; logged out
الرئيسية / الصين تتأهب .. والولايات المتحدة تتمسك .. بقيادة العالم

العدد 149

الصين تتأهب .. والولايات المتحدة تتمسك .. بقيادة العالم

الثلاثاء، 05 أيار 2020

هناك اتفاق بين الجميع أن عالم ما بعد "كورونا " لن يكون كما كان قبله، والحديث يدور عن تغيرات جيو -سياسية وربما تعديل في " القيادة العالمية " فالبعض يرى أن الصين ستخرج من الأزمة على قمة العالم كما خرجت الولايات المتحدة زعيمة للبشرية بعد الحرب العالمية الثانية، والبعض الثاني يؤكد أن الولايات المتحدة ستظل القوة التي لا ينافسها أحد على وجه الأرض، وأن القرن الحادي والعشرين سيظل قرنًا أمريكيًا، ورأي ثالث يزعم أن الوباء سيعجل بما كان يقال قبل كورونا عن " الإدارة الجماعية " للعالم ، وأن عام 2025م، سيشهد قيادة متعددة الأقطاب، ويرتبط بهذه المسارات المفترضة مستقبل دول وتحالفات مضى عليها أكثر من 75 عامًا مثل الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو ، وربما الأمم المتحدة نفسها. فهل يصارع " الناتو الآسيوي" ، الذي يمكن أن يضم الصين وروسيا، حلف الناتو بقيادة واشنطن ؟ وهل سينفرط عقد الإتحاد الأوروبي؟ وإلى أي مدى يمكن لروسيا أن تكون تابعًا للصين على غرار التبعية الكندية للولايات المتحدة ؟ وماذا تقول معادلة " القوة الاستراتيجية الشاملة " عن كل هذه الأطراف واستعدادها لمرحلة ما بعد كورونا   ؟

القوة الشاملة

الحروب والأزمات والأوبئة هي التي ترتب القوى العالمية في سلم القيادة،فالحرب العالمية الثانية أدت لصعود الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لقمة العالم بدلاً من فرنسا وبريطانيا، لكن صعود وهبوط الدول يتوقف على ما تمتلكه هذه الدولة أو تلك من عناصر" القوة الاستراتيجية الشاملة " وهي محصلة ما لدى الدولة من مقومات رئيسية جغرافية وسكانية وإقتصادية وعسكرية وثقافية، وبعد ذلك يمكن الجزم بصعود أو هبوط هذه الدولة أو تلك، فما هي عناصر القوة الصينية ؟ وهل توازن أو تتفوق على ما لدى الولايات المتحدة من إمكانيات ؟

معجزة اقتصادية

منذ أن وضعت الصين سياسة " الإصلاح والانفتاح عام 1978م، حققت " معجزة اقتصادية " فصعد بموجبها الاقتصاد الصيني إلى المرتبة الثانية بعد أن تجاوز ألمانيا في 2009م، واليابان في 2013م، وإنتشلت هذه السياسة الناجحة 900 مليون صيني من تحت خط الفقر ، وأدخلتهم للطبقة المتوسطة، وتحقق ذلك بعد أن إستطاعت الصين خلال 30 عامًا تحقق معدل نمو حول 10 %، قبل أن يتراجع في السنوات الخمس الماضية لأقل من 6.9 %، ووصل دخل المواطن الصيني طبقًا للبنك الدولي عام 2019م، إلى 8800 دولار سنويًا ووصل الناتج القومي نهاية العام الماضي لـ 13.4 تريليون دولار ، ووفق الخطط المعلنة كانت الصين تستعد للعب دور هام في العالم عام 2020م، على أن تتبوأ قمة الاقتصاد العالمي عام 2049م، بعد مرور 100 عامًا على الاستقلال، ونجاح الصين في تقديم " نموذج ناجح " لمكافحة فيروس كورونا زاد من منسوب الثقة الصينية في تولي قيادة العالم قبل 1949م، خاصة مع عدم الثقة في نجاح النموذجين الأوروبي والأمريكي مع كورونا.

مارد عسكري

ويزيد من ثقة الصين في قدرتها على لعب دور أكثر حضوراً في قيادة العالم أن نجاحها لم يكن إقتصاديًا فقط بل عسكريًا أيضًا حيث أنفقت بكين في الميزانية الحالية 265 مليار دولار على التسليح، و هو ما دفع أمريكا قبل وباء كورونا للإنسحاب من اتفاقية منع نشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى النووية في أغسطس 2019م، رغبة منها في ضم الصين لهذه الاتفاقية الثنائية التي وقعتها مع الإتحاد السوفيتي 1987م، وبعدها أعلنت واشنطن أنها تخشى من النمو العسكري الصيني الذي يشكل خطرًا على قواتها وقوات حلفائها في شرق وجنوب شرق آسيا ، وأشارت واشنطن لمجموعة مخاطر عسكرية وهي :

أولاً : أصبح الجيش الصيني أكبر جيش في العالم حيث يضم أكثر من 3.7 مليون جندي منهم 1.4 مليون على قوة الاحتياط، وأن عدد من يمكنهم الالتحاق بالقوات المسلحة يصل 619 مليونًا، وعدد من يدخلون سن التجنيد سنويًا يتجاوز 19.5 مليون شاب، خاصة أن القوة المتاحة للعمل تجاوزت 750 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان الذي وصل إلى مليار و373 مليون.

ثانيًا : لدى الجيش الصيني 3400 طائرة حربية بينها 1900 مقاتلة واعتراضية، و1730 هجومية، و500 طائرة تدريب، 1150 مروحية، بينها 300 مروحيات هجومية،و 560 مطار عسكري،كما بدأت الصين في سبتمبر 2016م، إنتاج قاذفة القنابل الاستراتيجية Xian H-20 من الجيل الجديد، وهي تشبه قاذفة الشبح الأمريكية " بي 2 " والصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبني "ملاجئ نووية" استعدادًا لحرب نووية في المستقبل، ووفق معهد إستكهولم للسلام الدولي أصبحت الصين ثان أكبر منتج للسلاح في العالم، وأن شركة "أفيك " الصينية لإنتاج السلاح زادت مبيعاتها على 25 مليار دولار عام 2018م، وبذلك تنافس شركة لوكهيد مارتن الأمريكية التي تزيد مبيعاتها على 45 مليار دولار

ثالثًا : لدى القوات البرية الصينية 6457 دبابة، و 4788 مدرعة و1710 مدافع ذاتية الحركة،و 6200 مدفع ميداني و1770 راجمة صواريخ متعددة.

رابعًا : يتكون الأسطول الصيني من 714 سفينة حربية، منها حاملة طائرات واحدة، و68 غواصة و51 فرقاطة، و35 مدرعة و35 كورفيت، و 220 سفينة ، و 31 كاسحة ألغام بحرية، و 4 غواصات نووية إستراتيجية تحمل كل واحدة منها 12 صاروخًا باليستيًا من نوع "الموج الكبير" يتراوح مداه بين 8 و9 آلاف كم ، وحسب تقديرات البنتاجون فإن لدى الصين 90 صاروخاً باليستيًا عابر للقارات مثل "دونج فنج 41" الذي يعد أحد أفضل الصواريخ البالستية في العالم و يصل مداه إلى 14 ألف كم، وهو قادر على ضرب أي ولاية أمريكية، إضافة إلى أسطول تجاري يضم 2050 سفينة عملاقة، و20 ميناء دولي،

الصين بعد كورونا

جاء النجاح في كبح جماح وباء كورونا ليعزز من فرصها في الترقي في سلم القيادة العالمية، لكن أيضًا هذا مرهون بتعاملها مع قائمة طويلة من المشاكل الداخلية والجيوسياسية، فما هي نقاط القوة وعوامل الضعف ؟

أولاً : تسود الآن فرضية أن الصين ستكون الرابح الإقتصادي الأكبر من أزمة كورونا بعد أن نجحت في وقف تفشي الفيروس وإعادة الحياة الطبيعية، و تشير بعض الأرقام إلى أن الإقتصاد الصيني عام 2025م، سيصل إلى 25 تريليون، لكن هذا يحتاج عدم دخول الإقتصاد العالمي في ركود عميق، لان الركود سيؤثر على مبيعات الصين في الخارج ومبيعات التجزئه في الداخل

ثانيًا : تستطيع الصين أن تروج لنموذجها في مكافحة الفيروس كدليل على الإستعداد لكل الأزمات، وكعنوان للكفاءة والإستعداد الصيني، فالصين سبقت كل دول العالم " بخطوات " في للإنتاج وعودة العمل، ويترتب على ذلك أن الصين لن تعاني من البطالة كما أمريكا وأوروبا، ويقارن البعض الآن بين " النموذج الصيني " الناجح، و نماذج أخرى التي لم تحقق نفس النجاح خاصة في أوروبا وأمريكا، وستشكل هذه الصورة النمطية الإيجابية عن الصين محور لحديث العالم على الأقل خلال السنوات الثلاث القادمة.

رابعًا: عمليًا تجاوزت الصين روسيا، فقبل الأزمة كان الحديث يدورحول الصراع الأمريكي ــ الروسي، لكن مع أزمة كورنا ونجاح الصين في تجاوزها أصبح الحديث عن الصراع بين أمريكا والصين ، وخلال الإتصالات الأخيرة بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي كانت الصين هي الموضوع الرئيسي، وتحدث بومبيو بضرورة دخول الصين في كافة آليات الرقابة على إنتاج ونشر السلاح في العالم، وهو ما يطرح سؤال عن إحتمالية أن تتحول روسيا كتابع للصين على غرار تبعية كندا لأمريكا.

خامسًا: تسعى الصين بعد الخروج من أزمة كورونا إلى تشيكل ما " ناتو آسيوي" يضم الصين والهند وروسيا، وإستغلال الخلاف المتنامي بين أمريكا والهند ، خاصة أن هناك تقارب غير مسبوق بين الهند وروسيا، ويمكن لروسيا أن تكون جسرًا للتعاون الثلاثي في المستقبل.

سادسًا: سوف تستفيد الصين من " دبلوماسية الكمامات" بعد أن قدمت المساعدات الطبية والكمامات لأكثر من 85 دولة زادت ثقة هذه الدول في " الصداقة الصينية " وهو ما سيدعم خطط الرئيس شى جين بينج للإسراع بتنفيذ رؤية " الحزام والطريق " بزخم أسرع مما كان عليه الوضع منذ 2013م،عندما أطلق شي جين بينج هذه الرؤية.

مشاكل جيوسياسية

زادت الإنتقادت الأمريكية والبريطانية الفرنسية والأسترالية للصين على خلفية إتهامات بعدم الشفافية، وربما حتى بتخليق الفيروس، لذلك من أبرز التحديات العاجلة هي إثبات الصين عكس ذلك لحلفائها،و للمقتنعين بالرواية الصينية حتى لا تتآكل صورة الصين ،التي يتهمها الغرب بأنها سجنت الطبيب الذي اكشتف المرض ومات بالكورونا بعد ذلك، كما أن حديث ترامب بأن وقت الحساب ليس الآن قد يشير إلى أن أمريكا وحلفاءها الغربيين المتضررين مثل إيطاليا وأسبانيا قد تطالب الصين بتعويضات تصل لمليارات الدولارات

لا يوجد دليل واضح على أن تدفق المنتجات الصينية سيكون أكبر مما كان، لأن توقف إنتقال البضائع لمدة 3 أو 5 شهور من الصين إلى الدول المستوردة يشجع الآن هذه الدول على الصناعة الوطنية،فالرئيس ترامب يحاول إقناع الشركات الأمريكية التي تعمل في " حزام الصدأ " وهي أكثر من 10 ولايات للعودة للولايات المتحدة مع ضرائب أقل حتى يخرجوا من السوق الصيني

الحضور في قيادة العالم له مزاياه، وله تبعاته ومسؤولياته أيضًا، وخلال العقود الثلاث الماضية كانت الصين تتهرب من بعض الإلتزامات الدولية بحجة أنها " دولة نامية كبيرة " وفق تعريف منظمة التجارة العالمية، ولذلك كان عليها إلتزامات دولية قليلة جدًا في كافة المجالات، ومثال على ذلك الصين تدفع 45 مليون دولار فقط لمنظمة الصحة العالمية، بينما أمريكا تدفع 480 مليون، أي أمريكا تدفع 10 أضعاف الصين للصحة العالمية، وعلى المستوى السياسي والعسكري لن تستطيع الصين التهرب من إتفاقيات مثل " ستارت 3 " التي تكبح نشر الصواريخ الطويلة المدى والتي تنتهي العام المقبل.

سيمثل بحر الصين الجنوبي التي تمر من خلالة ثلثي التجارة العالميةمعضلة للصين في ظل إصرار الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين"فيتنام - الفلبين – إندونيسيا – سنغافورة – بروناى – ماليزيا " على" عسكرة بحر الصين الجنوبي" وهو ما يرفع تكاليف التأمين على البضائع الصينية .

ستشكل ورقتي " هونج كونج وتايوان " نقاط ضعف لاستراتيجية الصين المسماه "الصين واحدة " حيث زادت واشنطن مبيعات السلاح لتايوان، وتتهم الصين الغرب بدعم مظاهرات هونج كونج، ولذلك سيستثمر الغرب في هذه الأوراق التي تستنزف جهدًا كبيرًا من الصين، لكن أيضًا يحسب للصين أنها حققت كل الإنجازات في السنوات الثلاثين الماضية في ظل المشاكل القائمة في تايوان وهونج كونج.

تحاول واشنطن التدخل في اختيار خليفة " الدلالاما " بحيث يأتي شخص أكثر تشددًا لقيادة إقليم " التبت " وهو الأمر الذي سيشكل تحديًا كبيرًا للصين.

إستطاع الغرب أن يوظف ما حدث في " تركستان الشرقية " وقضية الويجور للتأثير على الصين في أكثر الأقليم الحيوية (غرب الصين) ويمثل بوابة إنفتاح الصين على الغرب، وشكل هذا الإقليم " صداع سياسي و أمني " للصين منذ عام 2011م.

 

تفوق أمريكي

رغم كل ما تملكه الصين يرى الأمريكيون أنهم يسبقون الصين بخطوات كثيرة، وأن المسافة بين واشنطن وبكسن تصل لأكثر من 80 عامًا، وأن القرن الحادي والعشرين سيظل أمريكيًا حتى بعد فيروس كورنا لعدد من الأسباب :

الأول : قبل وباء كورونا كان هناك تفوق أمريكي اقتصادي واضح ، وبلغ الناتج القومي الأمريكي 20.5 تريليون دولار يتم توزيعهم على 300 مليون نسمة، ولذلك دخل الفرد الأمريكي حوالي 59 ألف دولار سنويًا، في حين ما زال دخل الفرد في الصين لا يتجاوز 8800 دولار فقط بعد توزيع 13.5 تريليون دولار على مليار و300 مليون نسمة.

الثاني : ما زال نظام " السويفت " الأمريكي هو الذي يتحكم في التحويلات المالية والإقتصاد العالمي، وفشلت كل المحاولات لإيجاد آلية موازية بما فيها المحاولات التي قام بها حلفاء أمريكا المتحدة أنفسهم، وخير مثال فشل " آلية أنستكس " التي حاول الأوروبيون أن تكون آلية للإلتفاف على العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب على إيران في نوفمبر .2018

ثالثًا : ما زال الإحتياطيات المالية الصينية بالدولار حيث تبلغ أكثر من 3 تريليون دولار .

رابعًا : لا يمكن تجاهل أن جزءًا كبيرًا من الأموال الصينية جاءت من أمريكا لأن حجم التجارة بين واشنطن وبكين في 2019م، بلغت 730 مليار دولا و تجاوزت الصادرات الصينية رغم كل الحروب التجارية 500 مليار دولار بينما كانت وارداتها من الولايات المتحدة 230 مليار دولار ، ولذلك حديث البعض عن أن الإقتصاد الصيني سيقفز إلى 25 أو 30 تريلون دولار عقب نهاية كورونا مشكوك فيه، والسؤال من أين ؟ إذا كان الإقتصاد الأمريكي والأوروبي سيتراجع، وبرهنت أمريكا على قدرتها في التعافي من كورنا اقتصاديًا – كما تعافت من الكساد الكبير عام 1930م – عندما قرر الكونجرس أكبر حزمة تحفيز مالي في التاريخ بــ2.2 تريليون دولار، حيث لم يستطع الإتحاد الأوروبي الذي يضم 500 مليون نسمة إلا تقديم500 مليار دولار فقط، بينما تحدثت اليابان عن حزمة تحفيز تصل لتريليون فقط.

خامسًا : عسكريًا ما زالت أمريكا الدولة الأقوى عالميًا وتنفق 720 مليار دولار سنويًا على الدفاع، وهذه الميزانية تعادل " مرتين "الميزانية الدفاعية لروسيا والصين معًا حيث تنفق روسيا 75 مليار دولار ، والصين 275مليار دولار سنويًا، ولدى واشنطن 220 ألف جندي ينتشرون في 800 قاعدة عسكرية خارج الآراضي الأمريكية ، بينما للصين قاعدة عسكرية واحدة، كما أن أمريكا هي أكثر دولة في العالم لديها غواصات نووية، وحاملات طائرات ، وتمتلك 6550 سلاحًا نوويًا بينها أسلحة نووية " استراتيجية " يمكن استخدامها في حروب نووية صغيرة، وجرى بالفعل التدريب العملي على هذا النوع من الحروب في قاعدة الجيش الأمريكي بولاية نبرسكا في 23 فبراير الماضي، وجاءت هذه الخطوة ردًا على بناء الصين " ملاجىء نووية " وهو ما اعتبره الأمريكيون إستعدادًا صينيًا لحرب نووية حيث تملك الصين 300 سلاح نووي.

سادسًا : ثقافيًا تتصدر الجامعات الأمريكية أفضل 10 جامعات في العالم، وما زال التعليم الغربي والأمريكي مع النظام الياباني والإسكندنافي هو الأفضل عالميًا.

سابعًا : تسبق أمريكا الصين بعشرات السنوات في المجال الثقافي والقوة الناعمة، لان تأثير الأفلام والمسلسلات الأمريكية ضخم للغاية، ودائمًا ما يطرح السؤال في هذا المقام كم عدد الذين يتحدثون الصينية خارج الصين ؟ وكم عدد الذين يتحدثون الإنجليزية خارج أمريكا؟

خيارات أمريكية للتعامل مع الصين

في ظل التحدي الصيني الناشىء للقيادة الأمريكية يطرح الأمريكيون عدة خيارات للتعامل مع الصين في الفترة القادمة ومنها :

"خيار كيسنجر" القائم على زرع الخلاف بين روسيا والصين، وبين الصين وجيرانها، وإستنهاض ما هو مدفون من خلافات، فمثلاً هناك نقاط خلافيةحول سعي موسكو وبكين لليهمنة على آسيا الوسطى، ونجحت واشنطن في إشعال الخلافات بين الإتحاد السوفيتي السابق والصين عام 1969م " والحرب الروسية ــ الصينية " في جزيرة دامانسكي، كما يمكن خلق صراع بين الصين والهند، وبالفعل كانت هناك الحروب الصينية الهندية والخلافات الحدودية، ويطرح هذا الخيار ضرورة الاقتراب من روسيا حتى لا تتحول لـ "رديف للصين" لان واشنطن تدرك أن معيار التقارب الروسي الصيني قائم على "درء المخاطر" وليس "تحقيق المصالح" ، وهو ما يوحد الأهداف الصينية الروسية على الأقل في شرق آسيا والمحيط الهادئ في الوقت الحالي، فالصين تشعر أن أمريكا تعمل وفق منهجية متكاملة لإضعافها، خاصة بعد أن باع الرئيس ترامب أسلحة لتايوان تزيد على 2.3 مليار دولار، وتنظر بكين بعين الريبة للتدخلات الأمريكية في هونج كونج، لذلك دائماً ما تشير الصين إلى عدم التزام واشنطن عمليًا بسياسة" الصين واحدة " التي تعتبر تايوان وهونج كونغ أراضي صينية، وربما هذا ما أشار إليه «الكتاب الأبيض» الصيني حول الدفاع الذي نشرته بكين العام الماضي، الأمر نفسه في روسيا التي ترى أنها مستهدفة من الاستراتيجية الأمريكية من خلال نشر منظومة الصواريخ الأمريكية "ثاد" في كوريا الجنوبية، وتقييم موسكو أن عمل هذه المنظومة يتجاوز أراضي كوريا الجنوبية ليكشف جزءاً من أراضي شرق روسيا لامريكا، لكن هذا الخيار ليس سهلاً كما يتوقع الامريكيون فالتقارب بين الرئيس شي جين بينج والرئيس بوتن غير مسبوق، وشهدت العلاقات بين روسيا والصين تطور نوعي عام 2019م، حيث لأول مرة في التاريخ تقوم "قاذفات صينية وروسية" بدوريات مشتركة بعيدة المدى، حيث قام الجيش الروسي والصيني في 23 سبتمبر الماضي، بأول طلعات مشتركة بطائرات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وطارت القاذفات الصينية والروسية 11 ساعة قطعت خلالها 9 آلاف كيلومترًا، وهو ما يؤكد أن حقائق جديدة على الأرض بدأت تتشكل لبناء تحالف صيني روسي " الناتو الآسيوي " في مواجهة أمريكا.

إفشال مخطط " الطريق والحرير " حيث تتحدث واشنطن و حلفاء غربيون أن هدف هذا الطريق هو السيطرة على العالم من خلال نظرية " السيطرة بالديون " الصينية ، و تقوم على تصريف الصين جزء من إحتياطياتها لدول لن تستطيع دفع تكاليف مشروعات البنية التحتية التي تقترضها من الصين.

"خيار كارتر " القائم على إحتواء الصين وهي السياسة التي جاءت بثمار كبيرة عام 1979م، عندما استخدم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر استراتيجية لاحتواء الصين قامت على محورين، الأول تشجيع انفتاح الصين على العالم الخارجي دعم الاقتصاد الصيني ،والمحور الثاني تشجيع الصين على احترام حقوق الإنسان "بالتدريج" وليس بخلق المشكلات العلنية، ويفخر الرئيس كارتر بأنه نجح في هذا الملف مع الصينيين مع خلال "القنوات الدبلوماسية الخلفية" وبمناسبة مرور 40 عامًا على العلاقات الصينية ـ الأمريكية أرسل كارتر رسالة للرئيس ترامب تدعو للتركيز على البنية التحتية وليس الحروب، وأن واشنطن يمكنها التعاون مع الصين في إفريقيا وليس التنافس معها.

هناك من يرى أن أفضل وسيلة لمواجهة التهديدات الصينية للأمن الأمريكي ولحلفاء واشنطن في آسيا هو سياسة " الاستدارة شرقًا" التي بدأت 2012مع أوباما ، والتي تقوم على تعزيز النفوذ السياسي والإقتصادي والعسكري الأمريكي حتى لا ترتمي هذه الدول في أحضان الصين.

"خيار ترامب " القائم على إضعاف الاقتصاد الصيني، ونجحت هذه الاستراتيجية في تراجع معدلات النمو في السنوات الأخيرة لتصل إلى 6.9% عام 2018م، وهو أقل معدل للنمو الصيني منذ عام 1990م.

الفصل في الاستراتيجية الأمريكية بين روسيا والصين، فالاقتراب من روسيا بات ضروريًا الآن لمواجهة الصين في نظر الكثير من الجمهوريين، لكن سياسات الديمقراطيين خاصة نانسي بيلوسي وآدم شيف يعارضون ذلك.

تعزيز القيادة الأمريكية يحتاج أن يكون بجانبها حلف الناتو والإتحاد الأوروبي، لذلك على واشنطن حل خلافاتها مع الناتو والإتحاد الأوروبي، وأن بقاء القيادة الأمريكية للعالم يرتبط ببقاء الإتحاد الأوروبي وقوة حلف الناتو .

يالطا والقيادة الجماعية

أحد أهم السيناريوهات التي جري الحديث عنها في 23 يناير الماضي هو عقد قمة تضم زعماء الدول الخمس النووية دائمة العضوية في مجلس الأمن استجابة لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لوضع "أسس جديدة" لقيادة العالم لتجنب مآسي الحروب والتوتر والصراعات في الشرق الأوسط،و شرق وجنوب شرق أسيا والقطب الشمالي وأمريكا اللاتينية، والهدف من هذا السيناريو لو حدث أمرين، هو إعلان وفاة قيادة القطب الواحد للعالم، وتدشين سياسة جديدة تقوم على عالم " متعدد القطبية " وستكون هذه القمة أول قمة من نوعها لهذا الغرض منذ الحرب العالمية الثانية والتي يمكن وصفها بـ " يالطا ما بعد الكورونا " كإشارة للقمة التاريخية التي عقدت في مدينة يالطا الأوكرانية على البحر الأسود في فبراير 1945م،وقسمت النفوذ في العالم بعد الحرب العالمية الثانية بين الزعماء الثلاثة الكبار في ذلك الوقت، وهم الزعيم السوفييتي ستالين، والرئيس الأمريكي روزفيلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ويمكن للتعددية القطبية الجديدة أن تشكل بداية مرحلة خاصة أن عالم ما بعد يالطا حافظ على السلام الدولي لفترة تزيد عن 75 عامًا ، فموسكو تعتبر أن القيادة الأحادية جلبت المتاعب ولم تقدم حلولاً حقيقة، فيما ترى الصين أن العالم بالفعل ينتقل من القيادة الفردية لأمريكا إلى "عالم متعددالأقطاب" في إشارة لقوى جديدة مثل البرازيل والهند واليابان وجنوب إفريقيا وغيرها، وتستشهد الآراء الصينية بالانسحاب الأمريكي من بعض المناطق مثل حديث ترامب بأنه يعمل على إنهاء حروب الشرق الأوسط،وتحذير فرنسا لأمريكا من تركها بمفردها تحارب الإرهابيين في منطقة الساحل والصحراء، والخلافات الكثيرة بين واشنطن ودول "الناتو" حول الإنفاق، وحتى بعض الأوروبيين يعتقدون أن مركز وثقل العالم "يتجه شرقًا " وأن مجموع الناتج القومي للصين والهند واليابان يفوق الناتج الأمريكي.

أحزاب الخضر ومستقبل الأرض

نجحت أحزاب الخضر في تحقيق نتائج تاريخية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في 25 و26 مايو الماضي، وأبرز وباء كورونا أهمية الدور الكبير التي يمكن أن تقوم به هذه الأحزاب، وتشير كل المؤشرات أن الرابح الأكبر من أزمة كورنا سياسيًا في أوروبا هي أحزاب الخضر بعد أن تأكد الجميع أن مستقبل الأرض يجب أن يوضع على الطاولة السياسية للبشرية الفترة القادمة

مجلة آراء حول الخليج