; logged out
الرئيسية / كورونا .. المأزق والحلول

العدد 149

كورونا .. المأزق والحلول

الأحد، 03 أيار 2020

من المؤكد أن فيروس كورونا المستجد من أصعب المخاطر التي واجهت البشرية في الألفية الثالثة، ليس لعدد الوفيات التي خلفها، أو عدد الإصابات التي تبدو ضئيلة أمام الأمراض الوبائية السابقة، ولكن لسرعة انتشاره في قارات العالم، وبسبب الآثار التي خلفها سواء الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، والنفسية، وغيرها سواءً التي حدثت أو المتوقع حدوثها لاحقًا.

فيروس كرونا المستجد طرح أسئلة كثيرة تتعلق بمستقبل العالم وتركيبته المرتقبة، وكيفية تجاوز الكساد وانهيار الأسواق ؛ خاصة أسواق الطاقة، وانبرى المختصون في طرح أسئلة حول تركيبة عالم ما بعد "كورونا" وما يترتب على التركيبة المحتملة، ومن بين هذه الأسئلة ما هو منطقي ، ومنها ما يتجاوز المنطق، لكنها تعكس حالة الهلع التي أصابت العالم لجائحة غير متوقعة وانتشرت مثل انتشار النار في الهشيم لذلك تبدو جميع الأسئلة مبررة حتى وإن تجاوزت تأثير الفيروس.

على المستوى الدولي، الأسئلة المطروحة ليست جديدة لكنها فرضت نفسها بشكل أكثر إلحاحًا ، خاصة ما يتعلق بمستقبل الدور الأمريكي، والتطلعات الصينية، فلا يخفى تأثر أمريكا بالإخفاقات التي تعرضت لها السياسة الأمريكية منذ مطلع الألفية الثالثة منذ عهد بوش الابن والحروب التي أشعلها المحافظون الجدد وخلط المعتقدات الدينية بالسياسية، ثم التراجعات أو الانسحابات، أو الفشل الأمريكي جراء معالجة السياسة الخارجية غير الدقيقة لقضايا وصراعات دولية وتحديدًا في الشرق الأوسط ،ما أفقد أمريكا التأييد الشعبي والذي حظيت به منذ انتهاء العالمية الثانية واشتعال الحرب الباردة حيث كانت أغلبية شعوب المنطقة المحافظة تقف مع أمريكا في مواجهة الاتحاد السوفيتي الملحد والشيوعي، لكن تغيرت حالة "التعاطف " بعض الشيء بعد الحروب المتتالية التي خاضتها واشنطن في المنطقة، ثم لمواقف الإدارة الأمريكية تجاه ما يسمى بثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث.

وعلى العموم ليس من المفيد أن تنشغل منطقة الشرق الأوسط كثيرًا بمن سوف يقود العالم في مرحلة ما بعد "كورونا" سواء أمريكا، أو الصين لاعتبارات عديدة، منها أن أمريكا لن تغير سياستها تجاه الشرق الأوسط ؛ فهي سياسة ممنهجة وتمارسها مهما تغيرت الإدارات أو الأحزاب الحاكمة في البيت الأبيض، والصين لن تغير سياستها المترددة ولن تقحم نفسها في صراعات المنطقة تحت أي ظرف من الظروف، فالصين (تاجر) معنية فقط بالاقتصاد وتأمين مصالحها دون أن تخوض أي صراعات، وغير معنية بالتحالفات السياسية والعسكرية.

وعلى ضوء اهتمام واشنطن وبكين بمصالحهما فقط، يجب على الدول العربية عدم الانشغال بمن سيصعد ومن سيهبط، وأن يكون التركيز على نقاط مهمة تتمثل في :

*تحقيق مصالح دول المنطقة بتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية.

*مراجعة قواعد البناء الاقتصادي والتركيز على اقتصادات المعرفة وتنويع مصادر الدخل ،والتخلي وبسرعة عن الاقتصاد الريعي بعد أن انهارت أسعار النفط، وتعطلت السياحة ، حتى لا يكون الاقتصاد عرضة للتقلب، وبناء قاعدة اقتصادية على التكامل القائم على المزايا النسبية المتاحة، وأن يكون اقتصادًا منتجًا يعتمد على الإنتاج الحقيقي القابل للمنافسة العالمية.

*بناء شبكة أمنية وعسكرية دفاعية للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة بالاعتماد على الذات بعد دراسة عميقة ومتأنية لتحديد المهام والأدوار لكل دولة ، ومن ثم تشكيل "ناتو عربي" قائم على فلسفة دفاعية بأسس سليمة قابلة للديمومة، ويدخل في ذلك برنامج متدرج ومتكامل للصناعات العسكرية التي تقلل من الاعتماد على الخارج في برامج التسليح، خاصة وأن دول عربية لها خطط طموحة في الصناعات العسكرية في مقدمتها السعودية والإمارات ، ودول أخرى لها خبرات في هذا المجال ومنها مصر.

*التأسيس لقاعدة علمية سليمة ترتكز على التعليم الحديث والبحث العلمي التطبيقي، والاستثمار في العقول ليكون التعليم والبحث العلمي أدوات إنتاج قائمة على عقول وخبرات محلية من المنطقة ؛ وهي موجودة وكثيرة حتى يمكن النهوض بخطط التنمية وتوفير مستلزماتها وهذا ما أكدته أزمة كورونا حيث تسابقت دول العالم على إنتاج اللقاحات والأدوية المعالجة للمرض دون مشاركة فعلية في هذا السباق من الدول العربية.

وبدون تحقيق هذه المرتكزات أو وتوفير هذه المطالب والاحتياجات الضرورية ستظل المنطقة مشغولة بمن يقود العالم ومن يتقهقر، وهي تنظر للتطورات العالمية المتلاحقة من نافذة المتفرجين لا منصة اللاعبين.

مقالات لنفس الكاتب