتي جعلت من التجارة العالمية سبيلاً للرخاء، لعدد من المصاعب نتجت عن الأزمة المالية العالمية 2008م، حيث أصبح نمو التجارة بطيئًا،  وتراجعت وتيرة التوسع في سلاسل القيمة العالمية، كما ظهر مؤخرًا تهديدان آخران، أحدهما يتعلق بالأتمتة (التشغيل الألي) والأخر يتعلق بالطابعة ثلاثية الأبعاد، حيث ستؤدي إلى تقريب المسافة بين المنتج والمستهلك، وخفض الطلب على الأيدي العاملة، إضافة  إلى مخاطر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وشركائها الآخرون في الاتحاد الأوروبي والنافتا.

ورغم كل ذلك فلا تزال سلاسل القيمة العالمية تمثل مدخلاً لمزيد من النمو الاقتصادي لكثير من الدول النامية، كما هو الحال في المملكة، خاصة في ظل ما تجريه وباقي دول مجلس التعاون من إصلاحات عميقة في طبيعة النظام الاقتصادي وتطوير دور القطاع الخاص ومراجعة العلاقة بين الحكومة والأفراد.

 ويشترط لنجاح تلك الاستراتيجية اتباع الولايات المتحدة سياسات تتسم بالانفتاح وعدم وضع قيود على تجارتها الخارجية، بجانب الدور الهام للتطورات التقنية في تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد رقمي تلعب فيه المنتجات عالية القيمة دورًا أساسياً في تنويع هيكل الاقتصاد الوطني.

الدور الحالي للمملكة في سلاسل القيمة العالمية

تشارك المملكة مثل غيرها من دول العالم في سلاسل القيمة العالمية، لكن كل بطريقته، وحسب هياكل الإنتاج السائدة، وكما يشير تقرير التنمية في العالم 2020م، فإن المملكة تشارك بسلع أولية محدودة، تتطلب التجهيز في بلدان أخرى، ويظل أمامها في مرحلة أولية أن تطور من نمط إنتاجها لتشارك بسلع أولية نصف مصنعة، أو تصنيع محدود، وفي مرحلة لاحقة يمكن أن تشارك بصناعات تحويلية وخدمات متقدمة، وأنشطة الابتكار والتقنيات العالية.

المكاسب الناجمة عن سلاسل القيمة العالمية

من حيث المبدأ، فإن تقسيم عمليات الإنتاج حتى في المنتجات المعقدة كالسيارات وأجهزة الكمبيوتر يسمح لمختلف البلدان بالتخصص في الأجزاء والمهام الأبسط، مما يسهل على البلدان التي لا تزال في مرحلة مبكرة من التصنيع، مثل المملكة ودول الخليج الأخرى، أن تشارك في التجارة العالمية وأن تكتسب مزيدًا من التجارب.

يدعم التخصص الفائق من فعالية العمليات الإنتاجية، وتعزز العلاقات الدائمة فيما بين الشركات من نشر التكنولوجية، وتزيد من إمكانية الحصول على رأس المال والمدخلات على طول السلاسل، وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع المشاركة في سلاسل القيمة العالمية بنسبة واحد بالمئة (1%) يزيد من نصيب الفرد من الدخل بأكثر من نقطة مئوية، وهو أكبر كثيرًا من مكاسب الدخل الناشئة عن التجارة التقليدية، التي لا تتعدى 0.2 %. وتأتي أكبر طفرة في النمو عادة عندما تنتقل البلدان من تصدير السلع الأولية إلى تصدير ُمنتجات صناعية أساسية (مثل الملابس) مستخدمة مستلزمات مستوردة (مثل المنسوجات) كما حدث في بنجلاديش وكامبوديا وفيتنام.

وتعتبر المملكة مهيأة للانتقال تدريجيًا إلى أشكال المشاركة الأكثر تقدمًا، أي الانتقال من تصدير المواد الخام، والتصنيع المحدود، إلى التصنيع المتقدم والخدمات المتطورة، فضلاً عن فرص التحول إلى الأنشطة الابتكارية، خاصة مع توفر المهارات لدى القوة العاملة، وعناصر البنية التحتية للتقنيات الحديثة، والإنترنت العريض فائق السرعة، والمؤسسات التنظيمية، ويعزز من تلك الآثار ظهور منتجات وتقنيات جديدة للتوزيع مثل المنصات الرقمية، حيث تشير الشواهد إلى أن هذه التقنيات والتحول الرقمي تدعم التوسع في التجارة وسلاسل القيمة العالمية.

وتساعد سلاسل القيمة العالمية على تحقيق أهداف التنوع الاقتصادي المنشود في المملكة، والتحول الهيكلي، وزيادة دور القطاع الخاص في التنمية، تلك الأهداف التي طال انتظارها في المملكة، مما يتيح فرصة للتحول من أنشطة أقل إنتاجية إلى أنشطة تصنيع وخدمات عالية الإنتاجية، مرتفعة الدخل، فضلاً عن توفير فرص عمل أوسع لقوة العمل عالية المهارة والمعرفة خاصة بين الإناث، وتعزيز نمو الدخل والتشغيل بصفة عامة، ومن ثم ترتبط المشاركة في سلاسل القيمة العالمية بالحد من البطالة، نتيجة رفع معدل النمو الاقتصادي.

السياسات الوطنية اللازمة لتعزيز سلاسل القيمة العالمية

تتطلب المشاركة في السلاسل العالمية للقيمة مجموعة من المحددات الأساسية منها وفرة الموارد الطبيعية، وتميز الموقع الجغرافي، واتساع حجم السوق الداخلية والمستوى التنظيمي والمؤسسي بالدولة، كما تقوم السياسات الحكومية بدور هام في دعم تلك الإمكانيات، مثل سياسات جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة من خلال دورها في توفير التقنيات المتقدمة والمهارات الفنية والإدارية والتسويقية العالية.

وتساعد سلاسل القيمة العالمية في التغلب على محدودية السوق المحلية وهو أمر هام في حال المملكة، كما تدعم تحرير التجارة الداخلية والتغلب على قيود السوق المحلية الصغيرة وتحرير الشركات من قيود الطلب المحلي، والمدخلات المحلية.

وتساعد وفرة عناصر البنية التحتية في المملكة خاصة في مجال النقل والمواصلات والموانئ والمطارات وإدخال المنافسة في هذه الخدمات على دعم القدرات للدخول في سلاسل القيمة العالمية بقوة.

ومما يدعم نجاح المملكة في لعب دور هام في سلاسل القيمة العالمية بُعد التكامل الاقتصادي الإقليمي سواء على صعيد مجلس التعاون أو على مستوى منطقة التجارة العربية الحرة، حيث يساعد عمق السوق المحلية في دعم وتحفيز الإصلاحات المؤسسية والسياسات العامة، مع توفر مساعدات فنية ومالية كافية.

المراحل الانتقالية في سلاسل القيمة العالمية

توجد في الواقع 3 مراحل انتقالية في سلاسل القيمة العالمية، تمر بهما دول العالم في سعيها لمزيد من المشاركة في تلك السلاسل:

المرحلة الأولى: التحول من السلع الأولية إلى الصناعات التحويلية المحدودة.

 المرحلة الثانية: التحول من الصناعات التحويلية المحدودة، إلى الصناعات التحويلية والخدمات المتقدمة.

 المرحلة الثالثة: التحول من الصناعات المتقدمة إلى الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية الابتكارية.

المؤشرات الأساسية في كل مرحلة

تتمثل المؤشرات في أربعة مؤشرات أساسية وهي: مدى وفرة الموارد الطبيعية الأولية، وجحم السوق، والموقع الجغرافي، والبعد المؤسسي والتنظيمي، وبالتالي فإنه في كل مرحلة من مراحل سلاسل القيمة العالمية، يجب اتخاذ مجموعة من السياسات الوطنية تجاه كل مؤشر من المؤشرات الأساسية.

وسوف نشير فيما يلي إلى السياسات الوطنية اللازم اتخاذها بحسب مراحل سلاسل القيمة العالمية والمؤشرات الأساسية، وما يجب اتخاذه من تدابير وسياسات بحسب المرحلة الانتقالية.

السياسات المقترحة في كل مؤشر

يمر الاقتصاد السعودي بالمرحلة الانتقالية الأولى من مراحل سلاسل القيمة العالمية كما يصنفه البنك الدولي، ومن ثم تتمثل الإجراءات والسياسات التي يقترح اتخاذها بحسب المؤشرات الأساسية فيما يلي:

أولاً: في مجال الموارد الطبيعية

 من أهم القضايا التي يجب التصدي لها تلك المتعلقة بجوانب التمويل، حيث يتوجب العمل على تحسين إمكانية الحصول على التمويل المصرفي من خلال تعميق الشمول المالي وتحديث القطاع المالي، وتشجيع تكوين الشركات المساهمة، لحشد كافة المدخرات الفردية، وعلى جانب تكلفة العمالة، على السياسات الوطنية التصدي لعدم كمال السوق بالتوسع في التعليم والتدريب والانفتاح على المهارات الأجنبية وتطوير التعليم العالي والبحث والتطوير، وتجنب اللوائح الجامدة ومعالجة أية اختلالات في سوق الصرف الأجنبي.

ثانيًا: في مجال معالجة صغر حجم السوق

 على السياسات الحكومية التصدي لمشكلة الحصول على المدخلات اللازمة لتصنيع منتجات متقدمة من خلال خفض الرسوم الجمركية وتيسير الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات غير الجمركية، وفيما يتعلق بالوصول للأسواق، على السياسات الوطنية التعامل مع المصاعب التي تواجه اتفاقيات التكامل الإقليمية سواء على مستوى دول مجلس التعاون أو منطقة التجارة الحرة العربية، والسعي لتعميقها لتشمل تدفق رؤوس الأموال والخدمات، بجانب انتقال السلع.

ثالثًا: على صعيد الموقع الجغرافي واللوجستيات

يجب أن تتصدى السياسات العامة لتطوير عناصر البنية التحتية للتجارة، وعلى وجه التحديد ما يتعلق منها بتحرير خدمات النقل والاستثمار في الموانئ والطرق والإصلاحات الجمركية، إضافة إلى الربط الأساسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاستثمار في البنية التحتية لها، والتوسع في الإنترنت عريض النطاق فائق السرعة.

رابعًا: في مجال المؤسسات

تمثل الحوكمة وتشجيع الاستقرار السياسي عنصرًا أساسيًا خلال المرحلة الانتقالية الأولى، إضافة لاعتماد المعايير وإنفاذ العقود وضمان حقوق الملكية الفكرية.

محددات مستقبل العلاقات الاقتصادية بين المملكة والولايات المتحدة

من حيث المبدأ فإن تقسيم العمليات الإنتاجية المعقدة كما في صناعة السيارات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، يسمح لمختلف البلدان بالتخصص في المهام والأجزاء الأبسط بحسب مستوى التقدم الاقتصادي، مما يسهل لكثير من البلدان التي لا تزال في مرحلة مبكرة من التصنيع أن تشارك في التجارة الدولية وأن تزيد من درجة اندماجها في الاقتصاد العالمي.

ويمكن القول إن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة يتأثر بعاملين أساسيين:

الأول يتعلق بنمط الإنتاج العالمي الذي سيعود خلال العقود القادمة متأثرًا بالثورة الصناعية الرابعة وما تقوم عليه من ارتكاز التقدم الاقتصادي على الابتكار، وعلى المعرفة، كأهم مدخلات العملية الإنتاجية، ومن ثم إقامة صناعات عالية التقنية، والتحول نحو الاقتصاد الرقمي.

ويتطلب ذلك من المملكة تطوير التعليم العالي والبحث العلمي، لتحقيق مزيد من الابتكارات، التي تقوم عليها صناعات عالية التقنية، والتي يمكن أن تتمركز حول الجامعات والمراكز البحثية في شكل أوديـة وحدائـق للمعرفة، ومن أهمهـا جامعة الملك سعـود وجامعة المـلك عبد العزيز وجامعة الملك فهد وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

 العامل الثاني يتعلق بنمط التجارة العالمية، وقدرة الاقتصاد السعودي على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، ومستوى السياسات الحمائية العالمية، خاصة في الولايات المتحدة بعدما دخلت في حرب تجارية مع الصين، وغيرها من الشركاء التجاريين، متخطية بذلك قواعد مستقرة في العلاقات الاقتصادية الدولية تؤكد على حرية التجارة والتخلص من القيود الحمائية الجمركية وغير الجمركية.

السياسات الوطنية اللازمة لبناء شراكة متكافئة مع الولايات المتحدة

تتوقف المشاركة في سلاسل القيمة العالمية كما ذكرنا على الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي وحجم السوق والمؤسسات، كما أن المكانة التي يمكن للمملكة أن تشغلها في هذه السلاسل يعتمد على ما لديها من مدخلات أساسية، وقدرات إنتاجية، يمكن أن تتنوع لتشمل العمالة المعرفية عالية المهارة، والابتكارات التقنية من خلال البحوث التطبيقية، وما يتوفر بها من مواد أولية خاصة النفط الذي يستخدم كلقيم لمنتجات ابتكارية عالية القيمة.

ويساعد وضع سياسات حكومية مواتية على فاعلية استغلال تلك المقومات، وفيما يلي نسوق بعضًا من تلك السياسات:


1- زيادة جاذبية الاقتصاد السعودي للاستثمارات الأجنبية المباشرة ليس فقط للحصول على مزيد من الاستثمارات، وإنما لما يصاحب تلك التدفقات من تقنيات عالية ومهارات إدارية وتسويقية تتمتع فيها الشركات عالمية النشاط بميزات عالية، الأمر الذي يتطلب مزيد من الانفتاح وحماية المستثمرين وتحقيق درجة عالية من الاستقرار، ومناخ موات للأعمال في شتى المجالات السلعية والخدمية، وتوفير عوامل جذب ترفع من كفاءة الاستثمار مثل التعليم والتدريب وتوفير الكوادر المهنية والعمالة المعرفية عالية المهارة.
2- تحقيق مزيد من الإصلاحات في مجال تحرير الأسواق والتجارة الداخلية، إضافة إلى تحقيق علاقة متكافئة مع الشركاء التجاريين، مما يساعد على التغلب على مشكلة ضيق السوق المحلي، وتحرير قطاع الأعمال من قيود الطلب المحلي والمدخلات المحلية.
ومما لا شك فيه أن توسعة الأسواق من خلال تحرير التجارة وخفض التعريفات وغيرها من السياسات الحمائية، يساعد في الحصول على المدخلات اللازمة للإنتاج، ويرفع من إنتاجية العناصر، وتوسيع صادرات سلاسل القيمة العالمية وتنويعها. ويساعد تعميق الاتفاقيات التجارية والتكامل الإقليمي سواء على الصعيد الخليجي أو العربي، على زيادة النفاذ للأسواق.
كما تجدر الإشارة إلى أهمية تحسين إجراءات الإفراج الجمركي وتشجيع المنافسة في خدمات النقل وتطوير الموانئ، بما يخفض من تكلفة التجارة المتعلقة بالوقت وعدم الشفافية ورسوم التأخير، وكما يشير تقرير عن التنمية في العالم 2020م، فإن تأخير الإفراج الجمركي لمدة ساعة واحدة هو بمثابة فرض تعريفة جمركية إضافية قدرها 1% على الواردات.
3- ومن الإجراءات الهامة التي تساعد على المشاركة في سلاسل القيمة العالمية، ضمان وجود ترتيبات قانونية داخل شبكة سلاسل القيمة العالمية مستقرة وشفافة بما يؤدي إلى إنفاذ العقود وحماية حقوق الملكية الفكرية وتدعيم القدرات الوطنية للاعتماد والجودة والامتثال للمعايير الدولية.
4- إقامة مراكز تدريب على المهارات العالية تقوده الأطراف الفاعلة في القطاع الصناعي، بما يعزز الاستثمار في رأس المال البشري ويرفع من القدرات المحلية للارتقاء في سلاسل القيمة العالمية، ومما لا شك فيه أن مساندة التدريب وبناء القدرات يساعد في ربط الشركات الصغيرة المحلية مع الشركات الكبرى في سلاسل القيمة العالمية.
5- توفير متطلبات نجاح المناطق الاقتصادية بتهيئة الظروف الأساسية للاستثمار بضمان توفر الموارد اللازمة مثل العمالة الماهرة والأرض والمياه والكهرباء والاتصالات، والتخلص من العقبات والحواجز التنظيمية وسلاسل وسائل النقل والربط، حتى يمكن أن تنجح تلك المناطق في جذب المستثمرين وتحقيق النمو، ولدى الإمارات العربية نموذج ناجح للمناطق الاقتصادية.

مجلة آراء حول الخليج