; logged out
الرئيسية / تحديات التلوث الصناعي في العالم: مخاطر بيئية وحلول أكثر عدالة

العدد 149

تحديات التلوث الصناعي في العالم: مخاطر بيئية وحلول أكثر عدالة

الثلاثاء، 05 أيار 2020

في العصر الحالي، الذي يعرف بعصر التكنولوجيا، لا أحد يستطيع أن ينكر كل ما تقدمه المنشآت الصناعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من تحسين مستوى المعيشة، إنتاج منتوجات جديدة، خلق فرص عمل، تنوع في مصادر الدخل وزيادة الدخل القومي. ولكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نتجاهل التأثيرات السلبية التي تنجم عن تلك المنشآت على البيئة من تلوث صناعي جوي، مائي وبري، خاصة أنه في كثير من الأحيان تتعدى هذه التأثيرات الحدود الجغرافية وقد تؤثر حتى على الأجيال القادمة.
والواقع أن هذه المخاطر البيئية تثير إشكالاً أخلاقيًا حول من هو المتسبب فيها ومن هو المتضرر منها، من هو المستفيد ومن يدفع الثمن، ذلك أن عبء التدهور البيئي في غالب الأحيان يحدث بعيدًا عن أكبر مستهلكي الموارد البيئية الذين يستمتعون بفوائد التنمية بينما يعاني الناس الأكثر فقرًا في الدول النامية من تأثيراته السلبية، خاصة إذا علمنا أن استراتيجيات الرزق والأمن الغذائي للفقراء تعتمد غالباً وبشكل مباشر على الأنظمة الإيكولوجية الصحية وتنوع السلع والخدمات الإيكولوجية التي تقدمها هذه الأنظمة، فرأس المال الطبيعي يمثل 26 % من ثروة البلدان منخفضة الدخل، لذا فحينما تتدهور هذه الموارد تكون الأرزاق في خطر ، كما أن تكاليف التدهور البيئي الناتج عن التلوث سيدفع ثمنها أيضًا الأجيال المستقبلية.
في ظل هذه المخاطر وتأثيراتها الجسيمة على البيئة الآن ومستقبلاً، تجد الدول نفسها مجبرة - منفردة أو مجتمعة في إطار المنظمات الدولية- على مواجهة هذه الأخطار وإدارتها بشتى الوسائل والتقليل قدر الإمكان من حدتها وخسائرها المادية عند وقوعها.
انطلاقًا من هنا ارتأينا أن نساهم في مقالتنا هذه بمحاولة تشخيص أهم أخطار التلوث الصناعي في العالم وتحديد العوامل التي أدت إلى ظهور التلوث الصناعي والذي يعتبر ذو تأثيرات مدمرة على البيئة، وكذا المجهودات الدولية لاحتوائه وتحقيق عدالة أكبر حتى لا يستخلص الفوائد البيئية من لا يتحمل عبئها.

 

مخاطر التلوث الصناعي على البيئة:

إن البيئة عنصر لا غنى عنه في عمليات الإنتاج والتصنيع – ومكوناً أساسياً، إن لم يكن المكون الأساسي للمدخلات اللازمة لأي نظام أو نمط إنتاجي، غير أنه للمفارقة تساهم الصناعة بدرجة كبيرة في زيادة مستوى التلوث البيئي، إذ هناك علاقة ارتباط بين النمو الصناعي وزيادة مستوى تلوث مصادر المياه والبحار وتلوث الهواء وتدهور نوعية الأرض.
وتجدر الإشارة إلى أن التلوث الصناعي يعد من أخطر أنواع التلوث، خاصة ذات المصدر الكيمياوي ذلك أن كثيرًا من المواد الكيمياوية شديدة الثبات ولا تنحل تحت الظروف الطبيعية المعتادة ولذلك يبقى أثر هذه المواد الضار أمدًا طويلًا. عمومًا يمكن تصنيف التلوث في مجموعتين أساسيتين:

-التلوث المادي:
تمثل الملوثات المادية الناتجة عن النشاطات الصناعية حوالي ثلث مجموع الملوثات الموجودة في الهواء بالنسبة للتلوث الهوائي، في حين تمثل المخلفات الصناعية السائلة أهم وأخطر ملوثات المصادر المائية في أي دولة من الدول، إذ وجد أن الغالبية العظمى من الملوثات السامة الموجودة في المياه مصدرها النشاطات الصناعية، ويتخلف عن الصناعة أيضًا كميات كبيرة من النفايات الصلبة، التي تمثل نسبة عالية من مجموع ما يتخلف عن نشاطات الإنسان الأخرى من تجاربه ومعيشته.
يمكن تقسيم التلوث إلى أربعة مجالات رئيسية وهي كما يلي:
أ-تلوث الهواء:

يعد تلوث الهواء من أبرز المشكلات التي يواجهها الإنسان في وقتنا الحاضر، إذ يعتبر تلوث الهواء أسوأ أنواع التلوث حيث تقدر الخسائر السنوية لهذا التلوث بحوالي 50 مليون دولار سنويًا ، ونجد أن المدن الصناعية في جميع أنحاء العالم هي من أكثر المناطق تعرضًا لظاهرة التلوث، بالإضافة إلى الدول النامية التي لا تتوافر لها الإمكانيات للحد من تلوث البيئة.
حيث تشكل الانبعاثات الكثيفة الناتجة عن الطاقة المستخدمة في الصناعة تهديدًا كبيرًا للتوازن الطبيعي على المستوى المحلي والدولي، وهذا نتيجة لسهولة انتقالها من منطقة إلى أخرى في فترة زمنية قصيرة نسبيًا، بل إن الغازات الملوثة تنتقل حتى عبر الحدود الدولية، وهذه الأخيرة تشكل خطرًا على الصحة وعلى شروط العمل والإنتاج معًا.
هذا التلوث ناتج أساسًا عن حرق الوقود الأحفوري الذي يمثل أكبر خطر بيئي منفرد على الصحة في العالم، ففي كل عام يموت نحو 6.5 ملايين شخص من جراء التعرّض لتلوث الهواء الخارجي والداخلي، ويستنشق 9 من كل 10 أشخاص هواءً خارجيًا ملوثًا يتجاوز المستويات المقبولة التي تحددها المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية
كما ويؤثر تلوث الهواء بدرجة غير متناسبة على من هم الأكثر ضعفًا، بمن فيهم ذوو الإعاقة الذهنية. وإضافة إلى أثر تلوث الهواء على صحة الإنسان، فإنه يسبب تغير المناخ ويؤثر على النظم الإيكولوجية. وتشمل ملوثات الهواء الرئيسية الجسيمات والكربون الأسود وأوزون الطبقة الأرضية.


ب- تلوث الماء:

تبلغ كمية المياه المتاحة في العالم حوالي 1,4 بليون كم2 إلا أن 97 % من هذه الكمية تقع في المحيطات وغير صالحة للاستخدام الإنساني المباشر كالشرب، الري، الأغراض المنزلية...الخ، ومن الغريب أن الكمية المتبقية والتي تقدر بـ 3% تمثل المياه العذبة إلا أنها ليست كلها متاحة للاستخدام، فحوالي 77,2 % من هذه المياه العذبة تقع في المنطقة الجليدية من العالم في الحالة المتجمدة، والباقي أي 22,8 % موزعة بين المياه الجوفية والأنهار والبحيرات العذبة.
حيث تتأثر كُتل المياه العذبة، التي يعتمد عليها بلايين من البشر للحصول على الماء والغذاء وللنقل ،تأثرًا شديدًا بسيح المغذيات من الزراعة والمواد الكيميائية والمُمرضات في المياه المستعملة غير المعالجة، وبالمعادن الثقيلة من التعدين والنفايات الصناعية السائلة. ويمثل عدم توافر سُبل للحصول على مياه نقية وعلى صرف صحي سببًا رئيسيًا لوفيات الأطفال وقد يكون للتلوث أثر خطير على الأسماك وأشكال التنوع البيولوجي الأخرى في النظم الإيكولوجية الحساسة الخاصة بمصادر المياه العذبة، من قبيل الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة. وقد تلوِّث المياه العذبة الملوثة الأرض والتربة والمياه الساحلية. إذ توجد فيها نواقل للأمراض من قبيل الضمّات المسبّبة للكوليرا والديدان الطفيلية التي تنقل داء البلهارسيا.
تلعب صناعة النفط دورًا كبيرًا في تلويث المياه عن طريق التسرب من الحاويات في أثناء عمليات النقل عبر البحار، حيث أن كل طن من النفط المسرب يغطي 12 كم2 من مساحة سطح المياه، كما تعتبر صناعات النسيج والورق من أكثر الصناعات مساهمة في إنتاج المخلفات السائلة.


ج- تلوث التربة:

هذا التلوث هو نتاج سوء الممارسات الزراعية، وعدم إدارة النفايات الصلبة بطريقة صحيحة، بما في ذلك تخزين المخزونات القديمة من المواد الكيميائية الخطرة والنفايات النووية بطريقة غير مأمونة، فضلاً عن طائفة واسعة من الأنشطة الصناعية والعسكرية والاستخراجية . والمواد المرشحة من مواقع مدافن النفايات المدارة بطريقة سيئة ومن دفن نفايات المنازل والمنشآت الصناعية ونفايات المناجم غير الخاضعة للرقابة قد تحتوي على معادن ثقيلة، من قبيل الزئبق والزرنيخ، ومعادن نزرة، ومركّبات عضوية، ومواد صيدلانية، من بينها مضادات حيوية وكائنات حية دقيقة. ومبيدات الآفات ومبيدات الميكروبات التي تُستخدم في إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني هي من بين الملوثات التي تثير معظم القلق.


د- تلوث الغذاء:

الغذاء هو مجموعة المواد من أصل حيواني أو نباتي التي يتناولها الإنسان، وتضمن له جسمه بنشاطاته الحيوية بشكل صحي وسليم. ويعرف تلوث الغذاء على أنه عملية تحول المادة الغذائية من حالة نافعة إلى حالة ضارة بالإنسان (الغذاء الفاسد أو السام) وتتمثل أهم مصادر تلوث الغذاء في :
- تفاعل الغذاء مع الأواني المستخدمة في الطبخ أو التي تحفظ فيها، مثل بعض أنواع الألمنيوم والبلاستيك.
- إضافة المواد وخاصة ذات التركيب الكيماوي كالملونات والمواد الحافظة للغذاء.
- تأثير المواد الكيماوية كالمبيدات والأسمدة.
- المضادات الحيوية.


2- التلوث غير المادي:

ويقصد به التلوث غير المحسوس، وغالبًا ما يكون قاتلاً في بعض الأحيان، ويشمل التلوث غير المادي كل من:
أ- التلوث الكهرومغناطيسي:

ويقصد به كل أشكال الأذى والإزعاج والضرر، الذي تحدثه الموجات الكهرومغناطيسية. توجد المجالات الكهرومغناطيسية في كل مكان في البيئة التي نعيش فيها ولكنها غير مرئية للعين، وتوجد مصادر متعددة للمجالات الكهرومغناطيسية والتي يمكن تقسيمها إلى مصادر طبيعية ومصادر من صنع الإنسان، ومن أمثلة هذه الأخيرة في:
- محطات الإرسال القوية، مثل محطات الرادار ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني ومحطات الاتصالات الإذاعة والتلفزيون وأجهزة الرادار.
- الأجهزة الصناعية والطبية والعلمية، مثل أجهزة تسخين البلاستيك وأجهزة التصوير الطبي .
- محطات الكهرباء وخطوط توزيع الكهرباء.
ب- التلوث السمعي (الضوضاء)

يرتبط التلوث السمعي ارتباطًا وثيقًا بالمدينة، وأكثر الأماكن تقدمًا، وخاصة الأماكن الصناعية للتوسع في استخدام الآلات ووسائل التكنولوجيا الحديثة. وتتمثل مصادر التلوث السمعي في:
- ضوضاء وسائل النقل.
- ضوضاء صادرة عن أجهزة البناء والإنشاءات.
- الضوضاء الصادرة عن دور السكن والمكاتب والمحلات التجارية.
- ضوضاء صناعية (المصانع).
ج-الإشعاع:

و هو أخطر هذه الأنواع، ويظهر التلوث بالإشعاعات النووية لوجود أنوية مشعة في الهواء والماء أو مختلطة بالغذاء، وتعتبر التجارب النووية وحوادث المفاعلات النووية وما يختلف عنها من نفايات نووية من أخطر مصادر التلوث بالإشعاع.
ويمكن أن نفرق بين نوعين من الإشعاع: إشعاع غير مؤين وهي طاقة غير كافية لشحن أو تأين الذرات مثل الضوء المتطور والموجات الدقيقة وكذلك مثل أشعة الليزر وأشعة الراديو، وإشعاع مؤين وهي أشعة ذات طاقة كافية لشحن أو تأين الذرات، وهذا النوع من الأشعة قوي جدا وتشمل أشعة ألفا وأشعة بيتا ( (α و β ) ) وأشعة جاما (γ) والأشعة السينية، والنيترونات.
التلوث الصناعي: تكلفة غير عادلة
إن المنظومة الاقتصادية تتميز بالإجحاف في توزيع الدخل والثروات بين أقلية مؤثرة وغالبية معدمة، ولكلا الطرفين آثاره على البيئة، إذ أن الدول المتقدمة التي تشكل 21 % من سكان العالم تستخدم 75 % من الطاقة و 80 % من المواد الأولية وينتجون 85 % من إجمالي الناتج العالمي، حيث يعادل متوسط الناتج القومي الإجمالي للفرد في الدول المتقدمة 18 مرة مثيله في الدول النامية. ولكل ذلك طبعًا آثاره البيئية المختلفة، فالدول المتقدمة هي وراء كافة المشكلات الدولية للبيئة، فهي تنتج 90 % من النفايات الخطرة في العالم، وهي المسؤولة عن 75 % من غازات الاحتباس الحراري ، وقد أكدت الدراسات أن 90 % من المواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون يستهلكها 20% من سكان الأرض .
وتشير الإحصائيات الدولية إلى ارتفاع حجم الأعباء الاقتصادية والمالية للتلوث البيئي على المستوى العالمي، فقد قدر معهد مراقبة البيئية العالمية التابع للأمم المتحدة في تقاريره حجم تلك الأعباء بنحو 40 ترليون دولار، كما تبين تلك الإحصائيات أن حجم مكافحة التلوث يحتاج إلى إنفاق ما نسبته 2 % إلى 4% من إجمالي الناتج القومي العالمي. الجدول الموالي يبين تقديرات تكاليف التخلص من التلوث لبعض الدول والمناطق:

تقدير التكلفة الاقتصادية السنوية لمكافحة التلوث البيئي عالميًا .

الإقليم

التكلفة (بليون الدولار)

النسبة من الناتج القومي الإجمالي

الاتحاد الأوروبي

100

3-5 %

الولايات المتحدة

500

3 %

آسيا

250

-

البلاد النامية

125

-

اليابان

-

3-5,5 %

البلاد العربية

17

3 %

 

من الجدول يتضح ارتفاع الأعباء المالية لمكافحة التلوث البيئي وتفاوت تكلفتها بين مختلف الدول والمناطق، هذه الأعباء كثيرًا ما تكون في الغالب على حساب توفير الأموال اللازمة لتنفيذ الخطط الإنمائية، خاصة على مستوى الدول النامية التي تجد نفسها تدفع ثمن ما لم تتسبب به.

كما أن الأثار السلبية للتلوث لا تقتصر على ما يسببه من خسائر مادية، ولكنها تشمل أيضًا الجانب الصحي، حيث قدرت منظمة الصحة العالمية أن 23% من جميع الوفيات التي تحدث على مستوى العالم (وهي نسبة بلغت 12,6 مليون وفاة سنة 2012)، ترجع إلى أسباب بيئية. وتتحمل البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل عبء الأمراض ذات الصلة بالتلوث، حيث يرتبط حوالي 20 % من العبء الكلي للمرض في البلدان النامية بعوامل المخاطر البيئية.

وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية واليونيسيف (2004)، فإن أكثر من 1,1 بليون شخص افتقروا سنة 2002 م، إلى الوصول إلى المياه النظيفة. وقد أثبتت الدراسات أن الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، مثل الإسهال والكوليرا، تقتل ما يقدر بحوالي 03 ملايين شخص سنويًا في البلدان النامية، معظمهم أطفال دون الخامسة. وقد أصبح مرض الإسهال ثاني أكبر قاتل للأطفال، حيث يموت 1,8 مليون طفل كل عام أي يومياً تقريبا 5000 طفل، كما أن الأمراض المرتبطة بالماء مثل عدوى الإسهال تضيع على التلاميذ 443  مليون يوم دراسي كل عام وتضعف بالتالي إمكانية التعلم.

كما ويقدر أن أكبر 50 موقعًا نشطًا لدفن النفايات على نطاق العالم تؤثر على حياة 64 مليون شخص، بما يشمل صحتهم وخطر فقدان حياتهم وممتلكاتهم عند حدوث انهيارات أرضية، والفقراء أكثر عرضة للتأثر بذلك، بالنظر إلى أن هذه المواقع غالبًا ما تكون محاطة بمستوطنات عشوائية.

 

 

وقد تكون للتلوث آثار سياسية بعيدة المدى بزيادتها التوترات بين البلدان والمجتمعات المحلية، فقد أدى التلوث العابر للحدود إلى تدهور العلاقات بين بعض البلدان وإلى منازعات قانونية حادة عديدة دامت مدة طويلة. وفي الحالات الشديدة، أسهم الغضب بشأن التلوث في اندلاع نزاع مسلح.


الحلول: المبادرات الدولية لمعالجة التلوث


إن كبح التلوث أمر حيوي لحماية النظم الطبيعية التي لا تدعم سُبل عيش البلايين من البشر فحسب، بل تديم أيضاً جميع أشكال الحياة على سطح الأرض. من هنا، واستجابة لآثار التلوث الخطيرة والمتزايدة ولطابعه العابر للحدود، أبرمت الحكومات اتفاقيات بيئية متعددة الأطراف أو إقليمية ترمي إلى معالجة جوانب هذا التهديد.
من بين هذه الاتفاقيات اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود (1971م)، واتفاقية روتردام المتعلقة بتطبيق إجراء الموافقة المسبقة عن عِلْم على مواد كيميائية ومبيدات آفات معيّنة خطرة متداولة في التجارة الدولية (1998م)، واتفاقية التلوث الجوي البعيد المدى عبر الحدود، التي تتناول مسائل من بينها الأمطار الحمضية؛ وبروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون (1987م)، الذي يساعد على عكس اتجاه استنفاد طبقة الإوزون ومن ثم حماية البشر والنباتات والحيوانات من الإشعاع الشمسي الضار. وتتناول اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، التي بدأ سريانها في 16 أغسطس 2017 م، التلوث بوصفه يمثل العلاقة بين البيئة والصحة.
وقد أسهم مؤخرًا القلق بشأن آثار التلوث إلى التوصل إلى توافق بشأن اتفاق تاريخي، وهو اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ (2015)، الذي يمثل خطوة هامة إلى الأمام في معالجة التلوث والاحترار العالمي.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه الاتفاقيات نصت في مضمونها على تقديم المساعدة للدول الفقيرة حتى تتمكن من التكيف مع نتائج التغير المناخي، وتقليص الفجوة بين دول الشمال ودول الجنوب وكذا ضمان الحفاظ على التوازن بين الدول النامية والدول المتقدمة اعترافًا من هذه الأخيرة –ولو بطريقة غير مباشرة- بمسؤوليتها تجاه البيئة وتجاه الدول النامية.
الشكل التالي يوضع التزايد المستمر في عدد الدول المنخرطة في المبادرات المتعلقة بحماية البيئة :

 

 

إن الإجراءات المتخذة في سبيل مكافحة التلوث سمحت بتحقيق بعض النجاحات، التي من ضمنها استمرار إصلاح طبقة الأوزون والانتهاء التدريجي من العديد من المبيدات الكيميائية المحظورة (الأمم المتحدة).
كما ويتيح الانتقال إلى تكنولوجيا أقل تلويثًا ومعتمدة على الطبيعة فرصًا اقتصادية وفرصًا للعمل أيضًا. فالطاقة المتجددة وفّرت فرص عمل لحوالي 9.8 مليون شخص على الصعيد العالمي في عام 2016 م، مقارنةً بما يبلغ 5.7 مليون شخص في عام 2012 م، كما تتاح أيضًا فرص اقتصادية ، من بينها فرص عمل، من خلال إعادة تدوير النفايات وإعادة استخدامها. ويتيح الابتكار في قطاع المواد الكيميائية طرقًا جديدة لاستخدام الموارد القائمة بتكلفة أقل أو على نحو أكثر إنتاجاً من خلال إيجاد بدائل أكثر أمانًا من تلك المستخدمة حاليًا. وتشير التوقعات إلى أن مجموع ما يتحقق على نطاق الصناعة من وفورات نتيجة للتطورات في الكيمياء الخضراء قد يبلغ 65.5 بليون دولار، مما يمثل فرصة في السوق تبلغ قيمتها نحو 100 بليون دولار نهاية عام 2020 م.

 

الخاتمة:
ختامًا تجدر الإشارة إلى أنه ثمة حاجة - وفرصة - الآن لرفع مستوى طموحاتنا بدرجة كبيرة فيما يتعلق بالمشاكل البيئية، فالعِلْم يحقق أوجه تقدم كبيرة في فهمنا للتلوث وآثاره على البشر والاقتصاديات والبيئة، وأصبح المواطنون أكثر وعيًا من أي وقت مضى بتأثير التلوث على حياتهم ويطالبون باتخاذ إجراءات للتصدي لذلك. وفي الوقت ذاته، يقوم الخبراء ومؤسسات قطاع الأعمال بتطوير التكنولوجيا لمعالجة هذه المشاكل على جميع النطاقات، بدءاً من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي. ويتزايد استعداد الممولين لدعمها، مع استعداد الهيآت والمحافل الدولية، ومن بينها الأمم المتحدة، للمساعدة على توجيه هذا الزخم وتحويله إلى عمل راسخ.

وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن تدابير تخفيف تغير المناخ لا تتضمن بالضرورة تكاليفًا باهظة، إذ أن التكلفة الإجمالية لها ستظل جزءًا قليلاً جدًا من الاقتصاد العالمي. كما أن الزيادة في الاقتصاد العالمي على مدار القرن القادم، لن يتعرض للخطر حتى بأكثر أهداف الاستقرار صرامة.
غير أن الحلول الرامية إلى معالجة التحديات المتعلقة بالتلوث الصناعي ينبغي أن تنفذ تدريجيًا، وأن تركز أولاً على المسائل التي تؤثر على الصحة العامة والتي تؤدي إلى تدهور الموارد الطبيعية. إضافة إلى تعزيز الحوكمة والمساءلة فيما يتعلق بإدارة التلوث. كما أن تأكيد دراسات التأثير البيئي عند قيام أي منشأة صناعية، وكذلك رسوخ الثقافة البيئية لدى أرباب العمل من خلال السعي للحصول على أنظمة الإدارة البيئية وانتهاج آلية الإنتاج النظيف... من شأنها أن تخفف من حدة هذه الأخطار وتساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

 

مقالات لنفس الكاتب