array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 149

تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء 379° جزءًا في المليون وهو الأعلى خلال 650 ألف سنة

الثلاثاء، 05 أيار 2020

أصبح من المؤكد أن تغير المناخ يمثل تحديًا متناميًا ذو أبعاد اقتصادية وصحية وأخرى تتعلق بالسلامة وإنتاج المواد الغذائية والأمن وغير ذلك. فأنماط الطقس المتقلب تهدد إنتاج المواد الغذائية من خلال عدم الثقة المتزايدة في التساقط وارتفاع مستويات البحار التي تلوث المخزونات الاحتياطية من المياه العذبة الساحلية وزيادة خطر الفيضانات الكارثية، كما تساعد بيئة الحرارة في انتشار الآفات والأمراض باتجاه القطبين بالرغم من أنها كانت محصورة من قبل في المناطق الاستوائية. أما بالنسبة للجياع ونقص التغذية، فيعد تغير المناخ أحد مضاعفات التهديد حيث تضاعف عدد الكوارث القاسية المرتبطة بالطقس منذ أوائل التسعينات، وقد قلل هذا من غلة المحاصيل الرئيسية وساهم في زيادة أسعار الغذاء وانخفاض الدخل.فعلى الرغم من أن العالم قد حقق تقدمًا تدريجيًا في الحد من الجوع على نطاق عالمي منذ عام 2000م، فإن هذا التقدم كان متفاوتاً، حيث تم التقليل من الجوع العالمي، ولكن من حيث القيمة المطلقة، فإن عدد الأشخاص الذين ينامون جائعين في ازدياد مستمر ، وهنا يأخذ مؤشر الصحة العالمية في الاعتبار معدلات نقص التغذية و الهزال و الوفيات لتسليط الضوء على المكان الذي تشتد فيه الحاجة لمكافحة الجوع.

أولا، التغير المناخي و الظواهر الناتجة عنه

تمثل ظاهرة التغير المناخي في الأصل ظاهرة طبيعية تحدث كل عدة آلاف من السنيين، ولكن نظرًا للنشاط البشري المتزايد يؤدي ذلك إلى تسارع حدوث تغير المناخ. حيث تعرف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التغير المناخي على أنه يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى التغير في تكوين الغلاف الجوي ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية مماثلة، و هذا التعريف يربط ظاهرة التغير المناخي بالتداعيات الناتجة عن الأفعال والنشاطات الإنسانية سواء المباشرة أو غير المباشرة إضافة إلى المسببات الطبيعية.

من جهة أخرى، مازالت تعتمد العديد من اقتصاديات دول العالم بالأساس على قطاعات كثيرًا ما تبقى رهينة للظروف المناخية، كالزراعة والصيد البحري واستغلال الغابات وباقي الموارد الطبيعية والسياحة، خاصة وأن بعض الدراسات أثبتت أن موارد الطاقة كالبترول وغيرها والتي تعتبر شريان الاقتصاد معرضة للاستنزاف بسبب التغيرات المناخية والاستهلاك اللاعقلاني لها، ما يجعل الاقتصاد العالمي في مواجهة تحد حقيقي، يفرض على كل دول العالم الاتحاد من أجل اتخاذ التدابير الملائمة التي تسمح على الأقل بالتكيف مع هذه الظاهرة كون خيار مواجهتها أصبح بعيدًا عن كل الحسابات البيئية لأن المعطيات المناخية حاليًا تشير إلى بقاء آثار هذه التغيرات المناخية ربما سيكون لعدة سنوات متتالية.

يعتبر الأثر المتواصل للتغيرات المناخية منعرجًا مهمًا يؤثر بالضرورة على بيئة واقتصاد الأجيال القادمة، و هو ما يتطلب من المجتمع الدولي العمل على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة في تلبية احتياجاتها الخاصة من أجل تحقيق الاستدامة المرجوة في كافة المجالات الحيوية. كما تؤكد أغلب الدراسات أن التغير المناخي المرتبط بالاحتباس الحراري قد أصبح أمرًا واقعًا، وأن احتمالات تزايد المشكلة أكثر من أي احتمالات أخرى، وهذا ما تشير إليه الدلائل على المستوى العالمي، حيث:

-يبلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء 379° جزء في المليون وهو أعلى تركيز يصل إليه خلال 650 ألف سنة الأخيرة أي منذ العصور الجليدية، كما تتسارع معدلات زيادة التركيز السنوية بمتوسط سنوي 1.9 جزء من المليون.

–كانت الاثنى عشر عامًا (12 عامًا) الأخيرة الأكثر حرارة على الإطلاق، وقد سجل ارتفاع درجة حرارة الأرض بنسبة 0.95 درجة مئوية.

– تم رصد ارتفاع في درجة حرارة المحيطات على عمق 3000 متر مقارنة بعام 1961م، مما يعني انخفاض نسبي في قدرة استيعابها للحرارة مع إمكانية تمدد مياه البحر بسبب زيادة حرارتها.

-حدوث تراجع لأحجام ومساحات الجبال والمناطق المغطاة بالثلوج في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي؛ حيث يؤدي ذوبان الثلوج إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.

-حدوث تغير ملحوظ في كميات سقوط الأمطار؛ فقد ازدادت في الأجزاء الشرقية من الأمريكيتين وشمال أوروبا،وشمال ووسط آسيا في مقابل ظهور الجفاف في مناطق الساحل الإفريقي والبحر المتوسط وجنوب إفريقيا وبعض مناطق جنوب آسيا.

كما أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تطور ظاهرة التغيرات المناخية وظهور ما يعرف بالاحتباس الحراري، وبصفة عامة عادة ما يتم تقسيم هذه الأسباب إلى طبيعية وأخرى بشرية. لكن يظل النشاط البشري السبب الرئيسي وراء هذا التغيير المفاجئ بفعل انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وخصوصا غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان.هذه الغازات هي طبيعية وضرورية للحياة لأنها تحافظ على الحرارة من خلال الاحتباس الحراري إلا أن انبعاثها بكميات متزايدة وغير مضبوطة، يؤدي إلى زيادة الحرارة بطريقة غير طبيعية وبالتالي إلى تغيير في نظام المناخ كله. كما تتصل ظاهرة التغير المناخي بعملية احتراق الغازات المتولدة عن مختلف النشاطات الطبيعية والبشرية، التي تحدث على مستوى الغلاف الجوي للأرض، وتؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة، ومن بين هذه الغازات: ثاني أكسيد الكربون، الميثان، الكلور...إلخ، "وللتغيرات المناخية تأثير مباشر على حجم الإنتاج الغذائي، خاصة عبر ظاهرة الجفاف والأعاصير، الفيضانات والتصحر وانجراف التربة، والاحتباس الحراري، وكلها عوامل مسؤولة عن زيادة حدة مشكلة الغذاء في العالم.

كما أن تغير المناخ يترك أثرًا كبيرًا على الأمن الغذائي، حيث أن الكثير من السكان الذين يعانون من نقص التغذية المزمن، والبالغ عددهم حسب إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة 800مليون شخص سنة 2019م، هم الأكثر تضررًا من ارتفاع درجات الحرارة والكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية، ومن المتوقع بحسب منظمة
الصحة العالمية أن يقضي تغير المناخ في الفترة 2050-2030م، على نحو ربع مليون وفاة إضافية سنويًا جراء سوء التغذية، والأمراض التي تأتي في صدارتها الملاريا والإسهال، والإجهاد الحراري. من خلال مجموع التوقعات السلبية بشأن حالة التدهور البيئي، وأثارها على الأمن الغذائي يمكن الوقوف على حقيقة أن الإنسان هو المتسبب الرئيسي في اضطراب العلاقة بين قدرات الطبيعة في إنتاج الغذاء، ومستويات ذلك الإنتاج تبعًا للتغير المناخي، وفي دراسة تم نشرها في دورية التطور العلمياتضح أن تقلبات درجات الحرارة في المناطق الاستوائية، تؤثر على الأنظمة البيولوجية، وتهدد الأمن الغذائي، كما تمثل خطورة على كل من الزراعة والبشر والاقتصاد، وتهدد العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية في جميع أنحاء العالم بالانقراض.
وفق هذا الطرح؛ يتضح أن عوامل تقلبات الحرارة المرتفعة بشكل مستمر، تؤدي إلى تجفيف التربة، بسبب زيادة التبخر، الأمر الذي يؤدي إلى انحسار موارد المياه، والزراعات القائمة عليها ما يشكل سببًا في تنامي الصراعات، وعدم الاستقرار السياسي، خاصة في الدول الاستوائية، وفي جانب أخر فإن مشكلة المياه الناجمة عن التغير المناخي، ستظل ذات تأثير سلبي على التنوع الزراعي والحيواني، وسيكون لها مردود سلبي على الإنتاجية والثروة الحيوانية، ما يهدد الأمن الغذائي لكثير من دول العالم.

سبق و أن أصدرت مدرسة راجا راتنام للدراسات في جامعة "نانبانج التكنولوجية في سنغافورة"، دراسة عن السياسات الغذائية بعنوان "تأثير التغير المناخي على إنتاج الغذاء: الخيارات المتاحة أمام الدول المستوردة للغذاء"، وقد تناولت الدراسة موجزًا للسياسات الزراعية، والآثار المحتملة للتغير المناخي على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وذلك بحلول أعوام 2030/2050/2080م.

و توصلت الدراسة إلى أن التغيرات المناخية لها تأثير سلبي على مناطق إنتاج الغذاء في مختلف أنحاء العالم، وتؤدي إلى كوارث طبيعية على غرار موجة الجفاف الشديد التي شهدتها مناطق زراعة الأرز في استراليا، ووقوع أعاصير استوائية مفاجئة، كما حدث في إعصار ميانمار 2005م، وإعصار "هايان" في الفلبين 2013م، وأضافت ستتسبب موجات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار في تدمير المحاصيل، مما سيجعل من الصعب إنتاج الغذاء بشكل طبيعي.

ثانيًا، حالة الأمن الغذائي العالمي:

تهدد آثار تغير المناخ نظامًا غذائيًا عالميًا معقدًا يكافح بالفعل لتلبية احتياجات السكان المتزايدين والمتغيرين. ازداد عدد الجياع المزمنين في العالم في السنوات الثلاث الماضية ، فيعاني 821 مليون شخص - واحد من كل تسعة - من سوء التغذية. يعاني هؤلاء الأشخاص من نقص في الغذاء كل يوم، بينما يواجه أكثر من ضعف هذا الرقم انعدامًا معتدلًا للأمن الغذائي وكثيرًا ما يساومون على جودة أو كمية الطعام الذي يتناولونه. وفي الوقت نفسه، يعاني أكثر من 2 مليار شخص حول العالم من زيادة الوزن أو السمنة ، ويعاني أكثر من مليار شخص من نقص المغذيات الدقيقة ، والتي يشار إليها أحيانًا باسم "الجوع الخفي".

ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية في جميع أنحاء العالم جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الصراع والتشريد القسري . لقد ساعد حدوث انتعاش اقتصادي بطيء من الأزمة المالية العالمية لعام 2008م، (وارتفاع أسعار الغذاء) وتزايد وتيرة وحجم الأحداث المتطرفة المتعلقة بالمناخ على عكس سنوات من التقدم في محاربة الجوع في العالم، و هنا وضعت هذه العوامل المتداخلة ضغوطًا غير مسبوقة على المنظمات الإنسانية، وارتفعت المساعدات الإنسانية إلى مستويات قياسية.

Source: Andrew J. Challinor et al., Climate Change 2014: Impacts, Adaptation, and Vulnerability (New York: IPCC, 2014), https://www.ipcc.ch/site/assets/uploads/2018/02/WGIIAR5-Chap7_FINAL.pdf.

 

- من المحتمل أن تنخفض غلة المحاصيل بسبب تغير المناخ -

وفقًا لبعض التقديرات، سيطرأ ما بين 12 و 39 % من سطح الأرض في العالم مناخات جديدة بحلول عام 2100م، نتيجة لتغير المناخ، حيث يشغل الإنتاج الزراعي - سواء المحاصيل أو المراعي - أكثر من 40 % من إجمالي مساحة الأراضي ويمثل ما لا يقل عن 70 % من جميع عمليات سحب المياه العذبة على مستوى العالم . ويرتبط تغير المناخ وتدهور الأراضي والتنوع البيولوجي في حلقة تغذية مرتدة معقدة - دورة مفرغة -، و هذه التأثيرات محسوسة بالفعل وموثقة. ويشير تقرير حديث صادر عن الهيئة الحكومية الدولية للتحكم في المناخ (IPCC) إلى أن التربة تتآكل بشكل أسرع من 10 إلى 100 مرة مما يتم تشكيلها، وهي عملية تسارعها تأثيرات تغير المناخ مثل الجفاف والأمطار الشديدة. وفي الوقت نفسه، فقد التنوع البيولوجي بشكل غير مسبوق - خاصة بين الملقحات والبكتيريا والفطريات في التربة والحيوانات المفترسة الطبيعية التي تتحكم في الآفات – و التي يتم تغذيتها جزئيًا من خلال التأثيرات المناخية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة.

في نهاية المطاف، سيؤثر تغير المناخ بشدة على تلك الأماكن الأقل قدرة على التأقلم، و سيهدد سنوات من التقدم التنموي ويدفع العديد من السكان المعرضين إلى الفقر، ​​مضيفًا ما يصل إلى 122 مليون شخص إضافي بحلول عام 2030م، ونتيجة لذلك، فإن التغير المناخي يظل محفوفًا بمسائل العدالة العالمية وعدم المساواة، خاصة وأن الدول الصناعية ولدت أغلبية ساحقة من انبعاث ثاني أكسيد الكربون التاريخية.

ثالثًا، التضخم السكاني و الأمن الغذائي: العلاقة؟

يعتبر العامل السكاني والبشري أحد العوامل المحددة والمؤثرة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، بحيث أصبحت معدلاتالنمو البشري المتزايدة تفوق معدلات الإنتاج الغذائي خاصة في الدول النامية - التي شهدت في السنين الأخيرة تدنيًا فيقدراتها الإنتاجية للغذاء الكافي والملزم لسكانها- أكبر المهددات للأمن الغذائي، أين أدت الزيادة السكانية في دول العالمالنامي دورا فعالا في تفاقم الأزمة الغذائية، وكلما زادت النسبة المئوية لسكان العالم، كلما زاد معه معدل الاستهلاكالغذائي، وستظل هذه القضية أولوية عالمية.

لقد كان واضحًا خلال العقود الأخيرة بأن سكان العالم قد تضاعف، وأن النمو السكاني السريع أدى إلىتدمير الكثير من النظم البيئية الداعمة لقطاع الزراعة، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض المستوى المعيشي لمئات الملايينمن البشر، و انتشار الجوع وعدم تكافؤ فرص الحصول على الغذاء، وعلى الرغم من الثورة الشاملة في الإنتاج الزراعيالغذائي، والتقدم التقني في الإنتاج وأساليب النقل والتصنيع، لازال العالم يشهد بشكل دوري أزمات غذائية، وحدوثمجاعات مميتة.

تتمثل مشكلة النمو السكاني الكبير في الضغط الذي تولده البنية السكانية، التي تؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء، كما تؤدي إلى الازدحام في المدن، مما يؤدي إلى اتساعها على حساب الأراضي الزراعية، وهذا ما تشهده عدد من الدول النامية التي تعاني من فجوة غذائية، بسبب عدم نمو الإنتاج الزراعي الغذائي في هذه الدول ليواكبالتزايد الكمي الحاصل في أعداد السكان. إن التدهور البيئي والنمو السكاني والزراعة المجهدة للأرض، والتوزيع الغذائي غير المتوازن، هي أمور تثيرالتساؤل حول مدى كفاية الغذاء لأعداد البشر المتزايدة في المستقبل.

تؤثر الزيادة السكانية في الطلب على الغذاء، من خلال ثلاثة جوانب:

  1. الجانب الكمي: وهو أن زيادة العدد السكاني؛تزيد في حجم الطلب على الغذاء.
  2. الجانب النوعي: يتمثل في أثر نوعية السكان من حيث المستوى التعليمي والكفاءة الإنتاجية، على الطلب الغذاءأي ثقافة الاستهلاك.

3. الجانب التوزيعي: يتمثل في جانب التوزيع الجغرافي للزيادة السكانية، نتيجة للهجرة الداخلية للسكان من الريف إلىالمدن، حيث تكون ظروف العمل أفضل، ومستويات الأجور مرتفعة عما هو عليه الحال في الريف.

من الجيد التذكير بأن ثمة تشابه بين الأفكار التي طرحها مالتوسحول النمو السريع غير المنتظم والموارد الغذائية، وبينالأفكار التي تناولها من قبله كل من ريتشارد كانتيلون،وجون ستيوارت ميل ، ففي الكتاب الذي نشره "كانتيلون" عام 1755م، بعنوان "بحث في طبيعة التجارة"، تناول في جزءمنه موضوع السكان، بحيث يشير إلى أن قدرة السكان على الزيادة هي قدرة لانهائية، غير أن العامل الوحيد الذييحد من فاعلية هذه الزيادة هو مدى توفر المواد الغذائية، ويرى أن قدرة الدولة على احتمال عدد معين من السكان،تتوقف على مدى حاجات السكان ومدى إنتاجية الأراضي، أما جون ستيوارت ميل فيرى أن العامل الوحيد المحددلزيادة السكان، يتوقف على مدى توافر الموارد الغذائية، غير أن هذه الموارد لا تزيد بنفس نسبة زيادة السكان، وقد شبه النمو السكاني بسلك حلزوني قابل للتمدد، وذلك وفقًا لتوافر الموارد الغذائية.مصر مثلا، تعتبر من أهم الدول العربية التي تعاني بشكل كبير من المشكلة السكانية، وتحاول مواجهة هذه الأزمة السكانيةبشتى الطرق، لأنها تعد عائقًا أمام جهود التنمية في المجتمع بشكل عام، أين أصبح التزايد السكاني السريعيمثل تهديدًاللأمن الغذائي، والقدرة على توفير الغذاء، وبحسب تقارير التعبئة والإحصاء، "وصل تعداد سكان مصر إلى 100 مليوننسمة في فبراير 2020م، ووصل معدل الزيادة الطبيعية إلى2.4 % فيما معدل الزيادة الطبيعية في الصين % 0.5فقط، أيأن مصر تحظى بمعدل زيادة يقارب خمسة أضعاف الصين.

من جانب آخر يمكن تسجيل حاجة السكان إلى المياه العذبة، بحيث أن التزايد السكاني وخاصة في المدن يقلل منالمياه المخصصة للزراعة (للري)، وبطريقة غير مباشرة تتراجع الكميات الغذائية المنتجة و مردودية المحاصيل الزراعيةبسبب نقص المياه المخصصة للري، وتشير تقديرات أنّه نتيجة للنمو السكاني؛ ّ فإن كمية المياه المتاحة للفرد منالدورة الهيدروجينية سينخفض بنسبة 73 % عام 2050م، وسيكون المتاح من المياه العذبة في عام 2050م، للفرد ربع ما كان عليه في عام 1950م، من القرن الماضي.

رابعًا، التهديدات السياسية للأمن الغذائي العالمي:

بحسب منظمة الأمم المتحدة فإن ثلثا الجياع في العالم في سنة 2018م، هم في بلدان تعاني منالنزاعات،كما يعاني حوالي 500مليون شخص من سوء التغذية، % 80من 155مليون طفل تشملهم مؤشرات سوء التغذية؛ يعانون من التقزم، وهم يعيشون في بلدان تشهد نزاعات وعدم الاستقرار.في ظل التركز المتزايد للجوع ونقص التغذية في البلدان المتأثرة بالنزاعات ، ويؤكد كل من المدير العام الأسبق لمنظمة الأغذية والزراعة جوزيه غرازيانو داسليفا،وجيلبير أنغبو رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، و ديفيد بيزليالتنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي، أنّه خلال العقد الماضي زاد عدد النزاعات بشكل كبير، وأصبحت أكثر تعقيدًا وتداخلًا.

بحلول عام 2050م، من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بنسبة الثُّلث، مع حدوث أعلى زيادة في البلدان النامية. وتقدِّر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أنه إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية في نموّ الدخل والاستهلاك دون هوادة، فإنه سيتعيَّن على الإنتاج الزراعي أن ينمو بنسبة 60 % لتلبية الطلبات المتزايدة على الأغذية والأعلاف. وتوفير الأساس للنمو الاقتصادي والحد من الفقر، يجب أن تشهد الزراعة تحولاً كبيرًا. وستصبح هذه المهمة أكثر صعوبةً بفعل تغيُّر المناخ. وقد تركت بالفعل الظواهر المناخية الأشدّ قسوة وازدياد عدم القدرة على التنبؤ بأنماط الطقس أثراً على الزراعة والأمن الغذائي، مما أدّى إلى انخفاض الإنتاج وتراجُع الدخول في المناطق المعرَّضة للضرر ، وستحتاج الزراعة للانتقال إلى نُظم أکثر إنتاجية، و استخدام المعدات بشكل أکثر کفاءةً،.

خامسًا، تغير المناخ و قضايا انعدام الأمن الغذائي /الهجرة /عدم الاستقرار:

          

ينظر الخبراء بشكل متزايد إلى منطقة الساحل الإفريقي على أنها نقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث أصبحت أنماط الطقس غير المتوقعة هي المعيار الجديد. من المتوقع أن ترتفع المنطقة بمعدل 1.5 مرة أسرع من المتوسط ​​العالمي، مع ارتفاع درجات الحرارة من 3 درجات مئوية إلى 5 درجات مئوية بحلول عام 2050م، تعاني المنطقة من التصحر من الصحراء الكبرى، حيث توسعت الصحراء بنسبة 20 % تقريبًا مقارنة بالعام الماضي ويتسلل إلى الجنوب بأكثر من ميل كل عام . في واحدة من أبرز الأمثلة على الآثار المناخية والتدهور البيئي، فقدت بحيرة تشاد، وهي مورد مياه بالغ الأهمية للصيادين والرعاة والمزارعين، 90 % من حجمها منذ الستينيات . عبر الساحل، انخفض توفر المياه للفرد في العقود الأخيرة، حيث تسبب هذا الضغط على الأرض والمياه في صراع واسع النطاق بين الرعاة والمجتمعات الزراعية المستقرة. كما أن الساحل موطن لعدد متزايد من المنظمات المتطرفة، بما في ذلك بوكو حرام والقاعدة والشباب الصومالي. أدى النمو السكاني والفقر المتفشي والتدهور البيئي إلى تغذية قدرة هذه الجماعات على التجنيد لأسبابها واستغلال اليأس والاستفادة من الوجود المحدود لأمن الدولة في هذه المنطقة الشاسعة والمكتظة بالسكان.

الخاتمة:

يطرح موضوع الأمن الغذائي تحديًا كبيرًا بالنسبة للاقتصاديين والسياسيين على حد سواء، كما أنه يعد مسألة مصيرية للملايين من الناس عبر العالم، هؤلاء الذين يجد جزء منهم صعوبة في تغطية احتياجاته في الإعاشة، والتحرر من هاجس الجوع والمجاعة وفقدان الاستقرار، وحيث أن الكفاية الغذائية لها دور في الصحة الجسمانية والنفسية وكذا لارتباطها بالاستقرار المجتمعي، فقد أولتها الدول أهمية محورية، بل إنها تقفز إلى صدارة الاهتمامات السياسية، ويتحججبها القادة والمسئولون في تبرير الإنفاق وتوزيع المخصصات المالية، كما أن تهديد الأمن الغذائي هو مادة أساسية في برامج المعارضة والنقد لأداء الساسة، بل يتعدى الأمر إلى المقارنة بين الدول على أساس كفاءتها في تحصين شعوبها من خطر الجوع.

يمكن أن يعيق تغير المناخ التقدم نحو عالم خال من الجوع، و هنا يمكن ملاحظة وجود نمط عالمي قوي ومتماسك لتأثيرات تغير المناخ على إنتاجية المحاصيل التي يمكن أن تكون لها عواقب على توافر الغذاء. كما قد يكون استقرار النظم الغذائية الكاملة عرضة للخطر في ظل تغير المناخ بسبب التقلبات قصيرة المدى في العرض. ومع ذلك، فإن التأثير المحتمل أقل وضوحًا على المستويات الإقليمية، ولكن من المرجح أن تقلب المناخ وتغيره سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المناطق المعرضة حاليًا للجوع ونقص التغذية. وبالمثل، يمكن توقع أن يتأثر الوصول إلى الغذاء واستخدامه بشكل غير مباشر من خلال التأثيرات الجانبية على دخول الأسر المعيشية والأفراد، وقد يضعف استخدام الغذاء بسبب فقدان الوصول إلى مياه الشرب والأضرار الصحية. تدعم الأدلة الحاجة إلى استثمارات كبيرة في إجراءات التكيف والتخفيف من أجل نظام غذائي يكون أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ عليه.

مقالات لنفس الكاتب