; logged out
الرئيسية / الاستعداد للأزمات المائية بتنمية معارف علمية جديدة ووضع آليات لترجمتها لعمل

العدد 149

الاستعداد للأزمات المائية بتنمية معارف علمية جديدة ووضع آليات لترجمتها لعمل

الثلاثاء، 05 أيار 2020

تغير المناخ هو تغيير في التوزيع الإحصائي لأنماط الطقس عندما يستمر هذا التغيير لفترة طويلة من الزمن) أي عقود إلى ملايين السنين). وقد يشير تغير المناخ إلى تغير في متوسط الأحوال الجوية في سياق ظروف متوسطة المدى للطقس. يحدث التغير المناخي بسبب عوامل مثل العمليات الحيوية، والتغيرات في الإشعاع الشمسي التي تتلقاها الأرض، والانفجارات البركانية. وقد تم تحديد بعض الأنشطة البشرية كأسباب رئيسية لتغير المناخ الحالي، والذي يشار إليه في كثير من الأحيان باسم الاحترار العالمي. ولا يوجد اتفاق عام في الوثائق العلمية أو وسائل الإعلام أو السياسات بشأن المصطلح الدقيق لاستخدامه للإشارة إلى التغيير الذي يحدثه الإنسان؛ يمكن استخدام "الاحترار العالمي" أو "تغير المناخ".

تسبب التغير المناخي في حدوث تغيرات خطيرة في عدد من مناطق العالم، تلك التغيرات أدت إلى وجود اختلال في النظام البيئي والجيولوجي بالإضافة إلى تزايد الكوارث البيئية، الأمر الذي يهدد كلاً من الأمن الإنساني والبيئي. فازدياد ارتفاع مستوى سطح البحر، والانبعاث الحراري، والتصحر، وتآكل التربةـ وفقدان المياه الجوفية العذبة، يمثل الخطر الأكبر للدور الجزرية والمناطق الساحلية والصحراوية الجافة على وجه الخصوص. إذ نجد أن التغير المناخي يمثل السبب الرئيسي في فقدان التنوع الحيوي، وندرة الموارد الطبيعية، وتهديد النمو الاقتصادي والأمن الغذائي، وانتشار الأمراض والأوبئة وتزايد معدلات الهجرة والتغير الاجتماعي.

ولقد تمّ النظر إلى الأمن المائي في الأساس على أنه الحالة التي يكون فيها عند كل شخص الفرصة أو القدرة على الحصول على مياه نظيفة وآمنة بالقدر الكافي وبالسعر المناسب حتى يتمّكَّن من أن يعيش حياة صحية وكريمة، وأن يكون له القدرة على الإنتاج، مع الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي توّفر المياه وتعتمد عليها في الوقت نفسه، بينما يؤدي انقطاع سبل الحصول على المياه إلى تعرّض البشر لمخاطر كبيرة تتعلَّق بالأمن البشري أبرزها انتشار المرض وانقطاع سبل المعيشة. ويتفق هذا مع إعلان لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي نصّ على "حق الإنسان في المياه يجب أن يكفل للجميع إمكان الحصول على المياه بشكل كافٍ وآمن ومقبول وبسعر مناسب مع القدرة على الوصول إليها وذلك لأغراض الاستخدام الشخصي والمنزلي". ووفقًا لهذا الإعلان فإن الحصول على المياه يُعتبر حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان. وفي المقابل، يُعتبر انعدام الأمن المائي انتهاكًا لمبادئ العدالة الاجتماعية والمواطنة إذ من المفترض أن تكفل المواطنة العادلة لكل شخص الحق في قدر متكافئ من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية بما في ذلك ممارستها بفاعلية، بينما يُعّد انعدام الأمن المائي تهديدًا لها لأنه يقلّل من تكافؤ الفرص الذي هو شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية. فلم يعد اعتبار الأمن المائي من ضمن قضايا ندرة المياه وما يتعلق بها من عجز الموارد المائية عن تلبية الطلب فقط، ولكن كنتيجة أيضًا لسياسات سوء إدارة الموارد المائية.

فالمياهفيأنحاءكثيرةمنالعالميعتبر الضحيةالأولىللتغيراتالمناخية،فمعظم دول المنطقة العربية تعاني من مشاكل مائية مختلفة بسبب التغيرات المناخية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. ومن وجهة نظر مناخية بيئية، تمتد معظم المنطقة العربية عبر مناطق شبه قاحلة وجافة وصحراوية. وتتصف المنطقة من الناحية الاجتماعية الاقتصادية بزيادة عدد السكان بشكل سريع، مما أدى إلى انخفاض حاد في نصيب الفرد من المياه. مما أظهر الحاجة الماسة والضرورية للتصدّي لآثار التغير المناخي على المياه، نتيجة تأثير تلك الظواهر على الكائنات الحية، وعلى الاقتصاد والأراضي، والطاقة، والإنتاج الزراعي، والصيد البحري والنهري، والنقل البحري والنهري والسياحة.

ومن المتوقع وفقًا لكافة التقارير الصادرة من المنظمات العالمية والإقليمية المختصة بشؤون البيئة والمناخ، بأن الموارد العالمية من المياه الصالحة للشرب سوف تخضع إلى ضغوطات غير مسبوقة، وأن ارتفاع عدد السكان والتطور الاقتصادي سوف يؤديان إلى استغلال مُتزايد للموارد المائية. والمثال الأكثر دلالة على هذه الظاهرة التي تهدد الأمن المائي في منطقتنا العربية هو ما حدث في منطقة جغرافية أخرى بالقارة الآسيوية، وهو الاختفاء شبه التام لبحر آرال، في آسيا الوسطى، الذي كان يعد سابقًا البحيرة المالحة الرابعة الأكبر في العالم، وتصحّرت في خلال 40 عامًا ولم يعد سوى 10% من مساحة تلك البحيرة الأصلية بسبب استخراج المياه من المنابع التي كانت تنصب فيها.

وبشكل عام، فإن تداعيات النشاط البشري على الأنظمة الطبيعية وكذلك التحضُّر (أكثر من نصف السكان يعيشون في المدن)، وإزالة الغابات، والتنمية الفلاحية كان لها انعكاسات هامة على خصائص الماء وكمّياته. وجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تقع في نطاقها المنطقة العربية تضم 14 دولة من بين 33 دولة تعاني من ندرة المياه على مستوى العالم حيث يقل توافر المياه فيها بمعدل 6 مرات عن متوسط توافرها حول العالم وتقل نسبة مصادر المياه المتجددة فيها بمعدل 2% عن بقية العالم. وتُصنف دول مجلس التعاون الخليجيالبحرين، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وعمان ضمن أكثر 10 دول معاناة من ندرة المياه. وتتفاقم أزمة المياه في المنطقة بسبب الانفجار الديموغرافي خاصةً في دول مجلس التعاون الخليجي التي تُعد ضمن أعلى الدول في معدلات استهلاك المياه للفرد الواحد في العالم. وعلاوة على ذلك، يتوقع البنك الدولي بلوغ توافر المياه النصف للفرد بحلول عام 2050 مما يشير إلى عدم تمكّن معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تلبية الاحتياجات الحالية من المياه بصورة مستدامة.كما يَستهلك القطاع الزراعي في دول مجلس التعاون الخليجي 85% من المياه نتيجة لعمليات الري الكبير وبالرغم من نقص مصادر المياه؛ إلاّ أنّ أسعار مياه الري عادةً ما تكون دون التكلفة بالإضافة إلى ذلك، فإنّ وجود شركات الطاقة الفرعية في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يؤدي إلى عدم دفع أي رسوم لاستخدام المياه الجوفية نظير نقل المياه السطحية وضخ المياه الجوفية.

وبالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، يُشكل التغير الديموغرافي السريع والتصنيع المستمر ضغطًا على مصادر المياه الشحيحة في دول مجلس التعاون الخليجي والذي يؤثر في التغير المناخي أيضًا ممّا يُفضي بدوره إلى زيادة استنفاد مصادر المياه العذبة في المنطقة. فقد أدى التطور غير المسبوق في دول مجلس التعاون الخليجي إلى تغيرات ديناميكية في الإشعاعات وسطح الأرض واستهلاك الموارد. ونتيجةً لذلك، تعاني المنطقة من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التبخر، وهو الأمر الذي يصاحبه انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 20% وزيادة معدلات تركيز الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي كما تشكّل هذه التغييرات المناخية تهديدًا كبيرًا على الأمن المائي في المنطقة العربية ككل.

وبالنسبة لمصر والعراق والسودان والتي تملك أعلى معدل للموارد مائية سنوية بين البلدان العربية، أكثر من 50 % من الموارد السطحية هي خارجية، مما يولد مزيدًا من الضغوط على وضعها المائي. أما الجزائر ولبنان وموريتانيا والمغرب والصومال وسوريا وتونس واليمن تأتي في المرتبة الثانية من مجموع الموارد المائية، وهي بين 5 مليار و30 مليار متر مكعب في السنة. ولدى بقية البلدان العربية موارد مائية تقل عن 5 مليارات متر مكعب في السنة. وعلى رغم أن مجموع الموارد المائية الجوفية السنوية في المنطقة العربية يبلغ حوالي 35 مليار متر مكعب، فإن أكثر من 50% من المياه في شبه الجزيرة العربية هي مياه جوفية.

وتعتبر الموارد المائية السنوية للفرد مقياسًا هامًا للوضع المائي في الدولة، فجميع الدول العربية تواجه وضعًا مائيًا حرجًا، ما عدا العراق الذي لديه حصة مائية تزيد على 2900 متر مكعب للفرد في السنة. ولبنان وسوريا تواجهان حاليًا إجهادًا مائيًا (1000 الى 1700 متر مكعب للفرد في السنة)، فيما تواجه بقية البلدان العربية شحًا مائيًا (أقل من 1000 متر مكعب للفرد في السنة).

ومع نهاية القرن الحادي والعشرين، يُتوَقَع أن يزداد تدفق الأنهار الواقعة في مناطق مرتفعة، بينما يميل التدفق من الأنهار الكبرى إلى الانخفاض. وعلاوة على ذلك، سوف يوسّع ارتفاع مستوى سطح البحر مساحة المياه الجوفية المالحة، ما يؤدي إلى انخفاض في توافر المياه العذبة والنظم الايكولوجية في المناطق الساحلية بالمنطقة.

إن التوقعات الخاصة بتغير المناخ، قد أظهرت أن دول عربية مثل الجزائر وتونس ومصر والمغرب وسوريا قد تواجه نقصًا مائيًا حادًا بحلول عام 2050م، وربما العراق وحده يُتوَقَع أن يكون في وضع أفضل نسبيًا.

ومما سبق نجد أن الوضعَ المائي في المنطقة العربية يهدد بضغوط بيئية واجتماعية واقتصادية. وتلاحَظ تأثيرات سلبية كثيرة لتغير المناخ على نظم المياه العذبة في دراسات حديثة. هذه التأثيرات ناتجة من الزيادات الملحوظة في درجات الحرارة والتبخر ومستوى البحر والتساقطات.

استراتيجيات ومنهجية التعامل مع الأزمة

على الرغم من الصورة غير الوردية التي تم استعراضها أعلاه إلا أنه مازال بالإمكان التفكير في استراتيجيات ومنهجيات للتعامل مع تلك الأزمة لإيجاد الحلول لمواجهة تفاقم الاختلال المائي في المنطقة العربية وتجنب المخاطر التي يمكن أن تواجه الأجيال القادمة. فالمعاناة ليست من نفاذ المياه ولكن هناك العديد من الدول أصبحت بالفعل تُعاني من نفاذ الوقت لحل مشاكلها المائية، سواء المعاناة من نقص المياه أو الإجهاد المائي أو ندرة المياه.

وتتمثل نقطة البداية في محاولة الوصول إلى استراتيجيات تتعامل مع المياه باعتبارها موردًا نادرًا أي بافتراض أسوأ الاحتمالات والعمل على هذا الأساس. كذلك اعتماد مفهوم الإدارة السليمة لموارد المياه مع تأمين وصولها إلى الجميع بقدر كبير من المساواة في الفرص يشكل المدخل العملي لنجاح هذه المعالجات. وعلى الدول العربية أن تحلل مواطن الضعف وأن تتبنى استراتيجيات تدفع إلى الصمود أي قدرة نظام ما على امتصاص الصدمات، والمواصلة في التجدّد دون أن تتغير حالته.

 1- التخلي وبمعدل سريع عن سياسات الدعم التي لازال يتم اعتمادها في بعض الدول العربية، فلا بد من إلغاء كافة أشكال الدعم التي تقدِّمها الدولة للأفراد لاستخراج المياه عبر تخفيض أسعار الكهرباء أو غيرها، كما لا يُمكن استمرار التعامل مع المياه باعتبارها سلعة مجانية. لذا لا بد من اعتماد استراتيجية عادلة لتسعير القيمة الفعلية للمياه في الدولة على ضوء درجة توافرها.

 2- إجبار أرباب الصناعات الملوّثة للبيئة على ضرورة إصلاح وإزالة ما احدثته تلك الصناعات من تلوث وفرض نظام قانوني قوي ونافذ للغرامات المالية والعقوبات الصارمة.

3- الحفاظ على مصادر المياه الجوفية كمصدر بديل رئيسي وتنظيم استخدامه.

4- التفكير في الوسائل البديلة وتطويرها المستمر، ففي ظل المخاطر التي تُهدد الأمن المائي، تلجأ دول مجلس التعاون الخليجي كافة إلى تحلية المياه لتلبية المطالب المتزايدة وعلى الرغم من تقدّم استخدام الوسائل المبتكرة لمعالجة انخفاض هطول الأمطار في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال عمليات تلقيح السحب للاستمطار على مدى السنوات القليلة الماضية، فقد ظلت دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المياه المحلاة، هذا ويُذكر أنّه توجد نسبة 75% من المياه المحلاة في العالم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتركز ما يصل إلى 70% من إجمالي هذه النسبة في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي ظل مواجهة الاستهلاك المتزايد بشكل مستمر، يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي تشجيع تطوير الصور البديلة لمصادر المياه والطاقة مع الحفاظ على الموارد النادرة في سبيل تلبية المطالب المستقبلية بصورة مستدامة.

5- زيادة جانب العرض من خلال تخفيض الطلب على المياه، فعلى سبيل المثال قد تجد بعض الدول أنوه من الأفضل استيراد بعض السلع الزراعية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. فتكون بذلك قد قامت عملية استيراد غير مباشرة للمياه في صورة سلع زراعية من دول أخرى قد تكون مصادر المياه فيها أكثر وفرة. وكذلك أيضًا خفض الطلب من خلال استبعاد بعض الصناعات المستنزفة للمياه وتخفيض استعمال الأسمدة الكيمياوية في الزراعة إذ أنها تتطلب كميات كبيرة من المياه واعتماد أساليب حديثة في الري (مثل الري بالتنقيط) والاتجاه نحو الزراعات العضوية كون حاجتها إلى المياه أقل.

وخلاصة القول، فإن أرادت دول المنطقة العربية الاستعداد الجاد لمواجهة أزمة مائية حادّة، فسيكون السبيل هو ضرورة تنمية معارف علمية جديدة، وذلك لإدراك تطوّر الأنظمة المائية المتأثرة، ووضع أشكال جديدة للتعاون العلمي يجمع بين اختصاصات متعددة لاستيعاب تلك الأنظمة وتداعياتها المجتمعية، وبين إدماج المعارف الجديدة في البحث العلمي للاستجابة بأفضل شكل للاحتياجات البشرية، ووضع آليات أكثر فعالية لترجمة المعارف العلمية إلى عمل فعلي وفعّال.

                    

 

 

المصادر:

1- مجلة البيئة والتنمية، عدد 242، مايو 2019. 2- صخري محمد، الامن المائي وتداعياته على الامن الدولي (1989 – 2018)، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية.https://bit.ly/3cqibbC

3- محمود مدني، تأثير تغير المناخ على البلدان العربية، مجلة البيئة والتنمية، نوفمبر 2018.

4- عمر علي الخشمان، الامن المائي والتغير المناخي، جريدة الأنباط: http://www.alanbatnews.net/post.php?id=262705

5- Aljenaid Sabbah; Nadir A. Hammed Musa، Maha Mahmood Alsabbagh, 2010; Coastal Areas and Marine Environment; Arabian Gulf University (AGU).

6- كلمة السيد اسماعيل ولد الشيخ أحمد، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، "المبادَرةُ العربيّة لمواجهة آثار تَغيُّر المناخ"، الاجتماعُ التَّشاوُريُّ الإقليميّ حول تأثيراتُ تَغيُّر المناخ في المنطقة العربية: نُدرةُ المياه، والجفاف، وتنقُّلُ السُّكّان، دمشق، سبتمبر 2010.

7- التقرير الاستراتيجي الإفريقي، جامعة إفريقيا العالمية 2015 – 2019.

8- كليب سعد كليب، الأمن المائي في البلدان النامية في القرن الحادي والعشرين، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، بيروت.

9- الندوة الدولية حول الماء والمناخ، "الأمن المائي من أجل عدالة مناخية"، الرباط، 11 - 12 يوليو 2016.

10- ساجدة محمد، أثر التغير المناخي على الموارد المائية، دراسة حالة: المياه الجوفية في الأردن، المجلة الإلكترونية الشاملة https://www.eimj.org

مجلة آراء حول الخليج