; logged out
الرئيسية / هل تمر العلاقات السعودية-الأمريكية بمرحلة انتقالية

العدد 148

هل تمر العلاقات السعودية-الأمريكية بمرحلة انتقالية

الخميس، 30 نيسان/أبريل 2020

إن أبرز ما يميز العلاقات السعودية ـ الأمريكية لا يتلخص في استمراريتها وحسب، وإنما في عاملين آخرين مثلا قيمتها المضافة لكلا البلدين. أولهما هو قدرة كل جانب على المساهمة في خدمة عناصر القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي يحتاج إليها في لحظة ما من تاريخه، وبشكل يصعب استبداله. وثانيهما هو خدمة مصالح الطرفين في مجالات ومساحات خارج الملفات الثنائية بل وإقليم الشرق الأوسط ككل. لذا، فإنه حتى في أوقات تأزم هذه العلاقات، فقد حافظت الإرادة السياسية لكلا الطرفين على استمراريتها. إلا أن عددًا من التغيرات التي استجدت خلال العقد الأخير تضع العلاقة في لحظة سياسية واستراتيجية واقتصادية تجعل من المهم التفكير فيما إذا كانا هذين العاملين ما يزالا قائمين.

ماذا وكيف أضاف كل طرف إلى الآخر في اللحظات التاريخية المختلفة؟

الإضافة الاقتصادية

برز النفط في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد ميلاد الدولة السعودية الثالثة بسنة واحدة فقط، في عام ١٩٣٣م، مدشنًا المحور النفطي كمحور مركزي لهذه العلاقة يؤثر على باقي محاورها إيجابًا تارة وسلبًا تارة أخرى [i]. وأصبح النفط أول أداة استخدمتها المملكة لخدمة مصالح البلدين خارج إطارها الثنائي من خلال مساندة المملكة للمجهود الحربي لدول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، ولإعادة بناء أوروبا بعدها[ii]. وترجع أهمية النفط في العلاقة الثنائية بشكل خاص إلى أنه سمح بترجيح كفة المملكة في ميزان العلاقة بين الطرفين. وقد ساعد على ذلك الأنماط المختلفة التي أخذها توظيف النفط في العلاقة، كان من أبرزها قرار قطع إمداد النفط عن الدول المساندة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣م، وعلى النقيض في أوقات أخرى، استخدمت المملكة الأداة النفطية لمساعدة الولايات المتحدة على الخروج من فترات كساد اقتصادي وهزيمة الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات.

وقد أدى النفط دوره في موازنة العلاقة أيضًا من خلال استثمار عائدات النفط الهائلة في داخل الاقتصاد الأمريكي، وهي سياسة تستمر حتى اليوم، بالإضافة إلى تفضيل الشركات الأمريكية في المملكة بحيث أصبحت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للملكة العربية السعودية منذ السبعينات وحتى بدايات الألفية الثالثة[iii]. وبحلول منتصف السبعينات، تربعت المملكة على عرش ثاني مشتري للأسلحة الأمريكية في العالم قبل أن تصل للمركز الأول بحلول عام ١٩٧٩م، وهي تحتله اليوم. كما سمحت القوة الاقتصادية التي ولدها النفط إلى الاعتماد الأمريكي على المملكة في مكافحة النفوذ السوفيتي من خلال شبكة العلاقات السياسية الإسلامية التي بدأت المملكة في بنائها على مستوى العالم. ونتيجة للطفرة التي حدثت في أهمية المملكة في الاقتصاد الدولي، فقد حصلت المملكة في المقابل على ما مثل الأهم بالنسبة لها: التزام من قوة عظمى بالحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وتأمين إمداد النفط الذي هو شريان الحياة بالنسبة للمملكة وللدول الصناعية في وقت واحد[iv].

الإضافة السياسية:

كان التدشين الرسمي لأرامكو في ١٩٤٤م، فاتحة لمرحلة تحول العلاقات السعودية-الأمريكية إلى "شراكة استراتيجية" بدأ يكتسب الطابعان السياسي والعسكري والاستخباراتي فيها أهمية أكبر. وقد تمثل ذلك في اللقاء الشهير بين قادة البلدين في ١٤ فبراير١٩٤٥م، والذي يعتبره الجانبان تاريخ الميلاد للعلاقات بين الدولتين. إذ بدأ تمييز الجانبين لبعضهما البعض في مجال علاقتهما الدولية. واتضح ذلك من خلال زيادة انخراط الولايات المتحدة في توطيد العلاقة مع الملك عبد العزيز ودعم الدولة السعودية من خلال المساعدات الحكومية والاقتصادية للبنية التحتية للدولة السعودية منذ ذلك الحين. وحتى اليوم، تسمح العلاقة السعودية-الأمريكية في الحد من نفوذ أي قوة دولية أخرى في المنطقة. كما دعمت الولايات المتحدة المملكة سياسيًا ضد خصومها السياسيين من داخل الإقليم، وخاصة إيران، في أوقات مختلفة ومثلت دعمًا لها في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة. وفي المقابل، مثلت المملكة بوزنها الإقليمي الحاضنة الإقليمية للحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل سمح بتحقيق انتصارات سياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة في أوقات احتل الشرق الأوسط فيها أهمية كبرى، كما دعمت الموقف الأمريكي في المنظمات الدولية أيضًا، خاصة المالية والاقتصادية منها.

الإضافة العسكرية:

لقد بدأ التعاون العسكري بالتوازي مع بداية التنسيق السياسي من خلال إنشاء أول مطار عسكري أمريكي في الظهران في عام ١٩٤٥م،v. كلل هذه المرحلة خطاب رسمي من الرئيس الأمريكي هاري ترومان تلتزم فيه الولايات المتحدة "بالحفاظ على استقلال المملكة العربية السعودية ووحدة أراضيها.[v]" ولقد فتح سقوط شاه إيران مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية من حيث اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية في توفير حاضنة إقليمية للمصالح الأمريكية في الإقليم، وخاصة بعد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. فمنذ سقوط الشاه، أصبحت المملكة العربية السعودية المشتري الأول للأسلحة الأمريكية بشكل جعلها مصدر دعم مباشر للبنية الصناعية العسكرية وسوق العمل في الولايات المتحدة إلى يومنا هذا.[vi] وقد وضع ذلك في يد المملكة كارد استراتيجي إضافي، بالإضافة إلى الكارد البترو-مالي، وأزنت به العلاقة مع الولايات المتحدة، وجعلها صاحبة تأثير مباشر على المشهد السياسي في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بما يشمله ذلك من إيجابيات وسلبيات. وأضحت عبارة "أسهمت المملكة في خلق الآلاف من فرص العمل على مدار السنوات" عبارة متواترة عامًا بعد عام في تقارير الكونجرس الأمريكي عن العلاقات بين الدولتين. وفي المقابل، استثمرت الولايات المتحدة في بناء برامج إعداد تدريبات وتعاون خاصة ببناء قدرات المملكة العسكرية.

أصبح التواجد العسكري الأمريكي المباشر في منطقة الخليج أحد متغيرات العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ حرب الخليج الثانية. فعلى الرغم من أن بدايات هذا تواجدًا غير مستمر سبق الحرب، إلا أن التواجد العسكري المستمر منذ ذلك التاريخ ربط البنية الدفاعية والأمنية للمملكة بالولايات المتحدة بشكل سمح بهيمنة الولايات المتحدة على العلاقات العسكرية الدولية ليس للمملكة فحسب ولكن لكافة دول منطقة الخليج. كما أصبح الاعتداء على المملكة اعتداءً مباشرًا على القوات الأمريكية هناك. ومثلما شكلت الولايات المتحدة الهندسة الدفاعية للمملكة، فقد أثرت المملكة بحكم وزنها الجغرافي والإقليمي وتحالفها مع الولايات المتحدة جزءًا مهمًا من التصور الأمريكي للأدوات والخطط والتموضع الإقليمي في المنطقة ككل. ولم يكن التواجد العسكري الأمريكي مصدرًا للأمن على طوال تاريخه. فقد كان مصدرًا لزعزعة الاستقرار السياسي خلال فترة التسعينات، وحينما قررت الولايات المتحدة اجتياح العراق على خلاف الإرادة السياسية للمملكة في عام ٢٠٠٣م.

هل مازال كل من الطرفين يحقق نفس هذه المردودات للآخر؟

التغير على مستوى العلاقات الثنائية

لقت شهدت المؤشرات الكيفية للعلاقة مع البيت الأبيض، وهو المهيمن على صنع السياسة الخارجية الأمريكية، تحسنًا ملحوظًا تحت إدارة الرئيس ترامب، خصوصًا في ظل مقارنتها بعهد الرئيس أوباما والملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ كما اتخذت الرياض العديد من الإصلاحات في إطار رؤية المملكة ٢٠٣٠ تعتبرها الإدارة الحالية جوهرية بالنسبة لمستقبل المنطقة ككل. وتعتبر الولايات المتحدة أن مشاركة المملكة في مؤتمر البحرين الذي ناقش الشق الاقتصادي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خطوة ضمن خطوات كثيرة اتخذتها المملكة في سبيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حالة الاستقطاب في داخل السياسة الأمريكية أدت إلى سوء إدارة الأزمات التي خلقتها بعض السياسات السعودية في العلاقات الثنائية. فهناك رؤية داخل الكونجرس حول هذه السياسات ، وإن اختلفت طريقة المواجهة من كل تيار سياسي إلى آخر. إذ خلقت بعض الملفات تساؤلات حول مدى التوافق للجانبين بشكل يسمح باستمرار العلاقة المميزة بين الطرفين. كما أدى التخبط الأمريكي في المنطقة، وخاصة تجاه إيران، إلى إعادة النظر في داخل المملكة في استمرارية الاعتماد على السياسيات الأمريكية كمصدر تأمين لمصالح المملكة.

تراجعت بعض المؤشرات الكمية للعلاقة بين الطرفين على مدى السنوات السابقة. وتشمل هذه المؤشرات عدد الطلاب السعوديين الدارسين في الولايات المتحدة، والذي تراجع بمعدل ٢٥٪ بين العامين ٢٠١٥ و٢٠١٨م. كذلك تراجع التعاون العسكري في العام ٢٠١٩م، بسبب قرار الكونجرس حول برنامج التدريب العسكري المخصص للمملكة، وكذلك بسبب حادثة إطلاق النار داخل كلية عسكرية بولاية فلوريدا. كما أنه، وعلى الرغم من تزايد الاستثمارات الأمريكية في المملكة، إلا أن هذه الاستثمارات لم تنمو بنفس معدل نموها في دول أخرى في المنطقة[vii].

ولعل أهم تحول في العلاقة الثنائية يمس محورها المركزي والأقدم، النفط. فقد شهدت السنتان الأخيرتان تساؤلات حول مدى استعداد المملكة الاستمرار في تطويع الأداة النفطية لخدمة المصلحة المشتركة للبلدين. أولى هذه العوامل هي السياسة السعودية التي رفعت من أسعار النفط العالمية، حينما فضّل الرئيس ترامب أسعار منخفضة تخدم ناخبيه من الطبقة العاملة. ثانيًا، تمكنت المملكة من الحفاظ على أسعار عالية للنفط من خلال اتفاق دام لعامين مع روسيا كان فاتحة لإمكانية تطور العلاقات بين الرياض وموسكو ، وهو ما تراه واشنطن منافٍ لمصالحها في المنطقة. كما أن هذا الاتفاق، وإن سمح بنمو قطاع الغاز الأمريكي، إلا إنه عزز من سيطرة الرياض وموسكو على أسواق النفط العالمية بشكل يهدد المنتجين الأمريكيين. ثالثًا، عندما انهار الاتفاق بين الجانبين، زادت المملكة من إنتاجها النفطي بشكل يهدد قدرة شركات إنتاج البترول الصخري الأمريكي على الاستمرار. بالإضافة إلى ما سبق، فقد انخفض استيراد الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي بنسبة ٤٤٪ ما بين العامين٢٠٠١ و٢٠١٨م، [viii]. وقد أدت كل هذه العوامل إلى تغيير النظرة إلى تأثير النفط السعودي من كونه مصدر أمان إلى كونه مصدر منافسة.

التغير على مستوى السياسات العسكرية

هناك حالة من الإرهاق في داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية التي صاحبتها زيادة شعبية شعار "إعادة الجنود إلى الوطن" و"إنهاء الحروب اللانهائية" في الشرق الأوسط وغيرها من الشعارات التي يتوافق حول محتواها الديمقراطيون والجمهوريون[ix]. وقد بدأ هذا الخطاب منذ الحملة الرئاسية الأمريكية التي أتت بالرئيس باراك أوباما إلى الحكم في ٢٠٠٨م. وترتبط هذه الشعارات في المخيلة السياسية الأمريكية بالحاجة إلى مراجعة التواجد العسكري في منطقة الخليج العربي. إذ تؤكد استطلاعات الرأي العام الأمريكي أن الاتجاه السائد الذي يجب على القادة السياسيين اتباعه إن أرادوا الوصول لسدة الحكم، والاستمرار فيه، هو استمرار المبيعات العسكرية الأمريكية التي تدر دخلاً على الاقتصاد الأمريكي، في مقدمتها مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية، ولكن وفي الوقت ذاته فإن الرأي العام ضد تعريض القوات الأمريكية لخطر الانخراط في أي صراعات عسكرية من خلال تواجده في المنطقة ، وهو التواجد الذي رسخ دعم المملكة العربية للولايات المتحدة داخل وخارج الشرق الأوسط منذ ١٩٩٠م.  

وقد ارتبط بذلك النقاش حالة من الإحباط العام من نتائج الانخراط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط سواءً في مناطق الحروب، كالعراق وأفغانستان، أو في إطار حماية أمن الخليج العربي ودوله، أو في إطار تدريب القوات العسكرية العربية[x]. إذ يسود إحساس بأنه على دول المنطقة تحمل العبء الأكبر في الدفاع عن أمن المنطقة دون الحاجة إلى نفس كثافة التواجد الأمريكي. وقد تم بالفعل تقليص حجم وحدة القيادة المركزية المسؤولة عن التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وأصبح التواجد العسكري رهين التطورات الأمنية على الأرض وليس نظرة طويلة الأجل للأمن الإقليمي وعلى رأسه أمن المملكة العربية السعودية.

أما على الجانب السعودي، فإن التوجه يسير برؤية خاصة في العقد الأخير. إذ اتجهت السياسة الخارجية السعودية نحو الاعتماد على دور أكبر للأداة العسكرية في حماية المملكة ومصالحها في المنطقة. كما أعلنت المملكة في ٢٠١٥م، نيتها التواجد في قاعدة عسكرية يتم إنشاؤها لقوات تحالف دعم الشرعية في إريتريا[xi]. وحتى وإن كانت المملكة تهدف إلى زيادة استقلالية قدراتها العسكرية عن الدعم الخارجي وفقًا لرؤية المملكة٢٠٣٠، إلا أن مرحلة التحول الوطني والأمن الإقليمي التي تمر بها المملكة تتطلب استمرار التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة حتى يتم تطوير القدرات العسكرية السعودية بالشكل الكافي. كما أن تقلبات السياسة الأمريكية في سوريا والعراق وتجاه إيران تؤجج تهديدات عسكرية جديدة للمملكة، إما بوضعها في مرمى النيران الإيرانية أو بالتراجع دون القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بشكل نهائي.

وقد تجلى الاختلاف بين الرؤية السعودية للدور العسكري الأمريكي في المنطقة، من جانب، والرؤية الأمريكية، من جانب آخر في تعثر المفاوضات حول إقامة تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي. حيث ترى فيه الولايات المتحدة خطة لضمان الهيمنة على هيكل الدفاع الإقليمي في مواجهة إيران دون الحاجة إلى نفس مستوى الانخراط الأمريكي على الأرض، في حين ترى فيه المملكة فرصة لوضع خطة طويلة الأمد للحفاظ على المساهمة الأمريكية في الدفاع عن منطقة الخليج[xii]. وبمعنى آخر، فإن استمرار الهيمنة الأمريكية على منظومة الدفاع في منطقة الخليج تستلزم مساهمة أمريكية ليست الولايات المتحدة على استعداد للالتزام بها.

التغيرات على مستوى السياسة الإقليمية

يرتبط الإرهاق العسكري الأمريكي بنقاش سياسي وفكري عابر للخطوط الحزبية حول إعادة تعريف مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل يشمل إعادة تقييم حاجتها إلى الحفاظ على التزاماتها تجاه الحلفاء هناك. فالولايات المتحدة مازالت تمتلك مصالح استراتيجية تربطها بالمنطقة، ولكن ليس بالشكل الذي يتطلب الالتزام بعلاقة سياسية وعسكرية خاصة مع المملكة. ويسود اتجاه بأنه على الولايات المتحدة الاعتماد بشكل أكبر على دول المنطقة في مواجهة خطر الإرهاب، ومن مصلحتها التوصل لصفقات مع الدول المارقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات في المنطقة أصبحت بالأساس صراعات سياسية وليس لدى الولايات المتحدة القدرة أو الرغبة على التأثير فيها. كذلك فقد تناقص بشكل حاد اعتماد الولايات المتحدة على إمدادات النفط من الخليج العربي وبالتالي فليس عليها تحمل لا أمن المنطقة ولا استقرار الدول المصدرة للنفط. وتتزايد الأصوات في واشنطن بأن إسرائيل لم تعد في حاجة إلى نفس مستوى الحماية الأمريكية، بل أصبحت إسرائيل والمملكة يأخذان بزمام المبادرة لحماية مصالحهم بدون التشاور مع الولايات المتحدة وأحيانًا ضد سياساتها[xiii]. وعليه، فإنه في عهد أوباما وترامب لم تضع الشرق الأوسط الأولوية الأولى للاستراتيجية الأمريكية.

لكن لا يوجد اتفاق حقيقي على كيفية وضع هذه النظرة الجديدة للمنطقة موضع التنفيذ[xiv]. حيث مازالت الطبيعة الخاصة للأسواق العالمية للنفط بالإضافة إلى استمرار خطر الإرهاب وإيران والتنافس مع الصين وروسيا تدفع الولايات المتحدة إلى الحفاظ على تموضعها في الشرق الأوسط وبالتالي على علاقتها المميزة مع المملكة.

وفي حين تتحسس الولايات المتحدة خطواتها لمحاولة إعادة التموضع في الشرق الأوسط، دفع تذبذب سياساتها المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ منحى أكثر نشاطًا حتى قبل انتهاء الفترة الثانية للرئيس بوش الابن وقبل انتخاب الرئيس أوباما الذي اتسعت في عهده الهوة بين أهداف كل من واشنطن والرياض. إذ تمخضت السياسة الأمريكية بعد احتلال العراق عن خلافات بين واشنطن والرياض كانت نتيجتها زرع البذرة الأولى لسياسة إقليمية سعودية أكثر نشاطًا استمرت بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية، بعد أن عادت إلى الاعتماد بشكل أكبر على الدعم السياسي والعسكري الأمريكي ولكن دون أن يخلو ذلك من خلق توترات داخل الولايات المتحدة.

التغيرات على مستوى العلاقات الدولية

على عكس الجدل حول أهداف وأدوات السياسة الأمريكية في المنطقة، فإن هناك توافق بين المؤسسات الأمريكية حول ما ورد في استراتيجيات الدفاع والأمن الوطني من أولوية التحدي الاستراتيجي والتكنولوجي الذي تمثله الصين ثم روسيا لمصالح الولايات المتحدة حول العالم، وإن كان هذا التوافق لا يشمل كيفية التعامل مع هذا التحدي[xv]. ولذلك فهناك تحول في النظرة للتواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط من كونه يحمل أهمية في حد ذاته إلى كونه مهم، في إطار التنافس السياسي والعسكري والتكنولوجي والاقتصادي مع الصين وروسيا[xvi].

أما بالنسبة للمملكة، فقد حافظت على الأولوية التي تعطيها للولايات المتحدة في علاقاتها الدولية، ولكنها اتجهت لتنويع هذه العلاقات بشكل ملحوظ منذ بداية عهد الملك عبد الله وحتى الآن[xvii]. وقد سمح بتطوير علاقات اقتصادية وتكنولوجية وسياسية واستراتيجية مع الصين وروسيا بشكل لا يجعل من مصلحة المملكة الوقوف موقف الولايات المتحدة العدائي ضدهما في الكثير من الأحيان. فقد تطورت علاقاتها مع الصين بشكل ملحوظ منذ زيارة الملك عبد الله في عام ٢٠٠٦م. وإن كانت هذه العلاقات لا ولن تنافس عمق وأهمية العلاقات السعودية-الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة أضحت تنظر لها بعين من الريبة حيث أنه، من وجهة النظر الأمريكية، تعد العلاقات الاقتصادية مع الصين مقدمة لعلاقات أمنية وعسكرية أكثر أهمية إن احتاجت بكين لذلك. فلدى الصين عدة مميزات أهمها أنها تتبع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية سواءً السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية للدول بشكل أكبر من الولايات المتحدة. فلقد أصبحت المملكة المورد الأول للنفط الذي يغذي الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، كما أن الصين أكبر شريك تجاري للمملكة على مستوى العالم[xviii]. كذلك فإن المملكة هي واحدة من أربع دول فقط أبرمت معها الصين شراكة استراتيجية سمحت بتوسع التعاون الاقتصادي بين البلدين ليخرج عن النفط إلى مجالات أخرى. وعلى الرغم من حرص الصين على عدم الانخراط في صراعات المنطقة أو الارتباط بمنظومة الأمن الإقليمي بشكل رسمي، إلا أن حماية مصالحها الاقتصادية يرشح مثل هذا الانخراط للتزايد في المستقبل[xix]، وقد افتتحت الصين بالفعل أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي وهي ما تزال الوحيدة لها حول العالم، كما أنها تشارك في تدريبات عسكرية في المنطقة وإن كانت محدودة.

وعلى الرغم من أنه لا الولايات المتحدة ولا المملكة العربية السعودية تسعيان لفض التعاون العسكري المركب بينهما، فقد زادت مبيعات الأسلحة الروسية والصينية لدول الخليج العربي. وحتى إن كانت نسبة هذه المبيعات لا تتعدى ١٪ من مشتريات هذه الدول ولكنها تهيمن على قطاعات معينة مثل الدبابات الروسية والصواريخ الباليستية الصينية. ومثل الصين، لا تفرض روسيا شروطًا على استخدام الأسلحة التي تبيعها كتلك الشروط التي تستخدمها الولايات المتحدة من أجل التأثير على سياسات المملكة. أضف إلى ذلك أن الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض مبيعاتها من الأسلحة وشمول بعض الصفقات على أنظمة وأسلحة قد لا تحتاجها المملكة في الفترة الحالية يجعل التوجه نحو الخيار الصيني أو الروسي خيارًا مفتوحًا[xx]. ويعد استعداد المملكة لشراء نظام الدفاع إس ٤٠٠ الروسي مثالاً على ذلك، وإن كانت العلاقات الروسية-السعودية مرشحة للتطور بشكل محدود في إطار الفترة الحالية.

خاتمة

إن التساؤل حول مستقبل العلاقة المميزة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ليس بالجديد. فإن هذا التساؤل قد يكون قديم قدم العلاقة نفسها، خاصة وأنه لم يوجد تحالف رسمي بين البلدين. وقد ارتبط هذا التساؤل كثيراً بفترات الأزمات بينهما. ولكن حتى وإن استمرت الإرادة السياسية لدى البلدين في الحفاظ على "شراكة استراتيجية" أو "علاقة خاصة" أو شكل من أشكال "التحالف" بينهما، فإن التغيرات الجذرية في رؤى وخطط كل منهما على المستويين الداخلي والإقليمي والدولي تجعل ما يمكن أن يقدمه و ما يتوقعه كل طرف من هذه العلاقة يختلف عما سبق خلال الخمسة وسبعون عامًا الماضية.

 

[i] Miglietta, J., 2019, American Alliance Policy in the Middle East, 1945-1992 : Iran, Israel and Saudi Arabia, Lanham, Md. : Lexington Books, 2002, p.196.

[ii] للمزيد:WALD, E., 2019. SAUDI INC. [S.l.]: PEGASUS BOOKS.

[iii] Bronson, R., 2006, Thicker Than Oil : American’s Uneasy Partnership with Saudi Arabia, Oxford : New York : Oxford University Press, p.20.

[iv] Bronson, R. Thicker Than Oil, op.cit, p.98

 

[v] Bronson, R., Thicker Than Oil, op.cit, p.98.

 

[vi] Congressional REsearch Service, 2020, Saudi Arabia: Background and U.S. Relations: https://fas.org/sgp/crs/mideast/RL33533.pdf.

[vii] Congressional Research Services, Saudi-U.S. Relations, op.cit.

[viii] U.S. Energy Information Administration, 2010, U.S. Imports by Country of Origin: https://www.eia.gov/dnav/pet/PET_MOVE_IMPCUS_D_NUS_NSA_MBBL_M.htm; https://www.defenseone.com/ideas/2020/03/its-time-us-and-saudi-arabia-break/164034; Depetris, D., 2020, It’s time for the US and Saudi Arabia to Break up, Defense One, https://www.defenseone.com/ideas/2020/03/its-time-us-and-saudi-arabia-break/164034/.

[ix] انظر خطاب الرئيس ترامب حول حالة الاتحاد في فبراير ٢٠٢٠: https://www.msn.com/en-us/movies/news/trump-discusses-success-in-the-middle-east/vp-BBZF43G؛ انظر المناقشة بين المرشحين الديمقراطيين في يناير ٢٠٢٠: https://www.news18.com/news/world/a-mistake-says-joe-biden-after-bernie-sanders-raps-him-on-iraq-vote-in-us-democratic-debate-2458429.html.

[x] Saab, B., 2019, Arms Sales Cannot Replace U.S. Engagement in the Gulf, Foreign Policy: https://foreignpolicy.com/2019/09/20/arms-sales-cant-replace-u-s-engagement-in-the-gulf/.

[xi] SIPRI, 2019, the Foreign Military Presence in the Horn of Africa Region: https://sipri.org/sites/default/files/2019-04/sipribp1904.pdf.

[xii] Farouk, Y., 2018, The Middle East Strategic Alliace has a Long Way to go: https://carnegieendowment.org/2019/02/08/middle-east-strategic-alliance-has-long-way-to-go-pub-78317.

[xiii] Larim, M., Witties, T.K., 2019, America’s Middle East purgatory: The Case for Doing Less, Foreign Affairs, Januaru/February, pp. 23-37

[xiv] Satloff, R., 2019, Commitment Issues; Where Should the U.S. Withdrawal from the Middle East Stop, Foreign Affairs,, May/June,

[xv] Departement of Defense, 2018, National Defense Strategy: https://dod.defense.gov/Portals/1/Documents/pubs/2018-National-Defense-Strategy-Summary.pdf.

[xvi] Farouk. Y., 2018, The Middle East Strategic Alliance, op.cit.

[xvii] Alterman, J., Garver J., The Vital Triangle : China, the United States and the Middle East, Washington : Centre for Strategic and International Studies, 2008, p.59.

[xviii] https://www.csis.org/analysis/chinas-middle-east-model

[xix] https://www.ecfr.eu/publications/summary/china_great_game_middle_east

[xx] Kuimova, A., Saab, B. 2020, Gulf Security in a Multipolar Wrold, Arab Gulf States Institute in Washington, https://agsiw.org/programs/gulf-security-in-a-multipolar-world-new-defense-ties-reflect-competition-for-influence/

مجلة آراء حول الخليج