; logged out
الرئيسية / 5 عوامل ساهمت في انهيار المجتمعات القديمة و12 مشكلة تواجه البشرية اليوم

العدد 149

5 عوامل ساهمت في انهيار المجتمعات القديمة و12 مشكلة تواجه البشرية اليوم

الثلاثاء، 05 أيار 2020

أحدثت أزمة كورونا أثارًا دراماتيكية على الصحة العامة، وفاقت آثرهاعلى الأوضاع الاقتصادية في العالم كل التوقعات، وذلك من خلال صدمات متزامنة في جانبي العرض والطلب، فأثرت سلبًا على التجارة العالمية وانخفض الطلب على الصادرات والواردات وتراجعت ثقة المستهلكين والمستثمرين، وتحول مخاوف تباطؤ النشاط الاقتصادي إلى ركود يخشى أن يكون طويلاً.

ورغم أن العالم عرف عدة أزمات كساد عبر تاريخه، لكنها المرة الأولى التى يتسبب كائن غير حي، كورونا المستجد (كوفيد 19)، في أزمة اقتصادية أخذت، لأول مرة، تسلسل معاكس لما هو معتاد، حيث أصابت الاقتصاد الحقيقي من الأنشطة الإنتاجية، لتنتقل منه بعد ذلك إلى الاقتصاد النقدي، فتصيب القطاع المالي وترتبك الحياة الإقتصادية في العالم.

وأضحى الوضع الاقتصادي الحالي يتسم بالضعف في ظل تنامي عدم اليقين المحيط بتوقعات النمو والمخاطر التي يواجهها العالم، وأصبحت هناك حاجة ماسة إلى استجابات سياسية سريعة وموجهة للحد من التأثير السلبي لسيناريو تلك المخاطر وضمان حدوث التعافي الاقتصادي بصورة أسرع.

وعلى مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد تعرضت لما ترتب على الجائحة من تداعيات إقتصادية، ومالية، وتدعم الإتجاه النزولي لأسعار النفط العالمية، في إطار تراجع أسعار المنتجات الأولية عالميًا. وسوف يترتب على ذلك مزيدًا من الضغوط على الموازنة العامة للدولة، ومنها ستنتشر التأثيرات السلبية على باقي مناحي النشاط الاقتصادي في اقتصادات المنطقة التي تعتمد أساسًا على العوائد النفطية كمصدر رئيس للإيرادات العامة الحكومية، ومحرك أساسي للنشاط الإقتصادي.

وتشير بعض التوقعات إلى أن سيادة ظروف عدم التأكد وتحول رؤوس الأموال الساخنة (إستثمارات المحفظة المالية) إلى الأصول الآمنة، قد أسفر عن تراجع تدفقات استثمارات المحفظة المالية من المنطقة منذ منتصف فبراير، بما يقرب من 2 بليون دولار، ومن المتوقع استمرار ذلك طيلة فترة الجائحة، كما تراجعت أسعار الأسهم، وارتفعت أسعار السندات، مع تراجع أسعار الفائدة، وفي ظل ظروف عدم الاستقرار في الأسواق المالية، يصبح من المتوقع حدوث مزيد من الإضطرابات في الأنشطة الإقتصادية، وتراجع معدلات النمو بالمنطقة  قد تمتد لاكثر من عام. 

وفي هذه المقالة سنركز على تأثير الخلل البيئي على الجوانب الاقتصادية، والقنوات التي يمكن من خلالها أن يؤثر إنتقال عدوى الفيروس على إقتصادات المنطقة، والخيارات المتاحة امام متخذي القرارات إزاء هذه الجائحة.

الخلل البيئي والأزمات الإقتصادية

العلاقة بين الإنسان والبيئة واحدة من أهم جوانب حياتنا كبشر ومجتمعات، ففيها نعيش، ومنها نستمد وسائل العيش، وتمثل هذه العلاقة نموذجًا للعلاقات المتبادلة والتأثير المتبادل، مرة تؤثر فيها البيئة على حياة الإنسان، ومرة يؤثر فيها الإنسان على البيئة، وتأخذ هذه الأفعال وردودها المتبادلة، صفة الرحمة مرة، وصفة القسوة مرة أخرى، ليس هذا فحسب، بل تتميز هذه العلاقة بأن هناك دائمًا رد فعل لكل فعل، خاصة من قبل الطبيعة، فعندما يتصرف الإنسان بلطف، وكياسة، وحذر، مع مفردات البيئة، يكون رد الفعل من جنس العمل، حيث تغدق الطبيعة علينا من خيرات الله، ونعمه، خضرة ونماء وثروات، والعكس صحيح، حيث يكون الرد قاسيًا، عندما يسيء الإنسان التصرف مع مكونات الطبيعة وعطاءاتها، فيكون رد الفعل ثقبًا في الأوزون، وتصحرًا في الأراضي، ونضوبًا في الموارد الطبيعية، واحتباس حراري، وتغيرات في المناخ، وارتفاع في درجات حرارة الكوكب !

هذه العلاقة بين الإنسان والبيئة كانت محل دراسات عديدة، من قبل علماء الجغرافيا والآثار والاقتصاديين وغيرهم، ومن أشهر من ناقشوا تلك العلاقة حديثًا جيرد دايموند Jared Diamond في كتابه بعنوان Collapse: How Societies Choose to Fail or Survive، حيث يخلص إلى سؤال وحيد هو ما إذا كانت (المشاكل البيئية العالمية) ستُحل بطرق مرضية من اختيارنا، أم بطرق غير سارة ليست من اختيارنا، مثل الحروب والإبادة الجماعية والمجاعة وانتشار الأوبئة والأمراض وانهيار المجتمعات! حديث فيه تحذير واضح بضرورة التعامل مع مفردات البيئة بحذر.

يعتمد جاريد دايموند في تحليل دور المشاكل البيئية في الانهيارات المجتمعية من خلال المقارنة بين العديد من المجتمعات في الماضي والحاضر، تلك التي تعرضت لمخاطر الإنهيار، لكنها اختلفت فيما بينها باختلاف طبيعة العوامل المفترضة للتأثير على الانهيار أو البقاء ، وشكل الانهيار إذا حدث. 

وقد حدد خمسة عوامل ساهمت في انهيار المجتمعات في الماضي هي: تغير المناخ، والعداء مع الجيران، وانهيار الشركاء التجاريون الأساسيون، والمشكلات البيئية، وتفاعل المجتمعات مع تلك العوامل. 

أما في المجتمعات المعاصرة فيسرد دايموند اثني عشر  مشكلة تواجه البشرية اليوم، مؤكدًا أن الثمانية الأولى ساهمت تاريخيًا في انهيار بعض المجتمعات في الماضي:

  1. إزالة الغابات وتدمير المستعمرات.
  2. مشاكل التربة (التجريف، التملح، وتصحر التربة).
  3. مشاكل إدارة المياه.
  4. صيد  الحيوانات الجائر.
  5. صيد الأسماك الجائر.
  6. آثار إدخال أصناف جديدة على الأنواع المحلية.
  7. الاكتظاظ السكاني.
  8. تأثير  ارتفاع متوسط دخل الفرد.

علاوة على ذلك، يقول إن أربعة عوامل جديدة قد تساهم في إضعاف وانهيار المجتمعات الحالية والمستقبلية:

9.تغيرات المناخ. 

10.تراكم السموم في البيئة.

11.نفاذ مصادر الطاقة.

12.الاستخدام البشري الكامل لقدرة التمثيل الضوئي. 

ومن أهم الدروس المستفادة أن التراجع الحاد للمجتمع يبدأ بعد عقد أو عقدين على الأكثر من وصول المجتمع إلى الذروة من حيث: السكان، والثروة، والقوة. والسبب بسيط: فبلوغ الحد الأقصى من السكان، والثروة، واستهلاك الموارد، وإنتاج النفايات يعني تحمل البيئة فوق ما تحتمل، وعلينا أن ننتظر أقسى رد فعل بيئي، والذي تتجاوز فيه تلك الآثار قدرة الموارد على الاحتمال، فيحدث الانهيار. 

جملة القول أن السلوك البشري تجاه المحيط البيئي لم يتعلم من دروس الماضي، ويمكن القول إن رد فعل البيئي من خلال تحور فيروس كورونا، أصبح يهدد أمننا كأمم على المدى الطويل، وتكمن المشكلة الحقيقية في أن العالم الحديث يعيش أسطورة وهمية،  تتجاهل ما سبق ، وصار العالم مبهورًا بنتائج الثورات الصناعية المتلاحقة، وما أحرزه من تقدم في الكيمياء الحيوية والهندسة الوراثية والجينات الوراثية، يتعامل بطريقة متعالية مع مفردات البيئة، مما يؤدي إلى إفراط خطير في استخدام الموارد الطبيعية، وإلحاق الأضرار بها.

 

خيارات البقاء أمام التغير المناخي والتدهور البيئي

وفي ضوء استقراء تجارب الماضي، يوجد خياران حاسمان يميزان المجتمعات التي نجت، عن تلك التي فشلت: 

الخيار الأول: توفر الشجاعة لممارسة التخطيط على المدى الطويل، واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة واستباقية عندما تصبح المشكلات واضحة، ولكن قبل انفجارالأزمة. 

الخيار الثاني: توفر الشجاعة لاتخاذ قرارات مؤلمة بشأن بعض القيم والسلوكيات التي تهدد عناصر البيئة والمناخ، والإبقاء على القيم والسلوكيات التي تدعو للحذر في التعامل مع عناصر البيئة حولنا، والحفاظ عليها في ظل ظروف جديدة متغيرة. وعلينا أن نتدارس أي من هذه القيم السلبية يجب التخلي عنها ويتم استبدالها بأخرى إيجابية.

 

تأثير الأزمة على اقتصادات المنطقة

هناك تبعات كثيرة ستترتب على الأزمة التي فجرها فيروس كورونا المستجد، ومن أهم هذه التبعات حدوث اضطرابات لاقتصادات دول المنطقة، من خلال التأثير على سلاسل القيمة العالمية، وحركة السفر والسياحة، إضافة إلى تراجع عوائد النفط التي تعتمد عليها دول المنطقة من أجل تأمين الإيرادات التي تحتاج إليها بشدة لتسيير الحياة الإقتصادية.

وتبدو مسارات الأزمة من خلال ثلاث قنوات رئيسة، أولها إنخفاض أسعار النفط العالمية، وثانيها،  تأثر سلاسل القيمة العالمية، التي تستحوذ على نصف التجارة العالمية تقريبًا، وتدفق رأس المال الأجنبي الذي قد يعزف عن البلدان المتضررة من تفشي الفيروس، في ظل ظروف عدم اليقين، وثالثها تراجع حركة النقل والسياحة اللذان يشكلان رافدًا رئيسيًا للإيرادات في بلدان المنطقة، واللذان ينكمشان مع تراجع الطلب وزيادة القيود على السفر. 

  1. التأثير على أسعار البترول

لا شك في أن اعتماد اقتصادات المنطقة على صادرت النفط والغاز  سيجعلها عرضة لتقلبات تلك الأسعار نتيجة كوفيد 19، بل من المتوقع أن يكون تراجع الأسعار هو أهم القنوات التي ستتأثر من خلالها دول المنطقة بتبعات الجائحة، فمنذ إكتشاف الفيروس المستحدث، وانتشاره في الصين أواخر2019م، تدهورت أسعار البترول العالمية بشكل حاد، سواء كنتيجة مباشرة لتأثر الطلب العالمي سلبًا بالأزمة، أو لأسباب أخرى تتعلق بجانب العرض، وهبط سعر برميل زيت برنت من 68.9 دولار للبرميل في أول يناير 2020م، إلى 50.5 دولار للبرميل في 28 فبراير، وتشير التوقعات إلى استمرار الإتجاه الهبوطي، نحو 20 دولار للبرميل، ما لم تتخذ إجراءات حاسمة في جانب العرض.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف العالمية من بطء السيطرة على انتشار الوباء عالميًا وتزايد عدد الدول المنكوبة، وتسارع معدلات الإصابة، يمكن أن يؤثر سلبًا على قرارات الإستثمار في الصين وغيرها من الدول الأخرى، ويدخل الاقتصاد العالمي في ركود طويل الأجل، ومن ثم يخشى معه إستمرار الإتجاه النزولي للأسعار.

وقد أدت القيود المفروضة على السفر والنقل عالميًا، إلى انخفاض الطلب على النفط، فضلاً عن التردد في التوصل لاتفاق بين دول أوبك بالإضافة للمنتجين من خارجها، مما يضعف تاثير جانب العرض على الأسواق العالمية مقابل ما لحق بجانب الطلب من تراجعات، مما دفع بأسعار النفط للنزول إلى نحو 50 % من الأسعار منذ بداية الأزمة الصحية العالمية،  وكنتيجة لذلك فإن الصدمات المرتدة يمكن ان توجه ضربة قوية للكثير من الأنشطة الإقتصادية في المنطقة على الأقل خلال النصف الحالي من العام، فضلاً تأثيراتها التي قد تمتد لفترات أطول، في منطقة تقوم اقتصاداتها أساسًا على التفاعل مع العالم الخارجي في اقتصادات منفتحة على العالم وتربطها به روابط تجارية واسعة ومصالح مشتركة

سلاسل القيمة     Value chains

لم تطل الفترة منذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشي فيروس كورونا المستجد وإعتباره جائحة عالمية، حتى أعلن صندوق النقد الدولي عن ولوج العالم مرحلة من الركود لا محالة، ومما لا شك فيه أن اضطراب النشاط الاقتصادي في الصين وانخفاض معدل النمو الاقتصادي والصناعي بصفة خاصة على المستوى العالمي، والقيود المفروضة حاليًا على وسائل النقل، وتأثر حركة التجارة العالمية، سوف يؤدي إلى تأثر الدول التي ترتبط بسلاسل قيمة قوية مع الصين، ومع الدول المتقدمة. ورغم ضعف ارتباط دول المنطقة بسلاسل القيمة العالمية بدرجة كبيرة، إلا من خلال روابط تصدير النفط الخام، إلا أن تأثر سلاسل القيمة العالمية يمكن أن تزيد من الضغوط على أسعار النفط التي ترتبط بضعف الطلب من جانب الصين والدول الصناعية الكبرى.

السياحة والسفر       Tourism and travel

يعتبر قطاع السياحة والسفر من أهم القطاعات التي تأثرت بجائحة كوفيد- 19، وذلك على مستوى العالم ككل، حيث سارعت دول المنطقة مثل غيرها من دول العالم بفرض قيود وحظر على استقبال الزائرين من الخارج، بل إن المملكة العربية السعودية قد اضطرت لفرض حظر على زيارة الأماكن المقدسة في الوقت الحالي، وإلى أجل غير محدد، بالإضافة للقيود التي تفرضها الدول الأخرى على سفر مواطنيها، وتوقف حركة الطيران العالمي حاليًا، والذي قد يمتد لما بعد انقشاع الجائحة، مما أثر سلبًا على عمليات السفر والسياحة ومناسك الحج والعمرة.

السياسات الإقتصادية اللازمة لمواجهة الأزمة    Policy priorities  

تأتي مهمة حماية أرواح الناس على قمة أولويات السياسات الحكومية في كل بلدان العالم، حيث يجب توجيه القدر المناسب من الموارد لدعم احتياجات القطاع الصحي، بعد ذلك توجه السياسات الإقتصادية لمنع تداعيات الأزمة الصحية المؤقتة، والوقوع في خطر ركود ممتد وتزايد معدلات البطالة وحالات الإفلاس.

 

تختلف هذه الأزمة عما سبقها من أزمات إقتصادية شهدها العالم عبر تاريخه الحديث، في طبيعة نشأتها، الناجم عن خلل بيئي هدد حياة البشر، وأثر مباشرة على الجانب الحقيقي من النشاط الإقتصادي، بداية، في شكل تباطؤ لمعدلات النمو، ثم تحول نحو ركود واضح المعالم، لذلك فإن التحرك باتجاه مواجهة الأزمة والتعافي رهن بسرعة احتواء الفيروس بداية.

 

وقد تميزت إجراءات السياسة الاقتصادية الكلية في دول المنطقة، حتى الآن، بكونها استباقية بدلًا من سياسة رد الفعل، حيث تم اتخاذ تدابير هامة أعلنتها مختلف الأجهزة الحكومية، بما في ذلك البنوك المركزية ووزارات المالية، وفيما يلي نعرض لأهم تلك الإجراءات: 

السياسة المالية العامة

 من المتوقع أن تلعب السياسة المالية دورًا بارزًا في توجيه الاقتصاد خلال هذه الأزمة، ويجب أن يكون دور السياسة النقدية داعمًا ومكملاً .

ورغم أن مساحة تحرك السياسة المالية محدود نسبيًا، بسبب عدة مصاعب مالية تواجه حكومات المنطقة حتى قبل الأزمة، وتفاقم عجز الموازنات، وارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فلا مناص من وجود اعتمادات مالية إضافية، كسياسات تحفيزية.

ويجب أن تكون حزمة التحفيز المالي كبيرة وفورية، ذلك إن سرعة الاستجابة سوف تقدم دعمًا فوريًا للشركات للحد من خسائر ها، ومن تأثيرها السلبي على فرص العمل، ولحماية الأفراد الذين فقدوا وظائفهم بالفعل، وتقليل الأثر السلبي للأزمة على معدلات التوظيف وانخفاض مستوى الطلب الكلي.

واستمرار تخصيص المزيد من الإنفاق على قطاع الصحة وجهود احتواء الفيروس .

تمشيًا مع مقتضيات السياسة المالية التوسعية، والتجارب الدولية السابقة، من الضروري استمرار دعم برامج الحماية الاجتماعية، وزيادة  التحويلات النقدية للمواطنين المضارين من جراء الأزمة، ولمواجهة أثر فقدان الوظائف والدخل، ولهذا أهمية قصوى على جبهتي، أولا، ضمان جدوى أي تدابير للحظ ، وحتى لا تؤدي إلى معاناة غير ضرورية من قبل أولئك الذين ليس لديهم وسائل دخل مضمونة،  وستساعد التحويلات النقدية كذلك في دعم الاستهلاك العائلي، وهو المكون الهام في الطلب الكلي، وبالتالي سيقلل من تأثير الصدمة على النمو الاقتصادي .

 وبما أن الأزمة من المرجح أن تضرب الاستثمار الخاص، فمن الضروري استمرار الاستثمار العام في دعم النمو في ظل هذه الظروف، وإعادة توجيه الإنفاق العام بعيدًا عن الإسكان والعقارات، إلى استثمارات أكثر أهمية في قطاع الرعاية الصحية، البنية التحتية الرقمية للخدمات الرئيسية  )مثل التعليم والتجارة والخدمات المالية(، وإطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص لزيادة الاستثمار في قطاع الصناعة التحويلية مع توجه تصديري.

 

السياسة النقدية

نظرًا للطبيعة المزدوجة للصدمة الحالية التي شملت جانبي الطلب والعرض، فمن المهم أن يراقب البنك المركزي عن كثب الاضطرابات في جانب العرض من خلال الجمع المستمر للمعلومات، ومراقبة الأسواق، وهذا مهم ليس فقط بالنسبة للتدخلات المستهدفة على المستوى القطاعي، ولكن أيضًا لتجنب التوسع المفرط في السيولة في وقت انكماش جانب العرض، مما قد يؤدي إلى ارتفاع في مستويات الأسعار.

وقد لا تكون أداة سياسة سعر الفائدة فعالة في هذا الوقت، الذي يزداد فيه عدم اليقين بالنسبة للمستهلكين والمستثمرين، لذا فإن استخدام السياسات الاحترازية على المستوى الكلي macro prudential policies   والأدوات غير التقليدية  )مثل نسبة تخفيض نسبة متطلبات الاحتياطي)، أكثر فعالية لزيادة السيولة المحلية خلال هذه الأزمة، وهو ما يتطلب تنسيقًا وثيقًا مع القطاع المصرفي

يمكن كذلك للسلطات النقدية اتخاذ خطوات باتجاه ضمان الإعفاء من مدفوعات الديون للأفراد على المدى القصير، وإدخال مبادرات مماثلة للتخفيف من عبء الأزمة على قطاعات معينة  )مثل السياحة(، وهناك حاجة سريعة إلى توسيع نطاق هذه التدابير والعمل على كيفية استهداف الشركات المتعثرة .

ولا ينبغي أن يكون هدف السياسة النقدية خلال مرحلة الاحتواء والتعافي هو توفير الائتمان الميسر فحسب، بل يجب أن تستهدف القطاعات القادرة على تسريع وتيرة التعافي، والقطاعات التي من المرجح أن يكون نمو الإنتاجية فيها أعلى من غيرها .

 

التعاون الدولي ومواجهة الأزمة

تتطلب مواجهة هذه التحديات تعاونًا عالميًا، وعلى دول العالم تجنب اللجوء إلى السياسات الحمائية التي يمكن أن تفاقم الأزمات التي تواجه سلاسل القيمة العالمية، وتزيد مستويات عدم اليقين المرتفعة بالفعل، بل والأكثر أهمية، أن تتجنب فرض قيود على الصادرات من الأغذية والمنتجات الطبية الضرورية، والعمل بدلا من ذلك معًا لمساندة زيادة الإنتاج، وضمان تدفق الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. وعلى المدى المتوسط، ومع تحسن الظروف الاقتصادية، فإن الدرس الذي يجب أن يعيه واضعو السياسات هو عدم الانطواء على الذات، واستمرار التعاون الدولي، وعدم وضع قيود وإجراءات حمائية على حرية التجارة العالمية، وتشجيع منشآت الأعمال على الحفاظ على مستويات أعلى من المخزون، وتنويع الموردين من أجل إدارة المخاطر على أفضل ما يكون.

ورغم الاضطرابات التي تعتري أسواق المال، يحتاج واضعو السياسات إلى رباطة الجأش. وعليهم أن يوظفوا ترسانتهم الكاملة من أدوات السياسات، التي تشمل السياسات النقدية والمالية والتجارية والاستثمارية لتحسين مستوى الثقة، لقد كانت سياسات الاستجابة المتزامنة والمنسقة غير المسبوقة أثناء الأزمة المالية العالمية مهمة لاحتوائها. 

لقد أصبحت آثار الجائحة وتراجع أسعار النفط العالمية واضحة على سلم أولويات دول المنطقة، خشية استمرارها لفترة أطول، وعلى المدى القصير،لا تزال هناك مخاوف من حدوث نقص في إمدادات المعدات الطبية وبعض السلع الأساسية، مما يخشى معه حدوث نقص وارتفاعات في الأسعار، وعلى المدى الطويل هناك ركود يبدو في الأفق وليس مجرد تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي، وعلى السلطات إجراء مراجعة شاملة لاستراتيجيات المستقبل، في ضوء نظام اقتصادي عالمي جديد، يتشكل على يد فيرس لا يرى بالعين المجردة.

مجلة آراء حول الخليج