; logged out
الرئيسية / 8 محاور لتفعيل دور الإعلام في نشر الوعي بالتغير المناخي

العدد 149

8 محاور لتفعيل دور الإعلام في نشر الوعي بالتغير المناخي

الثلاثاء، 05 أيار 2020

باتت ظاهرة التغير المناخي واحدة من أهم القضايا التي تشغل دول العالم، بسبب تداعياتها وتأثيراتها على البيئة، التي تشكل في مجملها خطورة على حياة الإنسان، لما ينتج عنها من ظواهر مثل الجفاف نتيجة تأثر الموارد المائية بتغير المناخ، والتصحر الذي يعني تحول رقعة الأراضي الزراعية إلى صحراء، إضافة إلى غرق كثير من المناطق نتيجة ارتفاع منسوب البحر، فضلاً عما أشارت إليه اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من وجود علاقة وثيقة بين تلك الظاهرة، وانتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والملاريا.. وغيرها، إلى جانب اندلاع الحرائق في الغابات بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وتأثيرها على الأمن الغذائي للسكان في عدة بلدان، فوفقًا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الصادر عام 2019م، أكثر من 820 مليون شخص قد عانوا من الجوع بفعل تغير المناخ.

التغير المناخي ودلائله عربيًا وعالميًا

التغير المناخي الذي يعني في أبسط تعريفاته "اختلال أو تغيير في المعدل العام لمناخ الكرة الأرضية"، أصبح يشكل أرقًا شديدًا لأغلب دول العالم، خاصة مع ظهور تداعياته التي وثقتها بعض دراسات الجغرافيا الطبيعية- بالأرقام- في سياق مناقشتها لدلائل التغير المناخي، منها: ما ذكره المجلس القومي للبيئة ببيرون عن تعرض 18 قمة جليدية للذوبان من المنطقة الجليدية التي تمتد عبر وسط وجنوب جبال الأنديز في أراضيها خلال الثلاثين عامًا الماضية، إضافة إلى دراسة أجراها كيمبرلي أوريموس، الأستاذ المساعد في السياسة البحرية بجامعة دويلاوير، كشفت عن تأثر قطاع الصيد التجاري في أقليم نيو إنجلاند الواقع شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية بعدما فقد 16% من العاملين بهذا القطاع وظائفهم من إجمالي 34 ألف شخص، بفعل ظاهرة التغير المناخي التي تسببت في تغير درجات المياه، الأمر الذي دفع بعضهم للعمل في مهن أخرى، أو الهجرة لبلدان أخرى بحثًا عن عمل. إضافة إلى اندلاع حرائق الغابات في استراليا التي أرجعها متخصصون وعلماء البيئة إلى ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وشهور متواصلة من الجفاف الشديد، بفعل تغير المناخ، دمرت أكثر من 1300 منزل، وأجبرت آلاف على النزوح.

الأخطر من ذلك، إحصائية استندت إليها منى عبد الحليم رضوان، في دراستها المنشورة  بالعدد الرابع بالمجلة العلمية للاقتصاد والإدارة بكلية التجارة جامعة عين شمس، بأن التكلفة الإجمالية لتغير المناخ قد تصل إلى 3.68 تريليون جنيه إسترليني إذا لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة تغير المناخ، وأن تكاليف تحمل المخاطر الناتجة عن تلك التغيرات ستكون معادلة لفقدان ما لا يقل عن 5 %  من إجمالي الناتج العالمي كل عام، وقد ترتفع لتصل إلى نسبة 20 % من إجمالي الناتج العالمي كل عام أو تزيد، ما يعني أن انعكاسات  ظاهرة تغير المناخ على دول العالم تترجم في النهاية  إلى أرقام اقتصادية.

ولعل المدقق والمتابع، لأغلب التقارير التي تصدرها وزارات البيئة في المنطقة العربية بوجه عام، ودول الخليج بوجه خاص، يجد دلائل على ظهور آثار التغير المناخي، بارتفاع شديد في درجات الحرارة لتصل إلى معدلات تقارب الخمسين درجة وربما أكثر، وتساقط الثلوج على قمم الجبال في رأس الخيمة بالبياض بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك في مدن تبوك والرياض وشوارع القصيم بالمملكة العربية السعودية، وكذلك على جبال مسندم في سلطنة عُمان.

 دراسة حديثة أجراها الدكتور سعيد حمد الصارمي، خبير الأرصاد الجوية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج، ناقش فيها دلائل تلك الظاهرة بمنطقة الخليج، ونشرتها صحيفة البيان الإماراتية، كشفت عن أن الظاهرة أصبحت ملموسة في الواقع، مدللًا على ذلك  بزيادة درجات الحرارة، ارتفاع معدلات العواصف والأعاصير والمنخفضات الجوية المتعمقة، وسقوط الثلوج، قائلاً فيها: بالاستناد إلى قراءات محطات الأرصاد الجوية في دول الخليج خلال الـ30 إلى 60 سنة السابقة، وبتحليل تلك القراءات تم التوصل إلى حقائق تمثلت في أن معدلات درجات الحرارة في تزايد خلال الستين عاما الماضية خاصة بعد 1998م، كما أن عدد الليالي الباردة التي سُجلت فيها درجات حرارة أقل من 15 إلى 20 درجة مئوية انخفضت بصورة ملحوظة، ما يشير إلى ارتفاع درجات الحرارة خلال النهار، إضافة إلى شدة هطول الأمطار خلال فترات قصيرة، ما يعني أن الأرض لن تستوعب كميات الأمطار المنهمرة وبالتالي تؤدي إلى حدوث السيول والفيضانات، وجميعها مؤشرات على وجود التطرف المناخي- حسب تعبيره- في منطقة الجزيرة العربية.

أيضًا ما ذكره الباحث في علوم الفلك والأرصاد الجوية، عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، إبراهيم الجروان، في تحليله لظاهرة التغير المناخي بالمنطقة العربية، أن هناك ما بين 15 إلى 20 إعصارًا سنويًا تمر على المنطقة بعدما كانت لا تتجاوز 5 أعاصير.

الإعلام ومعضلة الوعي بالتغير المناخي.. 4 إشكاليات رئيسية

وتشير الدراسات التي اهتمت بتحليل أسباب تغير المناخ، إلى أن هناك مسببات طبيعية لتلك الظاهرة- لا دخل للإنسان فيها- مثل البراكين، وسقوط النيازك الكبيرة، وتغيرات فلكية في حركة الأرض، إلا أن السلوك البشري غير الرشيد عاملًا أساسيًا من العوامل المسببة لتلك الظاهرة، بما يتضمنه من حرق الوقود والمخلفات وعوادم السيارات والمولدات الكهربائية التي ينتج عنها غازات مثل "ثاني أكسيد الكربون، الميثان، الكلورفلوروكربونات" التي من شأنها مضاعفة تلك الظاهرة، فضلاً عن سلوكيات آخرى مثل قطع الأشجار والغابات التي تحد من مثل هذه الملوثات الغازية، وهي في مجملها ناتجة- حسب نتائج الدراسات- عن غياب الوعي البيئي، ما يعني أن نجاح الدول في مواجهة تلك الظاهرة، أمر يرتبط بوعي مواطنيها، وترشيد سلوكهم البيئي، ما يبرز أهمية الحديث عن دور الإعلام في تلك المسألة.

ووفقًا لنتائج الدراسات التي اهتمت بتحليل دور الإعلام في نشر الوعي بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، فقد خلصت إلى أربع إشكاليات رئيسية، تشير إلى أن الإعلام لم يقم بدوره على الوجه الأمثل- في هذه القضية، يمكن عرضها على النحو التالي:

-       الإشكالية الأولى: محدودية الاهتمام بالتغير المناخي في الخطاب الإعلامي

فقد أشارت الدراسات سواء تلك التي اهتمت بتحليل العلاقة بين الإعلام العربي وقضايا البيئة بوجه عام، أو تلك التي اهتمت بالتناول الإعلامي العربي لظاهرة التغير المناخي، إلى محدودية الاهتمام بتلك الظاهرة، وتجلي ذلك في ضوء ثلاثة مؤشرات رئيسية، هي: اهتمام عدد قليل من الصحف والقنوات بنشر الفعاليات من ندوات وورش عمل وحلقات نقاشية مرتبطة بظاهرة تغير المناخ ومناقشة تداعياتها، وتخصيص مساحات ضئيلة بالصحف والقنوات للحديث عن هذه الظاهرة، إضافة إلى أن أغلب المعالجات "موسمية"، فأغلب الدراسات تشير إلى أن القضايا البيئية – بوجه عام- ومن بينها تغير المناخ، يرتبط ظهورها في أغلب الأحيان بانعقاد قمة عالمية، أو مؤتمر لوزارة البيئية، أو ندوة أو ورشة عمل على المستوى الدولي.

وتأسيسًا على ما سبق، فإن محدودية الاهتمام بتلك الظاهرة في وسائل الإعلام، ينعكس على محدودية اهتمام الجمهور بظاهرة التغير المناخي، وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء نظرية ترتيب الأولويات "TheoryAgenda Setting"، احدى النظريات الإعلامية التي تستند لفرضية علمية مفاداتها: وجود علاقة بين القضايا التي تهتم بها وسائل الإعلام، وتزايد اهتمام الجمهور بتلك القضايا"

-       الإشكالية الثانية: سطحية المعالجة الإعلامية للظاهرة

وتبرز هذه الإشكالية في أن المعالجات الإعلامية لظاهرة التغير المناخي في أغلب وسائل الإعلام العربية، يسيطر عليها الطابع الإخباري، دون الاهتمام بعمل تغطيات موسعة ومعمقة يسيطر عليها الطابع التحليلي والتفسيري الذي يسلط الضوء على مختلف أسباب الظاهرة، ويناقش تداعياتها ومخاطرها المتعددة، على نحو يحقق الفهم الكامل للمواطن، ويزيد من وعيه، ويساهم في ترشيد سلوكه البيئي.

ولعل هذه الإشكالية تكشف مدى قصور بعض وسائل الإعلام العربية في القيام بإحدى أهم وظائفها المتمثلة في الوفاء بحق الجمهور في المعرفة، التي تشكل معيارًا أساسيًا في نجاحها المهني، واكتساب مصداقيتها لدى الجمهور.

-       الإشكالية الثالثة: عدم وعي الإعلاميين بالظاهرة

أشارت أغلب الدراسات إلى أن هذه الإشكالية تعني بعدم الفهم الجيد من قبل الإعلاميين لظاهرة التغير المناخي، ومحدودية وعي بعض الإعلاميين بأغلب المصطلحات المرتبطة بتلك الظاهرة، وأبعادها، وتداعياتها، ومخاطرها.

وفي هذا الصدد، توصي أغلب الدراسات بضرورة التكوين المعرفي لهؤلاء المرتبط بتزويدهم بالمعارف والمعلومات المرتبطة بالقضايا البيئية، ومن بينها تغير المناخ، وكذلك التكوين المهني المرتبط بمهارات الكتابة لشؤون البيئية.

الإشكالية الرابعة: تهميش التخصص البيئي

وتتجلي ملامح هذا التهميش في عدم تخصيص قسم بعينه منوطًا بتغطية الشؤون البيئية، إلا في القليل منها، أو وجود هذا القسم ضمن فئة الصفحات المتخصصة بالجريدة، ليكون هناك صحفي واحد داخل المؤسسة منوطًا بتغطية شؤون البيئية.

لا تقتصر ملامح التهميش على فكرة وجود قسم منوط بالصحافة البيئية من عدمه، وإنما يمتد الأمر للنظرة غير الموضوعية للصحفيين والإعلاميين العاملين بهذه الأقسام رغم أهمية دور هؤلاء خاصة في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بقضايا البيئة.

شكل رقم (1)

أربع إشكاليات رئيسية في علاقة الإعلام بنشر الوعي بتغير المناخ

 

 

 

 

ثنائية الوعي والسلوك البيئي الرشيد:

ولا شك إن تفعيل دور الإعلام في زيادة وعي المواطنين بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، أمر من شأنه أن يسهم في ترشيد سلوكهم إزاء البيئة، خاصة أن الوعي في مجمله يتشكل من حصيلة المعارف والمعلومات التي يحصل عليها الإنسان من محيطه، وتؤثر في سلوكه.

إن قيام الإعلام بدوره في تنمية الوعي البيئي يأتي انطلاقًا من دوره في عملية أشمل يلعب فيها دورًا محوريًا هي "التربية البيئية" التي تعني في أبسط معانيها " عملية إعداد الإنسان للتفاعل الناجح مع البيئة، واستغلال مواردها دون تلويثها". وبالتالي، فإن العلاقة بين الإعلام والتربية البيئية "تكاملية"، فالهدف الرئيسي من تلك العملية هو زيادة الوعي، والإعلام أحد أهم أدوات تكوين الوعي البيئي الجيد، الذي يرشد سلوك المواطنين نحو البيئة، خاصة أن السلوك الإنساني يميزه- حسب علماء النفس- عدة سمات، أبرزها:

-       مسبب: بمعنى أن السلوك لا ينتج من العدم، فهناك دائما سبب يؤدى إلى ظهوره.

-       هادف: بمعنى أن السلوك الانساني يهدف إلى تحقيق غاية معينة أو إشباع حاجة محددة، وتمثل هذه الحاجة دافعًا للسلوك وسببًا له.

-       مرن: بمعنى أن السلوك الإنساني يتعدل ويتبدل وفقًا للظروف والمواقف المختلفة التي تواجه الفرد، مع الأخذ في الاعتبار أن مرونة السلوك عمليه نسبيه، تختلف من فرد إلى آخر، طبقًا لاختلاف مقومات شخصيته والعوامل البيئية المحيطة به.

-       القابلية للضبط: فأي شخص بإمكانه أن يعدل من سلوكياته في ضوء الظروف المحيطة به، وضبط السلوك هنا يقصد به تحويل السلوك السلبي إلى إيجابي.

شكل رقم (2)

ثنائية الوعي الجيد والسلوك الرشيد

 

خلاصة القول، أن تفعيل دور الإعلام في تكوين الوعي الجيد لدى الجمهور بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة، أمر قد يسهم في ترشيد سلوك المواطنين على نحو يحد من الممارسات السلبية التي تزيد من مضاعفة تلك الظاهرة وأضرارها.. لذا نعرض لاستراتيجية من 8 محاور رئيسية لتفعيل دور الإعلام في زيادة الوعي بشأن تلك الظاهرة.

8 محاور لتفعيل دور الإعلام في نشر الوعي بظاهرة التغير المناخي

بعدما استعرضنا الإشكاليات الرئيسية التي تفسر علاقة الإعلام بمعضلة الوعي بظاهرة التغير المناخي، يمكن طرح 8 محاور رئيسية، تشكل في مجملها رؤية علمية منهجية لتفعيل دور الإعلام في زيادة وعي الجمهور بظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها المختلفة في المنطقة العربية، على النحو التالي:

 

شكل رقم (3)

8 محاور لتفعيل دور الإعلام في زيادة الوعي بالتغير المناخي

 

 

-       المحور الأول: إعداد «دليل مفاهيمي» للإعلاميين

بمعني إعداد دليل يشارك في كتابته خبراء البيئة يشرح ويفسر كل ما يتعلق بظاهرة التغير المناخي من مفاهيم ومصطلحات، بما يساهم في زيادة وعي الإعلاميين والصحفيين بقضايا البيئة بوجه عام، والتغير المناخي بوجه خاص، وينعكس بالإيجاب على دورهم في توعية المواطنين بالممارسات البيئية الجيدة التي تحد من مخاطر تلك الظاهرة، خاصة أن نجاح الإعلام في تأدية هذا الدور يتوقف على قدرة الصحفيين والإعلاميين في تبسيط بعض المصطلحات المتخصصة مثل التغير المناخي، الغازات الدفيئة، الاحتباس الحراري... وغيرها.

-       المحور الثاني: التكوين المعرفي والمهني للإعلاميين والصحفيين

يتم ذلك عبر الدورات التدريبية المتخصصة التي تستهدف زيادة معارف ومعلومات الصحفيين والإعلاميين بقضايا البيئة، إضافة إلى إكسابهم مهارات الكتابة والتحرير للشؤون البيئية كأحد التغطيات الصحفية المتخصصة، بما ينعكس في النهاية على جودة أدائهم، وقيامهم بدورهم الحقيقي في توعية الجمهور.. ويرتبط بذلك مطلبًا آخر بضرورة حرص المؤسسات الصحفية على إعداد كوادر مؤهلة مدربة واعية بالتعامل مع الظواهر النوعية مثل التغير المناخي.

-       المحور الثالث: وثيقة توجيهية عربية لوسائل الإعلام

بمعني أن وسائل الإعلام العربية عليها أن تعيد النظر في ترتيب أجندة قضاياها بمنظور نقدي، لا سيما في ظل انصراف كثير منها عن القضايا الجوهرية مثل التغير المناخي، وانشغالها بقضايا سطحية لا تمس واقع ومشكلات المجتمع، وينبغي أن تتصدر ظاهرة التغير المناخي أجندة وسائل الإعلام، على نحو يكسب الجمهور معارف ومعلومات ترتبط بقضايا البيئة، ويرشد سلوكه.. وفي هذا الصدد لابد من تعاون مجلس وزراء الإعلام العرب مع النقابات والجمعيات والاتحادات والهيآت المنوطة بتنظيم شؤون وسائل الإعلام، لصياغة "وثيقة توجيهية" ترشد وسائل الإعلام للقضايا الجوهرية الخاصة بالمنطقة العربية، وسبل معالجتها بشكل يسهم في بناء الوعي الجيد لدى الجمهور.

-       المحور الرابع:  رسائل إعلامية مؤثرة

بمعني أن تكون الرسالة الإعلامية واضحة، بسيطة، فأحد جوانب التميز في صياغة الرسالة الإعلامية، يرتبط بمدى وضوحها، وفهمها، من جانب الجمهور، إلى جانب التنويع في الاستمالات المستخدمة أي المداخل الإقناعية في بناء الرسائل الإعلامية، وهنا يشير خبراء الإعلام إلى نمطين، أساسين من الاستمالات، الأولى: عاطفية أي تستهدف مخاطبة العاطفة والوجدان، التي تعتمد على تكنيك "التحفيز" أي تشجيع المواطنين على السلوكيات الرشيدة، وتحفيزهم بأن ذلك سيضمن لهم حياة أمنة، أو تكنيك "التخويف" ويمكن توظيفه في سياق الحديث عن المخاطر التي تعود على الإنسان حال عدم ترشيد سلوكه البيئي، الثانية: عقلانية تستهدف مخاطبة العقل بالأرقام والإحصائيات، وتفنيد مختلف وجهات النظر التي تبرهن على خطورة الظاهرة وتداعياتها.

المحور الخامس: المعالجة التحليلية والتفسيرية

بمعنى أن تركز مختلف وسائل الإعلام على الجانب التحليلي والتفسيري في المعالجة لقضايا البيئة بشكل عام، والتغير المناخي بوجه خاص، فتبتعد عن الطابع الإخباري، وتفسح المجال للتحقيقات التي تناقش وتحلل الأبعاد المختلفة لتلك الظاهرة، وتداعياتها، وتأثيراتها المختلفة على المنطقة العربية، وتناقش القضايا النوعية المرتبطة بتلك الظاهرة كالتنمية المستدامة وآثرها على التوازن البيئي، وملوثات التربة وأنواعها وخطورتها وكيفية مواجهتها، وتجارب الدول في الاستفادة من المخلفات وتدويرها.. وغيرها.

 

المحور السادس: مداخل مبتكرة لمخاطبة الجمهور

هنا ينبغي إطلاق عدة حملات، منها –على سبيل المثال- حملات التوعية التي تستهدف توعية المواطن العربي بالقضايا والمشكلات البيئية، ودوره في الحد منها، ومكافحتها، وحملات التسويق الاجتماعي التي تستهدف بالأساس التسويق لأفكار ومبادرات من شأنها دعم جهود التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة، مثل حملة تسوق لفكرة التخلص من النفايات والمخلفات بشكل آمن دون الإضرار بالبيئة، أو مبادرة لمكافحة الفيروسات.

على هامش تدشين هذه الحملات، ينبغي أن تركز وسائل الإعلام على ثلاثة أساليب رئيسية، كي تحقق التأثير المنشود منها، الأول: المنفعة المشتركة، من خلال تعديد المكاسب التي ستعود على الإنسان حال ترشيد سلوكه البيئي، الثاني:  انتقاء الجمل والكلمات المؤثرة فإذا ما أرادنا إقناع شخص بشيء ما، فلابد من اختيار الكلمات المناسبة والتي من شأنها أن تثير استجابته، ويمكن ذلك عن طريق صياغة الموضوع بالعبارات القوية والرئيسية التي تجذب انتباهه، وهو ما ينبغي مراعاته بشدة عند صياغة اسم وشعار الحملة. الثالث: خلق الحاجة لدى الطرف الآخر، ويعد هذا الأسلوب أحد أهم طرق الإقناع والتأثير التي تنطوي على تحفيز الرغبة لديه، لتبني سلوكًا بعينه.

المحور السابع: منهجية التكامل بين الوسائل الإعلامية

بمعنى توظيف كافة وسائل الإعلام في نشر الوعي بظاهرة التغير المناخي، وعدم الاعتماد على نمط اتصالي واحد، فلا يجوز الاعتماد على الصحف دون وسائل الإعلام المرئية والعكس صحيح، ولا يجوز الاعتماد على وسائل الإعلام الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي دون وسائل الإعلام التقليدي كالصحف والقنوات والإذاعات.. والعكس صحيح، ومن ثم فلابد من مراعاة خصوصية كل وسيلة ولا يتأتى ذلك دون الدراسة العلمية لأنماط استخدامات الجمهور لوسائل الإعلام، وفي هذا الصدد، لابد من توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الحملات الإعلامية، بل وتدشين صفحات نوعية تديرها الجهات المختصة بشؤون البيئة، يكون من شأنها تسليط الضوء على ظاهرة التغير المناخي بمختلف أبعادها. 

المحور الثامن: إطلاق منصة عربية متخصصة

أي تدشين وإطلاق منصة إعلامية عربية لظاهرة التغير المناخي، تقدم كل ما يتعلق بتلك الظاهرة، وتداعياتها في المنطقة العربية، تصبح مصدرًا رئيسًا للمعلومات، ومرجعًا للباحثين، ومرصدًا لكافة التقلبات المناخية، أسوة بمنصات دولية مثل Climate ADAPT"، ومنصة " العمل المناخي" الصادرة بنحو 6 لغات منها العربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية، ومنصة "شباب من أجل العمل المناخي" التي أطلقتها اليونيسيف تحت شعار " رفع أصوات الشباب لحماية مستقبل كوكبنا".

مقالات لنفس الكاتب